شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"لمّا رقصت دليلة"... انتصر حلم الـ"مرح" بعد حين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 2 فبراير 202404:45 م


حلم تأجل 11 عاماً. خطوته الأولى كانت في أواخر العام 2010، وقتذاك كان الناشط السياسي والباحث المتخصص في عالم الأرشيف خالد عبد الحميد قد عقد العزم على تنفيذ حلمه القديم بترك كل ما انشغل به طوال سني حياته، لتحقيق حلمه القديم بافتتاح دار نشر تختص بإصدار كتب للأطفال حصرًا. اتفق مع أصدقاء له وبدأوا تنفيذ الإجراءات القانونية واستأجروا مقرًا. لكن حلمًا أكبر عمل لأجله طوال تلك السنوات التي أراد تركها وراءه، كان يتشكل: حلم الثورة على الفساد والقمع وفتح الطريق إلى مصر أخرى أكثر عدالة. جاءت 25 يناير فترك خالد الحلم الأصغر، بعدما بدا الحلم الأكبر على وشك التحقق.

سارت سنوات الثورة كما أُريد لها أن تسير، لا كما أراد هو وشركاء الحلم، ومضت الحياة بكل تقلباتها السياسية والشخصية إلى أن جاء العام 2020 وضرب العالم فيروس كورونا المستجد ليفرض على الجميع بمن فيهم عبد الحميد إيقاعًا جديدًا للحياة، واستذكار يكاد يكون إجبارياً للأحلام والنشاطات القديمة.

سارت سنوات الثورة كما أُريد لها أن تسير، لا كما أراد هو وشركاء الحلم، ومضت الحياة بكل تقلباتها السياسية والشخصية إلى أن جاء العام 2020 وضرب العالم فيروس كورونا المستجد ليفرض على الجميع بمن فيهم عبد الحميد إيقاعًا جديدًا للحياة، واستذكار يكاد يكون إجبارياً للأحلام والنشاطات القديمة

طوال أشهر الإغلاق للمساحات العامة واستجابة العديد من الشركات والأعمال، بما فيها المركز البحثي الذي كان يعمل فيه لقرارات العمل من المنزل، وجد خالد وقتًا ليمارس هوايته الأثيرة في البحث في أرشيف المجلات والصحف القديمة، ولأن تلك الهواية اجتذبت كثيرين جدًا إذ غدت القراءة والبكاء على أطلال النوستالجيا نشاطين رائجين في صفوف المضطرين للبقاء بين جدران البيوت، نشطت في مصر مجموعات كثيرة على فيسبوك تعتمد على بيع المجلات والكتب القديمة، وإن كنت من مرتاديها إذ ذاك فكنت ستجد خالد عبد الحميد أحد أبرز المتسابقين على حجز وشراء مجلات الأطفال المصرية القديمة المميزة، بدءًا من سندباد التي أصدرها الفنان الكبير الراحل حسين بيكار وضمت من غدوا لاحقًا أبرز كتاب وشعراء ورسامي مصر، وسمير وكابتن سمير والعربي الصغير.

ما لم يعرفه خالد نفسه وقتذاك، أن تلك هي الإشارة لاستعادة الحلم القديم، انطلقت شرارات الأفكار في عقله لتضع خطط ومحددات الكتب التي ستصدر بعد أشهر قليلة مع بدء العمل على إنشاء دار "مرح" لكتب الأطفال، نفس الاسم الذي ألح على عقله عندما كان بصدد تحقيق الحلم في المرة الأولى.

 من هذا الغوص العميق في أرشيف مجلات الأطفال المصرية ولدت سلسلة "حلاوة زمان" التي شكلت مع البداية عماد إصدارات دار مرح مع بدايتها في أواخر 2021

بين صفحات الأرشيف

يحكي خالد عبد الحميد لرصيف22: "مجلاتنا القديمة مليانة كنوز" تلمع عيناه انبهارًا ويواصل: "مجلة سندباد مثلاً كانت بتنشر رسائل القراء، تلاميذ المدارس اللي كانوا بيراسلوها منهم ناس أصبحوا وزراء وقادة رأي وفنانين كبار، تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي والإبداعي لعشرات السنين ممكن تتبع جذوره لأعداد مجلة سندباد".

من تلك المجلات استخرج عبد الحميد كتابات كبار الشعراء والكتاب المصريين التي كتبوها خصيصًا للأطفال، بعضهم لم يُعرف عنهم على نطاق واسع أنهم كتبوا ورسموا للأطفال، من هذا الغوص العميق في أرشيف مجلات الأطفال المصرية ولدت سلسلة "حلاوة زمان" التي شكلت مع البداية عماد إصدارات دار مرح مع بدايتها في أواخر 2021.

"السلسلة دي بنتي وشغفي الخاص، باختار الكتابات فيها بنفسي وأتواصل مع أسر الكتاب الراحلين للحصول إذنهم بإعادة نشر القصص والقصص الشعرية اللي نشرها آباءهم في مجلات زي سمير وسندباد والعربي الصغير. مثلاً كنت سمعت من أسماء [يحيى الطاهر عبد الله] إنه والدها كتب للأطفال، لكن هي نفسها مكنش عندها أي نسخة من كتاباته دي اللي سِمعِت عنها زيى (مثلي). لكني وجدت قصته فعلاً في عدد من أعداد سمير الصادرة في 1970، قصة مذكرات أرنب الغابة، كانت القصة دي اللي رسمتها سحر عبدالله؛ أول إصدار في سلسلة حلاوة زمان"، يقول عبد الحميد، ثم يواصل: "المدهش - اللي هو مش مدهش قوي بالنسبة لي، لإني مدرك عظمة كتابنا دول- إن القصص اللي كتبت في الستينيات والسبعينيات، لما يقراها أطفال النهاردة هيلاقوها كأنها كُتبت حالاً الآن".

