"أنا مطلّقة"... قالتها عبير نعمة على الملإ بشجاعة، وربما بحطام الانكسار. أعرفه... ديدن النساء، نجمع الأضداد ونؤلّف بينها حتى يظنها الرائي لوحة واحدة، دونما اتصال في الوسط يجعل من الخط الفاصل مجازاً.
أفكّر بعبير وأنا أرتّب طاولة العام الجديد وربما القديم، فالخط الفاصل يشقّ طريقه الضيّق مرّة أخرى... تلك السيدة أنهت فروضها في الجرد للتوّ بجملة من كلمتين، وها أنا أبدأ عامي بجردٍ مفصّل كما جرت العادة.
أن تعدّ المكرّر، يأكل من الطاقة حدّ التخمة، يعلّق أرجوحته حول عنق الوقت، يخنق القدر، فلا سبيل للصُدف وقد أنهى ملفاته الملوّنة.
تنتصر رغبة الترتيب على الاحتفال، كل ما كُتب في العام السابق أتمّ نقصانه التفكير. أتناول أشياءك وأعلّقها مع المفاتيح فيسهل إيجادها. أغمس إسفنجة صغيرة بالأخضر المُزرق، أزين جدار الصالة بزهور تشبه عينيك.
أكوّم شجاراتنا السنوية، أكّدسها كيفما اتفق، شجرةً تعلن الانتهاء من مخاضٍ عسير. شجارات لأجل الأولوية الماكرة التي تزيح بي لآخر الطابور، ستتكاثف مع قدوم الصيف، حيث الوحدة تشمّر عن يديها وتفصّص الوقت، تقاسمني شؤوني وتجترّ الملل.
عند الزاوية تستقرّ أريكة التردّد... تتكئ عليها القرارات المصيرية وتناقش مع ذاتها حدّ الهلوسة. يتجشّأ الأمل في الممرّ ذهاباً وإيّاباً، ينفث في وجهي أمنية كلّما التقت به عيني.
"أنا مطلّقة"... قالتها عبير نعمة على الملإ بشجاعة، وربما بحطام الانكسار. أعرفه... ديدن النساء، نجمع الأضداد ونؤلّف بينها حتى يظنها الرائي لوحة واحدة دونما اتصال في الوسط يجعل من الخط الفاصل مجازاً
روزنامة المحاولات مع الخيبات والعبور على الجدار إلى جانب الساعة المتوقفة، قصاصات ملوّنة تغري قلمي، فلتكن الحمراء من نصيب مارس:
سوف تتبرعم ألبومات صورنا على عنقي، تعيق الالتفات، ينشر الحنين في أماكننا المحببة الرطوبة الخانقة، أُصاب بربو تحسسي حتماً.
منتصف أيلول:
تُكسر يدي إثر سقوط مفاجئ وأنا أتناول مرطبان النهايات من رفّ الإرادة... أتصل بك للنجدة فتعتذر لانشغالك. تشير لحلّ بديل بأن يرافقني أحد المقربين. أعلنك ملك الحلول البديلة للعام وأمضي لأجبر كسوري.
ستمرّ نسمة في يونيو:
أندهش لها وكناري الأخرس... تداعب شعرك المبلل، تبدو مثيراً حين يبتل شعرك... يجذبني كتفك المتراخي على الأريكة في حين يشغل يدك الهاتف، أمرّر سيولاً جارفة من القبل تهدأ عند السدّ المفتعل، تجتاح سدّي برغبتك المستفيقة للتوّ كوحش هائج... ينتهي الحال بندمٍ يحفر أخدوده بآخر أغسطس:
دعني أعلّقه على الشجرة إلى جوار رفاقه قبل أن أكمل...
تُراها كم ستحمل شجرتنا من الأجنة غير المكتملة؟ طالما أن الخوف يحوم بأجنحة اللاثقة، أُسقط ثماري الفجّة بعصا الحذر. لا غد يرتجى من العلاقات المسمومة.
سأصير أغنية الاعتدال الخريفي:
أتردّد لكل مكان، ستبحث عني لأثبّت زرّ القميص الأزرق ولن تجدني. سأفعل بخفّة بينما تحاول أن تضمّ الخيط للإبرة. تعتريك الحيرة حيال الزر، ترتدي قميصك، تُكمل أناقتك متمايلاً مع لحني حين أُعيد "الكوبليه" الأخير للمرة الثانية، ثم أُرجع اللحن إلى البداية.
تزورنا الندّية لتمكث في دارنا شهري نوفمبر وديسمبر:
حيث التجاهل المُفتعل هو اللاعب والحكم. نستسلم لعزّة النفس. تخوض أحاديث العند مع المجهول، فيما يسرقني الانشغال الكاذب في ترتيب مشاوير الانتصار مع الرفاق. نضحك بأعلى الصوت، وحين تُبحّ الحناجر نبكي بصمتٍ ونتظاهر بالنوم.
ستدعوني للرقص في عرس نيسان، وسأقبل بكل سرور:
ومن قال بأننا سنفلت هذا العام من شرك الخداع البصري الاجتماعي؟
"الكوبل" المثالي قد وصل. يسمّينا أحدهم "عصافير الحب" وأخرى تحسم بأننا "زيزون وزيزونة". يروق لي اللقب وأضحك كما لو أني أصدّقها كحقيقة.
"الكوبل" المثالي قد وصل. يسمّينا أحدهم "عصافير الحب" وأخرى تحسم بأننا "زيزون وزيزونة". يروق لي اللقب وأضحك كما لو أني أصدّقها كحقيقة
ننظر في وجوه بعضنا لأوّل وآخر مرّة للعام القادم. تتنهد وأنت تمسح شعري من وراء شاشة صغيرة، فيما أعصر إسفنجتي جيداً بعد أن تشبّع أخضرها المزرق. أقف لاهثة قبيل نهاية العام القادم، كما حالي الآن، أُمسك بنجمة، أتطاول وأمدّ قامتي بحذر لأعلّقها في قمّة الشجرة؛ فتكون خاتمة الزينة والجرد والافتعال والتباكي. نجمة تشتعل بين كفيّ، تلتهب كما النيزك الصغير. نجمة من كلمتين، تقع، تهوي على البلاط الوردي، تتشظّى، تتبعثر الحروف. ألملم ما استطعت منها سبيلاً. أجد الـ"أنا" تحت الأريكة مُنهكة خائفة. أحضنها وأعلّقها نصف نجمة، نصف منارة علّها تهدي للتيه سبيله. أدوّر النصف الآخر عمود الطاء مكسوراً، نقطة أفلتت يد أختها فضاعت.
أكنس كل الفوضى العالقة بالمكان، أرمي بها من نافذة التوقعات، أغمض عيني مع اقتراب ثواني العام الجديد، أضمر أمنية لنجمة مكتملة تعتلي قدري للعام الذي يلي.
كانت امرأة صريحة للغاية، فتحت لي قلبها ومثّلت التفاصيل، كدمية داخل كوخها الصغير تحيط بها المنمنمات، وكلّما مرّت عبير بدمعها المنتصر على القرار، يفتح باب كوخٍ جديد، تُراقص فيه أخرى قرارها المتواري خلف ستار. يختلف الأثاث، يتباين لون البشرة والشعر، إلى أن ينتهي بهن الحال على رؤوس الأصابع، بين الأكفّ نصف نجمة، بنصف شعاع، ونصف القرار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...