منذ فجر التاريخ، كانت المجتمعات البشرية تبحث لنفسها عن الجانب الروحي الذي يتجاوز المحسوس، والذي تلجأ إليه تهدئة للنفس، أو تسكيناً لها، فتخلق نظرة متفردة للكون والحياة وما وراء الطبيعة، وتنتج رموزاً خاصة بها، تؤثر في سلوكياتها ونظرتها للعالم من حولها.
لم يزغ المجتمع الأمازيغي عن هذه القاعدة، إذ آمن هو الآخر بوجود قوى عليا تتحكم في مصيره، وفي الكون من حوله، ما جعله مجتمعاً زاخراً بالأساطير والرموز المتعددة، يخلق منها ما يراه مُساهماً في بقائه. يضاف إلى ذلك، تأثر المجتمع الأمازيغي بالحضارات التي تعاقبت على بلدان شمال أفريقيا عامة وما جرته من أساطيرها وآلهتها.
الوثنية... تأليه الطبيعة
عَبَد الأمازيغ -كغيرهم من الشعوب - الأرباب المختلفة وآمنوا بالأساطير والخرافات، بحيث شكّلت ظروفهم الاقتصادية الأساسَ في اختياراتهم الأسطورية.
وعرف الأمازيغ طابعَين من العيش قبل الميلاد: الاستقرار ثُم الترحال، تبعاً لخصوبة الأرض من عدمها، ولهذا كانت دياناتهم بداية متجهة نحو حماية حقولهم ومحاصيلهم، خصوصاً بسبب قسوة المناخ وشدة الحرارة. وفق ذلك، عمل الأمازيغ على تعظيم عناصر الطبيعة وتأليهها، فأولوا أهمية كبرى للينابيع المائية وما يسكنها من أرواح، على حد اعتقادهم، أو المطر الذي يجعل المراعي مخضرة.
عرف الأمازيغ طابعَين من العيش قبل الميلاد: الاستقرار ثُم الترحال، تبعاً لخصوبة الأرض من عدمها، ولهذا كانت دياناتهم بداية متجهة نحو حماية حقولهم ومحاصيلهم – خصوصاً بسبب قسوة المناخ وشدة الحرارة. وفق ذلك، عمل الأمازيغ على تعظيم عناصر الطبيعة وتأليهها، فأولوا أهمية كبرى للينابيع المائية وما يسكنها من أرواح، على حد اعتقادهم، أو المطر الذي يجعل المراعي مخضرة
في هذا السياق، ظهرت طقوس سحرية تقوم على أنسنة الطبيعة. لم ينفصل الإنسان الأمازيغي عن بيئته فآمن بالقربان وبالسحر والجن والقوى الخارقة. هذا ما يؤرخه الباحث أنجلو غريلي في كتابه: "أسلمة وتعريب بربر شمال أفريقيا"، قائلاً إن كل تلك المعتقدات التي تبناها البربر تباعاً لم تتمكن من تحطيم العمق الديني البدائي البربري، أي عبادة قوى الطبيعة وعبادة الجن المتحكمين في هذه القوى، وطبيعة الماء، والعيون، والنار، والممارسات السحرية التي لا زالت سارية الاستعمال إلى الآن.
على سبيل المثال، وفق إدموند دوتي في كتابه: "السحر والدين في شمال أفريقيا"، كان يتم علاج قرحة المعدة في منطقة القبائل بالجزائر عن طريق أخذ دم المريض وقطع من أظفاره وشعره، وتُجمع في رزمة ثوب وتثبت في مجرى النهر، اعتقاداً منهم أن النهر سيطهّر الداء.
يقربنا هيرودوت في كتاب "أحاديث هيرودوت عن الليبيين الأمازيغ" من طقوس تأليه القمر والشمس عند الليبيين الأمازيغ، ويقول إنهم كانوا يؤمنون بالقرابين والضحايا والتبرك، يقطعون أذن القربان أو الضحية، ويلقونها على منازلهم، ثم يقتلونها (الأضحية)، بعد ذلك يتربون بها إلى الشمس والقمر، طلباً، أو مغفرة.
وبذلك كانت آلهة الأمازيغ الأوائل ترتبطُ عندهم بالأرض والطبيعة، وكُل ما يُسعف في خصوبة الأرض وحمايتها.
