شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أهداف عسكرية مراوغة من أجل أهداف سياسية بعيدة

أهداف عسكرية مراوغة من أجل أهداف سياسية بعيدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 13 ديسمبر 202312:48 م

في عدوانها الوحشي على قطاع غزة، وضعت إسرائيل هدفين معلنين لها: الأول هو إنهاء حركة حماس كقوة عسكرية يمكنها أن تهدّد إسرائيل في المستقبل، وإنهاؤها كقوة حاكمة تدير القطاع، أما الهدف الثاني فهو استعادة أسراها لدى الحركة والفصائل المقاومة الأخرى، لكنها لم تحدد كيفية هذه الاستعادة؛ هل ستكون بالضغط العسكري، أم بالصفقات التي تتم عبر المفاوضات من خلال وسطاء في العالم والإقليم؟

لنقل إن الطريقة الثانية برزت كحلّ مقبول لإسرائيل حين عجزت عن استعادة أسراها عبر الهجوم والضغط العسكريين، أي أنها كانت تأمل أن تستسلم حماس تحت قوة النيران وتتوسّل لإخراجهم، لكن ذلك لم يحدث، فبدأت بقبول فكرة التفاوض لإخراجهم.

هذه هي أهداف الحرب كما تتناقلها وسائل الإعلام وكما تناقشها الدوائر المهتمة، وكما يصرح بها نتنياهو وغالانت وغانتس، لكن ما يدور على الأرض، وما يتمّ تداوله، أو تسريبه، من قبل معاهد الدراسات الأمنية الإسرائيلية والأمريكية يقول غير ذلك. ويمكن لأي مراقب جدّي أن يلاحظ كل ما لا يمتّ للهدفين المعلنين بصلة وثيقة، أو لنقل كل ما لا يخدمهما بشكل مباشر، ويمكننا في هذا السياق أن نرصد الملاحظات التالية:

الخطة هي إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية في السيطرة على الطاقة، وبما يخدم مصالح إسرائيل كدولة يهودية لا مكان للفلسطينيين فيها، إلا في الحد الأدنى المطلوب لخدمة الإسرائيلي
أولاً، استعر الهجوم على الضفة الغربية من جانب الجيش الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، وخاصة في مدن شمال الضفة، كجنين وطولكرم وقلقيلية وطوباس، ومن المعروف أن هذه المدن تشكّل السلة الغذائية للضفة من المنتجات الزراعية، فمنذ السابع من أكتوبر لم يمر يوم لا يتم فيه اقتحام هذه المدن. أما الجديد في هذه الاقتحامات فهو استخدام الطيران الحربي والمسيّرات لقصف أهداف مدنية لا تشكل خطراً حاسماً، ويمكن لأي قوة عسكرية أن تتعامل معها، كما جرت العادة في أزمنة سابقة، دون هذا الاستعراض الحربي من الجو.

الهدف من ذلك هو محاولة تمهيد الأرضية لتقبّل العالم لهذه القصف، ومحاولة إيهامه أن هناك جيشاً لا يمكن محاربته إلا بالطيران والصواريخ. ترافق كل ذلك باقتحامات في رام الله، ومدن أخرى، لإيصال رسائل سياسية تقول إن الضفة تحت السيطرة الإسرائيلية، أو هي في طريقها لذلك، وأن السلطة ودورها الإداري والأمني قد انتهت. أقصد أن ما تقوم به إسرائيل في مدن الشمال هو تمهيد لفصل هذه المدن عن السيطرة السياسية للسلطة الفلسطينية، بعد تحويلها لنموذج غزة، أقل أو أكثر قليلاً.

المهم أن تستطيع إسرائيل التعامل معها كتهديد أمني وجودي يستوجب الحرب، وهذا ما يجعل تصريح نتنياهو الآن (مساء الثلاثاء) منطقياً أو غير مفاجئ، حيث يقول بالحرف: "إن سيناريو الحرب في الضفة الغربية قائم ونستعد لذلك".

ولم يكتف نتنياهو بهذه التصريح العام، بل أجاب على سؤال أحد أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، بأن أوسلو قتلت إسرائيليين كما فعلت حماس في السابع من أكتوبر، ولكن في مدة أطول، وأن أي توجيه لأسلحة الأجهزة الأمنية تجاه إسرائيليين ستكون مروحيات سلاح الجو خلال دقائق تقوم بالحرب.
ما تقدم يؤشر لنا، دون تحليلات عميقة ودون أن نعيد اكتشاف العجلة، أن هدف إسرائيل هو تصفية القضية الفلسطينية، وذلك عبر اجتثاث الفلسطينيين من أرضهم، وليست غزة إلا البداية التي تم شرعنة إبادتها، وما هذه الأهداف الأمنية التي تضعها إسرائيل إلا للتغطية على الهدف السياسي الكبير، إذ لا حرب في الدنيا تخاض دون هدف سياسي أو اقتصادي في نهاية المطاف.
الملاحظة الثانية هي ما يدور من مناوشات يومية على جبهة الجنوب اللبناني مع حزب الله وتشكيلات صغيرة لفصائل فلسطينية، بحيث لا تصل هذه المناوشات إلى مستوى الحرب، ولا تتراجع إلى مستوى الهدوء، فحزب الله يعرّف نفسه ويكتسب شرعيته كفصيل مقاوم، ودون هذه المشاركة سيخسر شعبيته بالتأكيد، وفي نفس الوقت هو لا يريد توريط لبنان في حرب كارثية كالتي تحدث في غزة.