خلال ما يسميها "اللفة الثالثة" أي المجموعة الثالثة من الكتب الصادرة تزامناً مع الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، أصدر خالد كتاباً جديداً من سلسلة "حلاوة زمان" وهو قصة شعرية للأطفال نشرها الشاعر الراحل فؤاد حداد عبر إصدارات دار الهلال المصرية في الستينيات تحت عنوان "البوري الحكيم جدًا جدًا" وهي أيضًا من رسوم سحر عبدالله.

"ميراندا (يقصد ميراندا بشارة المؤلفة) أرادت أن تكتب قصة عن الإصرار الذي يقود للنجاح والسعادة "وهي فكرة جميلة في ذاتها ولكني رأيت فيها ترسيخاً لأفكار الخلاص الفردي، لكني ناقشتها في أن التواصل ربما تكون قيمة اقوى من الإصرار، ومن خلال المناقشة تحولت القصة لتتركز على رحلة دليلة للنجاح من خلال الدعم الذي تتبادله مع الآخرين"

مآرب أخرى

تراث كتابات الأطفال المصرية ليست محورًا وحيدًا لكتب الأطفال المنشورة عبر الدار الوليدة، فتصفح الأعمال الصادرة يكشف عن اتجاهات وأفكار كثيرة تحاول أن تدشن لصوت مختلف عن المعتاد من كتابات الأطفال التي تجمع عادة بين أهداف التعليم وإرساء القيم تحت غلاف من الإمتاع، ما يجعل مساحة التميز عادة بين كتاب ورسامي كتب الأطفال، مساحة ضيقة جدًا وتكاد تغيب.

يعلق خالد: "حقيقي، ودا هاجس موجود عندي وعند زملائي الكتاب والرسامين. في خوف من إننا منقدمش صوت مختلف وإضافة حقيقية للأطفال والأسر، لكن في إصرار على ألا نشبه غيرنا مش لأن التميز في حد ذاته هدف ومطلب، لكن لأن التميز هو ما يعني بالنسبة لنا أن هناك قيمة فيما نقدمه وسبب للاستمرار خاصة مع التحديات المالية والفنية للاستمرار في ظل الأزمة الحالية"، يقصد الأزمة الاقتصادية في مصر التي أثرت على تكلفة الطباعة والنشر من جانب، وعلى قدرة الأفراد والأسر على اقتناء الكتب من جانب آخر.

لهذا يبحث خالد وفريق عمله المحدود عن قصص مختلفة، بل تحول العمل على الكتب إلى ورش عمل مصغرة "مش بانكر إني باتدخل في صناعة الكتاب في كل المراحل، كل كتاب عبارة عن ورشة عمل بيني وبين الكاتب/ة والرسام/ة، من أول الفكرة ومسار الحدوتة ومساعدة الكتاب والرسامين على إيجاد مشتركات تخليهم مرتاحين ومبسوطين في الشغل مع بعض. وهناك كتب تحظى باهتمام شخصي زائد بها مثل كتاب "قلب سلمى" مثلاً اللي يركز على خبرة صعبة يمر بها كثير من الأطفال الآن وهي خبرة انفصال الوالدين. أغلب الكتب بتركز على تقديم نصائح للأبوين لكن أنا تحمست جداً لتقديم كتاب بيساعد الطفل نفسه على التعامل مع مشاعره ومخاوفه وبيهتم يطمنه في التجربة الصعبة جداً دي، لهذا مثلاً أصريت إنه الكتاب لا يحمل النهاية السعيدة التقليدية، بل أن يكون الكتاب قريباً من الواقع الذي يعيشه معظم الأطفال".

في قصة أخرى هي "لما رقصت دليلة" نجد دليلاً آخر على الاختلاف الذي تصر عليه مجموعة العمل، تدور القصة "المأخوذة عن شخصية حقيقية" حول طفلة مصابة بضعف السمع يمنعها من ممارسة هوايتها في رقص الباليه، يقول عبد الحميد: "ميراندا (يقصد ميراندا بشارة المؤلفة) أرادت أن تكتب قصة عن الإصرار الذي يقود للنجاح والسعادة "وهي فكرة جميلة في ذاتها ولكني رأيت فيها ترسيخاً لأفكار الخلاص الفردي، لكني ناقشتها في أن التواصل ربما تكون قيمة اقوى من الإصرار، ومن خلال المناقشة تحولت القصة لتتركز على رحلة دليلة للنجاح من خلال الدعم الذي تتبادله مع الآخرين"

هاتان القصتان تمثلان مفاتيح لفهم خريطة الطريق الذي يرسم ملامح "مرح" وكتبها الصادرة للأطفال، ومن السهل جداً اكتشاف ارتباط ذلك بشخصية مؤسسها الذي عرفت شوارع مصر هتافاته المصرَّة على الخلاص الجماعي قبل الثورة، ولسنوات قليلة بعدها، ولا يزال مصرًا على حلمه الكبير وإن ابتعد، ويسعى لتحقيقه عبر حلمه الصغير.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard