شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
في

في "الجمعية السرية للمواطنين"… المجد لغير المثاليين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 10 نوفمبر 202304:53 م

ماذا لو اتفق للمهمشين والمنبوذين أن يصبحوا أبطالاً بالمعنى السردي، والمعنى الاصطلاحي للبطولة؟ ماذا لو - على طريقتهم التي لا تلقي بالاً للقانون- تمكنوا من أن يحققوا بعض العدالة في مجتمع تم تصميم القانون فيه ليحقق السيطرة وقمع الطموح للعدالة؟ 

هذه الفكرة البراقة القديمة قدم الأدب، والتي وجدت طريقها للكتابة والتسجيل في 1370، عندما كتب وليام لانغجلاند"قصائد روبن هود" لص شيروود وعصابته التي تحقق خارج القانون طموح الناس إلى العدالة، هي موضوع رواية "الجمعية السرية للمواطنين" للروائي اشرف العشماوي، الحائزة جائزة كتارا في دورتها الأحدث. 

تدور أحداث الرواية حول مهمشين مقموعين سياسياً واجتماعياً، يلجأون إلى سبل غير مشروعة للوفاء باحتياجاتهم، ثم يقررون أن يتحول نشاطهم من خدمة أنفسهم إلى خدمة سواهم من المهمشين والمقموعين ليشكلوا "جمعية سرية للمواطنين" تسترد الحقوق المغتصبة من أصحاب السلطة والفساد. نلفت هنا إلى أن أحداث الرواية تدور في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. 

ماذا لو اتفق للمهمشين والمنبوذين أن يصبحوا أبطالاً بالمعنى السردي، والمعنى الاصطلاحي للبطولة؟ ماذا لو - على طريقتهم التي لا تُلقي بالاً للقانون- تمكنوا من أن يحققوا بعض العدالة، في مجتمع تم تصميم القانون فيه ليحقق السيطرة وقمع الطموح للعدالة؟

اعتبرها الناقد محمود عبد الشكور من أفضل نماذج السرد الاجتماعي السياسي في السنوات الأخيرة، كونها تدفع بالمهمشين ليكونوا أبطالاً رغم أنهم أبعد ما يكونون عن المثالية، لكنهم ضحايا ظروف اجتماعية وسياسية شاقة جعلت الفقراء أسوأ حالاً، وصنعت من المزيفين نجوماً لامعة.

إلا أن آراء القراء، وبعض النقاد، ترى في الرواية تشتتاً في السرد وقفزاً على الأحداث، تعوضه الفكرة الفلسفية حول مساءلة مسلمات تتصل بكون "الخير" يرتبط بالالتزام بالقانون وإخضاع مثل هذه المسلمات لاختبار الواقع كما يرصده الأدب. حملنا هذه التساؤلات إلى الكاتب أشرف العشماوي في حوار حول "الجمعية السرية للمواطنين".

ما هي الفكرة الدافعة وراء كتابة هذه الرواية؟ وهل اتفقت ردود الأفعال مع ما توقعته؟ 

الجمعية السرية للمواطنين هي رواية مقاومة الزيف بالزيف، والأحلام المبتورة للمهمشين الذين نصادفهم كل يوم لكنهم يعجزون عن تحقيقها، ويقودهم الطموح إلى عبور جسر الجريمة فلا يعودون مرة ثانية، ومع ذلك تعاطف القراء معهم. يمكن القول إنها رواية تعري واقع مرير عشناه منذ منتصف السبعينيات حتى ثورة 25 يناير، كل شيء فيه تقريباً غير حقيقي مع أنه يبدو لنا براقاً، أيضاً هي رواية واقعية وليست فانتازيا لكنها تقف على الحافة بينهما، كل شيء قابل للحدوث لكنه لا يحدث بهذه الصورة في الواقع. ولأنها واقعية يمكنك أن تعيش الأحداث وتتخيلها أكثر وتملأ الفراغات التي تركتها للقارئ، وربما وجد البعض نفسه أحد أبطالها.

هذه ليست رواية واقع للمكان؛ إنما رواية نفسية تعمل على تشريح مهمشين من الداخل تشق صدورهم لتكشف الحقيقة المكتومة بداخلها

أما بالنسبة لسؤالك عن تحقيقها ردود الفعل التي توقعتها فإجابتي بالطبع لا! ليس بالقدر الذي توقعته، فالرواية لم تحقق ما توقعته في بداية نشرها وصدمت القراء وسألوا لماذا كتبت بهذه الطريقة غير المعتادة، لكن بعد عام من نشرها بدأت مرة ثانية في استعادة مكانتها وقرأها كثير من الصحافيين والنقاد والقراء قراءة أسعدتني، وبعد وصولها لقائمة كتارا نالت اهتماماً أكبر وأتمنى بعد الجائزة أن تصل لمكانة تستحقها، فهي من الروايات القريبة جداً لعقلي وقلبي وصممت على نشرها رغم تحذير محرري الأدب لي قبل النشر بأنها ليست رواية جماهيرية.

لماذا اخترت اسم "الجمعية السرية للمواطنين"؟

كان هناك مقترح من ناشرين لتسميتها "عزبة الوالدة" وهو اسم حي موجود في منطقة حلوان وهو مسرح أحداث الرواية، لكني رفضت، فهذه ليست رواية واقع للمكان؛ إنما رواية نفسية تعمل على تشريح مهمشين من الداخل تشق صدورهم لتكشف الحقيقة المكتومة بداخلها لسنوات طويلة شيء أشبه بفك لسان شخص صامت أغلب الوقت. وبالتالي كان عنوان الجمعية السرية للمواطنين أقرب للنص ودالاً على مضمونه، جاء معي العنوان من بداية الكتابة ولم أغيره.

وجد قراء أن هناك قفزات غريبة أقرب للفوضى في رسم الشخصيات، هل كان هذا مقصوداً؟   

شعور القراء بالفوضى الاجتماعية في الرواية مقصود إلى حد كبير، لأن كل شيء حول أبطالها مزيف، كل شيء حرفياً، حتى النقود التي يتعاملون بها في حياتهم اليومية بل ووظائفهم ومهنهم وعلاقاتهم بالآخرين، هم يتنفسون الكذب في كل لحظة والكل يصدقهم. لكن عندما تقال الحقيقة مرة واحدة تدوي كرصاصة والكل يخاف منها ولا يرغب أحد في ترديدها مرة ثانية، ربما هذه اللوحة الروائية تخلق فوضى في ذهن القارئ وعليه ترتيبها ليستمتع بالسرد والبناء ورسم الشخصيات، أما إذا اعتبرها مجرد حدوتة وحكايات لمهمشين، فلا أظن أن الرواية ستعجبه.

الدفاع عن الغلابة لا يُضر أي عمل فني، لكن عدم الدفاع عنهم يعتبر فناً أيضاً

البعض وجد في الرواية بياناً سياسياً في الدفاع عن "الغلابة" وعن الذين خرجوا على القانون، ما تعليقك؟

الدفاع عن الغلابة لا يُضر أي عمل فني بالمناسبة، لكن عدم الدفاع عنهم يعتبر فناً أيضاً، الفكرة أن تقدم وجهة نظر أبطال العمل وأن يقود السرد "تيمة معينة"، وتطرح أفكارك بأسلوب أدبي وبناء محكم وترسم شخصيات تتحرك وكأنها من لحم ودم بحيث يُصدقك القارئ.

والروائي الجيد هو الذي يكذب بصدق، والكذب هنا بمعنى إيجابي لأن الرواية خيال في الأساس، أنا لم ألتق هذه الشخصيات التي كتبت عنها في الجمعية السرية للمواطنين، ولا أعرف أحدهم حتى عن بُعد، لكني تخيلتها لدرجة جعلت كل من قرأ يقول إنه رأى هؤلاء من قبل ويعرفهم، القصد كان وضع المهمشين في الصدارة للالتفات لهم باعتبار أنهم الأغلبية فمنحتهم دور البطولة من دون دفاع تقريري عنهم.

بم ترد على من وصف الرواية بأنها مبتورة… بمعنى ان النهاية غير مفهومة؟

من يقول إن الرواية مبتورة لأن نهايتها غير مفهومة أعتقد مع كل احترامي لرأيه أنه كان يبحث عن الحدوتة فقط، ويريد نهاية منطقية لكل شخصية. هذا أمر لا علاقة له بالفن الروائي أو الفن عموماً، الرواية نهايتها مفتوحة تحتمل التأويل والتفسير وبالتالي ليست مبتورة من وجهة نظري.

لماذا وجدنا نهاية منطقية لشخوص الرواية سياسياً؟ وهل هذا هو الطبيعي في كل العصور؟

الحقيقة لم تكن هناك نهاية سياسية للأبطال في الرواية، النهاية تركتها مفتوحة، كل الأبطال ممددين على الأرض في مقهى، متكاتفين، لا أحد يعرف رد فعلهم القادم ولا يمكن توقعه أبداً، كل الخيارات مفتوحة وعديدة وبالتالي لا يمكن القول إن النهاية كانت كذا فقط إنما يمكن القول أنها تحتمل كذا أو كذا.

هل ترك نهاية الشخصيات مفتوحة يوحي بالتفكير في جزء ثان للرواية؟

لا يوجد جزء ثانٍ للرواية أو لأي رواية من رواياتي، أغلب أعمالي نهاياتها مفتوحة وتحتمل المزيد لكن الدفقة الشعورية التي كتبت بها الرواية توقفت هنا، ولدي أفكار أخرى أرغب في كتاباتها وأتمنى أن يعطيني الله صحة وعمراً لأكتب كل ما أريد. أيضاً لا أظن أن المزيد الذي كنت سأكتبه أو الجزء الثاني للرواية سيكون في صالح العمل بل أعتقد أنه لا يعدو أن يكون أمراً تجارياً بحتاً استغلالاً لنجاح الرواية وأنا لا أفكر بهذه الطريقة، ولا أظن أنني سأفعل ذلك في أي رواية من رواياتي السابقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image