شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل تسقط معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل على محور فيلادلفيا؟

هل تسقط معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل على محور فيلادلفيا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 3 فبراير 202406:24 م

مع تصاعد التوتر بين القاهرة وتل أبيب، خلال الشهرين الماضيين، على خلفية المطالب الإسرائيلية بالسيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي بين سيناء وقطاع غزة، والرفض المصري القاطع للأمر، يرى خبراء أنَّ الخيارات الإسرائيلية محدودة في هذا الشأن، خاصةً أنَّ أيَّ تحرك سيهدد بشكلٍ مباشر اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، فيما تراقب القاهرة التطورات بحذر.

يوم الخميس 1 شباط/ فبراير الجاري، نقلت فضائية "القاهرة الإخبارية" شبه الرسمية، عن مصدر أمني رفيع لم تُسمِّه، نفيه "ما تم تداوله حول اقتراب التوصل مع إسرائيل إلى اتفاق حول رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، أو تركيب أي وسائل تكنولوجية فيه"، مؤكداً عدم وجود "أي ترتيبات أمنية جديدة" في المنطقة، وذلك رداً على تقارير إعلامية إسرائيلية زعمت اقتراب البلدين من التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات الحدودية مع القطاع.

وبدأ الجدل بشأن المحور الحدودي الذي يفصل قطاع غزة عن شبه جزيرة سيناء، في نهاية العام الماضي، عندما ألمح مسؤولون إسرائيليون إلى نيتهم السيطرة على الشريط الحدودي، وهو ما يخالف اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين.

فمع انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة عام 2005، وقّعت تل أبيب والقاهرة "اتفاق فيلادلفيا"، كملحق أمني لمعاهدة السلام، لتنسيق انتشار القوات على جانبي الحدود بعد انتهاء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع. وسمح الاتفاق لمصر بنشر 750 جندياً من قوات حرس الحدود لـ"مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والكشف عن الأنفاق". ويحظر هذا الاتفاق وجود قوات إسرائيلية على الجانب الفلسطيني من الحدود.

ومنذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، يبدي البلدان تمسكاً راسخاً بها. ورفضت مصر طوال سنوات الصراع ومنذ توقيع الاتفاقية، التفكير حتى في مراجعتها، واقتصر التصعيد الدبلوماسي المصري ضد إسرائيل على قرار سحب السفير للتشاور، وهو ما حدث عام 1982 عند اجتياح لبنان، وخلال الانتفاضة الثانية عام 2002، ومرتين أخريين بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011؛ مرةً بسبب مقتل جنود مصريين على الحدود عام 2011، ومرةً بسبب عدوان 2012 على قطاع غزة.

جاءت تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لتؤكد أنَّ قضية السيطرة الإسرائيلية على المحور تمثل المرحلة الأخيرة من سيناريو الحرب على قطاع غزة

ولكن على الرغم من ذلك، جاءت تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لتؤكد أنَّ قضية السيطرة الإسرائيلية على المحور تمثل المرحلة الأخيرة من سيناريو الحرب على قطاع غزة، حينما أشار إلى أن محور فيلادلفيا يجب أن يكون في أيدي الإسرائيليين وتحت سيطرتهم، ويجب إغلاقه، وهو ما يعتقد الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور بشير عبد الفتاح، أنه "سيدفع بالبلدين إلى نقطة الصفر مجدداً، بعد سنوات من السلام الحذر".

وفي تصريحات لرصيف22، يرى عبد الفتاح أنَّ أيَّ تصرف أحادي من إسرائيل يخالف شروط بروتوكول فيلادلفيا لعام 2005، سيؤدي إلى إسقاط شراكتها في اتفاقية السلام، وسيجعل منطقة الشرق الأوسط مشتعلةً إلى أبعد مدى، وقد يفتح الباب نحو الحرب الإقليمية الشاملة.

تريّث مصري وصمت دبلوماسي

يتريث المصريون في موقفهم الرسمي إلى أبعد مدى، بشأن التعامل مع الرغبات والمطالب الإسرائيلية بالسيطرة على محور فيلادلفيا. فبينما أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى مساعٍ إسرائيلية بوساطة أمريكية، للتوصل إلى تفاهمات مشتركة مع مصر للتعامل مع الأنفاق على طول شبه جزيرة سيناء ومحور فيلادلفيا، نفت القاهرة وجود أيّ تدابير أمنية جديدة على المحور، فيما ذكر التلفزيون الإسرائيلي أن القاهرة رفضت طلباً إسرائيلياً بأن تتولى تل أبيب تأمين المحور الحدودي.

وبالرغم من خطورة التصريحات والتحركات والمساعي التي قامت بها إسرائيل، وعبّرت عنها بشكل واضح أكثر من مرة، فإن الخارجية المصرية لم تصدر أيَّ بيان في هذا الشأن، كما رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وفق ما قالت القناة 13 الإسرائيلية، تلقّي اتصال هاتفي من نتنياهو.

واكتفت مصر بـبيان أصدرته الهيئة العامة للاستعلامات على لسان رئيسها ضياء رشوان، أشار فيه إلى أنَّ "إمعان إسرائيل في تسويق أكاذيب تهريب السلاح من مصر إلى غزة، هو محاولة منها لخلق شرعية لسعيها لاحتلال ممر فيلادلفيا على طول الحدود مع مصر، بمخالفة الاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية الموقعة".

وقال رشوان إن "الإدارة المصرية قضت خلال سبع سنوات -في الفترة ما بين 2013 إلى 2020- على كل الأنفاق في المنطقة الحدودية بين مصر وفلسطين بشكل نهائي، كما بَنَت منطقةً عازلةً بطول 5 كيلومترات من مدينة رفح المصرية وحتى الحدود مع غزة، بعدما تم تدمير أكثر من 1،500 نفق في المنطقة الحدودية".

ودعا بيان الهيئة تل أبيب لإجراء تحقيقات داخلية جادة للبحث عن المتورطين الحقيقيين في تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، موضحةً أنَّ "أيَّ تحرك إسرائيلي في اتجاه احتلال المحور سيؤدي إلى تهديد خطير وجدّي للعلاقات المصرية-الإسرائيلية"، كما أوضح البيان أن المساس بممر فيلادلفيا الحدودي خط أحمر جديد، يضاف إلى رفض مصر القاطع لتهجير الفلسطينيين قسراً أو طوعاً إلى سيناء.

إلى ذلك، قال موقع أكسيوس الأمريكي، إن رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي رونين بار، التقى مؤخراً برئيس المخابرات المصرية عباس كامل، في القاهرة، ولم يتضمن النقاش بين الجانبين ملف الرهائن في قطاع غزة، وإنما تعلّق برغبة إسرائيل في توسيع عمليتها العسكرية في رفح الفلسطينية، وسبل العمل المشترك بين مصر وإسرائيل لمنع تهريب الأسلحة إلى القطاع.

ولفت التقرير إلى أنَّ الرغبة الإسرائيلية في احتلال ممر فيلادلفيا الحدودي تواجهها تخوفات مصرية، إذ تخشى مصر أن يؤدي توسيع العمليات العسكرية على الحدود المصرية الفلسطينية إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى سيناء، وهو السيناريو الذي رفضته مصر في سياقات مختلفة متعددة، محذرةً من أن ينتهي تنفيذ هذا التصور إلى قطع علاقتها مع إسرائيل.

سيناريوهات خطرة ومكلفة

ورداً على تصريحات نتنياهو بشأن ضرورة السيطرة على المحور الحدودي، أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، رفض بلاده إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في الأهرام، الدكتور محمد السعيد إدريس، خبير النظم الإقليمية والعلاقات الدولية الإقليمية المقارنة، إن الخطوات الإسرائيلية هذه تشكل تهديداً لاتفاقية السلام "التي رعتها الولايات المتحدة وتسعى إلى الحفاظ عليها دون مشكلات".

يرى الباحث في شؤون الأمن القومي المصري إبراهيم خلف، أن مصر تملك خيارات تصعيديةً متعددةً إذا ما أقدمت إسرائيل على السيطرة على المحور بشكل أحادي.

ويشير إدريس، في حديثه إلى رصيف22، إلى أن "ملحق 2005 الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من معاهدة السلام، يحدد نوعية القوات الموجودة في تلك المنطقة وسلاحها ومهامها، مشترطاً تواجد الأسلحة الخفيفة فقط، وتالياً فإن المساعي الإسرائيلية الحالية للسيطرة على المحور، في ظل مزاعم عمليات التهريب، تعني إدخال أسلحة ومعدات اسرائيلية ثقيلة لم تكن موجودةً في هذا الاتفاق، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع، وتعارضه أمريكا لأنه سوف يدفع نحو فشل عملية السلام بين إسرائيل وباقي دول المنطقة".

ويرى إدريس أنَّ هذه الخطوة الإسرائيلية إذا تمت فستهدد اتفاق السلام، ويرى كذلك أنَّ الرد المصري "سيرتبط بمدى توفر الإرادة المصرية للتخلي عن المعاهدة بعد أن تضرب بها إسرائيل عرض الحائط".

ويشير الخبير الإستراتيجي أخيراً، إلى رد الفعل الأمريكي الضاغط لمنع احتلال قطاع غزة أو المنطقة الحدودية من جديد، خاصةً أن ذلك قد يؤدي إلى سيناريوهات مكلفة وخطرة على صعيد الأمن الدولي، وقد تصل تداعياتها إلى البحر الأحمر، والعراق في الشمال، وهو ما يجبر إسرائيل على استمرار التنسيق مع مصر وعدم الصدام معها في أي ترتيبات مقترحة، حتى وإن رفضت القاهرة غالبية هذه المقترحات، وتعاملت معها بصورة حاسمة.

من جهته، يرى الباحث في شؤون الأمن القومي المصري إبراهيم خلف، أن مصر تملك خيارات تصعيديةً متعددةً إذا ما أقدمت إسرائيل على السيطرة على المحور بشكل أحادي، على رأسها تجميد الاتصالات الأمنية والسياسية بصورة تدريجية وصولاً إلى حالة القطيعة، وهو ما لم تلوّح به القاهرة حتى منذ بدء العدوان الإسرائيلي، أسوةً بدول اتخذت خطوات تصعيدية دبلوماسياً ضد إسرائيل، مثل الأردن والبحرين وبوليفيا وكولومبيا وغيرها.

وفي هذا الصدد، يشير خلف إلى دور الوساطة الذي تلعبه مصر في المفاوضات بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية، خاصةً على صعيد الترتيبات والتنسيقات الأمنية "حيث تسعى مصر دوماً إلى تقريب وجهات النظر والتهدئة بين الطرفين، إلا أن هذا الأداء قد يتغير إذا ما ذهبت إسرائيل إلى إجراءات أمنية أحادية عند المحور، فقد توقف القاهرة ما تقوم به، وهو ما سوف يدفع بحركة حماس للتصعيد، ورفض كل المقترحات الراهنة بتبادل تدريجي للأسرى، أملاً في الوصول إلى هدنة طويلة تفضي إلى وقف إطلاق النار"، وفق رأيه.

خلال السنوات الأخيرة، وقبل اندلاع الحرب في غزة، لم تكن العلاقات المصرية الإسرائيلية "أقوى مما هي عليه الآن"، وفق تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. ولكنَّ المساعي الإسرائيلية لفرض واقع جديد على الحدود، في ظل فشلها في تحقيق انتصار عسكري أو سياسي في قطاع غزة، تُبقي المنطقة في مهب الريح، فيما ينذر إقدام إسرائيل المحتمل على أي إجراء عسكري أحادي في رفح، بعواقب تبدو أدناها وخيمةً بالنسبة لمن يتخوفون من اتساع نطاق الأزمة الإقليمية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image