هل كان للمرأة قبل التاريخ ردفان كبيرا الحجم، يأتيان مكوزين بشكل صنوبري؟ هل كان لديها مؤخرة جريئة تتقوّس في وجهنا مثل فطيرة بالتفاح؟ هل كان لديها ردفان مثل التخشيبة أو الكوخ؟ هذا ما لا يمكن أن نتأكد منه من خلال الهيكل العظمي، لكن يبدو أن المرأة ذات الردفين الكبيرين أصبحت جزءاً من تاريخ بدايات البشرية.
هذه الطرح جاء في كتاب "موجز تاريخ الأرداف" لجان ليك هينيج، والذي قدم بصيغة أدبية فلسفية تأريخاً مختصراً لهذه المنطقة من الجسد. ما لفت نظري في الكتاب قبل مطالعته كان مفردة " تاريخ" في العنوان: هل لهذا الجزء من جسد الإنسان تاريخ فعلاً؟
إنه الجزء الأكثر وحشية وغموضاً وتكتماً، يُذكر أحياناً للمدح والغزل وأحياناً للتحقير والذم، في كل الأحوال يكون هناك مواربة وتمويه في ذكره كأنه مصيبة أو تهمة، رغم ذلك يأخذ مساحة لا بأس بها في خيالاتنا ولغة تعاملنا اليومي، العادي والحميمي. المهم، لم أكتف بهذا الكتاب، وأخذت أبحث عن هذا الموضوع بشكل أوسع، وجدت الكثير من كتب التراث، وأكثر من كتاب مترجم، مثل كتاب "بوصلة المتعة" لديفيد ليندن، وكتاب "حرب الأرداف" للكاتب إرفين كوفمان، وكلهم مصابون بنفس الهوس: الهوس بالأرداف.
وسط البحث والتنقيب، كنت أقرأ مقالاً على أحد المواقع الإلكترونية، تحديداً عند هذا الجزء: "هناك حرب ضروس تشن ضدّ مؤخرتك"، ولا أظن أن القصد هنا وصف المؤخرة المجازي كما صرّح بها جورج كلينتون: "عندما تحرّر عقلك ستتحرّر مؤخرتك"، حين ظهر أمامي -فوق المقال- إعلان جانبي عن " أندر بوش أب لتكبير المؤخرة"، وللتأكيد قالوا إنه للنساء، وأنه مقاس موحّد، ومبطن من الداخل بالإسفنج ومناسب جداً لبناطيل الجينز منخفضة الوسط، والفساتين المصنوعة من الأقمشة الخفيفة.
إنه الجزء الأكثر وحشية وغموضاً وتكتماً، يُذكر أحياناً للمدح والغزل وأحياناً للتحقير والذم، في كل الأحوال يكون هناك مواربة وتمويه في ذكره كأنه مصيبة أو تهمة، رغم ذلك يأخذ مساحة لا بأس بها في خيالاتنا ولغة تعاملنا اليومي
كان الإعلان يصدر صوتاً وحركة (حاجات مدوّرة كده بتنوّر) ويقول: "افتحيني افتحيني"، ففتحته بسرعة طبعاً (أنا شاطرة جداً في الحاجات دي) ويا ليتني لم أفعل، لقد انهمرت عليَّ إعلانات مماثلة في كل مكان: تمارين لتكبير المؤخرة وتدويرها بالصور (يا سيدي مش عاوزين)، طب تكبير المؤخرة بحقن الدهون الذاتية (متشكرين يا عم الحاج)، سروال داخلي مبطن لتعزيز المؤخرة للنساء ب 225 جنية (يا بلاش والله). لم يقتصر الأمر على التكبير، يبدو أنهم وجدوني غير مهتمة وأقدّم بلاغات على أن الإعلان مزعج ومتكرّر، لتظهر لي إعلانات عن شدّ المؤخرة بالطريقة الكولومبية مقابل الطريقة البرازيلية!
الجدير بالذكر أن الإعلان الذي كان به "حاجات مكوّرة بتنوّر" بعد أن فتحته، وجدت أن المنتج غير متوفّر حالياً، ولا أحد يعرف متى سيتوفر مرة أخرى... تباً، لقد كان فخّاً، جُرجرت إليه كالعبيطة. لا حول ولا قوة إلا بالله، يبدو أن الموضوع حقيقي، هناك حربٌ تشنّ على المؤخرة، لا أعرف من يشنّها، لكنها تُشنّ وخلاص، ويجب أن أحترس.
لو قابلتك حاجات مدورة بتنوّر، أوعى تفتحها
هذه الإعلانات والكتب جعلتني أتساءل: لماذا هذا الهوس بتكبير المؤخرة لدى النساء؟ بالمقابل الأمر ليس مهماً بالنسبة للرجال، فلم أسمع أن رجلاً قام بتكبير مؤخرته (أقصد ضمن المحيط الذي أعيش فيه)، يفضل الرجل العادي امرأته بمؤخرة " مقلبظة" نوعاً ما، بصرف النظر عن حجم مؤخرته هو أو شكل جسده، فهو ليس مُطالباً بشيء، كما أنَّه معروف في قريتي أن العائلات التي تمتلك نساؤها مؤخرات كبيرة هي عائلات ولاَّدة عادةً، لأن المؤخرة الكبيرة تنبئ بصحة قوية للمرأة وقدرة عالية على الإنجاب.
