شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
صوت طبيعي لامرأة تربت بين فكي تمساح

صوت طبيعي لامرأة تربت بين فكي تمساح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الجمعة 5 يناير 202411:39 ص

على افتراض بأني كما أصف نفسي سرّاً، بـ "الفتاة التي تعيش داخل رأسها"، أو الفتاة التي خلقت لها حياة بسيطة لا يعرف عنها أحد ممن حولها شيئاً، باستثناء بضعة أفراد من المقربين، مثل حبيبي وصديقاتي المقربات جداً. أسأل نفسي: في أي وقت ستنكشف هذه الحياة القليلة التي أخبئها وأخاف عليها، وما هي العواقب؟

في الحقيقة، أنا سعيدة بأن لدي أشياء وأفكاراً وممارسات لا يدري عنها البيت الذي أقضي فيه حياتي بالأشهر دون أن تلمس جلدي الشمس، أمارس التقية داخل البيت أمام أهلي ومجتمعي، في أدق التفاصيل، كأن أصلي إن اضطررت للصلاة أمامهم، وأن أتحدث عن الدين وكم أنا محظوظة بأني ولدت مسلمة، عن عمر بن الخطاب وشجاعته، وكم أن الدين بريء من الارهاصات التي ألحقت به تالياً، كلام أجاري به من حولي حتى لا أقع في صدام معهم بسبب معتقداتي اللادينية، وليس من فرصة لأكون على طبيعتي ومحيطي مجنون لن يتقبلني كما أنا.

ومع ذلك أعتبر نفسي شجاعة طالما ما زلت قادرة على إخفاء هذا كله، وأن أحب وأكون محبوبة في حين سماعي للتهديدات التي تتلى على رأسي كلما طاب لهم: "إن شعرنا مجرد شعور بوجود رجل في حياتك سيكون مصيرك طلقة رصاص واحدة وقبر أبدي".

لدي أشياء وأفكاراً وممارسات لا يدري عنها البيت الذي أقضي فيه حياتي بالأشهر دون أن تلمس جلدي الشمس، كأن أصلي إن اضطررت للصلاة أمامهم، وأن أتحدث عن الدين وكم أنا محظوظة بأني ولدت مسلمة

كيف لا أمسك هاتفي لأحرّر رقم الرجل الذي أحبه وأهاتفه خوفاً من أن يلقى القبض عليَّ متلبسة بجريمة "حب"، لكننا نتواصل على مدار اليوم بالرسائل الصوتية والكتابية منذ سنوات ولم يلاحظني أحد. هذا القمع ليس حالة خاصة بي شخصياً، ولكن أغلبية الفتيات يتم التعامل معهن بطرق مشابهة وربما أكثر فتكاً، والجسورة من تحاول النجاة أو تعيش حياة أخرى داخل حياتها مثلما أفعل أنا، ما استطاعت إليها سبيلاً.

البقاء في نقطة الصفر

كانت التربية التي نشأت عليها منذ صغري، حول عقلي وجسدي وما يجب أن يكونا عليه، والدروس الدينية التي تلقيتها في المدرسة وحلقات التحفيظ والوصاية المجتمعية، كفيلة بتحويلي إلى آلة يتم التحكم فيها بسهولة، فقد تمت محاولات البرمجة بقوة، إلا أنني وجدت نفسي على العكس تماماً مما تم تلقيني إياه من كل مكان ذهبت إليه، وكأنني لم أتعد الصفر معهم، خرجت من قصص الفتيات الشهيرة اللواتي يلبسن جينز ويمتن، فتتلقفهن مغسّلة الأموات وعلامات سوء الخاتمة ظاهرة عليهن، ومن تقييد طريقة الجلوس التي يفرضها المجتمع على العذارى.

كبرت وفي بالي حب للحياة وحب للحب والرغبة في تقبيل رجل لا تربطني به ورقة عُقدت عند رجل دين شرعي مخوّل من المحكمة، يتوسط والدي والرجل الآخر ليتعاقدا على شراء "ماشية". أعيش وأنا أحلم بسعادتي واستقلالي، وشعري الحر يطير في الهواء الطلق، ولا أرى إلا أن تكون هذه الروح سعيدة بالحياة، كل الحياة دون استثناء، إلا ما لا يتناسب مع مبادئي شخصياً.

 لكن كوني فتاة من عائلة مسلمة، وفي مجتمع عربي معقد في أبسط تفاصيله، فيما يخص الإناث على وجه التحديد، فأنا خاضعة لمقاييس واعتبارات كثيرة تحد من تصرفي بعفوية تجاه حتى نفسي وعائلتي، مقاييس حاوطتني منذ طفولتي كنت أتساءل دائماً عنها: "ليه أنا لا وجبار ابن خالي ايوا؟"، حتى تمنيت أن ينبت لي قضيب مثله لأقفز وأضحك وألعب، إلى أن ينتشر الشعر على وجهي وأصبح رجلاً له قيمة وكثير من الحرية.

فرضية العمر مرة

يقتلني شعوري الدائم بأن العمر مجرد رقم واحد لا اثنان بعده، والفرصة واحدة، ولكن هذه حياتي أنا وعمري الذي يمضي دون حياة، حركة بلا روح، وانتظار مستمر لشيء لن يأتي إن لم أتحرّك وأبحث عن نواقصي التي تبني ما يرمّم روحي، حتى وإن كان ذلك بالتخفّي والمداراة كل حين وآخر، لئلا ينكشف أمري.

الخوف من الفرصة الواحدة يجعلني أفكر دائماً: ماذا إن لم يأت الغد؟ وإن أتى، ماذا سيحمل؟ وهل سيحمل خياراتي أو خيارات العادات والتقاليد والدين؟! هل سأنتظر مثلاً لعمر الثلاثين أو الأربعين لأخرج في موعد غرامي شرعي، أم أذهب بنفسي لموعدي مع الرجل الذي أحبه ويشرّعه وجداني لأقطف من فمه قبلتي الأولى قبل أن تأخذني الأيام إلى لا شيء؟

التهديدات التي تتلى على رأسي كلما طاب لهم: "إن شعرنا، مجرد شعور، بوجود رجل في حياتك سيكون مصيرك طلقة رصاص واحدة وقبر أبدي"

هذا ما فعلته حقاً. ركضت نحو سعادات خفية قد يراها البعض عادية، كأن أمشي في الشارع بلا غطاء حينما سنحت لي الفرصة بالسفر، وبشرب البيرة مع صديقات محبات للحياة، وصديق إنجليزي صادفته في لوبي الفندق، احتسيت معه البيرة وتحدثنا حول كل شيء، ثم مددت كفي إليه لأودعه، وكانت المرة الأولى التي أصافح فيها رجلاً لا يقرب لي. أكتب المقالات باسم مستعار، وأدون بعض تفاصيل حياتي وأفكاري، أتصور في الشارع وآكل، ألمس جسدي لأفهمه، وأحفّ حواجبي ولو بشكل غير ملحوظ فقط للترتيب، حتى لا يعتبرونني ملعونة وينبذونني. أعيش قليلاً ولو كانت الحياة ترهقني كل يوم بالكثير من الألم، لكن أيضاً هذه انتصارات، وأحلم بانتصارات حقيقية واضحة، أعيشها بعيداً عن كل هؤلاء الذين يقيّدوني ويتعاملون معي مثل آلة تنفذ الأوامر وتحيا كما يريدون.

إلى الآن، ومع كل هذا، أحسب نفسي إنسانة عادية لها قيمة فكرية تسبح في رأسها، لا تحاول أن تؤذي أحداً، ولا تصدّر ذلك لكائن من كان، حتى صديقاتي المقربات، لحساسية الأمر.

بالطبع هناك كثير من الخوف وتأنيب الضمير والشعور بخيانة عائلتي، لكنه صوت يجب أن يُقمع طالما يحجب عني الشعور بالوقت والحياة، بما أني الآن من وراء الحجاب أعيشها، وهذا صوت طبيعي لامرأة تربت بين فكي تمساح، إن صح لي القول، ثنائية التقاليد والدين، التي لن أخضع لها ولا توجد بداخلي مبادرة للخضوع نهائياً لهذا الصوت.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard