شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بين المقترح المصري والقطري لوقف إطلاق النار... هل اقتربت مبادرة السلام العربية؟

بين المقترح المصري والقطري لوقف إطلاق النار... هل اقتربت مبادرة السلام العربية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأحد 14 يناير 202401:23 م

وقف إطلاق النار، أو الهدنة، أو تجميد الحرب، يختلف كلياً عن بناء السلام، فبحسب معهد "كروك" لدراسات بناء السلام في العالم، فالأول يحتاج إلى تحرك سريع وحل لأزمات فورية، بينما الثاني هو عملية طويلة ويشمل تطوير العلاقات الشخصية والجماعية والسياسية عبر الحدود العرقية والدينية والطبقية والقومية والعنصرية. ويهدف إلى حل الظلم بطرق غير عنيفة وتغيير الظروف الهيكلية التي تولد الصراع المميت. 

يتطلب وقف الحرب -أي حرب- بين طرفين وجود عاملين أساسيين كما تشير علوم السياسة، أولاً وجود نية حقيقية لديهما بتحقيق هذه الغاية تمنعها بعض حسابات الربح والخسارة، وثانياً أن يقدم الحل المطروح بعض المكاسب لكل طرف بما يضمن جعله –يفلت- لجام الحرب مقابل خسائره جراء توقفها، أو ما يمكن تسميته بالـ"تسوية".

أمام إسرائيل اليوم ثلاثة خيارات عربية، أولاً مقترح وقف إطلاق النار المصري، وثانياً المقترح القطري لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وثالثاً والأهم المبادرة العربية للسلام النهائي بقيادة السعودية.  

لكن، هل التحرك العربي بوزن الحدث؟ 

يقول أستاذ سياسات الشرق الأوسط المعاصر في جامعة نورث ويسترن د. خالد الحروب لرصيف22: "برأيي لا يوجد مبادرات عربية حقيقية وجدية لوقف إطلاق النار، أي مبادرة جدية يجب أن تتضمن فعل دبلوماسي ضاغط، ولا يوجد أي دولة عربية من التي لديها علاقات مع إسرائيل حاولت حتى التلميح بطرد السفير الإسرائيلي لمحاولة وضع ضغط، عملياً ما يحدث في العالم كله هو محاولات أخذ قرار من مجلس الأمن وحتى هذا لم ينجح".

ويرفض الحروب تسمية التحركات العربية بالمبادرات، على اعتبارها لا ترتقي إلى حجم الحدث، مع اعتقاده أن بعض الدول العربية انحازت للجانب الإسرائيلي في الصراع من خلال صمتها أو مواقفها الباهتة.

يضيف الحروب: "الدول العربية على الهامش، وليس لها أي فعل، فما تسميه حراكاً وهو الذي تولد عن قرار القمة العربية لم يثمر شيئاً، هناك زيارات دبلوماسية أراها لمجرد ذر الرماد في العيون، مثلاً أول زيارة قام بها الوفد الذي أنتجته القمة العربية كانت للصين، والتي موقفها أفضل من موقف الجامعة العربية. فما معنى الزيارة؟ هل هناك محاولة للضغط على الصين مثلاً بدلاً من زيارة واشنطن والضغط على الرئيس الأمريكي ومن ثم رئيس الوزراء البريطاني والدول التي تدعم إسرائيل؟ نشاهد هذا الوفد يجول العالم في زيارات لا معنى لها، ليتنقل بين عواصم غير مؤثرة أو موقفها أفضل من البقية". 

المقترح المصري لوقف إطلاق النار... بالتدرج 

يمكن تلخيص المقترح المصري بأنه متدرج، ويحمل حلولاً إنسانية مرحلية لا سياسية دائمة بالأساس، وينقسم إلى عدة مراحل، وفي كل مرحلة منها يتم تفكيك جزء من العوائق التي تحول دون وقف إطلاق النار، فهو عبارة عن هدن زمنية قصيرة تتراوح مددها ما بين الأسبوع والعشرة أيام قابلة للتمديد كما تشير النسخة المعدلة من المقترح المصري.

الجانب المصري صرح أنه "حاول التوفيق بين وجهات النظر المختلفة"، لا سيما بعد زيارة اسماعيل هنية للقاهرة، وتوضيح الأخير وجهة نظر حركة حماس في شعار "كل شيء مقابل كل شيء" للموافقة على أي اتفاق، أي كل الرهائن الإسرائيليين مقابل وقف كامل لإطلاق النار. 

بحسب المقترح، وكشرط أساسي للاتفاق يلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار كاملاً، وستعيد إسرائيل نشر قواتها بعيداً عن المربعات السكنية، مع السماح بعودة السكان إلى شمال القطاع، والسماح بدخول المساعدات بشكل مكثف بما فيها المحروقات والمستلزمات الطبية. وفي المقابل توقف حماس عملياتها كاملة، وتفرج عن جميع الرهائن المحتجزين لديها من النساء والأطفال مقابل ما يتم الاتفاق عليه من الأسرى من خلال الوسيط المصري.

أما المرحلة الثانية، فتشمل الإفراج عن كافة المجندات المحتجزات لدى حماس، بالإضافة إلى كافة الجثامين المحتجزة لديها، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد من الأسرى الفلسطينيين يتفق عليه الجانبان.

وفي المرحلة الثالثة والأخيرة وهي مفاوضات تمتد لشهر كامل تقوم حماس بالإفراج عن جميع الجنود المحتجزين لديها مقابل ما يتم الاتفاق عليه من عدد للأسرى في السجون الإسرائيلية. 

بحسب المقترح المصري يلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار كاملاً، وتعيد إسرائيل نشر قواتها بعيداً عن المربعات السكنية، مع السماح بعودة السكان إلى شمال القطاع، ودخول المساعدات بشكل مكثف. وقد صرحت مصر أنها لم تتلق أي رد من أي طرف

مصرياً، كان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان قد أعلن أن "مصر طرحت إطاراً لمقترح لمحاولة تقريب وجهات النظر بين كل الأطراف المعنية، سعياً وراء حقن الدماء الفلسطينية، ووقف العدوان، وإعادة السلام والاستقرار للمنطقة، وأن صياغة هذا الإطار قد تمت بعد استماع مصر لوجهات نظر كل الأطراف المعنية بهذا الإطار يتضمن ثلاث مراحل متتالية ومرتبطة معاً، وتنتهى إلى وقف إطلاق النار".

بحسب الصحافة العبرية، ووفق ما ذكره موقع "والا" في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2023، فقد رفضت كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي المقترح المصري، مقابل التنازل عن السلطة، مع إحالة هذه التسريبات لبعض المسؤولين المصريين بدون ذكر أسمائهم، لكن رشوان عاد وأكّد مصر لم تتلقّ حتى الخميس 29 كانون الثاني/ ديسمبر أية ردود من الطرفين سواء بالموافقة أو الرفض.

المبادرة القطرية لتبادل الأسرى... والهدنة ربما 

في يوم 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023 نقلت الجزيرة الأخبارية خبراً سربته "القناة 12" العبرية مفاده أن مجلس الوزراء الحربي يناقش مبادرة قطرية جديدة لإطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس، مع التنويه أنها تختلف في تفاصيلها عن المبادرات القديمة.

كما بثت "القناة 13" العبرية خبراً آخر عن تسلم إسرائيل اقتراح قطري جديد لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين في غزة على عدة مراحل، معظمها سيأتي قرب نهاية الصفقة وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وأن هذا الاقتراح يتضمن خروج آمن لقادة حماس من غزة.

