عاد اسم الروائية الفلسطينية عدنية شبلي للظهور في عناوين الأخبار في ألمانيا، على أثر رفض محكمة في مدينة هامبورغ دعوى تقدمت بها ضد صحيفة "تاتز" الألمانية اليسارية، مطالبة فيها بحذف مقاطع من مقال حول تكريمها عن روايتها "تفصيل ثانوي"، ووصفها بناشطة فاعلة في حركة "مقاطعة إسرائيل". وحمّلت المحكمة شبلي نفقات التداول في القضية، التي رمت بالكثير من الأسئلة على الطاولة، وقد تكون ذات تبعات على الساحة الثقافية، على كل من سبق أن وقع على رسالة مرتبطة بشكل أو آخر بحركة مقاطعة إسرائيل، بي دي إس، على ما تنبأت صحيفة ألمانية.
وبات التعامل مع شبلي في عالم ما بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، مرآة للواقع الثقافي والتعامل مع القضية الفلسطينية في ألمانيا. إذ أحدث قرار معرض فرانكفورت للكتاب الذي اقتضى على تأجيل تسليم شبلي جائزة "ليبراتوربرايس" في أكتوبر الماضي ضجة وصل صداها إلى مختلف أنحاء العالم. ووقعت أكثر من 600 شخصية ناشطة في الحياة الأدبية على رسالة احتجاج.
حمّلت المحكمة، شِبلي، نفقات التداول في القضية، التي رمت بالكثير من الأسئلة على الطاولة، وقد تكون ذات تبعات على الساحة الثقافية، على كل من سبق أن وقع على رسالة مرتبطة بشكل أو آخر بحركة مقاطعة إسرائيل
وردت محكمة هامبورغ الابتدائية دعوى تقدمت بها شبلي، عبر مكتب محاماة في هامبورغ كما يظهر نص القرار الصادر في الحادي والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، الذي أرسله مكتب محاماة "آيسنبرغ كونيغ شورك"، الممثل لصحيفة تاتز، لوسائل الإعلام. وطالبت شبلي بإصدار أمر زجري بحذف مقاطع من مادة كتبها، كارستن أوته، لصحيفة تاتز بعنوان: "ظلال على معرض كتاب"، وتحديداً "في هذه الرواية القصيرة جميع الإسرائيليون هم مغتصبون وقتلة مجهولون، والفلسطينيون بالمقابل ضحايا (..) لذا لا يُذكر العنف ضد المدنيين الإسرائيليين على الأرجح لأنه يعتبر أداة شرعية في الكفاح التحرري ضد المحتل. هذا هو الأساس اللاإنساني والعقائدي للكتاب".
واعتبرت المحكمة ما ورد تعبيراً عن الرأي مسموح به. ورأت أنه من المسموح للصحيفة المبالغة بعض الشيء في تقييم محتوى الكتاب، لأن غالبية القراء العاديين غير المتحيزين سيعتبرون ذلك تقييماً فيه بعض المبالغة لمحتوى الكتاب.
واعتبرت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية هذا الافتراض جسوراً بعض الشيء، لأن افتراض تاتز ليس في محله. وأشارت المحكمة إلى أن الكاتب يتعامل مع محتوى كتاب، شبلي، لا مع معتقداتها الشخصية.
أخذت المحكمة بحقائق مرتبطة، قدمتها جهة الدفاع، وهي توقيع شبلي على رسالة لحملة المقاطعة في العام 2007 ضد تنظيم فرقة رولينغ ستونز حفلات موسيقية في إسرائيل، وتوقيعها على رسالة في 2019 ناقدة لسحب مدينة دورتموند الألمانية جائزة من الكاتبة كاميلا شمسي
ورفضت المحكمة الجانب الآخر للدعوى أيضاً، معتبرة توصيف الكاتب لها بناشطة فاعلة في حركة مقاطعة إسرائيل، تعبيراً مسموحاً به عن الرأي. ورأت أن ماهية الأفعال المطلوبة لتوصيف شخص بأنه "ناشط فاعل" معتمدة على التقدير.
