قالت الإدارة الأمريكية إنها سألت نتنياهو عن اليوم الذي يلي انتهاء الحرب، وقالت عبر الإعلام، إن الإجابة لم تتوافق مع رؤيتها. لم تقل لنا الإدارة الأمريكية ما هي إجابة نتنياهو التي لم تكن متوافقة مع رؤيتها، ولم تقل لنا ما هي رؤيتها أساساً، ولم يفكر أحد لماذا على الإدارة الأمريكية أن يكون لها رؤية لخاتمة حرب لا تخوضها عسكرياً، أو على الأقل لم تبادر بها لا هي ولا حليفتها إسرائيل، بل فُرضت عليهما كما تصرّحان يومياً.
ومن المعروف أن من يطرح سؤالاً ولا يتلقى الإجابة التي تعجبه، لا بد أن يكون لديه هو الإجابة النموذجية التي يقيس بناء عليها، أو على القرب منها، ما يرضيه وما لا يرضيه.
ثم إن السؤال بحد ذاته لا يتوافق مع أهداف الحرب المعلنة من قبل إسرائيل، فإسرائيل تعلن يومياً هدفين واضحين للحرب التي تشنّها ضد شعبنا في قطاع غزة، وهذان الهدفان هما استرجاع الأسرى المحتجزين لدى المقاومة والفصائل الفلسطينية، واجتثاث حركة حماس، وفي أي منطق بسيط وسليم، إن حققت هذين الهدفين، وهذا مستبعد تماماً، فما الذي سيعنيها ما الذي سيحدث في اليوم التالي، أو للدقة: ما الذي سيعني الولايات المتحدة؟ ليتدبر الفلسطينيون أمرهم.
ثم لماذا تقفز الولايات المتحدة إلى اليوم الذي سيلي انتهاء الحرب ما دامت هي نفسها تقول، عبر رئيسها ووزير خارجيتها ومستشار أمنها القومي، إن هذه الحرب ستطول أكثر مما نتخيّل، ناهيك عن التصريحات اليومية لنتنياهو ووزراء مجلسه الحربي، أن هذه الحرب طويلة، وأن على المجتمع الإسرائيلي أن يتحلّى بالصبر وطول النفس وتقبل الخسائر المتوقعة؟
لماذا تقفز الولايات المتحدة إلى اليوم الذي سيلي انتهاء الحرب ما دامت هي نفسها تقول، عبر رئيسها ووزير خارجيتها ومستشار أمنها القومي، إن هذه الحرب ستطول أكثر مما نتخيّل؟
هل من المنطقي أن تتخيّل إسرائيل ومن بعدها الولايات المتحدة أن اجتثاث حماس وارد؟ وما هو الاجتثاث المقصود هنا؛ هل هو عدم تمكين حماس من السيطرة على قطاع غزة بعد هذه الحرب، أم هو قتل كل من ينتمي لهذه الحركة من الشعب الفلسطيني؟
إن كانت الإجابة الأولى هي المقصودة، فإسرائيل تعرف قبل غيرها أن هذا خارج عن قدرتها وصلاحياتها، وهو يدخل في صلاحيات وقرارات الشعب الفلسطيني نفسه، فالفلسطينيون هم من يقرّرون من يحكمهم ومن يمثلهم ومن ينحازون إلى صفه، ناهيك أن القوة بحد ذاتها تعزّز وجود الطرف الممارسة ضده.
أما إن كانت إسرائيل تقصد التصفية الجسدية لقيادات وكوادر وأعضاء حماس، فما الذي ستفعله مع مؤيديها؟ هل ستصفي نصف الشعب الفلسطيني مثلاً؟ وهل سيجلس العالم وبقية الشعب الفلسطيني والشعوب العربية مكتوفي الأيدي ساعتها؟ يبدو هذا الهدف صبيانياً حتى لشخص لا يتمتع بمواهب فريدة كنتنياهو.
على ماذا اختلف الطرفان الأمريكي والإسرائيلي إذن؟ على النتيجة المتوخاة من هذه الحرب، أم على الطريقة الأسلم التي تقود إلى هذه النتيجة؟
لا شك أن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية ومشاريعها في المنطقة تتقاطع في كثير من مفاصلها مع المصالح الإسرائيلية، ولا شك كذلك أن أهداف إسرائيل من مشاريعها وحروبها تعمل، في جزء كبير منها، كرافد للمصالح الأمريكية، أما الخلافات التي تنشأ هنا وهناك فهي حول الطريقة والتفاصيل لا أكثر.
لندخل إذن في التفاصيل: الولايات المتحدة مع حل الدولتين، هكذا تصرّح دوماً، ولكنها تترك هذا الخيار مفتوحاً لما يخدم تطلعات إسرائيل، وبما لا يضر بمصالحها هي في المنطقة، أما إسرائيل، بصيغتها الحالية على الأقل، فلا هدف لديها إلا التخلّص من العبء الديموغرافي الفلسطيني، والذي يقف عائقاً أمام طموحها أن تكون دولة قومية لليهود، أو دولة يهودية ديمقراطية، كما يقول نتنياهو.
الولايات المتحدة ومنذ كتاب "أحلام وظلال: مستقبل الشرق الأوسط"، للصحفية روبن رايت في 2008، بدأت تعمل وتصدّر للعالم رؤيتها حول شرق أوسط جديد، مقسّم إلى دول إثنية ودينية: للشيعة دولتهم وللعلويين دولتهم وللسنّة دولهم ولليهود دولتهم... وهكذا.
توالت أحداث الربيع العربي فيما بعد، وسيطرت الفوضى والانقسامات على المنطقة برمّتها، وتم دخول أميركا وإسرائيل على الخط، وصار نقاش هذه الخطة علنياً في مراكز الدراسات والأبحاث وعبر وسائل الإعلام، ثم جاء ترامب، وطرح رؤيته الخاصة بحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر ما سمي "صفقة القرن"، والتي كان سيطرحها صهره جاريد كوشنير، في مؤتمر البحرين 2019.
لم يتم الإعلان الصريح عن كامل بنود الصفقة، أو لنقل إنه لم يتم تقديمها بشكل رسمي كورقة مرجعية ملزمة للأطراف، لكن الخرائط المسربة آنذاك تقول إن الرؤية الأمريكية لحل الدولتين تشمل، إضافة جزء من سيناء إلى الدولة الفلسطينية المنشودة. أكثر من سياسي إسرائيلي رفض الرؤية أيامها، وكان هذا الرفض بسبب الجزء المتعلق منها بالضفة الغربية تحديداً، وليس بما يخصّ مبدأ الدولة الفلسطينية، ولا بما يخصّ حصة هذه الدولة من قطاع غزة وسيناء.
هل نستطيع التخمين أن الإجابة التي لم تتوافق مع الرؤية الأمريكية لم تكن إجابة لسؤال حول غزة فقط، بل إن السؤال كان حول رؤية إسرائيل للمنطقة عموماً بعد هذه الحرب؟ يمكننا ذلك لو تتبعنا تصريحات الطرفين وتوافقهما التام فيما يخصّ قطاع غزة بالخصوص.
الولايات المتحدة وإسرائيل مع إطالة مدة الحرب، أما الخلاف فهو حول كمية العنف المستخدم والمحرج أمام الرأي العام العالمي
الطرفان مع إطالة مدة الحرب، أما الخلاف فهو حول كمية العنف المستخدم والمحرج أمام الرأي العام العالمي. الطرفان مع تهجير السكان إلى جنوب وادي غزة، على الأقل كمرحلة أولى، فجون كيربي، منذ اليوم الرابع للحرب، أعلن "دعمه" لممر آمن للسكان نحو الجنوب، بينما كان الجيش الإسرائيلي ينشر خريطة لمسار هذا النزوح.
داني أيالون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، وسفير إسرائيل السابق لدى الولايات المتحدة، يعلن رؤية إسرائيل حول لجوء الفلسطينيين إلى سيناء، ويقدّم اقتراحاً إسرائيلياً بتمويل بناء عشر مدن لهم. ولا يقف عند هذه الغطرسة فقط، بل ويبرّرها بمقارنة اعتباطية مع مليوني لاجئ سوري في تركيا. معهد مزغاف للأمن القومي في إسرائيل يدعو إلى "استغلال اللحظة الحالية"، كما ورد حرفياً في ورقة الموقف التي أعلنها منذ أيام، لتهجير الفلسطينيين إلى مصر، وهذه الورقة تحتوي على خطة مفصّلة عسكرياً ومتدرّجة، ومضبوطة من جانبها التمويلي أيضاً. هناك في الولايات المتحدة، بايدن يطلب من الكونجرس تمويلاً إضافياً لمساعدة اللاجئين في أوكرانيا، وما ينجم عن الحرب في غزة من تداعيات هجرة، وحتى أن الرسالة ذكرت الضفة الغربية بشكل قُصد منه أن يكون عارضاً.
إذن صار مصطلح التهجير ومصطلح سيناء جزءاً من التداول السياسي في المنطقة، أما نحن ومراكز أبحاثنا ومؤسساتنا المنتشرة والمموّلة، والتي تزيد عن فائض الهم على القلب، فغارقون في العسل. السياسة معدومة عندنا، ولا نجيد إلا لغة الرفض أو القبول كردّات فعل لما يأتينا من اقتراحات أو قنابل. لم يحدث أن قدمنا دراسة أو اقتراحاً أو رؤية، لا لما يخص اليوم التالي للحرب، ولا للأيام التي تسبق الحرب، ولا حتى للحرب نفسها. ننقسم بين مهزومين لأن جينات عواطفهم مهزومة، وبين منتصرين لأن إسرائيل لم تستطع إبادتنا. أما كيف سنتصدّى لهذه المخططات بوسيلة أخرى غير دمنا، فليس لدينا أية فكرة. الإعلام النفطي يبيعنا ما يرضي غرائزنا لا ما يوضّح لنا المستقبل، ومثقفونا يتحولون فجأة إلى أبواق لتبرير وفلسفة هذا البيع، أما الناس العاديون فليسوا على اطلاع، لا على مصيرهم ولا على اليوم التالي من مستقبلهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع