شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل نستجدي مساحتنا الشخصية من أطفالنا أم نربيهم على وجودها؟

هل نستجدي مساحتنا الشخصية من أطفالنا أم نربيهم على وجودها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والطفولة

الخميس 25 يناير 202411:05 ص

لم أتحدّث عن مساحتي الشخصية مع طفلتي إلا مؤخراً، فقد نسيت هذه المساحة أصلاً لوقت طويل، وكنت مكتفية بساعة أقضيها مع نفسي آخر الليل، أكون فيها منهكة ومستنزفة، لكنني مؤخراً بدأت أخرج أجزاء مني من فكّ الأمومة الشرس، لعلي مع الوقت أستعيد نفسي التي كنتها قبل أن أصير أماً.

كان صعباً علي أن أقتنع بأن ابنتي لا تعرف شيئاً عني قبل أن أكون أمها، رغم بديهية هذه النقطة إلا أنها مؤلمة بالنسبة لي؛ فأنا حضن دافئ يؤمنها بالطعام واللعب والحب والأمان، ويمكنها مع الوقت أن تعثر على سمات جديدة تجعلها طفلة أسعد. كل الأمهات يعشن مع أطفالهن نفس الظروف، لكن هذه الحقيقة لم تخفّف دهشتي من فكرة أن هناك من يبصر العالم من خلالي، وعلي أن أتجاوز كل متاعب هذه الحقيقة لألتفت إلى جماليتها التي لا توصف حقاً.

التعرّف إلى بعض الأمهات يزيد ثقل الأمومة ويقزّم أي مجهود نقدمه، فبعض الأمهات لا يكتفين بالتركيز في تجربتهن الشخصية، بل يلعبن دور الوصاية على أمهات أخريات؛ أجزم أننا جميعاً مررنا بتلك الأم التي ترى أن أي حديث خارج نطاق طفلها/أطفالنا هو غير مهم، بل إنه استيلاء على أطفالنا واحتياجاتهم، كما أن شرب فنجان من القهوة بمعزل عن إزعاج الطفل/ة سيؤثر على نفسيته/ا بعد عشرين عاماً، أما إذا وصل الأمر لطلب الهدوء من الطفل/ة أثناء لعبه، فهذا تعدٍّ صريح على حقوق الطفل/ة ومزاجه/ا وتمرّد غريب على دور الخضوع الذي تفرضه الأمومة، "وإذا إنتو مش قد الخلفة والمسؤولية لا تخلفوا".

هناك تعبير مجازي يستخدمه البعض بسهولة وكنوع من المديح لامرأة ما، هو أن "فلانة كثير إم"، بالإشارة لمدى تحمّلها المسؤولية وقدرتها على إغراق من حولها بالحب والحنان

لم يكن سهلاً علي أن أجد مساحتي خلال يوم طويل مع طفلتي الأولى ومؤخراً طفلتي الثانية، فقد بحثت أولاً عن الطريقة التي نتحدّث فيها مع أطفالنا عن حاجة الحصول على نصف ساعة من دون طلبات، أو أحاديث معهم لنشرب فنجان القهوة أو للحديث مع شخص على الهاتف أو للاستحمام... إلخ، وقد وجدت الكثير من النظريات التي بمجملها صعّبت علي هذه المهمة وأشعرتني بالضياع، فكثرة المنظرين للتربية الحديثة صعّبت المهمات وعاثت فساداً في تجاربنا من كثرة تغيير الأنماط، فمن المستهجن أن تكون تجربة أمي في الأمومة (بديهية وممتعة) والأهم أنها أسهل من تجربتي!

لقد استخدمت وعي ابنتي وأحاديثنا اليومية لتعويدها على فكرة أنها لا تملكني ولا يمكنها السيطرة على وقتي طيلة اليوم، مرّة من خلال اللعب ومرّة من خلال الحزم ومرّات كثيرة عبر القصص، والمرّات الأنجح كانت من خلال تكبير مسؤولياتها في علاقتنا، إلى أن وصلت معها لإنجاز جيد جداً بالنسبة لي، هو أن كل منا لها وقتها الخاص تفعل فيه ما تشاء، دون إزعاج من الأخرى، وفي الحقيقة لا أعرف إن كانت طريقتي معها ترضي أسس التربية الحديثة أم لا، كل ما أعرفه أنني أحاول، بصبر وجهد، أن أنتج طفلة من قلب وعقل لا من زجاج.

هناك تعبير مجازي يستخدمه البعض بسهولة وكنوع من المديح لامرأة ما، هو أن "فلانة كثير إم"، بالإشارة لمدى تحمّلها المسؤولية وقدرتها على إغراق من حولها بالحب والحنان، لكنني، كامرأة أولاً وأم ثانياً، لا أجد أبشع من هذا الوصف؛ وحين أسمعه أنظر إلى صاحبته على أنها إنسانة مطحونة، فكيف نكون أمهات لغير أبنائنا؟ وجود هذا الوصف يعني أن هناك مقابلاً/نقيضاً له، فبعض النساء أمهات أقل، خاصة اللواتي يعطين بقدر ووعي، ويحتفظن ببعض الطاقة كيلا تهدر في غير موضعها.

على الرغم من أن تجربتي كأم ما زالت جديدة، لكنني بفضلها تخلصت من أسطرة الأمهات، أولهن أمي ثم أنا، وأحاول أن تنعكس هذه الحقيقة على علاقتي بابنتي وعلى نظرتي إلى عيوبي كأم

للأسف ليس بوسعنا أن نكون أمهات حرات ولو بقدر قليل، فوجود أم واحدة من نوع الـ"كثير إم" يؤثر سلباً على مجموعة أمهات في محيطها، ووجود قوانين متجددة وكثيرة للتربية الحديثة يخلق ذنوب مضاعفة عند الأمهات. مؤخراً نتداول بين بعضنا فكرة أن آباء اليوم أفضل من الآباء قديماً، فالأب اليوم يتحدث مع أطفاله ويهتم لمشاعرهم ويلعب معهم ويتواجد في فعالياتهم، ويشارك في تربيتهم، لكننا لا نسمع تعبيراً يفيد بأن الأمهات اليوم أفضل!

ثمة سؤال يمكنه أن يساعد في الوصول إلى تفاهمات مع أطفالنا حول مساحتنا، من هو الطفل الذي نريد إنتاجه للمستقبل؟ هل نريد طفلاً موضوعاً في قوقعة من الدلال والتلبية الفورية لاحتياجاته النفسية والعاطفية والجسدية والمادية، أم نريد طفلاً يدرك-حسب مرحلته العمرية- أن الحياة صعبة، وأن كل ما فيها يحتاج لمجهود كي نحصل عليه؟

على الرغم من أن تجربتي كأم ما زالت جديدة، لكنني بفضلها تخلصت من أسطرة الأمهات، أولهن أمي ثم أنا، وأحاول أن تنعكس هذه الحقيقة على علاقتي بابنتي وعلى نظرتي إلى عيوبي كأم، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى الكثير من الجهد والتركيز، لكن من دون تأنيب لنفسي أو ندم.

الحياة صعبة وفيها أثمان باهظة ندفعها إزاء كل ما نحصل عليه، وهذا بالضبط ما أسعى أن أوصله لابنتي، وإن كانت الصعوبة بالنسبة لها اليوم هي أنني أطلب منها أن تخرج من غرفتي أو أن أرفض اللعب معها لأنني أكتب هذا المادة الآن، فأنا لن أكون "كثير إم" حتى لبناتي. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نفكر بالأطفال من أجل اليوم والغد

"هيك متعودين. هيك كانوا يعاملونا أهلنا"، وغيرها من الإجابات الجاهزة، تؤدي إلى تفادي التغيير.

المستقبل المشرق، هو أن يعيشوا في أيامنا هذه حياةً سليمةً.

كيف؟

عبر تسليط الضوء على قصصهم، وما يؤثر في حيواتهم، والمطالبة بحقوقهم وحسن تربيتهم.

من خلال التقارير والمقالات والحوارات، يمكن للإعلام أن يدفع نحو تغييرات في السياسات التربوية، وأن يعزز الحوار الاجتماعي حول قضايا الأطفال.

معاً نطرح القضايا الحساسة المتعلقة بسلامتهم النفسية والجسدية والبيئية والمجتمعية.

حين نرفع أطفالنا على أكتافنا، نرى الغد بعيونهم كما لو يكون الآن.

Website by WhiteBeard
Popup Image