كان الإيرانيون قبل الإسلام يستخدمون نوعين من أداء القَسَم للتبرئة من تهمة ارتكاب الجرم؛ القسم الأول هو "وَرْ گَرم" ويعني بالفارسية "القسم الساخن"، والثاني هو "وَرْ سَرد" ويعني "القسم البارد".
وكانت تجري هذه الأقسام على هيئة اختبارات، حيث يضع المقسم يده أو أصابعه في النار أو في الماء أو الزيت المغلي، أو يوضع زيت مغلي أو نحاس أو رصاص منصهر على صدر المقسم، فإن لم يؤثر فيه تثبت براءته. وكان ذلك ضمن الأقسام الساخنة.
جاء في حكاية "ويس و رامين"، في كتاب الشاعر فخر الدين الجرجاني أنه حين أساء "شاه موبد" الظنَّ في زوجته "ويس" بأنها تحب أخاه "رامين"، طلب منها أن تُقسم وأن تمر من النار، لكي تمحو سوء الظن بها. فالمرور من النار كان أحد أشد أنواع القسم الساخن لدى الإيرانيين القدماء. لكن ويس هربت مع رامين قبل أن تمر من النار.
كما ينقل الشاعر الإيراني أبو القاسم الفردوسي في "الشاهنامه" أنه عندما اتَّهمت "سودابه" زوجة كيكاووس، ابنَ زوجها سياوَش، بأنه قام بخيانة والده وأبدى عشقه لها، طلب كيكاووس من ابنه أن يمر من النار كي يثبت طهارته وبراءته، ففعل ذلك وخرج سالماً مبتسماً.
يحظى هذا النوع من القسم أو الاختبار بأهمية خاصة في التقاليد القديمة في إيران، حيث جاء في أحد كتب الديانة الزرادشتية: "من تبرأ من اختبار النار فقد تبرأ إلى الأبد، ومن أدين بهذا الاختبار فسوف يدان إلى الأبد".
أما القَسَم البارد فيجري على أشكال عدة: تناول جرعة السم، العبور من الماء (النهر)، وإلقاء طرفي الصراع في الماء البارد، فمن ضاق نفَسه وأخرج رأسه من الماء أولاً، هو المدان. وهناك طريقة أخرى يتم فيها تقييد يد المتهم وقدمه ويلقى به في الماء، فإن غاص ثبتت براءته وإن بقي على سطح الماء فهو مذنب، فهذا معناه أن الماء الطاهر لم يقبله حسب معتقداتهم.
يصنَّف القَسَم من حيث الشكل إلي قسمين: الأقسام المنفردة والمنفصلة، والأقسام المركبة والجماعية التي تسمى "سوگند نامه" (كتاب القَسَم) أو "قَسَم نامه" (رسالة القَسَم)
وهناك طريقة أخرى يتم فيها شرب كمية من الماء المحتوية مادةَ الكبريت وفق طقوس خاصة، فإن لم يكن الشخص مذنباً سيخرج الماء منه بسرعة.
لا تتم مراسم القَسَم هذه دون طقوس مسبقة، فيسعى شخص وسيط بنصيحة المتهم بأن يعترف إن لم يكن مخطأ لكيلا يصل الأمر إلى القَسَم، ثم يتم منحه ليلة للتفكير في عواقب الأمر التي ستكون مدمرة بالنسبة للمذنب، وفي اليوم التالي تجري نصيحته للمرة الأخرى قبل تنفيذ المراسم، وفي المرحلة النهائية يتم تسليمه كتابَ القسم، ليقرأه ويتمعن في قواعده وأحكامه وما زال هناك أملٌ بأن يتراجع عن قراره.
وبعد أن كان القسم يستخدم لإثبات البراءة وتعيين المخطئ، تعددت أغراضه في إيران كباقي بقاع العالم. يشرح الباحث في اللغة الفارسية يحيى داود عباس في كتابه "الهوية الإيرانية" أن القسم أو اليمين يعني "سُوگَند" بالفارسية، والأخيرة تأتي مرادفة لكلمة "وَر" التي كانت مستخدمة في إيران القديمة. أما حروف القسم بالفارسية فهي الباء، مثل: "به خدا" (بالله)، والتاء، مثل: "تو را به خدا" (استحلفك الله).
تطور الحلف بمرور الوقت متأثراً بالتطورات التاريخية وبسبب التغيرات التي طرأت على الأدب الفارسي، فظهر القسم في أنواع متعددة، ويصنّف القَسَم من حيث الشكل إلي قسمين متمايزين: الأقسام المنفردة والمنفصلة، والأقَسَام المركبة والجماعية التي تسمى "سوگند نامه" (كتاب القَسَم) أو "قَسَم نامه" (رسالة القَسَم).
يذهبن إلى مقام النبي خضر، يظهرن أثداءهن ويرفعن أيديهن نحو السماء٬ ثم يستحلفن الله بحق النبي خضر وأبي الفضل العباس أن يقضي حاجاتهن.
في نهاية حكم السلالة القاجارية (1779 – 1925م)، استخدم الشعراء والكتاب أقسامَ عامة الناس في أشعارهم وكتبهم في شرحهم للواقع، بعد أن كانوا يستخدمون أقساماً أدبية. فوثق الشاعر يغما جندَقي لأول مرة قسم "أستحلفك بالإمام علي"، و"أستحلفك بالإمام الحسين" في أشعاره. أما الشاعر إيرَج ميرزا فقد أورد في ديوان أشعاره "قسماً بشاربي وشاربك"، و"قسماً بالعباس" (يعني أبا الفضل العباس بن علي ابن أبي طالب الذي قتل في معركة كربلاء سنة 61 للهجرة).
واستخدم الشاعر الإيراني الشهير عارف القزويني مفردة "أقسم بجرأة"، وكتب الشاعر محمد تقي بهار "قسماً بالنبي، وبالقرآن، وبرأس جدّي". أما الروائي صادق هدايت فجمع في أحد كتبه نماذج متعددة من أقسام الإيرانيين٬ منها: "قسماً بشعاع الشمس، قسماً بالمصباح، قسماً بسلمان (الفارسي)، قسماً بحبات الأرز التي لا حصر لها ،قسماً بموقد أبيك، قسماً بشاه چِراغ (لقب أحد أحفاد الإمام علي ويقع مرقده في مدينة شيراز).
ومن أنواع الأقسام الخاصة بالإيرانيين، والتي تم تداولها في العقود الأخيرة هي: "الله وكيلي، قسماً بأمل الحق، قسماً بحق آل الكساء الخمسة (محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن٬ والحسين)، قسماً بإمام الزمان، قسماً بألوهية الله، قسماً بالقرآن الذي نزل على صدر محمد، قسماً بجميع المقدسات، قسماً بشاربك، قسماً بنارجيلتك الرجولية، قسماً بهذه الشعيرات، قسماً بشرف الأموات، قسماً بموتك/بموتي، قسماً بموت أطفالي، قسماً بالخبز والملح الذي أكلناهما سوياً٬ قسماً بهذه النار، قسماً بالنور المحمدي، قسماً بالقبلة المحمدية، قسماً بقلب السيدة زينب المحترق، قسماً بيدي أبي الفضل العباس المقطوعتين، قسماً بضِلع فاطمة الزهراء المكسور، قسماً بشفتي شهيد كربلاء العطشاوين، قسماً بشهداء صحراء كربلاء الاثنين والسبعين".
يذكر سكرتير السفارة البريطانية لدى طهران جيمس موريه في كتابه "مغامرات حاجي بابا الأصفهاني" (1824) أقساماً أخرى ينطق بها الإيرانيون منها: "قسماً بروحك، قسماً برأس الشاه، قسماً بموتك، قسماً بالسلام عليكم، قسماً بأجداد الرسول الطاهرين، قسماً بالقبلة، قسماً بالأئمة الاثنى عشر، قسماً بالمعصومين الأربعة عشر".
ويضيف موريه في كتابه: "هذه مصطلحات أقَسَامهم المعتادة. ومجمل القول أنهم يتكبدون مشقة القسم بروح ونفس الأموات والأحياء وبالرأس والعين المقدستين واللحية والشارب المباركين وبالأسنان المكسورة والأيدي المقطوعة والنار والمصباح وماء الحمام، كي يظهروا أن كذبهم صدق. فلا يجب أن تصدقوا هذه الأكاذيب".
أغرب طقوس القَسَم
في ورقة تحليلية نشرها مركز دائرة المعارف الإسلامية في إيران، يذكر الباحث محمد جعفري طقوساً في مختلف مدن البلاد، بعضها اندثرت وبعضها ما زالت قائمة في بعض المدن بشكل رمزي.
ويشرح الباحث أن في جنوب محافظة كرمان الواقعة وسط البلاد هناك قَسَم تحت مسمى "لُقمِه نِِويسي" وتعني "الكتابة على لقمة العيش"، حيث يقرأ رجل الدين آية من القرآن على لقمة من الأكل٬ ثم يتناولها المتهم بالسرقة، فإن بقيت اللقمة عالقة في حلقه، تثبت إدانته.
وفي نفس المحافظة هناك رسم سائد هو إدخال الإبرة في يد المتهم، إذ يقرأ الشيخ سورة "يس" على الإبرة ثم يدخلها في كف المشتبه به، فإن دخلت في يده فهو مجرم.
يعتقد سكان مدينة سَروِستان في جنوب إيران بقَسَم "رأس العباس"، يتم خلاله جلب المدعي أحجاراً ليضعها على الأرض على هيئة رأس إنسان (ويرمز ذلك إلى شخصية العباس)، ثم يُطلب من المتهم أن يدمر ذلك بأصابع قدمه ويقسم: "قسماً بهذا الرأس، (السرقة) ليست عملي". ومعروف أن السارق الحقيقي لا ينفذ القَسَم.
من أنواع الأقسام الخاصة بالإيرانيين والتي تم تداولها في العقود الأخيرة: "الله وكيلي، قسماً بأمل الحق، قسماً بحق آل الكساء الخمسة (محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن٬ والحسين)، قسماً بإمام الزمان، قسماً بألوهية الله"
أما النساء في مدينة كازِرون (جنوب البلاد) فيذهبن إلى مقام النبي خضر، ويقمن بإظهار أثدائهن ويرفعن أيديهن نحو السماء٬ ثم يستحلفن الله بحق النبي خضر وأبي الفضل العباس أن يقضي حاجاتهن، وبعد ذلك يضربن على صدورهن بقبضات أيديهن سبع مرات.
أما القومية التركمانية التي تعيش في شمال شرق البلاد، فلديهم طقس خاص من القسم عند دخول العروسة إلى زوجها، فعليها أن تقسم بأن تبقى وفية لزوجها وأسرته.
في الشعر الفارسي
يصف صاحب كتاب "الهوية الإيرانية" يحيى داود عباس أن "إضافة إلى الأقسام الدينية، أقسم الشعراء بالمعشوق وروحه وعيونه وجماله وذؤابته وفمه ووصاله وقلبه ورأسه ووفائه وعشقه وقامته وأهدابه وقوامه وشفتيه وعمره، كما أقسموا بعهد المحبة٬ وبتراب قدم المحبوب٬ وبحق غمزته الجريئة، وبحق الدموع الساخنة والآهات الباردة".
ويضيف: "أما شعراء المديح فقط أقسموا بروح الملك ورأسه، وبتراب نعل حصانه٬ وبتراب قدمه، وبتاجه وعرشه، وبحق كرمه وعطائه ونعمته، وبجاهه وجلاله، وبحق الصحبة القديمة، وبكأس الخمر. والوطنيون منهم استخدموا عبارات إيران والوطن والحرية والرجولة والشهامة للقسم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع