شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بين قراءات

بين قراءات "الكيندل" و"المحمول"… كيف ننجو من فخ التشتيت؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الجمعة 6 أكتوبر 202301:05 م

في مشهد شهير من المسرحية الكوميدية "العيال كبرت"، يمسك سلطان (سعيد صالح) بلوحين من الخشب أو الكرتون، استقر فوق كل منهما عدد كبير من الكتب المفتوحة إلى منتصفها، ينظر سلطان إلى كل من اللوحين بالتناوب، مدّعياً أنه يستذكر دروسه أثناء انتظار مكالمة هاتفية مزعومة من "بركة السبع".

ينفجر الجمهور بالضحكات، لأنه لا يمكن لأحد أن  يذاكر بهذه الطريقة، لكن هذا كان قبل سنوات طويلة من ظهور "الشاشات المتعددة" التي أتاحها الانترنت، والمسؤولة عما يعرف بتشتت الانتباه، والتي اقتصرت لفترة طويلة على مطالعة صفحات الشبكة العنكبوتية، قبل أن تنتقل بالتدريج إلى عالم قراءة الكتاب الذي صار إلكترونياً، والتطبيقات التي انتقلت من أجهزة القراءة المتخصصة إلى الهواتف المحمولة التي ابتلعت نشاط القراءة كما ابتلعت كل شيء آخر.

في عالمنا العربي لم يكن شغف التكنولوجيا هو الدافع الأهم للاتجاه للقراءة الإلكترونية، بل كان سؤال اقتصاديات النشر والحق في القراءة مع تراجع القدرات الشرئية للقراء هو الحكم، فهل نتجاوز فخ التشتيت مع لجوئنا للقراءة الإلكترونية؟

قبل زمن أطول مما يتوقع أي أحد، ظهر أول تخيّل للقراءة الإلكترونية في العام 1930، حين تخيل الأمريكي بوب براون، الروائي والناشر، جهازا يتم توصيله بالكهرباء – لم يخطىء في ذلك –  بعد وضع أفلام ميكروفيلم داخله، تحتوي على الكتاب المرغوب قراءته، حيث يتم تكبير الكلمات على الشاشة بواسطة عدسة مكبرة، والتحكم في حجم الخط كذلك، وافترض براون في كتابه المسمى الاستعدادات (The readies)، أن الجهاز سوف يتيح قراءة رواية من مئة ألف كلمة في عشر دقائق، لم يتوقف طموحه عند القراءة، بل تصوّر أيضا أنه يمكن للجهاز تسجيل الكلمات وتحويلها مباشرة إلى خط مكتوب.

بالطبع، فإن قراءة مئة ألف كلمة في عشر دقائق هو أمر مبالغ فيه للغاية، حتى لو استطاع جهاز براون المتخيل أن يعرض الكلمات بهذه السرعة، غير أنها قد تذكرنا بشكوى بعض القراء أثناء مسابقة أطلقها مؤخراً تطبيق قراءة عربي شهير، إذ وجد هؤلاء أن النقاط التي حققها منافسوهم، يستحيل تحقيقها وفق سرعة قراءة طبيعية، لكن كان ثمة مشوار طويل على القراءة الإلكترونية أن تقطعه بين خيال بوب براون في ثلاثينيات القرن الماضي، وتطبيقات الهاتف في القرن الحادي والعشرين.

تماماً كما صار مع الإنترنت نفسه، لم يسمع الكثيرون بأجهزة القراءة الإلكترونية وقت إطلاقها نهاية تسعينيات القرن الماضي، حين كانت تسمى "الورق الإلكتروني" وتعتمد على وضع الكتب على أقراص مضغوطة – مثل الأفلام والبرامج – على غرار جهاز Rocket e- reader  الذي أطلقته شركة Sony، وكان يمكنه أن يخزن ما يصل إلى عشرة كتب (رقم يبدو مضحكا اليوم) ويباع بسعر يصل إلى حوالي 500 دولار في متاجر التجزئة.

لم تنجح أيضاً محاولات أخرى شبيهة في الفترة نفسها، إلى أن عادت "سوني" مرة أخرى بـ SONY READER  في 2006، ولكن انفجار الشهرة والمبيعات لم يحدث إلا مع الجهاز الذي أطلقته أمازون، جهاز كيندل الشهير الذي ارتبط بشراء وتنزيل الكتب من متجر كيندل الإلكتروني، لقد نفدت مبيعات الجهاز في حوالي خمس ساعات حين تم إطلاقه في العام 2007.

لم تكن القراءة الإلكترونية تعني الشيء نفسه في العالم العربي، فإن القراءة الإلكترونية في العالم العربي، بعيداً عن نوع الجهاز المستخدم، عُرفت بأنها قراءة الـ "بي دي إف"

يمكن وصف السنوات التالية بأنها سنوات ازدهار أجهزة القراءة الإلكترونية، في العالم الأول على الأقل، مع ملاحظة قد لا تكون عابرة؛ إذ وجدت دراسة في المملكة المتحدة، أن 6% من الأشخاص الأكبر من 55 عاما يمتلكون جهاز قراءة إلكتروني، مقابل 5% فقط لدى الشبان بين سن 18- 24 عاما، هل كانت تلك إشارة إلى تراجع رغبة القراءة – حتى الإلكترونية منها – لدى الشباب مقارنة بالكبار، أم أن الأسباب ببساطة قد تكون اقتصادية؟ إذ من الأسهل للأكبر سناً شراء جهاز القراءة. على كل حال سجلت الأسواق بيع حوالي 13 مليون قارىء إلكتروني عالمياً في العام 2010، نصفها تقريبا من أجهزة أمازون كيندل. غير أن العام نفسه، 2010، شهد نقلة جديدة، بإعلان شركة "أبل" إطلاق جهازها "آي باد"، الكمبيوتر اللوحي متعدد الوظائف، والذي يتضمن تطبيق "آى بوك" المتصل بمتجر "آي بوك ستور". الآن، لم تعد القراءة الإلكترونية فعلا منفصلا عن "تصفح" الانترنت أو ألعاب الفيديو، لم تعد الكتب "حبيسة" جهاز القارىء الإلكتروني، لقد صارت جزءا من نشاط متعدد على الجهاز نفسه، لقد حدث الانتقال الأول إلى عالم تشتت الانتباه. وساهم في ذلك إطلاق نسخ أجهزة لوحية تنتمي إلى نظام أندرويد، ما مهد انتقال فعل القراءة الإلكترونية من عالم الأجهزة اللوحية إلى الهواتف الذكية، لقد صارت حرفيا في كل يد.

تطور أجهزة القراءة الإلكترونية

في الآن نفسه، مع تلك التطورات المتلاحقة، لم تكن القراءة الإلكترونية تعني الشيء نفسه في العالم العربي، فإذا كان غرضها الأول في العالم المتقدم، توفير المساحة الفيزيائية التي يحتلها الكتاب الورقي، أو حتى "إنقاذ الأشجار"، وإذا كان هذا أو ذاك لم يضرب – بعد – اقتصاديات الكتاب الورقي الذي لا يزال مزدهراً في الغرب، فإن القراءة الإلكترونية في العالم العربي، بعيداً عن نوع الجهاز المستخدم، عُرفت بأنها قراءة الـ "بي دي إف".

الانتقال بلمسة إصبع بين كتاب وآخر يبدو أشبه بالحلم لقراء العصور الماضية، لكنه أيضًا يبدو نوعًا من الغرق في عناوين الشاشة البيضاء، إنها شاشة هاتف أيضًا، مما يعني أن إشعارات تطبيقات التواصل الاجتماعي، والرسائل والبريد الإلكتروني تتواصل أثناء القراءة، ولا تكف عن الانثباق في أشكال متعددة

 تطبيق PDF أو ( Portable Document Format) الذي يسمح بعرض الملفات والمستندات والصور وغيرها من الاستخدامات، والذي صار رائجا لأنه يناسب تنسيق أي جهاز، كان الاسم الكودي في العالم العربي لقراءة الكتب من دون شراءها، يوفرها أشخاص كرسوا أنفسهم لتصوير وإتاحة آلاف الكتب مجانا على الانترنت. في مهمة رآها البعض عملاً ثقافياً نبيلاً، ورآها آخرون استيلاء على حقوق الملكية الفكرية، خصوصا إذا كان الكتاب حديثا صادرا لتوّه.

هيمنت إذن نسخ الـ بي دي إف، على القراءة الإلكترونية العربية وربما لا تزال، ولكن كما استطاعت منصات المشاهدة التلفزيونية والسينمائية أن تستحوذ على قدر من المشاهدين الذين كانوا في الماضي يتبادلون الأفلام على "هاردات" الأجهزة، أو يستعملون مواقع التورنت، فإن تطبيقات القراءة الإلكترونية، المقروءة والمسموعة، بإتاحتها أعداداً هائلة من الكتب، باشتراك ينافس الأسعار التي لا تتوقف عن الارتفاع للكتاب التقليدي بسبب زيادة أسعار الورق، استطاعت أن تستحوذ على عدد ليس بالقليل من القراء العرب (2.5 مليون مستخدم لتطبيق أبجد للقراءة الإلكترونية حسب مؤسسته الأردنية إيمان حيلوز في العام 2022).

ويضيف التطبيق حوالي 500 عنوان جديد شهريا، إلى عشرات الآلاف من الكتب الموجودة بالفعل، فضلا عن الكتب المتاحة إلكترونياً من دون أصل ورقي. إنها أرقام تسيل لعاب أي محب للقراءة، لكن هل تكون إتاحة كل هذه الكتب على شاشة في كف اليد، أكثر من اللازم؟

على غرار اللوحين الذين كان يمسك بهما سعيد صالح في المسرحيةـ، يتيح التطبيق للقارىء كل الكتب التي بدأ في قراءتها جنباً إلى جنب، مع توضيح النسبة المئوية التي قرأها من الكتاب، وكتجربة ذاتية، لكاتب هذه السطور، والكثير ممن يعرفهم، كثيراً ما تُنسى عناوين بعد البدء فيها، بل أحيانا تُنسى عناوين قرئت بالفعل، إن الانتقال بلمسة إصبع بين كتاب وآخر يبدو أشبه بالحلم لقراء العصور الماضية، لكنه أيضًا يبدو نوعا من الغرق في عناوين الشاشة البيضاء، إنها شاشة هاتف أيضًا، مما يعني أن إشعارات تطبيقات التواصل الاجتماعي، والرسائل والبريد الإلكتروني تتواصل أثناء القراءة، ولا تكف عن الرنين أو الانثباق في أشكال متعددة، كأن القراءة تتم فوق طوف خشبي وسط موج محيط متلاطم، بينما يتراكم الغبار فوق النسخ ورقية ننسى كذلك أننا اشتريناها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image