شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
تواصل قطع الكهرباء في مصر... كيف تجاهلت الحكومة الأزمة قبل وقوعها؟

تواصل قطع الكهرباء في مصر... كيف تجاهلت الحكومة الأزمة قبل وقوعها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 9 يناير 202404:47 م

طوال الأشهر الماضية، كررت الحكومة المصرية وعودها بأنَّ أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي نغصت حياة المواطنين وكبدتهم خسائر فادحة، ستنتهي بحلول فصل الشتاء، عندما تقل معدلات الاستهلاك التي تتزايد صيفًا مع ارتفاع درجات الحرارة. ولكن عندما حلَّ الشتاء، تبخرَّت تلك الوعود تماماً، ليبدأ فصل آخر من تخفيف الأحمال والخسائر، لم يتضح للحكومة بعد موعداً لنهايته، وفق مصدر بقطاع الكهرباء تحدث إلى رصيف22.

وبالرغم من أنَّ وزير الكهرباء محمد شاكر شدد في تصريحات له في مارس 2023، على أن زمن تخفيف الأحمال لن يتكرر فى مصر مهما بلغت الأحمال على الشبكة القومية للكهرباء، سواء في الصيف أو الشتاء، عمدت الحكومة إلى تطبيق خطة لتخفيف الأحمال، لأول مرة منذ ثماني سنوات، وصلت في بعض المناطق لأكثر من 10 ساعات متفرقة يومياً، تقلصت لاحقاً إلى ساعتين، لأسباب عزتها إلى موجة الحر الشديد التي تتعرض لها مصر، وتسببت في زيادة معدلات الاستهلاك.

هذه الرياح المعاكسة جاءت رغم تفاخر الحكومة بنجاحها في تحقيق زيادة غير مسبوقة في إنتاجية الكهرباء وصلت إلى 30 غيغاواط في 6 سنوات فقط، وذلك بعد أن ضخت استثمارات وصلت إلى 355 مليار جنيه (11.5 مليار دولار) في مجال إنتاج الكهرباء وحده منذ 2014، الأمر الذي دفعها بعد ذلك كله إلى إطلاق حملة لترشيد الاستهلاك من الوقود المستخدم في الكهرباء، لتتمكن من تصديره للخارج والاستفادة منه لتوفير العملة الأجنبية للبلاد، في ظل شح العملة الصعبة بالبنوك المصرية.

ما أغرى الحكومة للسير في هذا الاتجاه هو الارتفاع الكبير في أسعار الغاز بالسوق العالمية تأثراً بالحرب الروسية الأوكرانية، لتقفز قيمة صادرات مصر من الغاز خلال عام 2022 إلى 8.4 مليار دولار، مقابل 3.5 مليار دولار في 2021، بنسبة زيادة 171%.

لم يحدد مصدر حكومي في قطاع الكهرباء موعداً لانتهاء الأزمة، بسبب عدم اتضاح الرؤية بشأن إمدادات الغاز حتى الآن، ولكنه أشار إلى أنَّ الحكومة كافحت طوال الأشهر الماضية لتوفير الغاز الطبيعي والمازوت لتشغيل محطات التوليد، ولكنَّ ذلك لم يكن كافياً.

تخفيف الأحمال يربك الحكومة

خطة تخفيف الأحمال أربكت حسابات الحكومة إلى حد كبير، فلم تكن قد مرت أشهر على تصريحات الوزير بأنَّ زمن التخفيف ولى، حتى أطفأت القاهرة أنوارها من جديد. لم تشأ الحكومة في بداية الأزمة التركيز على فكرة وجود عجز في إمدادات الغاز الطبيعي، خصوصاً أن مصر حققت اكتفاءً ذاتياً في الإنتاج بعد اكتشاف حقل ظهر، إلى أن أقر وزير الكهرباء بنقص إمدادات الوقود والغاز الطبيعي اللازمين لمحطات إنتاج الكهرباء.

تصاعدت حدة الأزمة بانخفاض إنتاج حقل ظهر إلى نحو 2.2 مليار قدم مكعبة يوميا بعد أن بلغ نحو 2.8 مليار قدم مكعبة عام 2021، وهو أدنى مستوى له في ثلاث سنوات، وذلك تزامن أيضا مع انخفاض كميات الغاز الموردة من خارج مصر من 800 مليون قدم مكعب غاز يوميا إلى صفر، بحسب ما أعلنه مجلس الوزراء المصري.

في هذا السياق، يرهن مصدر بالشركة القابضة لكهرباء مصر انتهاء أزمة انقطاع التيار الكهربائي بإيجاد حلول اقتصادية لأزمة نقص العملة الصعبة التي تعاني منها مصر، بعد أن اضطرت القاهرة لاقتطاع نسبة من الغاز الطبيعي المخصص للاستهلاك المحلي لتدبير العملة الصعبة، إذ تعتمد محطات توليد الكهرباء بنسبة 85% على الوقود الأحفوري في عملية التشغيل.

وسبق أن أفاد وزير المالية محمد معيط بأن مصرباتت تجني نحو 500 مليون دولار شهرياً من صادرات الغاز الطبيعي، في خضم خطة طموحة تهدف إلى زيادة الرقم إلى مليار دولار، لتوفير النقد الأجنبي بعد الضغوط المالية الناجمة عن الحرب الأوكرانية.

ولا تزال القاهرة تعول على برنامج الطروحات الحكومية لزيادة السيولة الدولارية بالبنوك لتلبية احتياجات السوق وتسهيل عمليات الاستيراد، حيث جمعت حتى الآن 5.6 مليار دولار حصيلة بيع شركات حكومية ضمن البرنامج، في وقت تجاوز سعر الدولار بالسوق السوداء الـ50 جنيها، بحسب متعاملين تحدثوا إلى رصيف22.

المصدر الحكومي الذي تحدث إلى رصيف22 رفض تحديد موعد لانتهاء الأزمة انقطاع التيار بسبب عدم اتضاح الرؤية بشأن إمدادات الغاز حتى الآن، ولكنه أشار إلى أنَّ الحكومة كافحت طوال الأشهر الماضية لتوفير الغاز الطبيعي والمازوت لتشغيل محطات التوليد، وأنَّ ذلك حمَّلها تكاليف إضافية، غير أنَّه لم يكن كافياً في ظل تراجع إنتاجية الآبار النفطية، وتوقف إسرائيل عن إمداد مصر بالغاز بضعة أسابيع بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وحتى مع استئنافها التصدير في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي، لم يكن بكميات كبيرة.

وانخفضت واردات مصر من الغاز إلى صفر من 800 مليون قدم مكعبة يومياً، وفق بيان مجلس الوزراء المصري تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مما ساهم في قصور في توليد الكهرباء الذي تسبب في انقطاع الكهرباء على مدى أشهر.

إلا أن الحكومة دأبت خلال الأشهر الماضية، من خلال الهيئة العامة للاستعلامات، على نفي وجود علاقة بين تصدير الغاز وازمة انقطاع التيار الكهربائي، بدعوى أنَّ تصدير الغاز يتوقف تماماً في أشهر الصيف، بسبب ارتفاع معدلات الاستهلاك المحلي في تلك الفترة، ويستأنف مع حلول الخريف ثم الشتاء والربع، عندما يقل معدل الاستهلاك المحلي، فينتج فائض يمكن تصديره.

غير أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفى صحة هذه السردية، عندما حسم الأمر بربطه بأزمة نقص العملة الصعبة في خضم رده على الشكاوى المتكررة من انقطاع الكهرباء في أيلول/سبتمبر الماضي في مؤتمر حكاية وطن، بقوله: "الدولة لجأت إلى تخفيف الأحمال بسبب رغبة وزير البترول في بيع الغاز الطبيعي بالدولار، علشان يقلل فاتورة الضغط على البنك المركزي والعملة الحرة".

يرى الرئيس السابق لمجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية الدكتور مدحت نافع أن الحكومة تجاهلت مؤشرات كثيرة كانت تدل على أنَّ هناك أزمة قادمة في توفير الغاز الطبيعي المطلوب لتشغل محطات الكهرباء عام 2023.

السيسي أشار أيضاً إلى أنَّ انقطاع في التيار الكهربائي سببه تضاعف أسعار الغاز و"نحن نحتاج إلى الدولار، ويجب أن نتحمل ذلك ولم نكن نستطيع أن نقوم بالاستلاف أكثر من ذلك، ونحن نحتاج كل دولار بسبب مشتقات البترول التي نشتريها".

ورد كذلك في بيان الهيئة العامة للاستعلامات أن تشغيل محطات الكهرباء يحتاج إلى 129 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي والمازوت، لكن أيام ذروة الحرارة شهدت استهلاكاً تراوح بين 144 إلى 146 مليون متر مكعب في اليوم الواحد، ما لم تكن جهات التشغيل مستعدة له، وبحسب تعبير الهيئة "لم يكن في الحسبان"، ما أدى إلى زيادة استهلاكات الغاز الطبيعي بالإضافة إلى المازوت المحلي والمستورد منه حتى يتم التعويض.

.. والارتباك يسبق التخفيف

غير أنَّ الرئيس السابق لمجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية الدكتور مدحت نافع، يرى أن ارتباك الحكومة كان بإمكانها استباق الأزمة بشكل أفضل، ولكنها تجاهلتها.

ولا يميل نافع إلى تبني الأسباب التي ساقتها الحكومة بشأن الزيادة "المفاجئة" في معدلات الاستهلاك هذا الصيف، ويضيف أن المؤشرات كلها كانت تدل على وجود أزمة قادمة في توفير الغاز الطبيعي المطلوب لتلبية احتياج محطات توليد الكهرباء بحلول عام 2023.

ويوضح نافع في حديثه إلى رصيف22، أنَّ اتساع الفجوة بين المعروض من الطاقة بمصادرها والطلب المتزايد ناجم عن سوء تخطيط إدارة الموارد والاعتماد على المركزية في توليد الكهرباء، من خلال وحدات ذات أحجام كبيرة جداً، أما الأنظمة اللامركزية فتضم مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والغاز وتكنولوجيا تخزين الطاقة، وهي حلول يعتبرها مناسبة، في ظل انخفاض تكلفة إنتاج بدائل الطاقة المتجددة وأنظمة التخزين.

السردية الحكومية في هذه الأزمة حملت المواطن جزءاً من المسؤولية، إذ قال المتحدث باسم مجلس الوزراء المستشار محمد الحمصاني قبل أيام إن شبكات الكهرباء تواجه ضغوطاً كبيرة نتيجة تزايد الاستهلاك بسبب الزيادة السكانية والتوسع في المشروعات السكنية الجديدة، حتى أنَّ وزير البترول الأسبق أسامة كمال ذهب إلى أنَّ بدء دخول وحدات العاصمة الإدارية الجديدة قيد التشغيل، قد يكون من ضمن أسباب هذا الضغط، وهو علق عليه نافع: "الطلب لا ينمو بشكل فجائي بل بشكل مخطط سواء النمو السكني أو الصناعي وقطاع الكهرباء المستخدم الأكبر للطاقة الأحفورية، ويجب التخطيط الشامل لمرفق الكهرباء وموارد الطاقة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image