شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
سُحُب الدمار في غزَّة تخيِّم على معرض القاهرة للكتاب

سُحُب الدمار في غزَّة تخيِّم على معرض القاهرة للكتاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الثلاثاء 16 يناير 202403:54 م

وسط أزمة اقتصادية خانقة ألقت بظلالها على دورة العام الماضي، بدأت دور النشر المصرية الاستعداد للدورة الجديدة الرقم 55 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، المقرر انطلاقها في 24 يناير/ كانون الثاني الجاري. 

الملاحظ أنه على العكس من الدورات السابقة، تأخرت دور النشر في الإعلان عن إصداراتها الجديدة لمعرض الكتاب، فقد اعتادت دور النشر العاملة في مصر الإعلان عن قوائم إصداراتها الجديدة والترويج لها بدءاً من نهاية ديسمبر / كانون الأول، وصولاً إلى بدء المعرض، أما هذا العام، فلم تبدأ دور النشر الإعلان عن إصداراتها حتى انتصاف يناير/ كانون الثاني، وقد بقيت أيام قليلة على بدء الفعاليات، كما أن عدد العناوين المعلن عنها يقل كثيراً عن المعتاد، في وقت يتوزع الاهتمام العام بين الوضع الاقتصادي وموجة الغلاء الآخذة في الارتفاع في الداخل، والأوضاع على الحدود الشرقية في غزة، وهي ربما صاحبة الاثر الأكبر في تراجع عدد الإصدارات الأدبية في مصر هذا العام. 

الملاحظ أنه على العكس من الدورات السابقة، تأخرت دور النشر المصرية في الإعلان عن إصداراتها الجديدة لمعرض الكتاب، كما أن عدد العناوين المعلن عنها يقل كثيراً عن المعتاد، في وقت يتوزع الاهتمام العام بين الوضع الاقتصادي في الداخل، والأوضاع على الحدود الشرقية في غزة، وهي ربما صاحبة الاثر الأكبر في تراجع عدد الإصدارات الأدبية في مصر هذا العام

معرض القاهرة الدولي للكتاب

عنف يفوق الاحتمال

الكاتبة والروائية منصورة عز الدين تقول: "باغتتني أحداث غزة وأنا في منتصف كتابة عمل جديد. كنت في إقامة أدبية وكل الظروف مهيأة للانغماس في الكتابة، لكن العنف الوحشي تجاه المدنيين في غزة والتواطؤ الدولي على جرائم حرب لا لبس فيها، والإحساس بالألم والعجز عن مد يد العون، كل هذا أبعدني عما كنت أكتب. لم يعد ممكناً التركيز فيه، خاصةً أن الكتابة الإبداعية تتطلب الاستحواذ على كامل تركيز الكاتب. أصبحت متابعة تطورات الوضع في غزة، على رأس قائمة الأولويات".

وحينما سألتها عن مشاركتها بإصدار جديد في معرض القاهرة الدولي للكتاب قالت: "لن تصدر لي كتب جديدة بالتزامن مع معرض القاهرة للكتاب، بل إعادة طبع روايتَي "متاهة مريم" و"أخيلة الظل"، وترجمة كنت قد انتهيت منها في بداية الصيف".

أما مي التلمساني أستاذة الدراسات السينمائية بجامعة أوتاوا والكاتبة الروائية، تقول إنها لم تتوقف عن التدريس لكنها توقفت عن الكتابة. ثم تضيف أن متابعة المذابح يومياً والتفاعل على منصات السوشال ميديا والقراءة عن غزة في التاريخ الحديث والقديم والخروج في مظاهرات تطالب بوقف إطلاق النار وإنهاء الفصل العنصري والاحتلال، كلها أنشطة احتلت وقتها ولم تدع مجالاً لغيرها، بما في ذلك طقوس الحياة اليومية. "أصحو وأنام على أخبار فلسطين".  

 مي التلمساني توقفت عن الكتابة الابداعية تماماً واقتصر اهتمامها على بعض المتابعات والتعليقات ومراجعة نصوص كتبت قبل سنوات، وأيضاً التدريس بالجامعة، ولكن بلا حماس وبلا توقعات

تقول التلمساني: "توقفت مشروعات الكتابة الجديدة، والآن أعيد النظر فيها بوعي جديد. أشعر كأن حرب الإبادة الضارية التي تواجهها حركة التحرير والصمود في فلسطين قد غيّرتنا إلى غير رجعة، وعلى الكتابة الجديدة أن تكون مواكبة لحركة التغيير الكبرى هذه".

الحرب على غزة

وعن تأثرها بأحداث الحرب على غزة تقول: "توقفت عن الكتابة الابداعية تماماً واقتصر اهتمامي على بعض المتابعات والتعليقات ومراجعة نصوص كتبت قبل سنوات، وأيضاً التدريس بالجامعة، ولكن بلا حماس وبلا توقعات. الوقوف في قاعة التدريس للحديث عن مادة لا علاقة لها بفلسطين كان أكثر ثقلاً على نفسي، وكأن كل ما عداها بات بلا أهمية. وكأني أكذب على الطلاب حين أخفي عنهم حقيقة مشاعري".

وحينما سألتها عن مشاركتها بإصدار جديد في معرض القاهرة الدولي للكتاب قالت: "لي عدد من الإصدارات في معرض الكتاب هذا العام كتبت كلها قبل سنوات. بعضها أعيد نشره وبعضها نصوص ظلت حبيسة الأدراج زمناً. الحرب دفعتني للإسراع بتجميع ونشر ما لم ينشر. ربما لشعوري بضرورة مقاومة قبح العالم الآن أكثر من أي وقت مضى".

بسبب مما يشهده قطاع غزة من عدوان ومقاومة مستمرة، استعاد الكاتب إيهاب الملاح اهتمامه بقراءة "أدب المقاومة"، والذي اعتاد قراءته منذ كان طالباً، مستعيداً أسماء كتاب منهم غسان كنفاني ومحمود درويش ومريد البرغوثي ورضوى عاشور إضافة لمواد بحثية متعلقة بكتاباتهم

"الحرب تسيطر على يومي"

بينما الكاتب والناقد إيهاب الملاح يؤكد تأثره بشكل قوي بالحرب على كافة المستويات، فقد فرض موضوع الحرب نفسه على جدول يومه واهتماماته، فيقول أنه كان يعمل على سلسلة مقالات عن فكر الإصلاح والتجديد الذي يبحث في جذوره خلال الحقبة التاريخية البادئة من منتصف القرن الـ18، يقول الملاح إن "أولى ثمار هذا الانشغال هو كتاب حسن العطار ضمن سلسلة (المجددون)، وقد انتهى العمل عليه قبل بداية العدوان. إلا أن المقالات المرتبطة بنفس الموضوع توقفت لسبب من الأحداث، حيث فرض العدوان على غزة إحياء الاهتمام بالقضية الفلسطينية ووضعها على قمة جدولي اليومي".

بسبب مما يشهده قطاع غزة من عدوان ومقاومة مستمرة، استعاد الملاح اهتمامه بقراءة ما يسميه "أدب المقاومة"، والذي اعتاد قراءته منذ كان طالباً، مستعيداً أسماء كتاب منهم غسان كنفاني ومحمود درويش ومريد البرغوثي ورضوى عاشور إضافة لمواد بحثية متعلقة بكتاباتهم. يقول الملاح: "تحضر رضوى عاشور بقوة بروايتها "الطنطورية"، كذلك أعمالها النقدية الهامة، خاصة كتابها "الطريق إلى الخيمة الأخرى" الذي خصصته لدراسة أدب غسان كنفاني ويعد أهم ما كتب بالعربية عن أدب كنفاني، كذلك كتاب أدب المقاومة للناقد غالي شكري الذي يعد المرجع الأشمل والأهم والأعمق حول دراسة أدب المقاومة".

معرض القاهرة الدولي للكتاب

بتأثر من قراءاته، توقف الملاح عن كتابة سلسلة "المجددون"، وبدأ كتابة سلسلة مقالات أخرى عن أدب المقاومة ونقد المقاومة واستعراض لبعض الأعمال المهمة التي تدور في فلك تلك الفكرة. 

الاستمرار في المقاومة بالكتابة

أما مازن معروف الكاتب الفلسطيني والمحاضر بقسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة آيسلندا، فيرى أن مشاركته في المقاومة تتمثل في مقاومة التوقف عن الكتابة في مثل هذه الظروف، "أحاول أن أبقى على روتين الكتابة والعمل مثلما هو. لأن محاولة إنقاذ شيء واحد حتى لو كانت شخصية متخيلة أمر ضروري وهام في هذه الظروف". 

