شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الحريفة".. انتصار الشباب ومطربي المهرجانات على الكوميديا المعلبة و"كمكمة" خالد يوسف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الأربعاء 24 يناير 202410:41 ص

حتى لحظة كتابة المقال، حقق فيلم الحريفة 20 مليون جنيه مصري، في 19 يوم عرض، متفوقاً بنجومه الشباب الذين لا ينتمي أي منهم إلى نجوم الصف الأول أو الثاني، على أفلام كـ"أبو نسب" لمحمد عادل إمام وماجد الكدواني ومن تأليف أيمن وتار، و"الإسكندراني" الذي قام ببطولته أحمد العوضي وحشد من النجوم من إخراج خالد يوسف.

فضلاً عن أن معدل الدعاية للفيلمين، بما فيها "الدعاية المدفوعة الأجر" على صفحات النقد السينمائي على السوشال ميديا، تتفوق بما لا يقاس على ما حقق فيلم الحريفة. 

الخروج من الأفكار الجاهزة عن الغني والفقير 

الفيلم من تأليف السيناريست إياد صالح، وإخراج رؤوف السيد، وبطولة جماعية لوجوه شابة، وهو يستحق أن يتصدر الإيرادات، بنبرته التي تدرك عصرها ولا تنكره، رغم عدم إمكانية تصنيفه كفيلم عظيم، لكنك ستخرج منه منتعشاً بطزاجة الوجوه واللغة والكوميديا.

السيناريو أمريكي الطابع،  لكن في القصة أيضاً طابعاً مصرياً، إذ تنشأ الحبكة من طالب في ثانوية عامة ابن لطبقة عليا، يندحر مستوى عائلته الاقتصادي بعنف، درجتين أو ثلاثاً، لطبقة وسطى لا تملك سوى مصاريف مدرسة حكومية، وهو ما يواجهه غالبية المصريين الآن، ليضطر إلى أن يرى الطبقة التي ظل معمياً عنها خلف أسوار القصر أو الكومباوند والنادي، والتي جعلت منه شخصاً أنانياً، لا يعرف سوى قيمة النجاح الفردي الذي ينكر معه، دون أن يشعر بقيم الجماعة، والتي يتعلمها الفقير أحياناً حيث لا خيار له سوى التضامن من أجل النجاة، حتى إن معنى كرة القدم التي يلعبها باحتراف، ويلعبها الفقراء من أجل المال، تختلف من منافسة تصل إلى حد الشر والأذى. فهو يلعبها في الطبقة العليا، كجسر لتكوين صداقات جديدة، حقيقية كما يتبين في نهايتها. 

حتى لحظة كتابة المقال، حقق فيلم الحريفة 20 مليون جنيه مصري، في 19 يوم عرض، متفوقاً بنجومه الشباب الذين لا ينتمي أي منهم إلى نجوم الصف الأول أو الثاني على أفلام مثل "أبو نسب" و"الإسكندراني"   

مثله الأعلى قبل أن يمر برحلة التغيير هو محمد صلاح، الذي أدركنا بعد موقفه الأخير من غزة، وهو موقف رمادي يحمي نفسه وفرديته أن خياره هو النجاة الفردية على حساب المجموع، إذ نراه يرفض بأنانية أن يعطي حذاءه الإضافي إلى لاعب يحتاجه، لأن حلمه هو أن يضع تلك الأحذية في متحف عندما يحصل على الـ"بالون دور" أو جائزة الكرة الذهبية، بعد أن تتم رحلة التغيير ليبدو على استعداد لبذل كل ما يملكه من أجل الآخرين.

الجماعة التي يتعرف عليها كابتن ماجد، في إشارة إلى مسلسل الكرتون الشهير، والذي يؤدي دوره نور النبوي، تعيش في عشوائيات، وفي المدرسة هم الـ"بلطجية"، أو هكذا نراهم للوهلة الأولى، كطبقة لا تعني من الخارج سوى أنها طاقة شر، يجب تجنبها أو ازدراؤها.

لكن مع التعرف عليها عن قرب، وعن مآسيها، واضطرارها إلى التحايل على الحياة، والكفاح اليومي من أجل لقمة العيش، تتحول تلك الغمامة إلى رؤية واضحة، تسخر من أسطرتهم بشكل كوميدي في المسلسلات المصرية، التي حولتهم إلى " أشباح" باطشين، وإلى ضعفاء يتحلون مجبرين برباطة الجأش.

لا شيء غير عادي في الفيلم، سوى الطزاجة

لا يوجد نجم واحد معروف كممثل، من أبطال فيلم الحريفة، ربما باستثناء الممثل نور النبوي، بسبب مشاركته لوالده خالد النبوي في مسلسل ناجح في رمضان الماضي.

أحمد غزي، الستاند آب كوميديان وعبد الرحمن محمد، قد اختيرا بعناية لدوريهما، "كزبرة" تحديداً وهو مغني مهرجانات، من ضمن من أهانهم الجيل القديم كحلمي بكر في واقعة شهيرة طرده فيها على الهواء، بسبب نوبة الضحك التي دخل فيها أمامه، وطاردته نقابة الموسيقيين بالتحقيق، بسبب صورة أحمد زويل في أحد كليباته.

تحقق أغاني "كزبرة" مشاهدات عالية على المنصات، رغم "حصار" أجيال الكمكمة التي لم يعد تملك سوى لغتها الأخلاقية العاجزة، وفي الفيلم يثبت طاقة كوميدية وخفة ظل عالية، تؤهله لأن ينجح كممثل، وأن ينتشر سينمائياً. 

أغلب أبطال الفيلم قادمون من مناطق نجاح مختلفة، قبل أن يدخلوا إلى عالم السينما، من خيال آخر يناسب عصره، وأكثر اتساعاً من اللحظة الضيقة. 

أما أحمد غزي الذي أدى دوره بكفاءة، فقد شارك في الأساس من قبل هذا الفيلم، في دور "عدنان خاشقجي" الشاب في مسلسل ذا كراون،. أما الستاند آب كوميديان عبد الرحمن محمد، الذي حقق انتشاره أساساً بين الشباب والمراهقين من خلال ريلز قصيرة على السوشيال ميديا.

حتى اختيار ميدو، لاعب الكرة الشهير، كان موفقاً في دور يعكس شيئاً من حياته، كلاعب لامس حدود العالمية، ثم انتهى كلاعب لم يحقق، ولو حتى جزءاً ضئيلاً مما قدر له بسبب أخطائه الشخصية الدرامية، فلم يعد يتبق له سوى نصائح شخص يعرف معنى الفشل.

أغلب أبطال الفيلم في الأساس قادمون من مناطق نجاح مختلفة، قبل أن يدخلوا إلى عالم السينما، من خيال آخر يناسب عصره، أكثر اتساعاً من اللحظة الضيقة.

أفلام الـ"لايت كوميدي"

ينتمي الفيلم لفئة الكوميدي اللايت، ويمكن إدراجه ضمن ثلاثة أفلام جيدة الصنع من مخرجين وكتاب شباب، في الأشهر الأخيرة، اعتمدت على البطولة الجماعية، كفيلم "فوي فوي" لمحمد فراج وإخراج عمر هلال، و" وش لوش" لمحمد ممدوح، وإخراج وليد الحلفاوي.

ما يجمع ممثلي الأفلام الثلاثة هو قدرتهم على إيجاد مناطق كوميدية مبتكرة، قادرة على الإضحاك بالفعل من خلال كوميديا الموقف لا كوميديا "الإيفيهات" التي لم تعد تدفع حتى إلى الابتسام في ظل ضعف قدرة نجومها الكبار كمحمد هنيدي وأحمد مكي على الابتكار أو التجديد، بل وحتى الثلاثي هشام ماجد وشيكو وأحمد فهمي، اللذين وقعوا في فخ الاستسهال والكوميديا المدجنة، وسيطرة خريجي "مسرح مصر"، حيث تفتقر الكوميديا إلى الموضوع، وتلجأ إلى ارتجال يعتمد على نحو أساسي على التنمر وكوميديا الغباء، بالرغم من أنها تزداد ثقلاً وتبلّداً يوماً بعد يوم وتخسر جمهورها، إلا أنها ما زالت سائدة بوصفها خلطة مضمونة، منجية عند نفاد الأفكار، حتى إن نجوماً لمعوا في بداية الألفية عرفوا بتقديم كوميديا ذكية في بدايتهم، عادوا إلى الاستناد في الكوميديا على غباء البطل أو مرافقيه.

أزمة الكوميديا المصرية

بشكل عام تعيش الكوميديا المصرية أزمة كبرى، ليس فقط بسبب إصرار نجومها على العيش على أوهام الماضي، لكن لأن المجال العام خانق ومكتوم، فكوميديا تمر على الضابط أولاً لن تضحك أحداً. الضابط يعامل ما هو مضحك بريبة وشك، لأنه يبعث على التجرّؤ، وليس مطلوباً من أحد هذه الأيام، لا الممثلين ولا الجمهور أن يتجرأوا على شيء أمام فكرة الضابط عن الفن والكوميديا، فالموضوعات كلها مغلقة، ولن يتبقى معها سوى الادعاء والتصنع. 

بشكل عام تعيش الكوميديا المصرية أزمة كبرى، ليس فقط بسبب إصرار نجومها على العيش على أوهام الماضي، لكن لأن المجال العام خانق ومكتوم، فكوميديا تمر على الضابط أولاً لن تضحك أحداً

لذا يمكن لنا تقدير أفلام كـ"الحريفة" و"فويوفوي" و"وش لوش"، لقدرة صناعها على الخروج من المأزق، وتقديم كوميديا ذكية وهي قدرة ابنة جيل أكثر عصرية من "كمكمة" معاصريه" أو المتسلطين على " معاصريه" ويرتبط أكثر باللحظة.

لذا كان أغلب من في صالة العرض من المراهقين والشباب، الذين رأوا في هؤلاء شيئاً يلمسهم، وهو ما يذكرني بما فعله في جيلي أحمد مكي بأفلامه "إتش دبور" و"طير إنت" و"لا تراجع ولا استسلام"، وكذلك الثلاثي هشام ماجد وشيكو وأحمد فهمي في أفلامهم "ورقة شفرة"، و"بنات العم" و"سمير وشهير وبهير" و"الحرب العالمية الثالثة"، قبل أن يأكلهم الكسل ودخولهم الدائرة الجهنمية للتدجين وفقدان لغة العصر، حيث كنا نشعر حينها بطزاجتهم، وأنهم ينطقون بلغتنا، وأن نكاتهم سبق لنا أن نطقنا بها في جلساتنا الخاصة، أو على الأقل نفهم منبعها السحري.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image