تظاهر في 9 يناير/ كانون الثاني ما يزيد على الخمسمئة من الفنانين/ات الكتاب/ الكاتبات، والمشتغلين/ات في الثقافة ومناصريهم/اتهن في درجات حرارة وصلت إلى سبع درجات تحت الصفر، أمام المبنى الذي يضم المجموعة البرلمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي حيث يجتمع مجلس برلين الثقافي الذي أدخل مؤخراً اشتراط "عدم معاداة السامية"، على طلبات التمويل للمشاريع الثقافية والفنية، والتي اعتبرها المشاركون/ات في التظاهرة تستهدف الفلسطينيين/ات وحرية التعبير والفن، كما اعتبروها موجهة للأشخاص الذين ينتقدون إسرائيل.
مشاهد من التظاهرة في برلين
جاءت التظاهرة بدعوة من تحالف الفنون والثقافة في برلين، بعد أن اعتمد المجلس تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية لمعاداة السامية والذي يتضمن "انتقاد دولة إسرائيل وسياساتها العنصرية وجرائم الحرب التي ترتكبها ضمن معاداة السامية"، كما أوقف المجلس تمويل أحد أهم المراكز الثقافية التي تخدم مجتمع المهاجرين/ات واللاجئين/ات، والأشخاص ذوي البشرة السمراء، ومتنوعي الميول الجنسية والهويات الجندرية في منطقة نويكولن وهو مركز "عيون" الثقافي، بعد استضافته فعالية مجموعة "أصوات يهودية من أجل السلام" التي تتضامن مع فلسطين، وهي مجموعة تنتقد إسرائيل وجرائم الحرب، عن ذلك قالت لونا سبو، وهي مرشدة وناشطة ثقافية ومديرة مركز عيون في برلين: "منذ أن أصبح الحزب المسيحي الديمقراطي على رأس مجلس برلين الثقافي في يونيو/ حزيران الماضي، فتحنا أيدينا للتعاون وطلبنا الاجتماع للتعاون والنقاش، ورغم أننا لا نتفق مع الحزب سياسياً فنحن في مجتمع ديمقراطي وبإمكاننا العمل معاً". وأوضحت سبو أن المجلس طلب من المركز إلغاء الفعالية التي كانت عبارة عن حفل تأبين لكل الضحايا الذين قضوا في الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس: "كل ما فعلناه أننا لم نسمح لهم بإسكاتنا ومراقبتنا، بعدها رفض المجلس النقاش والتعاون والاستماع لنا، وقرر وقف التمويل بحجة أن الفعالية التي أقيمت معادية للسامية".
مشاهد من التظاهرة في برلين
على ذلك علّقت الكاتبة والناشطة السياسية الدكتورة ياسمين ضاهر لرصيف22: "اعتماد هذا التعريف يعني الموافقة والتصديق على أن انتقاد إسرائيل وسياساتها هو فعل لا سامٍ، وهذا أمر خطير. فهذا يساوي ما بين نقد الصهيونية فكراً وممارسة وبين نقد اليهود بناء على دينهم/ن ومعتقداتهم/ن".
خوف على الديمقراطية
الدرويش، فنان ورابر من سوريا، يعيش في برلين قال لرصيف22: "نحن اليوم جميعنا هنا بهدف حماية هذه الديمقراطية التي نعيش فيها، أنا خائف على مستقبل الفنانين/ات ومستقبل صانعي/ات الثقافة في برلين وألمانيا، فشكل المستقبل مخيف، مثل هذه التظاهرة تمنح بعض الأمل، حتى نرفع أصواتنا ونوصل صوتنا للدولة، بالنسبة لي الموضوع يتخطى موضوع الثقافة، ولكنه يتجاوزه لموضوع وجودنا ككيانات وأشخاص".وأضاف: "هذا ليس فقط مشروعاً سياسياً بل هو واجب كل صاحب ضمير ولا سيما الفنانين/ات، فكشف الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين/ات يصب في لب النضال من أجل القضية الفلسطينية في كل مكان، وهو حق لا يمكن التنازل عنه".
"من المخزي أن يحاول مجلس الشيوخ في برلين تخويف وإيذاء الفنانين الذين يقفون ضد جرائم الحرب الإسرائيلية. مع العلم أن هذا البند غامض وغير قانوني". المحامي الفلسطيني الألماني أحمد عابدوقال المحامي الفلسطيني الألماني أحمد عابد: "من المخزي أن يحاول مجلس الشيوخ في برلين تخويف وإيذاء الفنانين الذين يقفون ضد جرائم الحرب الإسرائيلية. مع العلم أن هذا البند غامض وغير قانوني. ومع ذلك فإنهم يطبقونه لترهيب الفنانين/ات".
وطالب عابد عبر موقع رصيف22 مجلس برلين: "أن يسحب بند التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية من طلبات التمويل العام وينضم إلى الملايين الذين لا يريدون دعم الإبادة الجماعية الإسرائيلية بعد الآن. في الواقع، إنهم ملزمون بموجب القانون الدولي بالقيام بذلك".
مجلس لا يسمع
ألقى عدد من الفنانين والناشطين كلمات خلال التظاهرة، منهم فيرجيل تايلور، جيسي دارلينج، بالإضافة لمساهمات وقراءات من أحمد فهمي ونيكي بوم وجارا نصار.انضم رئيس مجلس الشيوخ عن الثقافة والتماسك الاجتماعي جو تشيالو للتظاهرة بعد ما يقارب الساعة ليطلب الحديث عبر مكبر الصوت الذي تناوب عليه ناشطون/ات وفنانون/ات، وقال إنه منفتح للنقاش مع الفنانين/ات والعاملين/ات في المجال الثقافي وختم: "دعونا نتناقش في النقاط التي تطرحونها دون الصراخ بعضنا على بعض، فهناك العديد من الآراء"، ثم غادر من دون أن يستمع لكلمات المتظاهرين/ات أو مطالبهم/ن.
وقالت الدكتورة ضاهر في كلمة ألقتها في المتظاهرين/ات: "هناك حظر لحركة التضامن مع فلسطين كما أصبح الحرمان من الحريات وحرية التعبير أمراً طبيعياً في الخطاب العام الألماني".
"هناك حظر لحركة التضامن مع فلسطين كما أصبح الحرمان من الحريات وحرية التعبير أمراً طبيعياً في الخطاب العام الألماني". ياسمين ضاهروأضافت: "دعت مجموعة من الناشطين/ات في مايو/أيار 2019، إلى تشكيل ائتلاف واسع في برلين لمحاربة وإلغاء القرار الذي ناقشه البرلمان الألماني ضد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، والذي تم تمريره في البرلمان الألماني في ذلك الوقت وهو يشوه سمعة حركة المقاطعة ويدينها باعتبارها معادية للسامية، في الوقت الذي أطلق المجتمع المدني الفلسطيني حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) في العام 2005 لاستخدام إجراءات عقابية غير عنيفة ضد دولة إسرائيل حتى تمتثل للقانون الدولي وتعترف بحق الفلسطينيين/ات في تقرير المصير".
وواصلت ضاهر: "شعرنا بقلق بالغ من تداعيات هذا القرار على جاليتنا في الشتات ونشاطنا التضامني مع أهلنا في فلسطين، وعلى حرية التعبير والتعدي على القيم والممارسات الديمقراطية هنا في ألمانيا. واليوم نجتمع هنا كتداعيات لما حدث في السابق، الذي يمكن تلخيصه في كلمتين: الترهيب والرقابة الاستباقية. ومن الواضح أننا نتجه نحو مزيد من التضييق والاضطهاد، ونحو تزييف ادعاءات وتقييد الحراك من أجل فلسطين حرة، ونحو إقصائنا الكامل عن النقاش العام".
وأعابت الدكتورة ضاهر على منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والشخصيات العامة والصحافيين والسياسيين، خاصة أولئك الذين وقفوا علناً من أجل الحرية والمساواة والتنوع سابقاً: "خيانة صارخة للمبادئ التي زعموا أنهم يعتزون بها" كما قالت.
واتهمت ضاهر الحكومة الألمانية بالتواطؤ مع هجمة الإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة منذ ثلاثة أشهر، مشيرة إلى أن: "المجتمع الفلسطيني في ألمانيا هو الذي دفع أغلى ثمن لهذا الحرمان من الحقوق: عبر حظر منظماتنا السياسية، المداهمات الليلية للشرطة على المنازل الخاصة، الضرب الوحشي من قبل الشرطة في الشوارع، اعتقالات بحق الفلسطينيين/ات والمتضامنين/ات معهم/ن، والهجوم على أحياء المهاجرين/ات والتنميط العنصري ضد المجتمعات العربية والإسلامية، والتهديد بالترحيل والحرمان من الحقوق المدنية".
مشاهد من التظاهرة في برلين
وألقت باسكال فخري، ممثلة عن مهرجان "الفيلم"، كلمة المؤسسات الثقافية الألمانية وممثلي/ات لجنة برلين الثقافية مشيرةً إلى مكانة برلين كواحدة من أهم العواصم الثقافية في أوروبا خلال العقد الماضي، إذ تجتذب الفنانين/ات العالميين/ات وتستضيف الأحداث على نطاق عالمي، مشيرةً إلى الخشية من: "الغموض القانوني الحالي لتمويل المشاريع الثقافية، ولا سيما إدخال ما يسمى بشرط معاداة السامية في برلين، المثير للجدل".
وأضافت: "تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية يشكل خطراً كبيراً على انفتاح برلين ومناهضة التمييز الذي يمارس على نطاق واسع، نحن نشعر بالقلق من أن يؤدي ذلك إلى التنديد وخلق مناخ اجتماعي من عدم الثقة والخوف، كما قد يعرض هذا البند التعاون الدولي والمنح للفنانين/ات للخطر لأنه يعيق التعاون مع أشخاص أو مؤسسات من 29 دولة لا تعترف حكوماتها بدولة إسرائيل وتالياً بتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية".
يزداد اليوم احتمال استبعاد فنانين/ات ومواطنين/ات من التمويل والمنح وفرص العمل على أساس آرائهم/ن ولون بشرتهم/ن وهويتهم/ن، في ألمانياوأبدت المؤسسات بشكل جماعي قلقها من: "احتمال استبعاد فنانين/ات ومواطنين/ات من التمويل والمنح وفرص العمل على أساس آرائهم/ن ولون بشرتهم/ن وهويتهم/ن"، مطالبة: "بحذف بند معاداة السامية الذي تم إدخاله حديثاً، بما أن قانون مكافحة التمييز الذي يدين معاداة السامية موجود بالفعل ويتم تنفيذه، لأن هذا قد يضر بالحياة الثقافية للمدينة، بالإضافة لحوار مفتوح ومناقشات تكاملية والالتزام بالحفاظ على الحرية الفنية والديمقراطية وحرية التعبير".
لا يزال مصير مركز عيون الثقافي مجهولاً بعد وقف تمويله.وكان تحالف من الفنانين/ات والمؤسسات الثقافية في برلين قد تشكل للوقوف ضد هذا البند الذي تمت إضافته مؤخراً لطلبات التقديم على المنح والتمويل من مجلس الشيوخ في برلين، ودعا هذا التحالف في رسالة مفتوحة، وقع عليها أكثر من أربعة آلاف فنان/ة ومشتغلين/ات في المجال الفني، جاء فيها: "نحن نقف معاً ضد التصعيد الأخير في عمليات الرقابة والإسكات والتشهير وتشويه سمعة أولئك الذين يدافعون عن التحرير الفلسطيني وحقوق الإنسان في ألمانيا".
وأشارت الرسالة إلى أن: "أعمال الرقابة تضر بالهياكل الديمقراطية والظروف الثقافية في ألمانيا، وتعمل على عزل المشهد الثقافي الألماني عن الانخراط في الخطابات العالمية المعاصرة لإنهاء الاستعمار، نحن ندرك أن إسكات الأصوات التي تتحدث علناً عن حقوق الإنسان الفلسطينية يساهم بشكل خطير في صعود العنصرية وكراهية الأجانب وعنف الدولة والقمع في ألمانيا، وهو ما يخدم اليمين المتطرف ويؤدي إلى تآكل المؤسسات العامة الديمقراطية، بما في ذلك تمويل ودعم التعبير الثقافي".
لا يزال مصير مركز عيون الثقافي مجهولاً بعد وقف تمويله، بينما يعمل هو كما تقول لونا سبو: "على استكشاف مصادر تمويل بديلة والتعاون لاستمرارية عمله".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ اسبوعينمقال رائع فعلا وواقعي