شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
علي إسماعيل... عن موسيقى الحياة والمقاومة

علي إسماعيل... عن موسيقى الحياة والمقاومة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الأحد 28 يناير 202408:10 ص

في أيام لم تقل سوءاً عن هذه الأيام، وتحديداً في السنوات التالية لنكسة عام 1967، يذهب الفنان محمد منير في دور "سيد المغنواتي"، ليحيي سهرة غنائية منزلية، في فيلم "حكايات الغريب". مقتدياً بعبدالحليم حافظ، يبدأ سيد السهرة بالأغنية الوطنية الأكثر ذيوعاً في تلك الفترة: "أحلف بسماها وبترابها"، من ألحان وتوزيع الفنان علي إسماعيل، يسمعها الحضور بجدية وإيمان حقيقيين.

ثم يبدأ مباشرة في غناء الأغنية الشعبية الأخرى الأكثر ذيوعاً في تلك الفترة: "الطشت قال لي.. يا حلوة ياللي.. قومي استحمي.."، وهي من ألحان وتوزيع علي إسماعيل أيضاً. يظهر الفيلم هاتين الأغنيتين كقلبين في جوف رجل واحد، والجوف هنا ليس فقط جوف "سيد المغنواتي" وجمهوره، بل جوف الشعوب الحزينة، المنكسرة، المهزومة، المقاومة للحزن والانكسار والهزيمة.

يدعو هذا المقال إلى اختبار أطروحة هذا الفيلم ويتساءل: هل الأغنية الوطنية والأغنية الشعبية قلبان مختلفان حقاً؟ ويحاول الإجابة عن هذا السؤال بدعوة القراء إلى رحلة غوص في جوف موزع الأغنيتين السابقتين، الموسيقار علي إسماعيل، أحد أفراد الشعب المهزوم المقاوم بالموسيقى والرقص، والذي تداعب موسيقاه مشاعرنا الوطنية وتحرضنا على الأنس والفرفشة والاحتفال بتفاصيل حياتنا اليومية البسيطة. من هو رفيق رحلة الآلام والآمال منذ عام 1967 وإلى الآن؟

نشأة علي إسماعيل ونشأة فن الجاز

طفل صغير يعبث بآلات نحاسية وطبول عملاقة وجدها في منزل والده، مدرس الموسيقى وقائد فرقة موسيقية عسكرية، في منطقة مجاورة لشارع محمد علي، حيث تصنع وتباع وتؤجر الآلات الموسيقية إلى يومنا هذا. يحاول علي الطفل استخراج الأصوات من هذه الكتل العملاقة، ثم يعمد إلى تقليد ما سمعه من أغنيات في المدرسة والشارع والإذاعة. يشعر بسعادة مع هذه المحاولات، فيوسّع والده دائرة اطلاعه الموسيقية، حتى يجد ضالته في ذلك الفن الذي يشبه عزفه الطفولي على تلك الآلات. ذلك الفن الذي ولدت قواعده قبله بـ 57 عاماً تقريباً، في مكان آخر في العالم.

هل الأغنية الوطنية والأغنية الشعبية قلبان مختلفان حقاً؟

فبعد انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية عام 1865، استيقظ سكان نيوأورلينز الأفروأمريكيون ليجدوا في مخلفات الحرب آلات موسيقية نحاسية كانت تستخدمها فرق الموسيقى العسكرية أثناء الحرب. كنز من الطبول وآلات النفخ والإيقاع وقع في يد أقلية عرقية ناجية من حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، كان بمثابة هدية الحياة الجديدة التي وهبت لهم. لم يرفضوا الهدية، بل ردوها بأحسن منها، بخلق قواعد لهذا النوع الموسيقي العظيم الذي ألهم، ومازال يلهم، العديد من الموسيقيين في العالم. كانت التجارب الأولى عبارة عن نشاز متنافر، إلى أن أصبح لها شكل وطريقة ومنهج عزف، وسمي بفن الجاز.

قواعد عزف الجاز والأغاني الشعبية

كان لدى مكتشفي موسيقى الجاز في نيوأورلينز خلفية موسيقية، كالبلوز والأغاني الروحانية الكنسية وأغاني فولكلورية تعود جذور معظمها إلى ثقافة غرب أفريقيا، تماماً مثل خلفية علي إسماعيل الموسيقية، المتمثلة في الإنشاد الديني والأغاني الشعبية. حتى هؤلاء الذين كان لديهم معرفة بفن العزف، لم يكن لديهم خبرة سابقة بهذه الآلات النحاسية. حاولوا بقدر الإمكان عزف الألحان الأصلية على هذه الآلات فرادى وجماعات، ووجدوا في هذه المحاولات الحثيثة متعة وشكلاً جديداً للحن الأصلي. من هنا أصبح الجاز عبارة عن فن محاورة الألحان واكتشاف إمكانياتها عوضاً عن تأليف لحن ثابت. مساءلة اللحن بدل تقديمه كما هو. يصبح الارتجال ركناً أساسياً الآن في هذا الفن والعزف السماعي غير المرتبط بنوت موسيقية.

يعزف الفريق الجملة الأساسية في اللحن، ثم يرتجل أحد العازفين جملاً موسيقية في المنطقة اللحنية للحن الأصلي على آلته، ويلعب بقية العازفين مردات لهذه الجمل على آلاتهم، وعند النهاية تعزف الجملة الأساسية مرة أخرى، وتتولى آلة أخرى مهمة الارتجال في مقدمة الكادر الموسيقية، بينما تصبح بقية الآلات خلفية موسيقية لها، وهكذا. تجربة موسيقية جماعية بدون أبطال منفردين.

وعلى نحو مشابه تعزف الأغاني الشعبية، فالموسيقى في بلاد النوبة قديماً كانت قائمة على تقسيم العازفين إلى 3 مجموعات: مجموعة تقوم بعزف اللحن الأساسي، ومجموعة تعزف الإيقاع، ومجموعة تقوم بالتوليف الهارموني، ثم تتبادل المجموعات، لتعزف كل مجموعة منها اللحن بطريقتها المميزة، فيتاح لجميع العازفين التعبير عن رؤيتهم الموسيقية لهذا اللحن أو ذاك.

وبالمثل في فنون المربعات والكف في الصعيد في الوجه البحري، لنقل في محافظة الدقهلية – على بعد سويعات فقط من القاهرة – يغني الصيادون أغنية "الحلو نادي"، فترد المجموعة "يا مليح الحلو نادي"، "في البدء أنا كنت صياد"، وترد المجموعة "يا مليح الحلو نادي"، فيقول الصياد "وجم الملاح اصطادوني"، وبالمثل أغاني السمسمية في مدن القناة "كل شيء له نظر"، وأيضاً الأغاني الشعبية في حواري القاهرة "يا منجد علّي المرتبة".

نخلص من هذا العرض أن هذا "الجاز" ليس غربياً ولا شرقياً وبالتأكيد ليس شمالياً أو جنوبياً، ولكنه خاصية أصيلة في الموسيقى الشعبية التي انسلخت عنها الموسيقى الرسمية في بلادنا بعد ذلك، وقامت بتنقيتها، لتخرج لنا فرقة الموسيقى الشرقية التي تعزف نفس النوتة خلف مطرب يلعب دور البطولة الأوحد في الأغنية. كان هذا نتيجة فهم معين لمعاني المدنية والحداثة والتحضّر، بالتخلّي عن كل ما هو منتم للطبقات الأدنى اجتماعياً، منها الموسيقى الشعبية، وبالأخص الرقص.

بمشاهدة أي حفلة رسمية مصورة لفنان مصري في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، ستجد العازفين في انتظار أدوارهم للعب نفس الجمل اللحنية خلف المطرب أو المطربة، وتجد المستمعين يستمعون إليها جالسين في كراسيهم بالساعات.

تجربة قصيرة للجاز في الموسيقى العربية

نستطيع القول بأن الجاز أو الموسيقى الشعبية كانت اللغة الأم للتعبير الموسيقي لدى علي إسماعيل، التي سيعبر بها عن رأيه في الموسيقى الشرقية التي كان قد انتوى خوض غمارها، فصقل هذا الشغف بالدراسة النظامية. واستفاد علي من دراسة النوتة الموسيقية ودراسة وممارسة العزف على عدة آلات موسيقية، أبرزها البيانو وآلات النفخ النحاسية كالساكسفون.

يدخل علي معهد الكونسرفتوار، رفقة عبدالحليم حافظ وكمال الطويل وفايدة كامل. تتاح لهم فرصة تقديم أغان جديدة للإذاعة. يعمل علي كملحن وموزع مع عبدالحليم كمغني على 11 أغنية قصيرة، كان البطل فيها هو ذلك التعبير الموسيقي الشعبي أو الجازي. الأوركسترا تعزف نوتات مختلفة، يصنع علي إسماعيل الهارموني بينها، ويظهر فيها عبدالحليم كعنصر مشارك في الحالة لا بطلاً لها. الجمل الموسيقية والغنائية تخلق تبايناً شديداً في أذن المستمع، وتشحنه بتوتر ناتج من المفارقات اللحنية، فلا يسعه سوى أن يرقص لينفس عن هذا التوتر.

 ولكن لم يكن هذا شيئاً محموداً لدى الإذاعة المصرية وقتها، مهندسة عملية الانسلاخ من الأغنية الشعبية، فانتهت التجربة قبل أن تبدأ، ووصمت هذه الأغاني الرائعة بوصف "الأغاني النادرة لعبدالحليم حافظ"، حتى الآن ورغم تطور الذائقة الموسيقية للمستمعين. يمكنك الاستمـ(ت)ـاع ببعضه عن طريق الروابط الآتية:

لولا فسحة المونولوج والفنون الشعبية

من الصعب على مهووس بالموسيقى مثل علي إسماعيل أن يصاب بالإحباط. يمكنك استشعار ذلك من الحيوية الجبارة لألحانه المحفوظة. حافظ على صداقته بعبدالحليم والصفطاوي وكمال الطويل، وانطلق إلى مساحة جديدة وهي المونولوج الفكاهي. سبق ذلك تأسيسه لفريق موسيقى جاز.

الجاز أو الموسيقى الشعبية كانت اللغة الأم للتعبير الموسيقي لدى علي إسماعيل، التي سيعبر بها عن رأيه في الموسيقى الشرقية التي كان قد انتوى خوض غمارها

لنفهم العلاقة بين موسيقى الجاز والمونولوج الفكاهي، ينبغي تعريف ما هي الفكاهة؟ يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون، إن الفكاهة أو المفارقة تأتي بسبب صراع بين منطقين. باحتدام الصراع ينشأ التوتر، ويصبح الضحك قناة جيدة للتنفيس عنه عن طريق الجملة الأخيرة في الفكاهة (الإفيه أو الpunchline) ذكرنا بالأعلى موقفاً مشابهاً لأغاني عبدالحليم الإحدى عشر القائمة على المفارقة اللحنية التي ينفس عنها بالرقص أيضاً بسبب المفارقات الموسيقية.

إذن فالرقص والضحك قناتان للتعبير عن نفس التوتر الناشئ عن المفارقات الموسيقية، أي أن بنية اللحن في النوعين الموسيقيين واحدة. يختلف المونولوج الفكاهي عن الأغنية في عنصر الكلمة التي تأتي غالبا ساخرة من سلوك معين أو حاكية لموقف مضحك أو نكتة ومنتهية بإفيه أو punchline . حسب تقاليد ذلك العصر، وجب على الأغنية العاطفية أن تتسم بالرصانة. تصبح البطولة من حق الكلمة والأداء الغنائي واستعراض القدرات الصوتية للمغني. الموسيقى تقدم الجمل اللحنية مرتين، مرة مع الغناء ومرة في الفواصل بدون الغناء. لا تكثيف، لا مفارقات، فقط تمديد للحالة التي خلقتها الكلمات وأداء المطرب. في نهاية الأمر، يحافظ عبدالحليم وعلي اسماعيل على صداقتهما بالتوقف عن العمل سوياً، فيذهب الأول ليتلمس طريق الأغنية العاطفية، ويذهب الثاني ليبحث عن نفسه في عالم المونولوج الفكاهي.

لا يتحرج الفنان، الحقيقي دون شك، من أن يشارك بألحانه في إضحاك المستمعين، أما أن يرتبط إبداعه الموسيقي فقط خلف كلمات مكرّرة تدور في فلك النقد الاجتماعي (وهي الموضوع المفضل لفن المونولوج المصري) فهي خسارة كبيرة وهدر حقيقي لطاقة موسيقية مجددة. يترك علي إسماعيل المونولوج ليجد ضالته في الرقص مع فرقة رضا للفنون الشعبية.

عودة إلى الموسيقى الشعبية

الفن الشعبي يتحدث نفس لغة علي إسماعيل الأم، وهي الجاز.  انطلق علي مع الأخوين رضا وفرقتهم في مسيرة تجديد الأغاني الشعبية المصرية، من شمالها إلى جنوبها. عقل موسيقي كعقل علي إسماعيل يبحث دائماً عن التجديد. يتحدث في حوار تليفزيوني عن إحساسه بالملل من تأليف ألحان راقصة ليؤلف لها رقصات فيما بعد، وعن طلبه من علي ومحمود رضا أن يصمّما الرقصات أولاً بكتابة الخطوات دون موسيقى، كي يبدأ علي إسماعيل بعد ذلك في محاكاة هذه الحركات موسيقياً، وهو عكس الأسلوب المتبع قبلاً. كان هذا الأسلوب محرّراً للفنّين معاً، الرقص والموسيقى، وكان نتاجه أعمالاً خالدة تحفل بالحياة والحرية.

سياسياً، كانت الخمسينيات والستينيات فترة احتفال بالحياة والتحرّر والاستقلال. فمصر لا تكتفي بالاستقلال عن بريطانيا واستعادة مشروعات عملاقة، كقناة السويس، من فرنسا، بل ساعدت القيادة السياسية المصرية دولاً عربية وأفريقية وآسيوية للتحرّر من التبعية للاستعمار، ثم قادت مشروعات الوحدة العربية والأفريقية ودول عدم الانحياز. جاءت الأغنية الوطنية معبرة عن حالة الاحتفال بالحياة والحرية.

يعمل زميلاً الدراسة، كمال الطويل وعبدالحليم حافظ، على ملحمة "حكاية شعب" من كلمات أحمد شفيق كامل. كلمات الملحمة قائمة على حوار يدور بين المطرب والجماهير. مغامرة فنية غير مسبوقة في مجال الأغنية الوطنية، ستقدّم في افتتاح مشروع السد العالي في أسوان، أمام القيادة السياسية وضيوفها، تدفع العمل إلى خبير الموسيقى الحوارية الحماسية علي اسماعيل لتوزيع هذه الملحمة.

توزيع اللحن لا يقتصر فقط على تقسيم الجمل اللحنية بين الآلات الموسيقية، بل يشمل أيضا تركيب الجمل اللحنية فوق بعضها بتنسيق هارموني، وتوزيع الأدوار بين المطرب والكورال، واستخدام الصوت البشري كآلات موسيقية، واختيار سرعة اللحن، وأخيراً تأليف الجمل الموسيقية التي تربط بين كوبليهات الأغنية.

في العاشر من يناير عام 1960، يقطع عبدالحليم حافظ غناء عمال السد العالي المتقاطع مع أصوات دق المطارق، مخاطباً إياهم بـ"إخواني!" فيرد العمال: "إييييه"، "عايز أحكيلكم حكاية"، "بس قولها من البداية". يبدأ علي إسماعيل بتوزيع أطراف الحكاية بين عبدالحليم  والعمال (الكورس) والآلات الموسيقية، بنوتات متقاطعة وأحياناً تبادلية تعكس فترات الشد والجذب في حكاية الحرب والثأر بين الشعب والاستعمار.

يقود اللحن برشاقة بين تعبيراته الموسيقية شديدة التباين والاختلاف، مسيرة الشعب فيها هي نفس مسيرة الأغنية. المغني والكورس والآلات الموسيقية والتصفيق والتصفير تروس تقود ماكينة اللحن إلى الأمام، تحكي حكاية شعب هو بطلها الأوحد. في نهاية الأغنية يقفز الرئيس جمال عبدالناصر في الهواء من فرط الحماس ويصرخ، ومن حوله، لعبدالحليم وعلي إسماعيل قائد الأوركسترا بإعادة الأغنية مرة أخرى، "بس قولها من البداية"، وكأنهم لم يعرفوا هذه القصة من قبل بالرغم من كونهم هم أنفسهم أبطالها.

هنا يظهر إيمان علي إسماعيل بتعريف الفن الذي يقول: إن الفن الحقيقي هو استعادة حدث وتجديد وعينا به. وهذا التعريف لا يتحقق إلا بكسر تقاليد الغناء نفسه. سيقول البعض إن سر حماسية الأغنية في كلماتها، ولهؤلاء أوجّه لهم هذا السؤال: ولماذا كانت الحاجة إلى علي إسماعيل بالتحديد لتوزيع اللحن؟! في نفس السنة، يدعو موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب علي إسماعيل للعمل معه مرة ثانية (بعد تعاونهما الأول في عاشق الروح كعازف) ولكن كموزع موسيقي لأهم لحن عربي "وطني حبيبي وطني الأكبر"، ليحكي قصة وطن عربي موحد هذه المرة، ثم في عام 1972 تختاره منظمة التحرير الفلسطينية ليضع لحن نشيد المقاومة الأشهر "فدائي".

المونولوج الموسيقي لون موسيقي بديع دون شك، وله جمهوره وجمالياته، يشبه في ذلك البدلة السموكنج والفساتين السواريه التي نرتديها في المناسبات الرسمية فقط، بينما عندما نذهب إلى الشاطئ نرتدي الشورت والشبشب، ونحن نغني "دقوا الشماسي" من توزيع علي إسماعيل

موسيقى الحياة

لم يكن غريباً على علي إسماعيل أن يتجه للموسيقى التصويرية في الأفلام والمسرحيات، ففكرته عن الموسيقى متعدّدة الألحان تستطيع التعبير عن أكثر من شخصية درامية في موقف واحد، أو نوازع نفسية مختلفة داخل شخص واحد. يستطيع أيضاً أن يؤلف موسيقى تعبر عن مناسبات مليئة بالحيوية، مثل أغاني شهر رمضان، وأجازة نصف العام، وأجازات الصيف.

نالت جميع هذه الخطوات موافقة المؤسسات الرسمية، كالمؤسسة العامة للسينما والمسرح القومي والإذاعة المصرية والتليفزيون. المنطقة الوحيدة التي حرمت عليها تلك الموسيقى الحوارية الجماعية كانت الأغاني الطربية التي ينبغي أن يختفي داخلها كل هذا التنوع لصالح المطرب فقط، أو آلات موسيقية محدّدة في الفرقة، بينما تظل الآلات الأخرى عاطلة حتى يأتي دورها في اللحن.

هذا لون موسيقي بديع دون شك، وله جمهوره وجمالياته، يشبه في ذلك البدلة السموكنج والفساتين السواريه التي نرتديها في المناسبات الرسمية فقط، بينما عندما نذهب إلى الشاطئ نرتدي الشورت والشبشب، ونحن نغني "دقوا الشماسي" من توزيع علي إسماعيل. وعندما نذهب إلى الموالد، نرتدي جلاليب وشيلان وملابس تقليدية ونحن نغني "شيخ العرب يا سيد" أيضاً من توزيع علي إسماعيل. في شهر رمضان المبارك نرتدي طواقي ونمسك بفوانيس ونحن ننشد "أهو جه يا ولاد" توزيع علي إسماعيل. وفي عطلات الشتاء نتحرّر من ملابس الوظيفة والدراسة ونتجه جنوباً، ونحن نغني أغاني فيلمي "أجازة نص السنة" و"غرام في الكرنك" لعلي إسماعيل، وفي حالات الحيرة والقلق لا يوجد أفضل من صفارة موسيقى فيلم الاختيار لعلي إسماعيل. ظلّ الطرب منطقة محظور فيها التنوع اللحني بمعرفة حراس الذائقة الموسيقية، أما حيثما وجدت الحياة وجدت الموسيقى الشعبية التي يقدمها علي إسماعيل في ثوب معاصر وأحد أوجهها المتعدّدة الأغنية الوطنية.

رقصة أصحاب الأرض

هكذا نصل إلى حقيقة أن القلبين الذين لم يجتمعا في جوف رجل واحد هما الأغنية الطربية والأغنية الشعبية، أما الأغنية الوطنية والأغنية الشعبية فكانا وسيظلان قلباً واحداً لشعوب تقاوم القهر والهزيمة، تماماً كالشاب الفلسطيني صاحب رقصة أصحاب الأرض والذي أهدي لأقدامه الراقصة المباركة هذه السطور. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image