قبل أسابيع قليلة، نشر موقع "The Athletic" الرياضي، وثائقياً قصيراً عبر قناته على يوتيوب، بعنوان "The story of Saddam Hussein’s psychopath son"، تحدّث فيه عن الكيفية التي أدار بها عدي، نجل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ملف المنتخب العراقي، باستخدام التعذيب والسرقة والابتزاز والقتل، فمثلما عُرف عن عدي مجونه وساديته، إدمانه على تعاطي المخدرات واستمتاعه بقتل وتعذيب الآخرين، عُرف عنه أيضاً أنه الرجل المسؤول عن الرياضة العراقية، وتلك مفارقة لها وضعها الغريب بين طيات التاريخ.
ذلك ما يرويه باستفاضة الكاتب اللبناني حازم صاغية في كتابه، "بعث العراق: سلطة صدام قياماً وحطاماً"، حيث شرح الطريقة التي قُسّمت بها تركة البلاد بين قصي وعدي، ليتولى قصي مسؤولية "قوات الحماية" والأمن الداخلي لحزب البعث العربي الاشتراكي، بينما مُنح عدي شؤون الثقافة و"الشبيبة" والإعلام، إضافة إلى ملف الرياضة كاملاً بما يحتويه من إدارة اللجنة الأولمبية واتحاد كرة القدم، وبعد غزو القوات الأمريكية للعراق في مارس 2003، تحصّنت المقاومة العراقية في مبنى اللجنة الأولمبية شرقي العاصمة بغداد، ما أدى إلى اقتحامه من قبل القوات الغازية، وهناك وجدوا شيئاً غريباً وصعب التصديق!
أدوات تعذيب لها طلع نضيد، وأقبية تحت الأرض تحوي سلاسل وأصفاداً تشبه التي نراها في الأفلام التاريخية، وكراسٍ كهربائية، وتوابيت فولاذية بها مسامير طويلة، وسلاسل مثبتة في الجدران، بحيث يمكن تعليق الضحايا عليها لجلدهم أو تعريضهم لوابل من الصدمات الكهربائية، وعند سؤال بعض اللاعبين السابقين عن سرّ وجود تلك الآلات الوحشية في مقر "اللجنة الأولمبية" المعنية بالرياضة وتهذيب النفس والروح، تبين أنها أدوات تعذيب أشرف على وجودها عدي بنفسه، وشهدوا بصحبتها أبشع أنواع التعذيب في حالة الخسارة، داخل تلك الغرف أو في سجن "الرضوانية" القريب.
المأساة الأكثر رعباً لم يكن أي من أدوات التعذيب، بل هي المكالمة التي كان يتلقاها المدير الفني قبيل المباراة بدقائق من قبل عدي صدام حسين شخصياً، فما تحمله المكالمة من تهديد ووعيد، كان كفيلاً بأن يتمنوا أن تنشق بهم الأرض
كما أجمعوا أيضاً على أن المأساة الأكثر رعباً في كل هذا، لم يكن أي من أدوات التعذيب تلك، بل هي المكالمة التي كان يتلقاها المدير الفني قبيل المباراة بدقائق من قبل عدي شخصياً، فما تحمله المكالمة من تهديد ووعيد، كان كفيلاً بأن يتمنوا أن تنشق بهم الأرض قبل أن يطلق الحكم صافرة البداية، فمن أين أتى عدي بتلك الأفكار؟
مكالمة الموت
دعنا نسألك سؤالاً واضحاً: في ظنك، فيم يفكر عدي صدام حسين حين يفكر في المصطلحات التالية: الدماء، العنف، الديكتاتورية والحرب؟ نحن نعرف أن صدام حسين نفسه قد يفكر في هتلر أو موسوليني أو الجنرال فرانكو، نظراً لكثرة عقد المقارنات بينهم وبين شعيرات شاربه الكثيف فقط -لأنه من وجهة نظر محبيه يعد أخطر وأشد وطأة من ثلاثتهم- وبالفعل فقد تسلّلت بعض أفكار الثلاثة إلى ممارسات صدام وسياساته، لكن ما لا يحمد عقباه هنا، هو تسللها إلى عقل الابن المتهور عدي، وبطريقة أكثر راديكالية وجذرية من والده.
وإليك قصةً قد تبين القصد: في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت كرة القدم تحظى بشعبية كبيرة ومتزايدة في الاتحاد السوفيتي، لأسباب تتعلق برغبة جوزيف ستالين في تبييض وجهه ووجه الستالينية أمام دول العالم، وذلك من خلال تصدير السمات الرياضية والثقافية للدولة الشيوعية الجديدة، وبناءً عليه قام الرجل بتدشين الدوري السوفيتي عام 1936، ويأمر بعدها بإعادة هيكلة عدد من الأندية في "جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية" مثل "دينامو كييف" و"لوكوموتيف"، لتصبح أندية الصفوة في الاتحاد بأسره.
لكن ما لم يكن متوقعاً، أن تلك القرارات ستصبح فيما بعد رصاصة في يد خصومه، فبعد أن قرّر هتلر الارتداد شرقاً ومهاجمة السوفييت إبان الحرب العالمية الثانية، عمل على استغلال تلك المُزية التي أصّلها له خصمه ستالين، أي انتشار كرة القدم بين السوفييت وتعلق المواطنين بها، لمنع انفلات الجبهة الداخلية للدولة والمجتمع بعد الغزو، لذلك قرّر الحاكم العسكري النازي لأوكرانيا جمع بعض اللاعبين السابقين لعدد من الأندية، مثل "دينامو كييف" و"سبارتاك أوديسا" و"لوكوموتيف كييف"، في نادٍ واحد تحت مسمى "FC Start" على أن يلعب مباراته الأولى ضد القوات الألمانية.
وبالفعل تم له ما أراد، لتنطلق المباراة بين نادي "ستارت" الأوكراني ونظيره "فلايكيلف" الألماني، بتاريخ 9 أغسطس عام 1942م، وقبل بداية المباراة بدقائق قليلة، بادر ضابط ألماني بالدخول إلى غرفة الملابس المتداعية للفريق الأوكراني، ليلقى عليهم رسالة مقتضبة من أدولف هتلر شخصياً: "تلك المباراة تعني الحياة أو الموت، اخسروا هذه المباراة، وإلا قتلناكم"، وعندما رفض السوفييت الخضوع، وحققوا الفوز على الفريق الألماني بنتيجة 5-3، قتلهم الألمان بدم بارد خارج الملعب، وفوق رؤوسهم لافتة كبيرة كُتب عليها: "جنس واحد، رايخ واحد، قائد واحد".
هي نفس الرسالة التي تلقاها رجال المنتخب العراقي قبيل المباريات، وإن اختلفت الصيغة النهائية، حيث كانت رسائل عدي غالباً ما تنتهى بتهديدات بقطع ساقي اللاعب وإلقائها للكلاب المفترسة، أو إجباره على الاستحمام في مياه الصرف الصحي، إضافة إلى تهديدات صريحة بحساب مختلفة التمريرات والتسديدات الضائعة بعناية، وإذا ما وصلت إلى الحد الأدنى منها فقط، سيخضع اللاعبون تلقائياً إلى جلسات تدريب مدتها 12 ساعة أو أكثر، تركل فيها كرات خرسانية ثقيلة في درجات حرارة مرتفعة، وأثناء رحلة التعذيب تلك، ستعلق فوق رؤوسهم صورة كبيرة للقائد ولافتة مكتوب عليها: "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة".
وهنا يجب أن نطرح سؤالاً: ألا يمكن اعتبار تلك الأفعال نوعاً من أنواع القتل أيضاً، حتى وإن اختلفت في شكلها النهائي ما بين الموت السريع برصاصة واحدة رخيصة الثمن، أو القتل البطيء للإنسانية والموهبة؟ فلا فارق بين هذا وذاك، إلا شيء واحد فقط: أن هتلر أرسل رسالته تلك إلى أعدائه، بينما أرسلها عدي إلى أبناء شعبه، وبناءً على هذا الفارق تكمن تفاصيل القصة الثانية، التي استقاها ونَسخها الشاب المدلّل من زميل هتلر في الحرب، بينيتو موسوليني، لهيكلة الرياضة العراقية وتطويعها على مقاسه المشدود.
كانت رسائل عدي غالباً ما تنتهى بتهديدات بقطع ساقي اللاعب وإلقائها للكلاب المفترسة، أو إجباره على الاستحمام في مياه الصرف الصحي، إضافة إلى تهديدات صريحة بحساب مختلفة التمريرات والتسديدات الضائعة بعناية
رائحة "موسوليني" تحوم في الأفق
عادة لا يفرق الرصاص بين البشر وبعضهم البعض، ولا تفرق البندقية بين حامليها، أي أنها تسقط من يد أحدهم لتكون في يد عدوه بعد لحظات، ورصاصها مسموع باختراق أجساد الجميع، والغريب أن تلك الخاصية لم تكن حكراً على الرصاص الأصم فقط، بل دخلت وجلست وتمخضت في عقل القائد الفاشي بينيتو موسوليني، حتى أصبح لا يفرق بين أعدائه ومحبيه، بين لاعبي بلاده وبين لاعبي الخصم، فالكل له دوره تحت المقصلة إن رفض أوامر الدوتشي.
تقاطعت تلك الرؤية مع طموحات الرجل الكبرى في جعل إيطاليا قوة كبيرة مرة أخرى، من خلال استعادة العظمة المرتبطة بروما القديمة، وإنشاء إمبراطورية يشتعل أوارها بفعل الوحدة الداخلية للشعب والجنس والعرق، وسرعان ما أدرك أن كرة القدم تعد الوسيلة المثالية لتأمين الدعم الشعبي لحركته القومية، وإليك الدليل: في عام 1938، همّ المنتخب الإيطالي لكرة القدم بالمشاركة في بطولة كأس العالم المقامة بفرنسا، باعتباره بطل النسخة السابقة، ولأن البطولة تلك المرة لم تكن تحت سيطرته كما في البطولة السابقة، بل تقام على أرض العدو وأمام جماهيره هذه المرة، لذا وجب عليه أن يحفز رجاله بأسلوب مختلف بعض الشيء.
هنا يمكن الإشارة إلى أن أوروبا كانت على شفا حرب عالمية ثانية بالفعل، بسبب أفعال موسوليني وهتلر العنجهية، خاصة وأن هتلر قد بدأ في تنفيذ خطط الحرب، وأدت أفعاله إلى رفض المنتخب النمساوي الذهاب للبطولة، بعد احتلال ألمانيا النازية للنمسا بطريقة سلمية، ما جعل البطولة مكونة من 15 منتخباً، بينهم 12 منتخباً أوروبياً، مع تأهل فرنسا -صاحبة الأرض- وإيطاليا -بطلة النسخة السابقة- بشكل تلقائي، وبالرغم من تلك التقلبات السياسية والعسكرية والأجواء المسمومة، بدأت البطولة.
وتمكنت إيطاليا من إقصاء منتخبات النرويج وفرنسا والبرازيل في طريقها بأساليب مختلفة، تارة في الأشواط الإضافية وتارة بركلات الترجيح وتارة بأي شيء رخيص أو غال، لكن سرّ هذا النجاح منتخب لم يرتبط بتفوق الإمكانات أو القدرات البشرية لدى اللاعبين، أو بسبب حنكة مدرب المنتخب فقط، إنما ارتبط أصلاً بالخوف الذي سكن قلوبهم من رسائل الدوتشي المقتضبة والحادة، وفي النهاية أصبح مجد كأس العالم الثاني على التوالي قريباً للغاية، لكن هذا المجد سيجد حائلاً يقف في طريقه اسمه "منتخب المجر" الرهيب.
في الأحوال العادية، ستجد مدرب الفريق قبيل المباراة بعشر دقائق متحمساً أمام لاعبيه، وربما تلى عليهم محاضرة تحفيزية، زيّنها ببعض الخطب الرنانة عن أهمية الفوز للشعب الإيطالي، وللقائد بينيتو موسوليني ولمجد الحزب الفاشي، وربما ذكرهم أيضاً بعظمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، سيدة العالم أجمع، في خطاب شعبوي عرقي يلهب فيهم الحماسة وتقشعر له الأبدان.
لكن العجيب أن هذا لم يحدث، بل ساد الصمت والرعب على الوجوه، حيث أرسل الدوتشي برقية كتبها بخط يده للاعبي الفريق، وما إن فتحها المدرب ليقرأها عليهم، حتى وجدها رسالة مقتضبة لكنها مرعبة: "الفوز أو الموت".
كانت تلك هي الرسالة بكل بساطة، لذلك لم يجد المنتخب الإيطالي مفرّاً من الفوز مهما كانت التكاليف، بل إن بعض المصادر تحدثت عن توسّل قادة الفريق للاعبي المجر أثناء المباراة كي يتركوا لهم الفوز، وعلى الرغم من نفي العديد من اللاعبين لرسالة موسوليني التي سبقت المباراة، إلا أن حارس المجر حينها أنتال سزابو، قد علق بعد المباراة مباشرة قائلاً: ""على الرغم من أنهم أحرزوا أربعة أهداف في شباكي وانتزعوا منا الكأس، إلا أنني أشعر بالسعادة، فقد أنقذت حياة أحد عشر إنساناً من الموت".
وهكذا انتهت البطولة بحصول إيطاليا على كأس العالم، مثلما انتهت بطولة كأس العرب في عامي (1985 و1988)، وبطولة كأس الخليج عامي (1984 و1988)، ودورة الألعاب الآسيوية عام (1982) بتصدّر المنتخب العراقي لمنصات التتويج، وهكذا أيضاً هرب اللاعبون من مقصلة الدوتشي الإيطالي، ومن معتقلات المهيب الركن العراقي وابنه السيكوباتي.
وبعد سنوات قليلة فقط، كانت هناك نهايات شبيهة لكلا المرحلتين التاريخيتين أيضاً، فكما انتهت الحرب العالمية الثانية بسقوط موسوليني وحاشيته في يد الثوار، ليعدموه رمياً بالرصاص، ويعلقوه ميتاً في شوارع ميلانو، يتبول المارون على جثته، حدث مشهد شبيه مع تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس، بعدما انتهت "معركة الحواسم" أو "حرب الخليج الثالثة"، بسقوط العراق في يد المحتل الأميركي.
نادي الدولة، حتى يكتمل المثلث
انتظر لحظة فهناك قصة أخيرة يجب أن تقال: في عام 1936، قاد الجنرال فرانشيسكو فرانكو انقلاباً عسكرياً على الجمهورية الإسبانية الثانية، ما أدى إلى إشعال الحرب الأهلية الإسبانية بين القوات الموالية لفرانكو من المغاربة والإسبان، وبين الجبهة الشعبية المؤيدة للديمقراطية ولجمهورية الدولة، لتنتهي الحرب بعد ثلاث سنوات، بانتصار فرانكو وجيشه بعد مدد ومساعدة ضخمة من هتلر وموسوليني، كما قضت القوات المتحالفة على الجبهة الشعبية وذيولها في المنطقة تماماً، وهذا قد ما يدفعنا للتساؤل: لماذا استمرت الحرب ثلاث سنوات متتالية، رغم انتهائها إكلينيكياً بعد أشهر قليلة فقط، بخضوع كافة الأقاليم الإسبانية لسيطرة فرانكو ورجاله؟
للإجابة على هذا التساؤل يمكننا التمعن قليلاً في لحظة إعدام الشاعر الإسباني غارسيا لوركا رمياً بالرصاص في شوارع مدينة غرناطة، على يد ميلشيات فرانكو، بتهمة تأييد الجبهة الشعبية، حيث كانت القشة التي قسمت ظهر الجنرال، فما أثاره ذلك المشهد المهيب للحظة الإعدام من حمية لدى أهالي إقليم كتالونيا، أصبح فتيلاً أشعل المظاهرات المنددة بحكم فرانكو في كامل الإقليم، مع المطالبة بانفصال الإقليم عن الدولة الإسبانية، ويدعمهم في تلك المطالب إقليم الباسك من جهة أخرى، وتأخذ الحرب الأهلية منذ تلك اللحظة منحنى آخر أشد قسوة.
أما عن الداعم الأول لتلك المظاهرات فكان نادي برشلونة، نادي عاصمة إقليم كتالونيا، حيث كان الرفاق يجتمعون داخل أروقة النادي، كما كان اللاعبون أعضاء فاعلين في حركة المقاومة، وكان رئيس النادي هو المخطط الأكبر لتلك الاحتجاجات المسلحة، لذلك بدا جلياً أمام فرانكو أن العدو الأكبر لتأسيس حكمه الديكتاتوري هو ذلك الإقليم الذي يقوده نادي كرة القدم.
لذلك اتخذ قراراً سريعاً بالثأر من النادي والقوميين الكتلان، وهمّ بالقبض على رئيس نادي برشلونة جوسيب سونال، عضو حزب يسار كتالونيا الجمهوري، ليعدم ميدانياً دون محاكمة، في مشهد يشبه كثيراً مشهد إعدام لوركا، كذلك فقد عُقد اتفاق بين موسوليني وفرانكو يضمن خلاله الأول تنفيذ غارات جوية كثيفة ضد برشلونة من أجل "إضعاف الروح المعنوية للقوميين الشيوعيين"، حيث امتلك موسوليني اعتقاداً راسخاً بأن الطائرات يمكنها أن تربح الحرب وحدها، من خلال إرهاب السكان المحليين وقتلهم في جماعات، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى انحلال الجبهة الداخلية للإقليم، وضغط الأهالي على الجبهة الشعبية لتسليم نفسها ووقف الحرب -هذا ما آمن به الفاشي موسوليني بالمناسبة-.
لم يستطع أي ناد عربي الفوز على فريق عدي "الرشيد" طيلة 4 سنوات كاملة، حتى قابل الهلال السعودي في تصفيات دوري أبطال آسيا عام 1988 وخسر أمامه بنتيجة 2-1، فهل تعلم ماذا كانت ردة فعل عدي بعد تلك الخسارة؟
ولأن فرانكو كان يدرك تماماً أن الحرب تبدأ وتنتهي عند نادي كرة قدم، فقد عمل أيضاً على تقديم نادي كرة قدم يعبر عنه وعن حكومته، ومن ثم توجه الدعم هذه المرة إلى نادي ريال مدريد، ليبدأ الرجل بعدها سلسلة متتالية من عمليات القمع والتهجير القسري لأهالي الإقليم بطريقةٍ ممنهجة، ولمدة استمرت 36 عاماً، قهرت فيها أية محاولة لنادي برشلونة لاستعادة مكانته بين الكبار، وهنا يجب أن نسأل: ألا تذكرنا تلك الأحداث بالمجازر التي ارتكبها صدام ضد الانتفاضة الشعبانية، أو في أقاليم محدّدة مثل إقليم كردستان.
الأمر كذلك فعلاً؛ كما تذكَّرُنا أيضاً بدعم عدي لنادي "الرشيد"، الذي أسسه عام 1986 ليكون واجهة النظام، وجمع فيه خيرة لاعبي منتخب العراق، كراهية وطوعاً وبالأمر المباشر، وبنفس أسلوب التهديد والوعيد والسحق والسجن، وبالفعل حقق النادي نجاحات ساحقة وسريعة، فلم يستطع أي ناد عربي الفوز عليه طيلة 4 سنوات كاملة، حتى قابل الهلال السعودي في تصفيات دوري أبطال آسيا عام 1988 وخسر أمامه بنتيجة 2-1، فهل تعلم ماذا كانت ردة فعل عدي بعد تلك الخسارة؟ بالطبع كما لم تتوقع أنت، بل كما لم يتوقع أحد مطلقاً، لقد قرّر الشاب الطائش حلّ الفريق، موزعاً لاعبيه بين السجون والمنافي وباقي الأندية العراقية.
كانت تلك هي الرؤية التي عمل من خلالها عدي صدام حسين على ضبط الكرة العراقية، ومن ثم إدخالها في منظومة البعث العربي الاشتراكي، معتمداً على أساليب من سبقوه، ولو قرأ عدي كتاب التاريخ حتى نهايته، لعلم أن هتلر مات منتحراً بعدما قُسّمت إمبراطوريته بين أعدائه، ولعلم أيضاً أن موسوليني مات مقتولاً على يد الثوار بعدما دمّر البنية الداخلية لإيطاليا، وأعادها للخلف بما لا يقل عن 200 سنة، ولعلم أيضاً أن الدولة الوحيدة التي لم تنقسم أو تشوبها النزاعات الطائفية، وظلت محتفظة بهيكلها مكتملاً، تلعن الآن أيام فرانكو وتتبرّأ منه كأن لم يكن.
ثم تخيل معنا أن عدي وأبيه لم يتعودا فنّ الاختزال، ولم تلتبسهم تلك الحالة البائسة التي عبر عنها محمد صبحي مسرحية "تخاريف"، والتي تقتضي قراءة نصف الكتاب فقط، حتى يتسنى للحكومة لمّ المكسب، ومن ثم قرآ كتاب التاريخ كاملاً، وفكر قليلاً قبل أن تجيب: كيف ستكون مآلات البلاد في تلك الحالة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 12 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 18 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com