الإنتاج السينمائي في مصر أصبح مغامرة غير محسوبة، كما يرى أصحاب "الكار" أنفسهم. إذ حين تغامر كي تسبق اسمك صفة "منتج سينمائي" تضع نفسك وأموالك في مبارزة غير متكافئة مع قراصنة الأفلام، خصوصاً أن أجهزة الدولة غائبة تماماً عن المراقبة وسنّ قانون يمنع التعدي على الملكية الفكرية. هذا بالإضافة إلى الظروف السياسية الصعبة التي تؤثر على ايرادات الأفلام، ومعوّقات الاستثمار التي تعتبر من أكبر العقبات أمام استئناف صناعة السينما المصرية انطلاقتها، وتحقيقها أرباحاً مرضية.
الفيلم المصري لا يزال يعاني من اختلال التوازن بين التكلفة والعائد، إذ يواجه ارتفاعاً مستمراً في تكاليف الانتاج مقابل انخفاض الإيرادات، ومن ثم انخفاض هامش ربحه. لهذا يلجأ بعض المنتجين إلى الأفلام المنخفضة التكلفة في محاولة لإنعاش جيوبهم بإيرادات "جمهور الدرجة التالتة".
تؤكد غرفة صناعة السينما أن الفيلم الناجح الذي يحقق إيرادات تصل إلى 25 مليون جنيه (3.5 مليون دولار) مثلاً، لا يزيد نصيب المنتج منه على 12 مليوناً (1.67 مليون) إذ تحصل دور العرض على 50% من الإيرادات بالإضافة إلى 5% ضريبة مَلاهٍ.
سوق محدودة
في الأساس، يرجع انخفاض الإيرادات في السنوات الأخيرة بعد ثورة يناير لضيق السوق المحلية وتقلب الطلب الخارجي على الفيلم المصري وعدم استقراره، إذ تأثر سلباً جراء الظروف السياسية والاقتصادية وحالة السوق العربية التقليدية، بالإضافة إلى المنافسة التي يتعرض لها في الأسواق الخارجية من الفيلم الأجنبي عموماً، والأمريكي والهندي خصوصاً.
كيف تربح الأفلام المصرية؟
الربح عموماً يأتي من مصادر عدة، منها العروض في السينما وحقوق البث التلفزيوني والإعلانات، لكن يبقى أن الأرباح في شباك التذاكر هي المقياس الأساسي لتقييم نجاح أي فيلم.
قال نائب رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة السينما فاروق صبري لرصيف22 إن صناعة السينما تربح عندما يسود الاستقرار في دولة لا تعاني اضطرابات، لافتاً إلى أن المنتجين في مصر اتجهوا في الفترة الماضية لإنتاج أفلام قليلة التكلفة، لاعتبارات كثيرة منها أنها تغطي تكاليف إنتاجها، ولإقبال الفضائيات على شرائها أيضاً.
ورأى صبري أن توجيه الشكر واجب للشركات التي تنتج أفلاماً ذات تكلفة قليلة، وإن كانت رديئة، لأنها تحرك الصناعة، متمنياً أن تتحسن الأحوال الاقتصادية حتى "يصبح إنتاج الأفلام ذات التكلفة الضخمة ممكناً، ويضمن منتجوها أن يغطي السوق التكاليف".
ولفت صبري إلى أن دخل الفيلم يتأثر أيضاً بإغلاق بعض الأسواق العربية في وجهه بسبب الحروب الدائرة فيها. وأوضح أن منتجي الأفلام يعانون من القنوات غير الشرعية التي تقرصن أفلامهم حاكمة بالإعدام على إيراداتها، لافتاً إلى أنه برغم إعلان مجلس الوزراء بعض القرارات لإيقاف تلك القنوات فإن العبرة تبقى في التنفيذ.
المنافسة الأمريكية والهندية شرسة
في المقابل، قال الكاتب الصحافي والناقد السينمائي طارق الشناوي إن استمرار عملية إنتاج الأفلام في مصر، دليل على أن شركات الإنتاج ما زالت تحقق أرباحاً مهمة، مشدداً على أن أحداً لا ينتج فيلماً دون النظر للأرباح.
وأضاف: "أرباح المنتجين لا تأتي من شباك السينما فقط، فالفضائيات فتحت لهم أبواباً جديدة لبيع أفلامهم"، لافتاً إلى أن انتشارها "أدى إلى توجه المنتجين نحو إنتاج أفلام ذات تكاليف قليلة لملء الفضائيات بها، وهذا النوع من الأفلام الرديئة أو التجارية معروفة في العالم كله، ويلعب دوراً في تشغيل الأيدي العاملة في المجال السينمائي".
"إيرادات الأفلام لا تذهب كلها لشركات الإنتاج، إذ تحصل دور العرض ومصلحة الضرائب على نسبة منها"، كما قالت الكاتبة والناقدة السينمائية ماجدة خير الله. فـ"لصانعي الأفلام وسائل كثيرة للحصول على أرباح من أفلامهم، إذ يتم عرض الفيلم في دور السينما أكثر من مرة، وبعد رفعه منها يباع للقنوات الفضائية بعقود تستمر سنوات عدة يتم تجديدها دورياً. يُذكر أن ورثة الفنان الراحل إسماعيل ياسين ما زالوا يحققون مكاسب من أفلامه إلى الآن، كما تباع تلك الأفلام لشركات الطيران وغيرها".