كان العرب قديماً- وبعضهم لا يزال- يرفعون شعار "زينة الرجل النَّحر وزينة المرأة اللَّحم"، يفضلون المرأة "القلبوظة" الناعمة، التي يرتجّ بدنها وأردافها عند مشيتها، ويا سعد الرجل في الارتباط بامرأة هكذا، سمينة ممتلئة الذراعين والساقين، تمتلك وركين عظيمين وعجيزة ثقيلة، وكعباً غامضاً قد واراه اللحم. هي أفضل عندهم من امرأة نحيفة، ضامرة الخصر وناشفة الأرداف، لأن الشحم يذهب بالعيوب ويحسّنها، كما كانوا يظنّون.
نجد ذلك في "الطبقات"، في قول ابن سعد: "أخبرنا هشام بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: كانت ضباعة بنت عامر من أجمل نساء العرب، وأعظمهن خلقاً. وكانت إذا جلست أخذت من الأرض شيئا كثيراً، فذُكر جمالها للنبي فخطبها. فقيل للنبي إنها قد كبرت، فسكت عنها"، وفي كتاب "تحفة العروس"، قال خالد بن صفوان: "خير النساء التي خمُص بطنها، وعظمت عجِيزتها، وملأت حضن مُعانقها". وبالتالي نجد أن المؤخرة لا تلعب دوراً واحداً بل عدة أدوار، تعتمد جميعها على السياق الذي تدخل فيه وطريقة النظر إليها وأسلوب تناولها.
الموضوع المكوّر طلع له تاريخ
لهذا الموضوع المكوّر جذور تاريخية تبدأ من عند لوسي (اسم لهيكل عظمي يعود لأنثى، عمره 3.2 مليون سنة) الأنثى التي حملت أول الأرداف في العالم، إلا أنها لم يكن لها عجيزة عرضية، والسبب أنها كانت تتسلق الأشجار لتأمين الأكل والنوم والهرب من الحيوانات المفترسة، وبشكل طبيعي كانت تُدخِل فخذيها وتبلعهما حتى تتمكن من التسلّق، وعندما تنزل على الأرض، كانت تتنقل على رجليها، الأمر الذي كان يسهّله حوضها القصير وعظم فخذها المنحرف.
وقد ظهرت الأرداف بالأساس عندما خطر على بال الإنسان أن يقف على قوائمه الخلفية، فهي تشكل مرحلة أساسية من تطوّره، إذ إن عضلات الأرداف كبرت بشكل هائل. هذا، ومن الواضح أنه مرّ وقت طويل قبل الانتقال من مؤخرة مغطاة بالشعر وغير ظاهرة، إلى مؤخرة ناعمة وملساء كما نحبها اليوم.
الجنس البشري هو الفصيلة الوحيدة التي تملك الأنثى منها أردافاً في جميع أنحاء جسدها، كل تلك الأشياء مكوّرة ومستديرة أيضاً
وذكر جان ليك هينيج، الكاتب الفرنسي، أن الجنس البشري هو الفصيلة الوحيدة التي تملك الأنثى منها أردافاً في جميع أنحاء جسدها، ذلك أن لديها مؤخرة مستديرة ونهدين مستديرين، وتمتلك فخذين، كتفين، وركبتين، وخدين ممتلئين، كل تلك الأشياء مكوّرة ومستديرة أيضاً، وقد سبق لألفريد بيني-الذي مات سنة 1911- أن لاحظ أن مورفولوجيا الورك عند الرجل يغلب عليها النسيج العضلي، على خلاف أوراك المرأة التي يكونها نسيج هام من الشحوم. وسبب ذلك أن الشحم عند الرجال يغلف الأعضاء المركزية مثل القلب والكبد، عكس الشحم عند النساء، حيث يتركز حول الجلد، وبالأخص حول الخاصرتين والفخذين.
كما نجد أن الموروث الثقافي المبجّل للمؤخرة السمينة قد تناقلته البشرية جيلاً بعد جيل ورسّخت له؛ والذي جعل من النساء في فرنسا-بداية الجمهورية الثالثة- تلجأ إلى التنانير المنفوخة أو الفضفاضة التي من شأنها أن ترفع مؤخرتها فيما يسمى "التنورة المسلَّكة" مع ذلك كانت أقرب للوزة الضخمة من امرأة مثيرة وجذابة في أعين الرجال.
يظهر ذلك أيضاً، مروراً برقصة أُطلق عليها رقصة "المروحة" وهي رقصة الأرداف في السنغال-فترة الثمانينيات تحديداً- يكفي أن تنحني المرأة وتستند إلى الركبتين المثنيتين ثم ترفع رأسها قليلاً وتقوس ظهرها وهي تتبع إيقاع الطبل، وتحرك فقط خاصرتها وعجيزتها بشكل متقطع مثل دوران المروحة، وصولاً إلى موريتانيا، حيث يوجد " تزغيط البنات" أو باللغة المحلية لهم "لَبْلُوح" والذي تلجأ فيه الأسر إلى إطعام الفتيات وتسمينهن بالإجبار؛ ليصبحن أكثر إثارة ويتمتعن بمؤخرة جذابة.
قبل التاريخ، كانت هند رستم
قبل كل أولئك المتبجّحات بمؤخراتهن، كانت هند رستم، التي لم ولن توجد على وجه الأرض مؤخرة تنافس مؤخرتها في حجمها واستدارتها وجمالها الطبيعي الأخاذ، بل يمكن استخدامها كمعيار يُقاس عليه جمال مؤخرة الأخريات حتى قيام الساعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...