شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الفرق بين

الفرق بين "تيشيرت" أبو تريكة و"مينتاليتي" محمد صلاح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الأربعاء 24 يناير 202405:20 م

تاريخياً، لم تشهد مصر لاعب كرة قدم له أي انحيازات سياسية معلنة، أو مواقف معارضة للسلطة، فعلاقة نجوم الملاعب بسياسات النظام الحاكم - أي نظام حاكم - اقتصرت فقط على شكر الرئيس، راعي الرياضة في مصر، والتقاط بعض الصور التذكارية معه برفقة الكأس، قبل أن يهدوا انتصاراتهم له، وأعينهم تتلألأ بالحب ودموع الفرح.

ظلّت المعادلة مضبوطة على تلك الموجة لعقود، حتى ظهر نجم النادي الأهلي محمد أبو تريكة، في صورته الشهيرة، مرتدياً تيشرت كتب عليه "تعاطفاً مع غزة" عام 2008.

حينها لم يكن من المعروف انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما اكتُشف لاحقاً في الانتخابات الرئاسية المصرية 2012، حينما أعلن الرجل دعمه المرشح الإخواني محمد مرسي، والانتماء الذي قاده لاحقاً لصدام مباشر مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، انتهى بمصادرة أمواله ورحيله إلى قطر، الملجأ الأبرز للإخوان المسلمين الفارّين من أوطانهم.

أتت حرب غزة لتبلور كل إحباطاتنا وتختزلها في شخص واحد: محمد صلاح

وهناك، فتحت له قنوات بين سبورت استديوهاتها، ليتحدث بحرية عن أي شيء وكل شيء، إلا انتقاد النظام القطري أو علاقته بإسرائيل بالطبع.

أسطورة أبو تريكة أسطورة مستحقّة، بُنيت على موهبة فذّة في الملاعب، والتزام يثير الإعجاب خارجه، لكن تلك المقومات الفطرية وحدها لم تكن كافية لصناعة الأسطورة، دون أن تدعمها وتساهم في ترسيخها ماكينتان إعلاميتان هما الأضخم والأقوى في مصر بلا منازع: جماهير النادي الأهلي وإعلامه، وتنظيم الإخوان المسلمين وأعضاؤه.

وهكذا التقت الموهبة و شعبية الأهلي، بصورة المسلم، المتديّن، الخلوق؛ لتنتج لنا أسطورة "القدّيس".

وفجأة، وفي غفلة من الزمان، ظهرت أسطورة أخرى، أسطورة مرعبة، قوية، فتية، قادمة بقوّة، متجاوزة الملاعب العربية، لتفرض حضورها في الملاعب العالمية: محمد صلاح.

لم يظهر محمد صلاح مدعوماً بنجاحه فحسب، فأوروبا ليست مصر بلا شك، وسرعان ما تحوّل مو صلاح إلى "أشهر مصري" عرفه العالم لعقود.

فأحمد زويل ونجيب محفوظ ومجدي يعقوب (فخر المصريين) حققوا إنجازات ربما أهم وأعظم في مجالاتهم، لكنك لن تجد "مواطناً كولومبياً" مثلاً يعرف اسم مجدي يعقوب، ولن تجد صورة لنجيب محفوظ مطبوعة على تيشيرت يباع في محلات إسبانيا للجماهير.

شهرة صلاح العالمية أمر لم يعرفه المصريون من قبل لمواطن من بلادهم، وهي الشهرة التي صنعها الرجل بنفسه ولنفسه.

لكن سعادة المصريين بـ "فخر العرب" ألقت على الرجل بظلال لم يسع إليها، وحملته تبعات إخفاقاتنا، طالبة منه أن يكون "سفيرنا" لدى العالم وبوقنا الذي ننفخ فيه.

وعلى ضفاف المشهد دخل عامل آخر، ألا وهو تقاطع أسطورة مو صلاح مع أسطورة أبو تريكة الراسخة، فحكم حجم الإنجاز العالمي وشهرته التي طافت الآفاق، لتصبح  الأسطورة الأكبر هي أسطورة مو صلاح.

وهو ما دفع الكثير من "مهاويس الأهلي" النادي الأعرق، و"أعضاء الإخوان"، التنظيم الأكبر، لوضعهما في مقارنة بدت عبثية، ووصل مداها أن كثيراً منهم قالوها صراحة: "مين محمد صلاح ده جنب أبو تريكة؟!"

سعادة المصريين بـ "فخر العرب" ألقت على الرجل بظلال لم يسع إليها، وحملته تبعات إخفاقاتنا، طالبة منه أن يكون "سفيرنا" لدى العالم وبوقنا الذي ننفخ فيه

المفارقة أن أكثر من تحدث بحب وفخر عن محمد صلاح كان أبو تريكة نفسه.

أتت حرب غزة لتبلور كل إحباطاتنا وتختزلها في شخص واحد: محمد صلاح، فبشكل عام، نحن أمة لا تقبل الفردية، ولا تربح بالشاردين عن القطيع. أنت محمد، مصنّف كعربي مسلم، قضاياك هي: العروبة والإسلام، وفلسطين صنفناها قضيتنا البوصلة، فكونك تدعمها "بالدرجة" التي نراها غير كافية؛ فذلك دليل خيانة، ومسوّغات كافية لنا لختمك بخاتم اللعنة والانسلاخ من الجلد.

ساهم في تعاظم طوفان الهجوم الذي حمل من الغضب والحنق ما يكفي ويزيد، كونه فرصة (بوعي أو دون) من رافدي داعمي أبو تريكة (الأهلي والإخوان) لعقد مقارنة بينه وبين صلاح إزاء موقفهما من حرب غزة، حيث اكتفى مو بفيديو مختصر، أدان فيه الدماء، مشيراً إلى أن كل الأرواح مقدّسة، أما نجم الأهلي فقد ملأ هواء استديوهات الدوحة بالحديث عن غزة ودمائها الزكية التي ما زالت تنزف حتى يومنا هذا.

وهي المقارنة التي تتسق بشدة مع المنطق المصري في التعاطي مع الأشياء وحصرها بين الأبيض والأسود، فإما أنت معنا كما نريدك، وتدعم اختياراتنا بالطريقة التي نقرّرها، وإما أنت ملعون، آثم قلبك!!

صلاح عكس ذلك تماماً.

صلاح ابن المشروع الفردي القائم على الاعتماد على الذات والخروج عن المألوف، فلا يصلح للسير على النسق العام، ولا الانقياد لجماهير اختارت صورة نمطية لنجمهم المنشود.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard