لا نعلم ما إذا كان صنّاع المسلسل الإسرائيلي "فوضى" سوف يتمهلون لإضافة أحداث اغتيال ثلاثة فلسطينيين داخل مستشفى جنين إلى سيناريو الجزء الجديد، لقد أعلنت منصة نتفلكس في نهايات الشتاء الماضي عن إنتاج جزء خامس من المسلسل الذي يدور حول وحدة "المستعربين" في الجيش الإسرائيلي؛ الجنود والضباط الذين يتخفون في هيئات عربية لتنفيذ عمليات مخابراتية وعسكرية بين صفوف الفلسطينيين، إنها فكرة تثير الرعب وتذكّر بالـ "بلطجية" أو الـ"شبيحة" الذين يندسون بين صفوف المتظاهرين في البلدان العربية.
العنصرية باسم السلام
لكن المسلسل -الذي بدأ عرضه سنة 2016- يقدّم شخصياته في شكل أبطال، أبطال يحمون إسرائيل، ولم يلبثوا أن يتحولوا تدريجياً -تحت ضغط انتقادات- إلى أبطال يحمون السلام، لكنه بالطبع سلام إسرائيلي كذلك، كما كما عليه الحال في مسلسل آخر أشهر، وهو الدراما الأمريكية "أرض الوطن" (Homeland) ذي المواسم الثمانية، والذي اشتهر بخدعة نفذها بعض رسامي الجرافيتي العرب الذين تمت الاستعانة بهم لكتابة شعارت على جدران "مخيم لاجئين متخيّل"، فكتبوا كلمات معادية تنتقد المسلسل نفسه على الجدران لتظهر في الأحداث.
لا نعلم ما إذا كان صنّاع المسلسل الإسرائيلي "فوضى" سوف يتمهلون لإضافة أحداث اغتيال ثلاثة فلسطينيين داخل مستشفى جنين إلى سيناريو الجزء الجديد، بعد أن أعلنت نتفلكس عن إنتاج جزء خامس يدور حول وحدة "المستعربين" في الجيش الإسرائيلي
كانت الحلقات الأولى الأشد "عنصرية" كما وصفها مشاهدون عرب، إنما "اعتدلت" الأحداث قليلاً فيما بعد، بيد أن "السلام" فيها ظلّ يعتمد على قتل الكثير من العرب/المسلمين، ولا يختلف مسلسل "فوضى" الإسرائيلي كثيراً عنه في محاولات "اعتداله" الأخيرة، والتي توجهت بالصراع شمالاً في اتجاه جنوب لبنان، بل ربما ستعيده الحرب على غزة إلى سيرته الأولى، خصوصاً بعد مقتل أحد منتجيه المشاركين "ماتا مائير" ضمن صفوف الاحتياط الإسرائيلي داخل القطاع، لكن "الفن" يستلهم الواقع في النهاية، وليس أفضل من اقتحام مستشفى ابن سينا في جنين لـ "إلهام" أحداث الجزء الجديد.
كأنهم في إحدى اللقطات على "بوستر" المسلسل؛ 12 جنديا في "هيئة" عربية، لثام وكوفية وحجاب على رأس إحدى الجنديات، وكرسي متحرك لزوم "التمثيل"، يُخرجون أسلحتهم بعد الدخول، ويتحركون بحذر كأنهم داخل ثكنة عسكرية لا داخل مستشفى، تظهرهم لقطات كاميرات المراقبة بوضوح لتضيف بعداً درامياً، و"ينجحون" باستخدام مسدسات كاتمة للصوت في اغتيال الشبان الفلسطينين الثلاثة فوق أسرّة العلاج، الشقيقان محمد وباسل أيمن الغيزاوي، ومحمد وليد جلامنة. في حدث وصفته الرئاسة الفلسطينية بـ "جريمة حرب" والخارجية الفلسطينية بالـ"جريمة ضد الإنسانية"، وبالطبع فإن أي الوصفين ليس إلا ذرة صغيرة من رمال الجرائم الإسرائيلية التي أهلتها للمثول أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة.
الفكر الإسرائيلي كانعكاس للفكر الاستعماري
لكن الأوصاف القانونية والتوازنات السياسية أمر آخر، أما بخصوص "البطولة" في العقل الإسرائيلي/ الغربي/ الأبيض، فهي ما يقف وراء آلاف "الأبطال" في الدراما الغربية، الذين يعودون إلى الوطن مأزومين لأن العدو "اضطرهم" إلى القتل، في ترديد واع أو غير واع لمقولات مؤسسي دولة إسرائيل في الماضي، أو مقولات "الدروع البشرية" في الحاضر.
في الدراما الأمريكية "أرض الوطن" اشتهرت خدعة نفذها بعض رسامي الجرافيتي العرب الذين تمت الاستعانة بهم لكتابة شعارت على جدران "مخيم لاجئين متخيّل"، فكتبوا كلمات معادية تنتقد المسلسل نفسه على الجدران لتظهر في الأحداث
لا يرجع منظور صناع مسلسل "فوضى" وجمهوره الإسرائيلي إلى الطبيعة الاستيطانية لإسرائيل فحسب، بل ربما كانت تلك الطبيعة نفسها انعكاساً تاريخياً للاستعمار الغربي، ما يعني أن ارتكاب جرائم الحرب والحفاظ على الادعاء الأخلاقي في الوقت نفسه هو أمر أكثر عمقاً وابتعاداً في التاريخ من وجود إسرائيل نفسها.
ففي حين يتم اتهام الغرب عادة "بازدواجية المعايير" وإرجاع تلك الازدواجية إلى صراع المصالح السياسية والاقتصادية، والنظر إلى الخطاب الغربي لحقوق الإنسان بوصفه قناعاً سرعان ما يسقط عند الحاجة، فإن الأمر يبدو في لحظات الصراع أكثر دفعاً للصدمة مما سبق، فالمعضلة "البيضاء" ربما تعود إلى اعتقاد عميق وراسخ بالتفوق الأخلاقي، وأياً كانت السياسات على الأرض، فإنها تتجاوز مسألة "الاضطرار" إلى قناعة تكاد تكون غير واعية بأن ما تفعله هو الصحيح والأخلاقي حتى لو وصل إلى إبادة جماعية تتم على الهواء.
وإذا كان من المفهوم بداهة أن الظروف المثالية للالتزام باتفاقات حماية البشر أثناء الحروب لن تكون موجودة أبداً، وأن قيمة تلك الاتفاقات هي في الالتزام بها على الرغم من التطرف الطبيعي الذي تسببه الصراعات، فيمكن فهم الصدمة التي بدت على كثيرين من أبناء "الجيل Z" أي مواليد ما بعد الألفية في الغرب، جيل التواصل الإنساني عبر منصات التواصل وعصر رفاهية "نضال" أزمات المناخ، في صراخهم "ليس باسمنا" أبعاد أخرى تقول: لقد اكتشفنا أننا أسوأ كثيراً مما نعتقد، كنا نظن أن المشكلة هي المصالح والبترول، لكن اتضح أنها أعمق من ذلك، إن الفوضى داخل العقل نفسه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين