بفارق يقل عن أسبوع واحد، سبق عيد القيامة المجيد - بتقويم الكنيسة الأرثوذكسية- في مصر هذا العام عيد الفطر المبارك، ليتشارك مسيحيو البلاد ومسلموها مظاهر الاحتفال بالأعياد، أو - الأحرى- تراجع تلك المظاهر.
على الرغم من أنه - حسب البيانات الرسمية- لم تسجل أسعار الملابس والأحذية ارتفاعا بنسبة تزيد على 20.9% وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن مارس/ آذار، بدت الأسعار التي حملتها لافتات وواجهات المحال كأنها تتحدى رغبة الأسر في الالتزام بعادة شراء الملابس الجديدة للأطفال، في وقت يستمر انتعاش أسواق الملابس المستعملة التي باتت بديلاً مقبولاً لدى طوائف واسعة من المصريين، وإن بدأت هذه الأسواق نفسها تعاني من الركود مع تفاقم الأزمة الاقتصادية للشهر الرابع عشر على التوالي.
وبعيداً عن الإحصاءات الرسمية للدولة، يرصد العاملون بأسواق الملابس ارتفاع الأسعار 60% بحسب محمود الداعور الرئيس الأسبق لشعبة الملابس بالاتحاد العام للغرف التجارية.
ومع تراجع المبيعات اضطررت العديد من المصانع إلى خفض طاقتها الإنتاجية، خاصة مع ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج بين 100 و 120% بحسب رئيس غرفة صناعة الملابس باتحاد الصناعات في حديثه إلى رصيف22. وللعام الثاني تتكرر ظاهرة "الفُرجة" على واجهات المحال التي تعرض "ملابس العيد".
لأن يوستينا عماد التي تقيم في مدينة طنطا تحرص كل عام على شراء ملابس الاحتفال بعيد القيامة لطفليها، فقد أعدت العدة مبكراً هذا العام، وادخرت طويلاً كي تتمكن من إشعارهم بأن شيئاً لم يتغير، لكن حتى مع الادخار بقيت الملابس الجديدة خارج قدراتها الشرائية
فخ الأمهات الوحيدات
لم تتمكن بسمة يوسف، 35 عاماً، مواليد محافظة الشرقية، هذا العام من شراء ملابس جديدة لطفليها على الرغم من حرصها على هذه العادة حتى بعد انفصالها عن زوجها وتوليها وحدها مسؤوليتهما.
تأسف بسمة التي تحاول تعويض ابنيها عن افتقادهما وحدة الأسرة لأنها اضطرت إلى مفاجأة ابنيها بأنهما سيقضيان العيد بملابس قديمة هذا العام، "قلت لهم هتعيدوا بملابس العام الماضي ". بحسب بسمة لم يكن أمامها بديل آخر خاصة أن دخلها الشهري لا يتخطى 4000 جنيه شهرياً نحو 129 دولاراً. لم تكن بسمة أول المقاطعين اضطراراً في أسرتها لشراء ملابس الأطفال، شقيقتها هي الأخرى لم تتمكن من الشراء.
جلس محمد عباس*، حاملاً ابنه البالغ من العمر نحو أربع سنوات، وإلى جواره زوجته وابنتهما أمام إحدى محال الملابس الشهيرة بسوق التجاري بمحافظة دمياط، بعد جولة لشراء ملابس للطفلين. يحكى عباس لـرصيف22: "دخلي لا يتخطى 3500 جنيه (113 دولاراً) وحينما سألنا على جاكت لطفلنا وجدناه بـ 990 جنيه يعني حوالى ثلث المرتب، كان نفسي أفرحه بس ما باليد حيلة، هشترى له عباءة وسبحة للاحتفال بالعيد، الأسعار فوق قدرتنا الشرائية".
لم تقاطع الأسر شراء ملابس الأطفال هذا العام. كل منها تعاملت مع الموقف بحسب دخل ربّها، هناك من قلّص مشترياته تزامناً مع ارتفاع الأسعار، كأميرة يحيى المقيمة بمحافظة القاهرة، التي قررت وشقيقتها تخفيض مشترياتهما من ملابس الأطفال إلى النصف بعد ارتفاع الأسعار. تقول: "ارتفع سعر بنطلون الأطفال من 250 لـ400 جنيه خلال العام الأخير".
لم تعانِ محالّ الملابس وحدها من حالة الكساد هذا العام، فمصممو الأزياء أيضاً الذين يتعاملون مع الشرائح العليا من الطبقة الوسطى وما فوقها، تأثروا سلباً بتراجع حجم الإقبال على خدماتهم نتيجة زيادة الأسعار، فتقلص نشاطهم هو مؤشر على تراجع أحوال الطبقات الأكثر ثراءً في مصر
ولأن يوستينا عماد التي تقيم في مدينة طنطا (محافظة الغربية) تحرص كل عام على شراء ملابس الاحتفال بعيد القيامة لطفليها، فقد أعدت العدة مبكراً هذا العام، وادخرت طويلاً كي تتمكن من إشعارهم بأن شيئاً لم يتغير، لكن حتى مع الادخار بقيت الملابس الجديدة خارج قدراتها الشرائية. تقول: "الأسعار مبالغ فيها جداً، لكن ما باليد حيلة اضطريت أشترى عشان خاطر ولادي الأساسيات فقط. خاصة أن أقل طقم لطفل صغير يقدر بـ800 جنيه". الأمر ذاته عايشته سارة محسن المقيمة بمحافظة دمياط إذ دفعتها ظروفها لتقليص مشترياتها إلى النصف، خاصة بعد ارتفاع سعر "الطقم" من 350 لـ 700 جنيه، قائلة "مقدرش أحرم ولاي من فرحتهم بالعيد".
تراجع كبير وعمالة تبحث عن القوت
يقول محمد فؤاد، مالك محل ملابس أطفال بشمال سيناء، إن مبيعاته تراجعت 70%، مما دفعه للاستغناء عن 33% من عمالته، والاستعانة بأفراد عائلته لتشغيل متجره لترشيد النفقات.
بحسب فؤاد، تراوح معدلات الزيادة في أسعار ملابس الأطفال بين 35 و 60%. فسعر الفستان من 300 لـ 800 جنيه. يذكر أن معدلات التضخم في أسعار الملابس في المحافظات عادة تسجل نسباً أقل من تلك التي تسجلها العاصمة.
زادت أسعار مستلزمات الإنتاج من ماكينات وإبر وخيوط وأجور عمال وبدل إيجار نحو 100% على مدار العام، نتيجة تراجع قيمة الجنيه وارتفاع الدولار، مما تسبب في كساد قطاع الملابس الجاهزة خاصة مع تراجع القدرات الشرائية للمواطنين، وهو ما دفع البعض لوقف نشاطه
لم تعانِ محالّ الملابس وحدها من حالة الكساد هذا العام، فمصممو الأزياء أيضاً الذين يتعاملون مع الشرائح العليا من الطبقة الوسطى وما فوقها، تأثروا سلباً بتراجع حجم الإقبال على خدماتهم نتيجة زيادة الأسعار، فتقلص نشاطهم هو مؤشر على تراجع أحوال الطبقات الأكثر ثراءً في مصر، وذلك بحسب مصممة الأزياء هويدا سليمان التي اعتادت استقبال الصفوة من سيدات محافظة دمياط. تقول: "الأزمة الاقتصادية أثرت على جميع الأسر لتتراجع مشترياتهم من الملابس الجاهزة والمصممة لدى الاتيليهات بنحو 50% مقارنة بالعام السابق، فعلى مدار الأشهر الماضية لم أتلقَّ طلبات تصميم ملابس أطفال إلا مؤخراً، إذ بدأت بعض الأسر تطلب مني تصميم ملابس لأطفالها تزامناً مع احتفالات الأعياد".
ابحث عن الدولار
وبحسب الداعور، زادت أسعار مستلزمات الإنتاج من ماكينات وإبر وخيوط وأجور عمال وبدل إيجار نحو 100% على مدار العام، نتيجة تراجع قيمة الجنيه وارتفاع الدولار، مما تسبب في كساد قطاع الملابس الجاهزة خاصة مع تراجع القدرات الشرائية للمواطنين، وهو ما دفع البعض لوقف نشاطه. وقد تراجع حجم المبيعات بنحو 70% مقارنة بالوضع ما قبل جائحة كورونا.
عدد مصانع وورش الملابس المسجلة رسمياً في مصر يصل إلى 12 ألفاً، يعمل نحو الثلث منها في تصنيع ملابس الأطفال، اضطرت بعض المصانع لخفض طاقتها الإنتاجية نحو 30%، فيما يقدر عدد محال الملابس بـ 7000 محل، وهي اضطرت أيضاً إلى خفض العمالة وتكاليف التشغيل
ووفق الدكتور محمد عبد السلام رئيس غرفة صناعة الملابس والمفروشات المنزلية باتحاد الصناعات، ارتفعت أسعار الملابس من 30% لـ50% هذا الموسم، مرجعاً السبب لارتفاع سعر الدولار "الذي كان له بالغ الأثر في ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج من 100% لـ 120%".
يؤكد عبد السلام لرصيف22 تراجع المبيعات بمتوسط نسبة بلغت 30% "الأسرة بدلاً من أن تشترى ثلاث قطع لطفلها تشتري قطعتين".
ويبين أن عدد مصانع وورش الملابس المسجلة رسمياً في مصر يصل إلى 12 ألفاً، يعمل نحو الثلث منها في تصنيع ملابس الأطفال، "ومع تراجع المبيعات اضطرت بعض المصانع لخفض طاقتها الإنتاجية نحو 30%، فيما يقدر عدد محال الملابس بـ 7000 محل، وهي اضطرت أيضاً إلى خفض العمالة وتكاليف التشغيل".
وبحسب عبد السلام، انخفض المطروح من الملابس المستوردة بسبب أزمة الدولار نحو 25%، وبات نسبة الإنتاج المحلي في المحال 85%.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com