هذا فيما يخص الحزب، أما فيما يخص إسرائيل فهي أيضاً لا تريد توسيع الحرب بما يؤثر على عملياتها في غزة، من جانب، ومن جانب آخر، وهو الأهم برأيي، فإنها لا تريد التشويش على الخطة الأمريكية للمنطقة. والخطة الأمريكية للمنطقة ليست سرية ولا في الأدراج، بل هي معلنة منذ 2008، وتتم مناقشتها وتهيئة الظروف لها بحكمة وبطء.

هذه الخطة هي إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية في السيطرة على الطاقة، وبما يخدم مصالح إسرائيل كدولة يهودية لا مكان للفلسطينيين فيها، إلا في الحد الأدنى المطلوب لخدمة الإسرائيلي، من "حطابين وسقايين"، كما تقول التوراة. أي من القوة العاملة التي لا تنشغل بنزعة قومية أو انتماء وطني، بل بلقمة العيش.
بالطبع لا أقول إن هذا قدر إسرائيلي أمريكي سيحل علينا لا محالة، بل أقول إن هذا هو السيناريو الإسرائيلي الأمريكي، ولكي يتحقق لا بد من شرعنته دولياً وخلق الظروف لإتمامه بالحد الأدنى من إثارة العالم.
الملاحظة الثالثة هي القواعد الأمريكية في شرق سوريا وغرب العراق، والاحتكاك الخجول معها من قبل الفصائل الإيرانية في البلدين. هذه ملاحظة لا تدخل في صميم الحرب على غزة بقدر ما تخصّ المهمة الأمريكية تجاه طهران ومحاولة احتوائها، سواء بالترهيب أو بالترغيب. إذ يبدو أن الوجود الإيراني في سوريا والسيطرة الإيرانية في العراق هما الهدف الحالي للإدارة الأمريكية من خلال عودة قواتها إلى المنطقة، والتي تبغي تأديب العدو والصديق دون تمييز.

يمكن في هذا السياق ملاحظة الغزل اليومي بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والإدارة الأمريكية، والذي يحدث دون تحفظات كبيرة من طرف طهران، ما يعني أن الترغيب هو المسيطر هذه المرة تجاه الإيرانيين تحديداً.

هدف إسرائيل هو تصفية القضية الفلسطينية، وذلك عبر اجتثاث الفلسطينيين من أرضهم، وليست غزة إلا البداية التي تم شرعنة إبادتها
بعملية تجميع وتفكيك لما سبق، ولما يدور على هامش ما سبق من أحداث وتصريحات، نستطيع القول إن غزة هي الخطوة الأولى التي لاحت في الأفق، وليست الأهداف المعلنة إلا الحجّة التي تمت شرعنتها دولياً للقيام بما هو أبعد من ذلك. وما هو أبعد من ذلك يخصّ القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين التاريخية بمجملها.

لم يعد خافياً على أحد نية إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من غزة، والسيطرة على شمال القطاع على أقل تقدير، وذلك من أجل شرعنة عقد اتفاقيات الغاز كقوة محتلة مسيطرة، ومن أجل شق قناة بن غوريون من إيلات إلى المتوسط عبر وادي غزة. كما لم يعد خافياً، إلا لمن يدفن رأسه في الرمال، أن الهدف القادم هو فصل شمال الضفة عن وسطها وجنوبها، والتضييق على السكان من أجل دفعهم إلى الهجرة الطوعية حين تضيق سبل العيش.

وبتصريح نتنياهو الأخير، لا بد أنه لم يعد خافياً أن الوسيلة لتحقيق الهجرة من الضفة هي افتعال حرب مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وذلك كما يقول هو، من أجل إنهاء السلطة والمقاومة معاً، فالهدف النهائي لإسرائيل لا يتحقق إلا بالقضاء على أي تمثيل سياسي لهم، من أجل بعثرة وتشتيت مطالبهم، وكما قال أحدهم مرة: "إسرائيل حاربتنا في 67 كدول، ثم حاربتنا في 2000 كفصائل، وهي تريد وتطمح الآن أن تحاربنا كأفراد". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image