شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الكهرباء في السودان: أزمة الطاقة الغائبة

الكهرباء في السودان: أزمة الطاقة الغائبة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 22 أبريل 202102:15 م

لنسلط الأضواء على مأساة الكهرباء في السودان، لا بد من إيراد هذه القصص أو الغصص.

الأولى عن وفاة ثلاثة مرضى بكورونا رابضين في العناية المكثفة بأحد مراكز العزل بالعاصمة الخرطوم، ورحيلهم جراء توقف الأجهزة التي تربطهم بالحياة، بالتزامن مع مشكلات في مولد المركز. 
والثانية عن تحلل جثامين مجهولة الهوية، يعتقد أن بعضها يعود لمفقودي مجزرة القيادة العامة، بمشرحة المستشفى الأكاديمي بالخرطوم، حيث أدى انقطاع الكهرباء إلى انبعاث روائح كريهة من المكان، زد على ذلك تسلل الدماء والمخلفات من أبواب ثلاجات حفظ الموتى في منظر يندى له الجبين.

الوضع الحالي

 كالعادة تشهد الكهرباء في السودان، مع حلول رمضان حالة من الاستقرار الكبير، ولأول مرة منذ شهور تستمر فولتات الكهرباء في السريان عبر خطوط الإمداد في بعض الأيام لمدة 24 ساعة من دون انقطاع.
وتعهد وزير الطاقة وقف برمجة القطوعات التي وصلت قبل رمضان إلى 12 ساعة وتزيد، إلى الحد الأدنى، وفي حالتنا قطوعات قصيرة الأمد، وغير يومية.
ويبعث الحال في رمضان للتساؤل عن سر هذا الاستقرار النسبي، والذي هو بالطبع ليس برمجة القطوعات مع مردة الشياطين، وإنما أسباب أخرى أكثر واقعية.
بحسب الوزارة فإن زيادة وتيرة القطوعات قبل رمضان هدفت إلى تخزين الكهرباء لموسم الصيام، وبصورة أدق يمكن القول بتوفير المياه للسدود الكهرومائية لتعمل بطاقتها القصوى، وتوفير وقود "الفيرنس" لتعمل محطات الطاقة الحرارية بطاقتها القصوى.

الحال قبل رمضان
منذ أكثر من عام تقريباً، شرع مركز التحكم القومي في إعداد برمجة قطوعات يومية للتيار الكهربائي عن الأحياء السكنية في العاصمة والأقاليم، بغرض تقليل الأحمال، وخفض معدلات الاستهلاك اليومي، لسد الفجوة بين المنتج والذي يجري توزيعه.
واستمرت برمجة القطوعات التي تصل في الحدود الدنيا إلى ست ساعات، وفي الحد الأقصى لـ 12 ساعة، حتى في موسم الشتاء البارد نسبياً، وتنخفض خلاله معدلات الاستهلاك بشكلٍ كبيرٍ.
وتقدر كميات الكهرباء المنتجة في السودان بحوالي 3.5 آلاف ميغاوات في أحسن الأحوال، إلا أن الموّلد بالفعل أكثر بقليل من 2.5 الف ميغاوات، وبعجز بلغ 800 ميغاوات العام الماضي، مع معدل عالٍ نسبياً ويقدر بـ 20%.
وتقول إدارة الكهرباء إن نسبة الزيادة في الاستهلاك تقدر سنوياً بـ 11% مع العلم أن إقليم دارفور الذي تعادل مساحته مساحة فرنسا، غير مشمول بكهرباء الشبكة القومية، وتوفر الكهرباء له شركة تركية كثيراً ما تتوقف عن عمليات التوليد بسبب المديونيات على الحكومة.
كذلك فإن معظم الكهرباء المنتجة في السودان موجهة بشكل شبه كامل –للمفارقة- للقطاع السكني، رغم رفع الدولة شعار "ح نبنيهو" لإحداث نقلة في الاقتصاد عبر عمليات الإنتاج.
مشكلة الكهرباء لها عدة مستويات، أولها التمويل، وهو ما يتسبب في العجز عن بناء محطات جديدة بقدرات عالية، زد على ذلك نقص التمويل الذي وصل إلى مماطلة وزارة المالية في الوفاء بتكاليف وقود الكهرباء والصيانات الدورية والطارئة، ما يفاقم هندسياً من المشكلات القائمة

أصل المشكلة

لمعرفة أصل مشكلة الكهرباء يلزمنا بكل تأكيد الحديث إلى أحد مهندسيها، مهتدي حسن من شركة الكهرباء السودانية.
مهتدي قال لرصيف22 إن مشكلة الكهرباء لها عدة مستويات، أولها التمويل، وهو ما يتسبب في العجز عن بناء محطات جديدة بقدرات عالية، زد على ذلك نقص التمويل الذي وصل إلى مماطلة وزارة المالية في الوفاء بتكاليف وقود الكهرباء والصيانات الدورية والطارئة، ما يفاقم هندسياً من المشكلات القائمة.
مستوى ثانٍ للمشكلة متمثل في تلاعب النظام البائد بالمواصفات، إذ بُنيت سدود كسد مروي بتكلفة تفوق طاقته بكثير، كل ذلك لأسباب سياسية تتمثل في الرد على قضاة المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس المخلوع عمر البشير بتهمة ارتكاب إبادة وفظائع في دارفور، ولذا فإن أشهر شعارات السد كانت "الرد بالسد".
وبيّن مهتدي مشكلات كبيرة في السد بعد افتتاحه، لا سيما في ظل صعوبة توفير قطع غيار نتيجة العقوبات الاقتصادية الأمريكية يومذاك، وهو ما نجم عنه استيراد مواد الصيانة بصورة ملتوية، وأحياناً غير مطابقة للمواصفات لأجل الحصول على عمولات. مشاكل يقول مهتدي بأنها ما تزال تؤثر على تشغيل السد بطاقته القصوى.
ويشكو مهتدي من ضعف فاتورة الكهرباء، وقال إن الدعم الحكومي للفاتورة يجعلها أقل مما يجب تحصيله بنسبة 200%.
ويختم مهتدي سلسلة مشكلات الكهرباء بهجرة المهندسين والكفاءات العاملة في مجال الري، إلى دول الخليج النفطي، بحثاً عن تحسين أوضاعهم، وفراراً من ضعف المرتبات والأجور.

انعكاسات اقتصادية

لا توجد إحصائية دقيقة تقدر حجم الخسائر الناجمة عن قطوعات الكهرباء، ولكن يجوز أن نقول بمعادلتها لملايين الدولارات شهرياً.
هكذا بدأ المحلل الاقتصادي مؤيد بدر الدين، إفادته لرصيف22، وزاد: "قطوعات الكهرباء تؤثر على إنتاج المصانع المحلية، هذا رغم تذكيرنا بأن معظم الكهرباء موجهة للقطاع السكني، وبالتالي توقفت كثير من المصانع وخرجت عن دائرة الإنتاج، أما المشتغلة فوضعت تكلفة البحث عن بدائل في أسعار بضائعها ما يفاقم من ارتفاع الأسعار والتضخم".
وبلغ التضخم حاجز 342% لشهر أذار/مارس المنصرم، مقارنة بـ330% لشهر شباط/ فبراير الماضي، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.
وكما ذكرنا آنفاً أودت الكهرباء بحياة مرضى في العناية المكثفة، وأدت إلى تحلل جثث مجهولي الهوية في إحدى مشارح الخرطوم.
ويردف مؤيد: "تأثرت عمليات التبادلات التجارية جراء الصعوبات التي تواجه التجارة الإلكترونية، مع ميول للتعامل بالنقد، وهو ما يسبب مشكلات جراء لجوء المواطنين لسحب مدخراتهم البنكية".
وفي وجه آخر لماساة القطوعات، يضيف مؤيد زيادة استهلاك المواد البترولية، لاستخداماتها في تشغيل المولدات، ما يفرض ضغوطاً على محطات الوقود وتنامي ظاهرة السوق السوداء.
ويعاني السودان من أزمة في الوقود ناجمة عن ضعف إنتاج حقوله النفطية، مع وجود مشكلة في توفير المال اللازم لاستيراد شحنات وقود من خارج البلاد.

مشاكل يومية

بعيداً عن مظاهر الاقتصاد الكلي، تتجلى مشكلة الكهرباء في حياة السودانيين العاديين. يقول محمد خالد، وهو رب أسرة، لرصيف22 إنه يعاني من توقف معظم نقاط الصراف الآلي، وتوقف ماكينات السحب الإلكترونية في المحال، ما يعوق عمليات الشراء لاحتياجاته ومستلزماته الحياتية اليومية عبر راتبه الذي ينزل شهرياً في رصيده البنكي.
وتقول ريم مأمون، وهي طالبة جامعية، إن قطوعات الكهرباء تجعل من الأجواء داخل قاعات الدرس أمراً لا يطاق، ولذا فمعظم الطلاب يستخدمون الكراسات كمراوح للهواء، والقلة الباقية تخلع الكمامات بحثاً عن الأوكسجين، ما يفاقم من مخاطر انتشار فيروس كورونا المستجد.
أما محاسن الحاج، وهي ربة منزل، فتشكو الحر الشديد الذي قد تنجم عنه صعوبات صحية بالنسبة لكبار السن، أضف إلى ذلك الخسائر الناجمة عن تلف الأطعمة والمشروبات جراء تحول الثلاجات مع كثرة القطوعات إلى أوعية أشبه بخزانات الملابس.
وينقلنا سامي الرشيد، وهو سائق في إحدى شركات المواصلات عبر تطبيقات الهواتف لمستوى آخر، بالإشارة إلى ضعف أداء شبكات الاتصالات جراء القطوعات، واغلاق هاتفه وهواتف الزبائن بسبب قلة التزود بالكهرباء، ما يعني توقف طلب الرحلات، وتكبيد هذا القطاع خسائر مالية.
آخر نموذج لدينا، هو لاعب كرة القدم، سامي كامل، الذي قال إن تدريباتهم تحولت من الفترة المسائية لفترة ما بعد الظهر، تلافياً لقطوعات الكهرباء، مشيراً إلى أن هذا الأمر يقلل كثيراً من جودة اللاعبين، وضرب مثلاً بهزائم تعرضت لها أندية القمة في السودان وهي الهلال والمريخ، جراء اضطرار اللاعبين لخوض مبارياتهم الإفريقية في الفترات النهارية أو عند العصر، ما يؤثر على أداء الفرق بشكل كبير.
لا يخفى على أحد أن حل مشكلة الكهرباء يكمن في كلمة واحدة هي "الكاش" أو النقد، وهو أمر يصعب توفيره في الحالة السودانية الماثلة، ولا يمكن اعتبار شهر رمضان مقياساً لما سيكون عليه حال الكهرباء فهو استثناء

الحلول

يرى المهندس مهتدي أن علاج مشكلة الكهرباء يحتاج إلى مزيد من الإنفاق، وإقامة محطات جديدة بسعات كبيرة، أو جذب المستثمرين، وذلك أمر يحتاج إلى فرض تعرفة مجزية.
أما مؤيد بدر الدين فيرى أن الأمر رهين بمدى نجاح تجربة استيراد الكهرباء من دول الجوار، حيث تسعى مصر إلى رفد السودان بثلاثة آلاف قيقاواط، ونفس الأمر ينطبق على ضرورة سعي المفاوض السوداني لإلزام إثيوبيا بمد السودان بكهرباء رخيصة من سد النهضة في أي معادلة للحل.
ويزيد بحاجة السودان إلى الاستفادة من مؤتمر باريس المقرر له في أيار/ مايو المقبل، لأخذ منح وقروض لإصلاح الأوضاع في قطاع الكهرباء.

الواقع المر

لا يخفى على أحد أن حل مشكلة الكهرباء يكمن في كلمة واحدة هي "الكاش" أو النقد، وهو أمر يصعب توفيره في الحالة السودانية الماثلة، ولا يمكن اعتبار شهر رمضان مقياساً لما سيكون عليه حال الكهرباء فهو استثناء، يجري التحضير له منذ فترة طويلة، ومع ذلك فقطوعات التيار حاضرة وإن بدرجة أقل، وشكاوى الجهات المختصة من زيادة الاستهلاك حاضرة يومياً وبدرجة أكبر.
 فما بالك لو أضفنا إلى كل تلك التعقيدات، التحذيرات التي ساقتها وزارة الري عن تضرر السدود السودانية متى بدأت إثيوبيا في تعبئة خزان سد النهضة للمرة الثانية، ما يعني نقصاً كبيراً في مناسيب المياه، ليس لأسابيع أو شهر، إنما طيلة ستة شهور تستمر من نيسان/ أبريل. ولأن حجم الكهرباء المنتجة من التوليد المائي تعادل 48% من كهرباء الشبكة القومية. وعليه، يلزمنا التحذير، فالزمن القادم يبدو قاتماً. 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image