مازن معروف: "عدت هذه الأيام لقراءة تاريخ اليهود وتاريخ المستوطنات. ففهم السياق التاريخي يحررنا قليلاً من حالة التفجع التي تشل المرء"

كما أنه يحاول أن يتأكد من ترتيب البيت. والاطمئنان على جيرانه وقطط الحديقة حيث يشعر بأنه معني بإنقاذ تصوّر عن العالم  - عالمه الشخصي - في خضم هذه المذبحة. لكن هناك تأثيرات أخرى على سلوكه الشخصي، يقول الملاح لرصيف22، إنه مع قتل المزيد من الأطفال كل يوم، "وهم النسخة الأكثر نبلاً من مراحل الإنسان"، فإنه يجد نفسه يزداد هوساً في الترتيب وتنظيف الأشياء المحيطة به.

مازن يعمل الآن على مشروع كتاب جديد. ويلحظ أن هناك الكثير من التشتت والعنف الذي يلون ردود أفعاله، "إلا أنني بعد كل نقاش وإهانة أوجهها لشخص ما، أبرر الأمر لنفسه لاحقاً بأني كنت أدافع عن الأطفال. أطفال غرباء رأيناهم على الشاشات ويلامسون القلوب بطريقة طبيعية جداً"، يقول. 

وعما طرأ على عاداته اليومية يقول "عدت هذه الأيام لقراءة تاريخ اليهود وتاريخ المستوطنات. ففهم السياق التاريخي يحررنا قليلاً من حالة التفجع التي تشل المرء. لكنك تجدين نفسك في الليل استيقظتِ فجأة بعينين مفتوحتين وتحدقين إلى وتد من الخشب في السقف كأنك ترينه لأول مرة. نحن نعيش في عالم قد يصبح غريباً جداً عنا في أية لحظة".

 وعن أثر الحرب على علاقاته يقول معروف: "توطدت علاقتي ببعض الأشخاص. وفقدت معارف وأصدقاء دون أن أشعر بأدنى أسف عليهم. كشفت الحرب الناس كما لو أن جلودهم انسلختْ. يمكن القول إن الحرب قدمت لنا صورة أكثر وضوحاً عن العالم. لكن من الجيد أن نحظى أيضاً باهتمام بعض الغرباء. ذلك يضعني شخصياً كفلسطيني تجاه مسؤولية ثقافية وأخلاقية مما يحدث. بت أقرأ أكثر لأكون مستعداً للرد على المتعصبين والجهلة". 

رؤيته للعالم وللمشتغلين بالثقافة والفنون تغيرت كثيراً بفعل العدوان الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة، يقول مازن: "اكتشفت أن مشكلة السواد الأعظم من المفكرين لدينا ممن ناصروا القضية الفلسطينية هو اللغة الجافة والملتوية في غموضها والمستعرضة التي يكتبون بها. وهي ما جعلنا ننغلق في سردياتنا ونتسلح بالشعور بالمظلومية والانتهاك المستمر. بدلاً من تعزيز حقنا التاريخي. وانعكس ذلك في نظرتي إلى اللغة التي نكتب بها".

 وعن أعماله المقبلة وتأثرها بالحرب يقول مازن: "هناك نوفيلا بعنوان "لعنة صبي كرات الطين" ستصدر الشهر المطل عن دار هاشيت أنطوان في بيروت. كتبتها قبل عامين تقريباً وهي تحدث في فلسطين بعد مائة عام على النكبة. صدرت بالإنكليزية ضمن أنطولوجيا بعنوان (فلسطين + 100)، كما صدرت باللغة الهولندية في نهاية عام 2023. وهي تحمل سمات مما يحدث الآن في غزة".

ويختم: "ربما لن يسمع العالم صوت صراخنا الآن، ربما يصم أذانه ويغلق عينيه عما نتعرض له من قصف وتهجير وإبادة. ربما لن تتحرر فلسطين اليوم. ربما لن أراها بنفسي حرة. لكننا باقون ما بقي الصعتر والزيتون".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image