في عدوانها الوحشي على قطاع غزة، وضعت إسرائيل هدفين معلنين لها: الأول هو إنهاء حركة حماس كقوة عسكرية يمكنها أن تهدّد إسرائيل في المستقبل، وإنهاؤها كقوة حاكمة تدير القطاع، أما الهدف الثاني فهو استعادة أسراها لدى الحركة والفصائل المقاومة الأخرى، لكنها لم تحدد كيفية هذه الاستعادة؛ هل ستكون بالضغط العسكري، أم بالصفقات التي تتم عبر المفاوضات من خلال وسطاء في العالم والإقليم؟
لنقل إن الطريقة الثانية برزت كحلّ مقبول لإسرائيل حين عجزت عن استعادة أسراها عبر الهجوم والضغط العسكريين، أي أنها كانت تأمل أن تستسلم حماس تحت قوة النيران وتتوسّل لإخراجهم، لكن ذلك لم يحدث، فبدأت بقبول فكرة التفاوض لإخراجهم.
هذه هي أهداف الحرب كما تتناقلها وسائل الإعلام وكما تناقشها الدوائر المهتمة، وكما يصرح بها نتنياهو وغالانت وغانتس، لكن ما يدور على الأرض، وما يتمّ تداوله، أو تسريبه، من قبل معاهد الدراسات الأمنية الإسرائيلية والأمريكية يقول غير ذلك. ويمكن لأي مراقب جدّي أن يلاحظ كل ما لا يمتّ للهدفين المعلنين بصلة وثيقة، أو لنقل كل ما لا يخدمهما بشكل مباشر، ويمكننا في هذا السياق أن نرصد الملاحظات التالية:
الخطة هي إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية في السيطرة على الطاقة، وبما يخدم مصالح إسرائيل كدولة يهودية لا مكان للفلسطينيين فيها، إلا في الحد الأدنى المطلوب لخدمة الإسرائيلي
الهدف من ذلك هو محاولة تمهيد الأرضية لتقبّل العالم لهذه القصف، ومحاولة إيهامه أن هناك جيشاً لا يمكن محاربته إلا بالطيران والصواريخ. ترافق كل ذلك باقتحامات في رام الله، ومدن أخرى، لإيصال رسائل سياسية تقول إن الضفة تحت السيطرة الإسرائيلية، أو هي في طريقها لذلك، وأن السلطة ودورها الإداري والأمني قد انتهت. أقصد أن ما تقوم به إسرائيل في مدن الشمال هو تمهيد لفصل هذه المدن عن السيطرة السياسية للسلطة الفلسطينية، بعد تحويلها لنموذج غزة، أقل أو أكثر قليلاً.
المهم أن تستطيع إسرائيل التعامل معها كتهديد أمني وجودي يستوجب الحرب، وهذا ما يجعل تصريح نتنياهو الآن (مساء الثلاثاء) منطقياً أو غير مفاجئ، حيث يقول بالحرف: "إن سيناريو الحرب في الضفة الغربية قائم ونستعد لذلك".
هذا فيما يخص الحزب، أما فيما يخص إسرائيل فهي أيضاً لا تريد توسيع الحرب بما يؤثر على عملياتها في غزة، من جانب، ومن جانب آخر، وهو الأهم برأيي، فإنها لا تريد التشويش على الخطة الأمريكية للمنطقة. والخطة الأمريكية للمنطقة ليست سرية ولا في الأدراج، بل هي معلنة منذ 2008، وتتم مناقشتها وتهيئة الظروف لها بحكمة وبطء.
يمكن في هذا السياق ملاحظة الغزل اليومي بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والإدارة الأمريكية، والذي يحدث دون تحفظات كبيرة من طرف طهران، ما يعني أن الترغيب هو المسيطر هذه المرة تجاه الإيرانيين تحديداً.
هدف إسرائيل هو تصفية القضية الفلسطينية، وذلك عبر اجتثاث الفلسطينيين من أرضهم، وليست غزة إلا البداية التي تم شرعنة إبادتها
لم يعد خافياً على أحد نية إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من غزة، والسيطرة على شمال القطاع على أقل تقدير، وذلك من أجل شرعنة عقد اتفاقيات الغاز كقوة محتلة مسيطرة، ومن أجل شق قناة بن غوريون من إيلات إلى المتوسط عبر وادي غزة. كما لم يعد خافياً، إلا لمن يدفن رأسه في الرمال، أن الهدف القادم هو فصل شمال الضفة عن وسطها وجنوبها، والتضييق على السكان من أجل دفعهم إلى الهجرة الطوعية حين تضيق سبل العيش.
وبتصريح نتنياهو الأخير، لا بد أنه لم يعد خافياً أن الوسيلة لتحقيق الهجرة من الضفة هي افتعال حرب مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وذلك كما يقول هو، من أجل إنهاء السلطة والمقاومة معاً، فالهدف النهائي لإسرائيل لا يتحقق إلا بالقضاء على أي تمثيل سياسي لهم، من أجل بعثرة وتشتيت مطالبهم، وكما قال أحدهم مرة: "إسرائيل حاربتنا في 67 كدول، ثم حاربتنا في 2000 كفصائل، وهي تريد وتطمح الآن أن تحاربنا كأفراد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 20 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت