شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
البعض ترك الرفاهيات والبقية تعاين الجوع… كيف استقبل المصريون قرارات رفع الأسعار؟

البعض ترك الرفاهيات والبقية تعاين الجوع… كيف استقبل المصريون قرارات رفع الأسعار؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بعد إعلان الحكومة المصرية زيادة تسعيرة الكهرباء وباقات الإنترنت والموبايل وتذاكر مترو الانفاق مطلع هذا العام، لم تجد سارة سيد ووالدتها مفراً من تقاسم فاتورة الانترنت والكهرباء وكافة المرافق لمنزلهما الصغير المكون من حجرتين فقط، بعد أن كانت الأم تدفع الحصة الأكبر، ليتبقى لكلٍّ منهما مبلغاً قليلاً من معاشها.

تعيش سارة، وهي سيدة ثلاثينية مطلقة لا تعمل، وابنتها التي يبلغ عمرها سبع سنوات، مع والدتها منذ طلاقها قبل عدة أعوام. تحصل الأم والجدة على معاش الجد مناصفة، لكلٍ منهما مبلغ 2400 جنيه (80 دولاراً أميركياً) شهرياً. وتحصل الجدة على معاش إضافي من والدها يبلغ 3000 جنيه (100 دولار). ومع تعقيد إجراءات حصولها على نفقة من طليقها الذي انتهت علاقتهما رسمياً عام 2020، بسبب عجزها عن إثبات دخله لأنه لا يعمل في وظيفة ثابتة.

وتقول سارة لـ رصيف 22 "قبل الزيادة الأخيرة كنت أسدد فاتورة الإنترنت مرة كل شهرين، على أن تقوم والدتي بسدادها في الشهر الثالث، وكنت أدفع فاتورة المياه والغاز فيما تسدد أمي فاتورة الكهرباء لارتفاعها. ولكن مع الزيادة الأخيرة اتفقت مع والدتي على تقاسم كافة الفواتير مناصفة، ليتبقى لكلٍّ منَّا مبلغاً يكفي للإنفاق حتى نهاية الشهر".

اليوم نجوع لنعيش

تراوحت زيادة تعريفة الكهرباء الأخيرة، وهي الأولى منذ سنة ونصف، بين 9% و21%، بحسب بيانات نشرها مرفق تنظيم الكهرباء وحماية المستهلك دون بيان صحافي، تحت عنوان "تعريفة يناير 2024"، وسيتم إعادة النظر فيها في حال تحريك سعر الدولار المتوقع قريباً. وقال المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء المستشار محمد الحمصاني في تصريحات إعلامية، إن الحكومة أجلت زيادة أسعار الكهرباء ثلاث مرات من قبل.

"في البداية كنا نأكل لنعيش ولكننا اليوم نجوع لنعيش. لم تعد هناك رفاهية شراء اللحوم والدواجن والاسماك كل بداية شهر وملء المجمد والثلاجة"، كما كانت سارة تفعل حتى مطلع العام الماضي، عندما انخفضت قيمة الجنيه مقابل الدولار من 18 إلى 25 جنيهاً.

كانت سارة تتحمل جزءًا أقل من مصروفات المنزل، لأنها تخصص الجزء الأكبر من دخلها لتعليم ابنتها. وعلى مدار السنوات السابقة اعتادت أسرة سارة على تقلبات المستوى الاقتصادي جراء التضخم والتعويم، ففي العام الأول لدراسة ابنتها ألحقت الطفلة بمدرسة خاصة، ولكن مع ارتفاع المصروفات أكثر من مرة تحت حجج مختلفة ألحقتها عام 2021 بمدرسة حكومية تُعفى من مصاريفها باعتبارها أمًا معيلة، لكنها في المقابل تعتمد على دروس تدفع مقابلها ربع دخلها.

"في البداية كنا نأكل لنعيش ولكننا اليوم نجوع لنعيش. لم تعد هناك رفاهية شراء اللحوم والدواجن والاسماك كل بداية شهر وملء المجمد والثلاجة" وهو ما كانت العائلة تستطيع القيام به حتى مطلع العام الماضي، مع انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار من 18 إلى 25 جنيهاً.

وتتابع "الآن أقصى ما نستطيع أن نقوم بشرائه كيلوغرامين أو ثلاثة من اللحم أو الدجاج كلَّ فترة، ولا أعرف كيف سنقضي رمضان القادم الذي يأتي ومعه الالتزامات العائلية والعزائم"، تقول سارة.

تقدّر سارة احتياجاتها من اللحم والدجاج لعزائم رمضان بخمسة كيلوغرامات "وإذا اشتريت خمسة كيلو سأدفع على الأقل 1000 جنيه (33 دولاراً) فماذا سأفعل في باقي الشهر؟"، وهذا بأسعار اليوم إذا لم ترتفع مجدداً قبل حلول رمضان بعد نحو شهرين، في آذار/مارس المقبل.

مع الزيادات الأخيرة، افتتحت سارة عام 2024 بقرار التخلي عن بعض احتياجاتها التي أصبحت الآن بذخًا، مثل القهوة التي تحبها واعتادت شربها يومياً، والشيكولاته الساخنة والنسكافيه التي كانت تشتريهما على فترات متقطعة، والاكتفاء بالشاي مشروباً وحيداً في المنزل، مع ارتفاع تكلفة إعداده هو الآخر، على خلفية ارتفاع أسعار السكر.

وفي تصريحات صحافية، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن زيادة أسعار الكهرباء ستقلِّص خسائر القطاع من 90 مليار جنيه (3 مليارات دولار تقريباً) إلى نحو 73 مليار جنيه، أي نحو 2.43 مليار دولار سنوياً. ولكن بالنسبة لسارة، فإن القرار لم يقلِّص إلا قدرتها على الإنفاق.

الاجتماع في غرفة واحدة

في أول أيام العام الجديد اجتمع عمرو القرشي بزوجته وأبنائه الأربعة ليبلغهم بإلغاء باقة الإنترنت المنزلي، والاكتفاء بباقة الموبايل الخاصة بكل فرد من الأسرة، ونصحهم بالتعامل معها بترشيد وحكمة لأنها في حال انتهت لن تُجدد إلا موعدها الشهري.

لم تتوقف متاعب عمرو عند غلاء أسعار الكهرباء هذا الشهر أو الوقود خلال السنوات الماضية، ولكنه أيضاً يترقّب تأثيراً متوقعاً لقرار رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، بالرغم من أنه لا يعتمد عليه في تنقلاته بصورة منتظمة؛ لأن أحد أبنائه يفعل.

أيضًا أبلغ عمرو، الذي يعمل سباكاً ويمتلك محلّاً للأدوات الصحية، عائلته بالطريقة الجديدة في استخدام الكهرباء، وهي أنَّ الأسرة ستجتمع كلها في غرفة واحدة، وستعتمد على جهاز تليفزيون واحد فقط في المنزل، وأكد مراراً على ضرورة إغلاق الأضواء في بقية غرف المنزل.

يبلغ صافي دخل عمرو 4000 جنيه (133 دولاراً) بعد خصم بعض الأقساط المستحقة عليه. وبالرغم من امتلاكه سيارة، فإنه لم يعد قادراً على الاعتماد عليها عندما يكون وحده، واكتفى باستخدامها عندما يصطحب أسرته بالكامل معه حيث تصبح تكلفة الوقود أقل من تكلفة المواصلات، وذلك منذ أخر رفع لأسعار الوقود.

"الأسعار كل يوم في زيادة لذلك التزمت مع أسرتي بالضروريات فقط، سواء في الطعام أو غيره، فأصبحت اللحوم مرة أو اثنتين في الأسبوع فقط مع تفضيل الدواجن على اللحوم البلدية لانخفاض سعرها. وبدلاً من شراء ثلاث دجاجات أصبحت أشتري دجاجة واحدة لنأكلها في اليوم، ونقضي اليومين التاليين في أكل أي وجبات رخيصة، وفي اليوم الرابع يمكن أن نفكر في شراء بروتين حيواني آخر" يقول عمرو.

لم تتوقف متاعب عمرو عند غلاء أسعار الكهرباء هذا الشهر أو الوقود خلال السنوات الماضية، ولكنه أيضاً يترقّب تأثيراً متوقعاً لقرار رفع أسعار تذكرة مترو الأنفاق بنسبة 20%، بالرغم من أنه لا يعتمد عليه في تنقلاته بصورة منتظمة؛ لأن أحد أبنائه يفعل.

لن يكون هذا التأثير مباشراً لأن ابنه يستخدم الاشتراك المخصص للطلاب والذي ما يزال سارياً، ولكنه متخوف من أن يتبع رفع سعر التذكرة العادية رفع سعر الاشتراكات.

وزير النقل المصري كامل الوزير برر هذه الزيادات بأنها ضرورية لتغطية نفقات تشغيل المرفق من قطع غيار وصيانة، بعد ارتفاعها بسبب ارتفاع سعر الدولار، وكذلك أجور العاملين فيه والتي ارتفعت تنفيذاً لقرارات رفع أجور العاملين بالدولة، مشدداً على أن الأجور ارتفعت أكثر من مرة منذ 2019 دون المساس بسعر التذكرة.

ولكن إذا كان تأثير زيادة أسعار المترو على عمرو مؤجلاً، فإنَّ الوضع يختلف بالنسبة لسيف عبد اللاه، المدير المالي في إحدى شركات الأقمشة، والذي عانى من زيادة مضاعفة.

ويوضح سيف لـ رصيف22 قائلًا "يقع عملي بالقرب من محطة مترو عدلي منصور بداية الخط الثالث للمترو وأسكن بالقرب من محطة مترو إمبابة في نهاية ذات الخط، لذلك أمر يومياً بـ24 محطة مترو".

قبل الزيادات الاخيرة كان سيف يدفع 20 جنيهاً يومياً ذهاباً وإياباً، وكان ضمن الفئة الأعلى في أسعار التذاكر لانه يستخدم التذكرة المخصصة لأكثر من 16 محطة.

إلا أن الزيادة الاخيرة لم تكتفِ برفع سعر التذكرة إلى 12 جنيهاً، بل جعلت الحد الأقصى لها 23 محطة فقط، واستحدثت تذكرة جديدة لعدد المحطات الأكثر بـ 15 جنيه، أي أن الزيادة التي وقعت على سيف بلغ نحو 50%. وجد الموظف الذي يبلغ متوسط دخله الشهري عشرة آلاف جنيه نفسه يدفع 240 جنيهاً إضافية كلَّ شهر ثمناً لتذاكر المترو، ذلك أنه يذهب إلى عمله ستة أيامٍ في الأسبوع. 

الطبقات الوسطى تودع التسلية

في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، توقع البنك الدولي أن تصل معدلات التضخم في مصر إلى 26.7% في عام 2024، وهو الأعلى بين الدول العربية، ويأتي اليمن ثانياً بمعدل تضخم عند 17.3% في 2024. في المقابل، أعلن البنك المركزي المصري تباطؤ معدل التضخم الأساسي في مصر خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إلى 35.9% في مقابل 38.1% في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مدعوماً بانخفاض أسعار بعض السلع الغذائية.

هناك رفاهيات أخرى تخلت عنها ندى مثل السفر للعطلات، أو النزهات الاسبوعية التى لم تعد تتحملها ميزانية الأسرة، كما ألغت باقة الهاتف المحمول والإنترنت وتحولت من نظام الفاتورة إلى نظام الكارت المدفوع مسبقاً.

هذه الأرقام، انعكست على حياة ندى طعيمة وأسرتها التي كانت حتى وقت قريب تعتبر نفسها ميسورة الحال. بالرغم من فصل ندى المُدرسة من عملها تعسفياً، كان دخل زوجها المعالج النفسي الذي يبلغ 15 ألف جنيه (500 دولار) يضمن حياة مريحة حتى أشهر مضت.

ومع الزيادات الأخيرة تغيرت حياة ندى وعائلتها بعض الشيء "كل الرفاهيات ألغيت بالكامل، حتى اللجوء للأطباء أصبح في الحالات التي لا يمكن التعامل معها منزلياً، فبدلاً من الذهاب للطبيب سواء أنا أو بناتي، أصبحت أتصل بالصيدلية للحصول على الدواء المناسب"، حسبما قالت لـ رصيف 22.

تضيف ندى "بسبب الأحوال الاقتصادية قبل زواجي اضطررت لبيع سيارتي، وحالياً لم أعد أمتلك رفاهية ركوب تاكسي، فأصبحت المواصلات وسيلتي الأساسية في كل تحركاتي، ولا أملك حيلة في التعامل مع ارتفاع أسعارها إلا بإلغاء المواعيد غير الضرورية.

هناك رفاهيات أخرى تخلت عنها ندى مثل السفر للعطلات، أو النزهات الاسبوعية التى لم تعد تتحملها ميزانية الأسرة، كما ألغت باقة الهاتف المحمول والإنترنت وتحولت من نظام الفاتورة إلى نظام الكارت المدفوع مسبقاً.

حدث ذلك التحول الأخير بعد أن أبلغت شركات المحمول الأربعة العاملة في مصر عملاءها، عبر رسائل نصية، رفع أسعار خدمات الهاتف المحمول والباقات بداية من شباط/ فبراير المقبل، بنسبٍ تتراوح بين 10% إلى 17%، في زيادة هي الأولى منذ 2017، ومنذ إضافة ضريبة القيمة المضافة.

في أروقة البرلمان، لم يشغل قرار رفع الأسعار الأخير بال نواب كثيرين ولم ينل حظه من المناقشة، إلا عبر طلب إحاطة واحد من النائب إيهاب منصور رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي المعارض حول هذه الزيادات، لكلٍّ من رئيس الوزراء ووزراء الكهرباء والنقل والتموين، قال فيه إن هذه الزيادات ستساهم بشكل مباشر في مزيد من التضخم وإلحاق ضرر مباشر بغالبية المواطنين من الطبقة المتوسطة وكل الطبقة الفقيرة، وهو ما يساوى حوالى 90% من المواطنين.

في المقابل، ما يزال المستشار الحمصانى يؤكد أن أزمة ارتفاع معدل التضخم وزيادة الأسعار مستمرة حتى 2024 على أن تتحسن المؤشرات في 2025.

ولكن حتى يأتي عام 2025، وتتحسن المؤشرات بحسب الحمصاني، سيكون على سارة وعمرو وندى التأقلم على التغييرات التي تلحق بمستوى معيشتهم ودخلهم بناء على القرارات الاقتصادية التي تتخذها الدولة، حتى وإن اختلف تأثيرها عليهم بحسب مستويات معيشتهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image