تابعت خير الله: "حتى الأفلام المسروقة تحصل شركات الإنتاج على نسبة من الإعلانات عليها، مقابل عدم مقاضاة القنوات أو المواقع التي تعرضها". وإذ أكّدت تأثير سرقة الأفلام على الإيرادات، شدّدت على ان الجمهور الذي يشاهد تلك الأفلام من طريق الانترنت ليس الجمهور الحقيقي للسينما، الذي يستمتع بمشاهدة الأفلام في دور العرض.
القرصنة ودور الدولة
أمّا المستشار الإعلامي للشركة العربية للإنتاج عبد الجليل حسن، فقال إن صناعة السينما في مصر تعاني مشكلات عدة تقف في طريق تحقيق شركات الإنتاج للأرباح، على رأسها قرصنة الفضائيات والمواقع الإلكترونية للأفلام، وغياب دور الدولة عن رعاية الصناعة منذ سنوات، وهذا ما جعل السينما تعتمد على جهود المستثمرين الذين نجحوا في إنتاج أفلام كبيرة مثل سهر الليالي العام 2003.
وأضاف حسن أن الفيلم الناجح يتطلب عناصر كثيرة، تبدأ من الموضوع والمخرج وجودة التصوير ولا تنتهي عند النجوم الذين يأتي الجمهور لمشاهدتهم، لافتاً إلى أن النجاح الجماهيري هو الفيصل في الحكم على نجاح الفيلم.مع العلم أن الأفلام الرديئة التي تحقق إيرادات عالية، قد تكون في نظر حسن، ذات قيمة فنية منخفضة في ميزان النقّاد، لكن في النهاية لها قطاع عريض من الجمهور، خاصة في أوساط الشباب والحرفيين والأحياء الشعبية. فهؤلاء يدفعون ثمن التذكرة لمشاهدتها لأنها تعبر عنهم، بعيداً من المستوى الفني، وهذا ما يجعل رهان هذا النوع من الأفلام على الأرباح رهاناً صائباً دائماً.
وشدّد حسن على أنه ضد الهجوم على شركة السبكي للانتاج، بسبب نوعية الأفلام التي تقدمها الشركة. إذ: "كانت تقف وحيدة في ساحة الإنتاج السينمائي في الوقت الذي تراجعت الشركات كافة، وكان من الممكن أن تتوقف الصناعة تماماً لولاها، لأن أرباحها تعبر عن تلبيتها حاجات فئة كبيرة من الجمهور. وهي التي قدّمت عدداً من الأفلام التي تحولت علامة بارزة في السينما المصرية، مثل "الفرح" و"كباريه" و"ساعة ونص" وغيرها".
وتابع حسن: "شركات الإنتاج كلها عانت خلال فترة ثورة يناير، واضطرت للاستغناء عن موظفيها أو خفض مرتباتهم إلى النصف، بسبب انحسار عدد جمهور السينما وتبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثرت على الصناعة كثيراً. غير أن سرقة الأفلام تعد أخطر التعديات على أرباح المنتجين، إذ هنالك قرابة 90 قناة تعرض الأفلام المصرية المسروقة، وهذا ما أغلق السوق العربية في وجه الأفلام المصرية".
وبرأي المنتج حسين ماهر: "لو صنعت فيلم بتكلفة 10 ملايين جنيه تقريباً، بعد دفع أموال السينمات والدعاية، فإن ما يجعلني أربح قليلاً هو بيع الأفلام إلى المحطات الفضائية، وفي السنوات الثلاث السابقة تعطل بيع الأفلام، وهذا ما دفع بعض المنتجين إلى الأفلام ذات التكلفة القليلة. فمحطات سرقة الأفلام دفعت المحطات الأخرى للامتناع عن الشراء"، واصفاً السرقة بأنها "قمة التسيب"، ومنتقداً عدم وجود رقابة ومحاسبة لتلك القنوات.
ورأى ماهر أن المنتجين يواجهون أزمة أخرى أيضاً تتمثل في التعامل بـ"الشيكات" لعدم قدرة صاحب المحطة على شراء الأفلام نقداً، وهذا ما يعطل حصول المنتجين على أموالهم.
على أن العراقيل لا تتوقف عند هذا الحد، ففي رأي حسن أن دور الدولة أساسي في تقويض صناعة السينما، وفي زيادة التكلفة على المنتجين. ويطالبها بأمرين أساسيين، الأول التخفيف من البيروقراطية المتجسدة بعرقلة إعطاء تصاريح للتصوير في كثير من المناطق كالمطارات والمتاحف والأهرامات، لافتاً إلى أن ساعة واحدة للتصوير في مكان كالمتحف المصري تحمّل المنتجين تكاليف كبيرة. أمّا الأمر الثاني، فيتمثل بمحاسبة مواقع وقنوات سرقة الأفلام، فما دامت الدولة قادرة على إغلاق المواقع الإباحية، فلا شك أنها تستطيع منع عرض الأفلام المسروقة أيضاً.
مصدر الصورة: أ ف ب
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 34 دقيقة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 20 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون