لم يعد أنتوني هوبكنز، وقد اقترب الآن من التسعين من عمره، مشغولاً في ما يبدو بعالم السياسة، لا سيما الحروب والإبادات، على الأقل كما كان قبل عشر سنوات، حين دان العدوان الإسرائيلي على غزة في 2014 وتضامن مع الفلسطينيين.
اليوم، يبدو النجم الذي اشتهر بأحد أشهر أدوار الشر التي جمدت الدم في عروق المشاهدين - دور "هانيبال ليكتر" في فيلمي صمت الحملان (جوناثان ديم 1991) وهانيبال (ريدلي سكوت 2001) - يبدو مشغولاً أكثر بالتواصل "الطيب" مع متابعيه على منصات التواصل الاجتماعي، بالكوميديا والتقمص والرقص وعزف الموسيقى. لكن هذا ليس حال الجميع، فقد تضامن مع فلسطين هذه المرة "أشرار" آخرون من عالم الفن الهوليوودي.
مؤقتاً، يتخلى براين كوكس، بطل المسلسل الحديث الذائع الصيت "Succession" (الخلافة) الذي بثته شبكة "إتش بي أو" الأمريكية العريقة، عن شخصية الأب السيكوباتي "لوغان روي"، الذي عذّب أولاده بِطِباعَه شبه السادية وأنانيته وعدم ثقته فيهم، ويظهر هذه المرة في ثوب قارئ الشعر، على منصات التواصل. يقرأ كوكس قصيدة الشاعر والأكاديمي الفلسطيني الدكتور رفعت العرعير الذي اغتالته إسرائيل مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي في قطاع غزة، قصيدة " إذا كان لا بد أن أموت" (If I must die)، بصوتٍ شديد التفاعل والإحساس بالقصيدة، يقرأ كوكس الكلمات التي ودع بها العالم أستاذ الأدب الإنكليزي الذي قتلته إسرائيل… "إذا كان لابد أن أموت/ فلابد أن تعيش أنت/ لتروي حكايتي".
"شرّيرة" أخرى، أو تكاد أن تكون رمزاً للشر بمختلف مفاهيمه، لينا هيدي كاثرين، أو الملكة "سيرسي لانستر" في المسلسل الأشهر "صراع العروش". "سيرسي" التي لم تكن تتورّع عن خيانة زوجها الملك، خيانته مع شقيقها، أو تتورّع عن حرق المدن، و"اصطياد" المشتبه بهم كأنهم حيوانات، تظهر هنا في صيغة متضامنة بأقوى العبارات مع أطفال غزة، مرتديةً نظّارة وبشعر مرفوع، تقرأ "سيرسي": "إن تعطيل الوصول إلى التعليم له تأثير كبير على الأطفال، والصراع له تأثير مدى الحياة على صحتهم الجسدية والعقلية، ويجب النظر بشكل خاص إلى هذا الاضطراب وآثاره المؤلمة على الأطفال". في مقطع يزيد قليلاً عن دقيقتين، تشرح أن "التعرض المتكرر للصراع والعنف، بما في ذلك مشاهدة هدم المساكن، بالإضافة إلى الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ عام 2007، يرتبط بارتفاع مستويات الضيق النفسي لدى الفلسطينيين".
مؤقتاً، يتخلى براين كوكس، بطل المسلسل الحديث الذائع الصيت "Succession" (الخلافة) الذي بثته شبكة "إتش بي أو" الأمريكية العريقة، عن شخصية الأب السيكوباتي "لوغان روي"، ويظهر هذه المرة في ثوب قارئ الشعر، على منصات التواصل. يقرأ كوكس قصيدة الشاعر والأكاديمي الفلسطيني الدكتور رفعت العرعير الذي اغتالته إسرائيل
والد "سيرسي" في المسلسل نفسه، "اللورد تايون لانستر" أو النجم والتر تشارلز دانس، ليس بحاجة إلى "صراع العروش" لـ "نتذكره بالشر"، فهو ممن يقال عنهم "محصور بالأدوار الشريرة"، والسلطوية القاسية بشكل عام، وهو شر لا يبرأ منه أبنائه أنفسهم في "صراع العروش". تماماً مثل شر الأب "لوغان روي" في الخلافة. أما في السياق الفلسطيني، فيظهر تشارلز ضمن مبادرة أطلقتها "احتفالية فلسطين للأدب" (بالفست)، لقراءة جزء من الاتهامات التي وجهتها دولة جنوب أفريقيا إلى إسرائيل في الدعوى التي قدمتها الأولى أمام محكمة العدل الدولية، بوجه اختفى منه شرّ "جيم أوف ثرونز"، يقرأ اللورد لانستر: "من المهم وضع أعمال الإبادة الجماعية في السياق الأوسع لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين خلال نظام الفصل العنصري الذي دام 75 عاماً، واحتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية لمدة 56 عاماً".
تُستكمل قراءة الاتهامات بلسان "دافوس سيوورث"، من نفس المسلسل المليء بالأشرار. دافوس، الذي أدّى شخصيته "ليام كونينغهام" ليس من بين الأكثر شراً، لكنه كان - في شبابه على الأقل - أحد أخطر المهربين في الممالك السبع، بسفينته ذات الراية السوداء في الليالي المظلمة. في الفيديو يقرأ دافوس/ ليام: "إن جنوب أفريقيا تدرك تماماً أن الإبادة الجماعية التي تتهم بها إسرائيل في غزة تختلف عن بقية انتهاكات القانون الدولي التي نفذها الجيش الإسرائيلي في غزة".
مناسبة نادرة لرؤية وجه مختلف لـ"أشرار الشاشة"، كأنما شرّهم ذاك مهما تمادى لم يحتمل أفعال إسرائيل، وهي فرصة أيضاً لتبيّن مفارقة تكشفها جنسياتهم، إذ إن أنتوني هوبكنز من ويلز، ولينا هيدي بريطانية، وبراين كوكس إسكتلندي، وليام كونينغهام أيرلندي، أما ميليسا باريرا فهي مكسيكية. إنهم نجوم هوليوديون ليس فيهم أمريكي واحد، وفي ذلك فرصة أخرى للتأمل
أما الممثلة ميليسا باريرا، فإن نجاحها في تجسيد شخصية "سام كاربنتر" في الجزئين الخامس والسادس من سلسلة أفلام الإثارة الشهيرة "الصرخة"، لم يمنع الشركة المنتجة "سباي غلاس" من طرد النجمة الشابة من الجزء الجديد، لوصفها جرائم إسرائيل في غزة بـ"الإبادة الجماعية". زعمت الشركة في بيان أن "الإشارات الكاذبة" إلى الإبادة الجماعية، هي "نوع لا يمكن التسامح معه من معاداة السامية". وربما لا يمكن وصف ميليسا، أو "سام" في الفيلم الشهير، بالشخصية الشريرة، لكنها، على الأقل، ابنة قاتل متسلسل وعائلة خطيرة، ألقت بها في أتون الجريمة والمخدرات.
بالطبع، فإن هؤلاء "الأشرار" لم يكونوا وحدهم من تضامن مع الفلسطينيين، لكنهم كانوا ربما الأعلى صوتاً، باستثناءات نادرة، فنجمة "خيّرة" مثل أنجلينا جولي أعربت عن تضامنها مع أهالي غزة بعد إبداء شديد الوضوح لتعاطفها مع القتلى الإسرائيليين في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن هذا لم يمنع الهجوم عليها حتى من والدها الأوسكاري جون فويت، الذي طالما اضطربت علاقتها به على أي حال.
كانت تلك مناسبة نادرة لرؤية وجه مختلف لـ"أشرار الشاشة"، كأنما شرّهم ذاك مهما تمادى لم يحتمل أفعال إسرائيل، وهي فرصة أيضاً لتبيّن مفارقة تكشفها جنسياتهم، إذ إن أنتوني هوبكنز من ويلز، ولينا هيدي بريطانية، وبراين كوكس إسكتلندي، وليام كونينغهام أيرلندي، أما ميليسا باريرا فهي مكسيكية. إنهم نجوم هوليوديون ليس فيهم أمريكي واحد، وفي ذلك فرصة أخرى للتأمل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...