الخبر السابق لم يتم تأكيده أو نفيه من قبل الجانب القطري أو الإسرائيلي بشكل رسمي، برغم أن الإعلام العبري تداوله بناء على "تسريبات" وبأن صيغته تقوم على إخراج جميع الرهائن أو الأسرى الإسرائيليين، مقابل وقف إطلاق النار، مع وجود بند مختلف عليه حول "خروج بعض قادة حماس من القطاع" على غرار سيناريو خروج المنظمة من بيروت.

لكن القيادي في حركة حماس أسامة حمدان خرج في المؤتمر الصحافي الذي عقد في بيروت بتاريخ 10 كانون الثاني/ ديسمبر 2024 نافياً وجود أي اتفاق يتضمن هذا البند، قائلاً إن "فكرة نزع سلاح المقاومة ساذجة ولا تراعي حقائق الأمور، وإن الحديث عن خروج المقاومة ومغادرتها مجرد وهم". 

بثت "القناة 13" العبرية خبراً عن تسلم إسرائيل مقترح قطري لإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين في غزة على عدة مراحل، معظمها سيأتي قرب نهاية الصفقة وبعد انسحاب الجيش

لكن اللافت وجود مبادرة قطرية من نوع آخر غير سياسي، فقد تم الإعلان عنها في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023 في الدوحة تحمل اسم "إعادة بناء الأمل في غزة" تستهدف 233 ألف شخص من المراهقين والأطفال والنساء، وتقام بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري واليونيسيف، بهدف توفير الدعم النفسي ومساحات التعلّم، والوجبات الساخنة، والمستلزمات الصحية للنساء والفتيات. حيث لم يتم ربط هذه المبادرة بأي ظرف سياسي كوقف إطلاق النار أو انتهاء الحرب.  

ضعف المبادرات العربية أو غيابها 

الاقتصار على مبادرتين فقط بعد أكثر من مئة يوم من الحرب الأشرس في التاريخ الحديث، يراه البعض تدخلاً ضعيفاُ مقارنة بعدد الدول العربية وقوتها مجتمعة، إضافة إلى غياب التحرك باتجاه الضغط العالمي على غرار القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا مثلاً في محكمة العدل الدولية، وهو ما يؤيده الكاتب السياسي والأكاديمي الفلسطيني د. إياد البرغوثي، يقول لرصيف22 في هذا الشأن: "الذي يقدم الاقتراحات هو الذي يملك مشروع، ولديه استراتيجية، ويجمع أوراق القوة لتنفيذ ذلك المشروع،  هذا كله ليس موجوداً لدى الدول العربية، على الأقل في الوقت الحالي، وبالتالي تبحث هذه الدول فرادى عن قوة عظمى يتموضعون إلى جانبها. وبالطبع فهذا التموضع كان الى جانب أمريكا لأسباب تاريخية وأشياء آخرى، وهم يتنافسون فيما بينهم على هذا التموضع". 

ويضيف: "هذا يعني أن العرب آمنوا أن أفضل وضع لهم هو ضعفهم، لذلك يقفون ضد أي طرف عربي ينتصر لأن هذا يكشفهم من ناحية ويُضر بتموضعهم من ناحية ثانية. لذلك غضبوا من كل من لم ينهزم بما في ذلك غزة الآن، في المنطقة الآن لا يوجد إلا مشروعين ونصف. الإيراني والإسرائيلي، ونصف التركي لأنه تابع للأطلسي". 

السعودية... ومبادرة السلام العربية  

لا يمكن القول بأن السعودية قدمت مبادرة لإيقاف الحرب على غزة، لكن مبادرة السلام العربية لم تزل على الطاولة كحل شامل وليس فقط كوقف للحرب، وهي المبادرة التي أطلقها الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز حين كان ولياً للعهد، في قمة بيروت 2002.

وملخصها أن تنسحب إسرائيل انسحاباً كاملاً من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان والأراضي التي لا زالت محتلة في الجنوب اللبناني، وحتى خط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مقابل أن تقيم الدول العربية علاقات طبيعية معها وتعترف بدولة إسرائيل.

لم تزل مبادرة السلام العربية على الطاولة كحل نهائي ليس للحرب على غزة فقط بل للسلام ككل، فمنذ العام 2002 أعيد إقرارها 5 مرات في مؤتمرات القمة العربية، وتم تجديدها في العام 2013 بوساطة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري لـ"تقبلها إسرائيل"، وكان آخر تذكير بوجودها على الطاولة قبل الحرب في البيان الختامي لمؤتمر جدة 2023، وفي خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2023، وفي إعلان " بيان تنشيط المبادرة" الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي والسعودية وجامعة الدول العربية، بالتعاون مع مصر والأردن في أيلول/ سبتمبر 2023.

لكن مؤخراً بدأ الحديث عن هذا الخيار للحل النهائي يتكاثر في الأوساط الإسرائيلية، مع تذكير الجامعة العربية بأنه "لا يزال متاحاً"  لم يزل كثير من السياسيين الإسرائيليين يطالبون بقبولها من "أجل مستقبل إسرائيل"، ففي 8 كانون الأول/ ديسمبر 2023 كتب الوزير وعضو الكنيست السابق مئير شطريت في صحيفة معاريف مقالة يدعو بها إلى القبول بالمبادرة. 

مؤخراً بدأ الحديث عن مبادرة السلام العربي يتكاثر في الأوساط الإسرائيلية، كحل نهائي من أجل ضمان "سلام مستقبل إسرائيل"

ومنها: "اليوم أكثر من أي وقت مضى هو الوقت الصحيح للدفع قدماً بالمبادرة، وأساساً في ضوء الحرب الجارية مع حماس وفي ضوء تحسين العلاقات بين إسرائيل والسعودية والإمارات. أقدر بأنه إذا ما طلبت إسرائيل من السعودية الدفع قدماً بالمبادرة، سيكون هذا بالتوازي خطوة هائلة للتقدم في اتفاق السلام مع السعودية، كون هذه الخطوة ستحترم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتعظم النفوذ السعودي في المنطقة.

نحن اليوم بحاجة إلى إسناد أمريكي وأوروبي وعربي لإنهاء حكم حماس في غزة، وهذه الخطوة تنخرط جيداً مع مبادرة السلام. خطوة إسرائيلية لتحقيق مبادرة السلام العربية ستحقق لنا الإسناد الدولي لمواصلة القتال وتصفية حكم حماس، ومن جهة أخرى سيكون هذا حجر الزاوية لإقامة تحالف دولي لإعمار غزة وتنفيذ سلام حقيقي مع السلطة الفلسطينية التي ستكون مسؤولة عن غزة أيضاً". 

يقول البرغوثي: "مبادرة السلام العربية ليست عربية في الحقيقة، فهي مبادرة توماس فريدمان للأمير فهد كطريقة للدفع باتجاه التطبيع وتقريب السعودية نحو اسرائيل".

قد تكون هذه اللحظة الذهبية للمملكة العربية السعودية لإحياء مبادرة السلام العربية، والتفوق على قطر في منافستها على قيادة الإقليم، ودخول السعودية كدولة قادرة على إحلال السلام بإجماع عربي وعدم الاكتفاء بالهدنة ووقف إطلاق النار، وكل ما يترافق مع قلب صفحة التاريخ "نظرياً" من إعادة إعمار للقطاع وانفتاح اقتصادي. 

ظهرت كثير من الآراء التي تقول بأن "مهر" السعودية مرتفع للدخول في التطبيع لمركزيتها في العالمين العربي والإسلامي حتى برغم الانفتاح الذي تشهده، لذا تقول بعض نظريات المؤامرة إن تحمس إيران لطوفان الأقصى كان في جانب منه تحمساً لقطع الطريق على السعودية للتطبيع وتعكير الأجواء الصافية التي سادت قبيل السابع من أكتوبر 2023. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image