وأخذت المحكمة بحقائق مرتبطة، قدمتها جهة الدفاع تبرر هذا التوصيف، وهي توقيع شبلي على رسالة لحملة المقاطعة في العام 2007 ضد تنظيم فرقة رولينغ ستونز حفلات موسيقية في إسرائيل، وتوقيعها على رسالة أخرى في العام 2019 ناقدة لسحب مدينة دورتموند الألمانية جائزة من الكاتبة كاميلا شمسي.
ورغم عدم ارتباط الرسالة الثانية بحملة المقاطعة، لكن الكاتبة شمسي من المشاركات في حملة مقاطعة إسرائيل. وبرر كاتب المقال المذكور توصيفه بأن شبلي وقعت على رسالة العام 2007، التي تضمنت تشبيه إسرائيل بنظام "الأبارتايد" في جنوب أفريقيا، وهو شكل معروف لمعاداة السامية الحديثة، على حد قوله، داعياً لفتح نقاش في معرض الكتاب عن سبب احتضان القطاع الثقافي الألماني أصواتاً معادية لإسرائيل وكذلك تلك المعادية للسامية.
واحتفلت صحيفة "تاتز"بقرار المحكمة متحدثة في خبر بعنوان "شبلي فشلت ضد تاتز"، استهلته بـ: "نصر لتاتز ولحرية التعبير"، وبررت في نهايته معارضتها للمنع، بأنها رأت فيه خطراً على "حرية النقد الأدبي". وكان هذا الخصام القضائي لافتاً للنظر لأن الصحيفة وفرت كما لم تفعل غيرها مساحات لأصوات ناقدة للسياسات الحكومية الألمانية حيال تعاملها مع الصراع وتقييد حريات الفلسطينيين/ات في البلاد في الأسابيع الماضية.
وأثار هذا الحكم إشارات استفهام لدى الصحافة الثقافية، إذ تساءلت صحيفة زود دويتشه الألمانية عن سبب عدم أخذ المحكمة بالحسبان رفض شبلي في مقالات لاحقة المقاطعة الثقافية، وعن عدم نظر هيئة المحكمة لتوقيعها على الرسالة ضد حفلات رولينغ ستون، كتعبير عن الرأي، حق توفره الديمقراطية الإسرائيلية لمواطنيها، كما يفترض، نظراً لأنها تحمل الجنسية الإسرائيلية.
ورأى الكاتب أنه إذا كان هذا التواصل الذي يعود إلى 16 عاماً مع حركة المقاطعة كافياً لوصف المرء بأنه "ناشط فعال" فيها، سيكون لقرار المحكمة "هزات ارتدادية" على المشهد الثقافي، معدداً الأسماء التي وقعت على تلك الرسالة، من بينهم السيناريست الأمريكي توماس مكارثي، والكاتبة الفائزة بجائزة بوكر أرونداتي روي، والحائز على جائزة نوبل للآداب جي إم كوتزي، وسيكونون مهددين بالاستبعاد من المهرجانات والظهور في الجامعات والحصول على الجوائز، التي تحصل على تمويل حكومي. ورأى الكاتب إنه لمن اللافت أن يعتبر البرلمان الألماني وصحيفة تاتز، ومحكمة هامبورغ ذاك التوقيع بعد 16عاماً كمعاداة سامية تستحق العقاب عليه.
وكان البرلمان الألماني قد أقر قراراً في العام 2019 اعتبر فيه حركة مقاطعة إسرائيل معادية للسامية.
وأثار القرار الجدل لاعتباره حتى من قبل "الخدمة البحثية" في البرلمان الفدرالي الألماني (بوندستاغ)، غير متوافق مع الدستور، ودعا البرلمان حينها الجهات العامة إلى عدم تقديم أموال عامة للمؤسسات التي تدعم الحركة. ورغم كون القرار غير ملزم قانونياً، بات يؤخذ به كمعيار يستدل به صناع القرار في الجهات الحكومية المانحة، فيما يتعلق بتوزيع التمويل على المؤسسات الثقافية أو على المشاريع.
وقدمت كتل أحزاب التحالف الحاكم الذي يضم الاشتراكيين والخضر والليبراليين أكثر من 50 مطلباً للحكومة في البوندستاغ، لمكافحة معاداة السامية في ألمانيا بعد هجوم 7 أكتوبر، تضمنت سد الثغرات لمنع وصول المال العام لأي مؤسسة تدعم حركة المقاطعة أو تتعامل مع شخصيات مشاركة في حملة مقاطعة إسرائيل. وأرسلت قائمة المطالب إلى اللجان البرلمانية للتشاور.
ويعزز قرار المحكمة شعوراً لدى الكثير من الشخصيات الثقافية الفاعلة في ألمانيا، بأنهم باتوا مهددين في وجودهم، في وقت تلغى معارض وفعاليات بناء على مواقف اتخذوها منذ سنوات أو تقييم منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، يعتبرها المتضررون/ات غير عادلة في حقهم، ما يدفع العديد منهم إلى الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي.
رئيسة تحرير مجلة مونوبول الفنية، إلكه بوهر، أشارت في حديث مع إذاعة دوتشلاند روندفونك، إلى غياب التواصل بين نقاد وفاعلين في القطاع الإعلامي الثقافي ألمانيا وأفراد من مجتمع ثقافي عالمي في ألمانيا، ينظرون للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من زاوية الاستعمار، ولا يتابعون ما يقال ألمانياً ولا يتفقون مع مفردات حساسة لدى الألمان كال "أبارتايد".
أعلنت مدينة بوخوم، الألمانية الثلاثاء الماضي إلغاء حفل تكريم الكاتبة الألمانية البريطانية شارون دودا أوتو، بجائزة "بيتر فايس" التي تبلغ قيمتها المادية 15 ألف يورو، للاشتباه بدعمها لحركة المقاطعة لإسرائيل.
وأبدت أسفها للاتجاه الذي تمضي فيه الحكومة، القائم على الفرز واستبعاد أصحاب الرأي المخالف، ما يمنع حدوث نقاش بين إسرائيليين وفلسطينيين، متسائلة إن لم يحدث ذاك النقاش في المساحات الثقافية، فأين ينبغي أن يحدث، وإن استدركت بأن الوقت حالياً لا يبدو مؤاتياً لذلك.
وبلغت وتيرة الالغاءات في مختلف قطاعات الحياة العامة حداً لا يمكن للمراقب تتبعها. فأعلنت مدينة بوخوم، الألمانية الثلاثاء الماضي إلغاء حفل تكريم الكاتبة الألمانية البريطانية شارون دودا أوتو، بجائزة "بيتر فايس" التي تبلغ قيمتها المادية 15 ألف يورو، للاشتباه بدعمها لحركة المقاطعة لإسرائيل. وأعلنت المدينة أنهم يتحققون من الاتهام، وفي حال صح ذلك، لا يمكنهم تصور منحها الجائزة.
ووفقاً لموقع ديرشبيغل، يظهر اسم أوتو، بين 1500 اسم داعم لحملة "فنانين/ات لأجل فلسطين، بريطانيا"، يلتزمون فيها بمقاطعة إسرائيل ثقافياً. ونأت الكاتبة في بيان الأربعاء بنفسها عن حركة المقاطعة وقالت إنها ما كانت لتوقع على هكذا دعوة للمقاطعة اليوم، على النحو الذي فعلت قبل سنوات، مؤكدة إدانتها لعنف حماس بشكل واضح سابقاً. وأعلنت نيتها عدم قبولها للجائزة المالية المخطط منحها إياها، ومنحها لمنظمة خيرية.
وأعلن متحف زارلاند، في مدينة ساربروكن الألمانية، عن إلغاء معرض للفنانة الجنوب إفريقية، اليهودية كانديك بريتز، إذ اعتبر تصريحاتها مثيرة للجدل حول الحرب في غزة، لم تنأى فيها بنفسها كفاية عن إرهاب حماس. جاء هذا الاتهام على الرغم من إدانة الفنانة هجوم حماس. وفي توضيح غريب برر المعرض لاحقاً الإلغاء بعدم رغبتهم بمنح منصة للفنانين الذين لا يقرون بأن إرهاب حماس "انتهاك للحضارة".
وزيرة التعليم في الولاية، المنتمية للحزب الاشتراكي، عبرت عن دعمها لقرار الإلغاء متهمة الفنانة بأنها قريبة من حركة "المقاطعة". جاء هذا الإلغاء رغم أن موضوع المعرض بعيد للغاية عن الصراع أو معاداة السامية ويتعلق بالدعارة في جنوب إفريقيا.
أعلن متحف زارلاند، في مدينة ساربروكن الألمانية، عن إلغاء معرض للفنانة الجنوب إفريقية، اليهودية كانديك بريتز، إذ اعتبر تصريحاتها مثيرة للجدل حول الحرب في غزة
في برلين، يحاول العاملون/ات في مركز "عيون" الثقافي في حي نويكولن، الذي يمنح منصة للفعاليات (الفنية) المتعلقة بقضايا النسوية والهجرة الآن، التأقلم مع قرار مجلس مدينة برلين إلغاء دعمه مالياً مؤخراً، بتهمة اتباع "معاداة سامية مخفية"، وتفادي إغلاقه.
وكان المركز قد دخل في خصام مع مجلس مدينة برلين، الذي مارس عليه ضغوطات، داعياً لعدم السماح لنشطاء منظمة "صوت يهودي لأجل سلام عادل في الشرق الأوسط"، الداعمة لحركة مقاطعة إسرائيل، بتنظيم فعالية حداد على الضحايا الإسرائيليين والفلسطينيين. وأعلن المركز في ١ ديسمبر/كانون الأول عن قدرته، بفضل مبلغ 72 ألف يورو تبرع به محبوه، على اتخاذ إجراءات قانونية ضد مجلس المدينة. وأوضح أن المجلس يتجاهل محاولاتهم عقد لقاء أو وساطة أو الوصول إلى وثائقهم أو إيضاح السبب الحقيقي لقرارهم إغلاق المركز، بعيداً عن "معاداة السامية المخفية".
وفي ظل أجواء الخوف ومطاردة الساحرات ومراقبة حسابات الناشطين/ات على وسائل التواصل بحثاً عن أي محتوى "مشبوه"، بدا فاقعاً، استقبال المستشار الألماني أولاف شولتز، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في برلين، رغم تصريحات الأخير الداعمة لحماس والمعادية لإسرائيل، الكافية لاستبعاد أي شخص وفق المعايير الألمانية ، ما دفع صحافيين/ات للتساؤل كيف يبدو النقاش معه ممكناً فيما يتم إلغاء واستبعاد الشخصيات في الحقل الثقافي جراء مواقف تبدو مسالمة للغاية نسبياً حيال الصراع.
في برلين، يحاول مركز"عيون" الثقافي، الذي يمنح منصة للفعاليات الفنية المتعلقة بقضايا النسوية والهجرة، التأقلم مع قرار مجلس مدينة برلين إلغاء دعمه مالياً مؤخراً، بتهمة اتباع "معاداة سامية مخفية"، ويجمع التبرعات، لتفادي إغلاقه الشهر القادم
الفيلسوفة الأمريكية المقيمة في ألمانيا منذ عقود سوزان نايمان اليهودية الديانة حذرت من آثار خطيرة لتثبيت قرار البوندستاغ المناهض لحركة المقاطعة بشكله الحالي على الحياة الثقافية، لا من المنظور الداخلي بل الخارجي أيضاً، مشيرة إلى أن المؤسسات الألمانية تتلقى منذ الآن طلبات من مبادرات ثقافية من الخارج تشكرهم على دعمهم لكنها تطلب حذف اسم المؤسسة من موقعها، خشية الوقوع في مشاكل.
وقالت إن هناك باحثين وفنانين يخشون منذ الآن القدوم لألمانيا، بسبب "تفشي ماكارثية فيلوسامية" فيها، مضيفة: "الحياة الثقافية تتضرر، وألمانيا تنعزل بشكل متنامٍ، لكن حياة اليهود في ألمانيا لم تصبح آمنة أكثر ولو قليلاً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...