التأثر بالثقافات
لم يكُن الأمازيغُ بمعزل عن العالم الخارجي؛ إنهم تأثروا بالثقافات الأخرى وأثروا فيها، فعبدوا على غرار المصريين القدماء رئيسة آلهتهم (إيزيس)، إلهة الخصوبة والأمومة والسحر، وحذوا حذو المصريين في طقوسهم المتعلقة بهذه الإلهة، من تحريم لأكل لحم البقر وتربية الخنازير. يؤكد هذا هيرودوت في كتابه سالف الذكر بقوله: "للسبب نفسه الذي دفع المصريين إلى الامتناع عن أكل لحم البقرة، والامتناع عن تربية الخنازير؛ فالليبيون يعرضون عن لحم البقرة وعن تربية الخنازير. بل إن نساء قورينة (مدينة تاريخية أسسها الإغريق أقصى شمال شرق ليبيا) يعتبرون أكل لحم البقرة نوعاً من الإثم احتراماً لإيزيس، الربّة المصرية التي يكرمونها بالصيام والاحتفالات. كذلك كانت تمتنع نساء برقة عن أكل لحم البقر والخنزير على السواء".
ويورد ابن خلدون في كتابه: "العبر وديوان المبتدأ والخبر"، أن الأمازيغ اعتنقوا ديانة المجوس شأنهم في ذلك شأن الأعاجم كلهم بالمشرق والمغرب.
إضافة إلى ذلك تأثرهم بالرومان كذلك حين غزوا شمال أفريقيا واحتلوها، وجعلوها تابعة لهم، فتمثل بذلك البرابرة معتقداتهم ودياناتهم، وكان أشهرها عبادة جوبيتر كبير آلهة الرومان، حيث عرفه الأمازيغ باسم ماستيمان. يضاف إلى ذلك تأثر المغاربة بالقرطاجيين في شؤونهم الدينية وأخلاقهم، فعبدوا الكبش (عمون)، كما كان يعبده القرطاجيون.
لم يكُن الأمازيغُ بمعزل عن العالم الخارجي؛ تأثروا بالثقافات الأخرى وأثروا فيها، فعبدوا على غرار المصريين القدماء رئيسة آلهتهم (إيزيس)، إلهة الخصوبة والأمومة والسحر، وحذوا حذو المصريين في طقوسهم المتعلقة بهذه الإلهة، من تحريم لأكل لحم البقر وتربية الخنازير
اليهود الأمازيغ
كانت اليهودية أول ديانة سماوية يتعرف عليها الأمازيغ، إذ وفد اليهود إلى شمال أفريقيا في القرن الثالث قبل الميلاد، وافدين من بعض الدول الأوروبية ومن القدس تحديداً، وتكاثرت أعدادهم هناك مع غزو الرومان لمنطقة قرطاجنة، ثم المغرب والجزائر، وقد انصهر اليهود في المجتمع الأمازيغي بسرعة.
ينحدر بذلك اليهود الأمازيغ من قبائل أمازيغية، تعرضت للتهويد بعد دخول اليهود، ويذهب بذلك عديد الباحثين أن اليهود المغاربة ليسوا نازحين، بل هم أمازيغ أصليون.
ويرى الباحث عبد الله لغمائد في كتابه: "يهود منطقة سوس 1860 – 1960"، أن الديانة اليهودية انتشرت وسط الأمازيغ أثناء القرون الأولى من المرحلة المسيحية، بعدما استقرت المجموعات اليهودية الأولى في منطقة قورينائيا (شرق ليبيا)، فكانت النواة الأولى التي ساهمت في تهويد مجموعة من ساكنة المناطق القريبة من صحراء المغرب الكبير.
وقد كانت عديدُ القبائل إبان الفتح الإسلامي تدين بدين اليهودية. وفي هذا السياق يرى ابن خلدون، في كتابه سالف الذكر، أن "البربر دانوا بدين اليهودية الذي أخذوه عن بني إسرائيل عن استفحال ملكهم لقرب الشام وسلطانه منهم كما كان جراوة أهل جبل أوراس، وكما كانت نفوسة من برابر أفريقية وقندلاوة ومديونة وبهلولة وغياتة وبنو فازان من برابرة المغرب الأقصى، حتى محا إدريس الأول الأكبر الناجم بالمغرب جميع ما كان في نواحيه من بقايا الأديان والملل".
وفي وصفه لليهود الأمازيغ بالريف المغربي، يذهبُ محمد أسويق في مقاله الموسوم باليهود الأمازيغ بالمغرب الأقصى، إلى أن وجودهم بالريف قديم قدمَ ظهور وانتشار الديانة اليهودية، وبذلك أثر هؤلاء الأمازيغ اليهود في الطوبونيميا الريفية، بل ما تزال هناك عائلات أمازيغية تحمل أسماء يهودية، وألقاب الأجداد كآيت يعقوب من قبيلة تمسمان الريفية والمعروفين بالتجارة على نفس أسلافهم.
كانت اليهودية أول ديانة سماوية يتعرف عليها الأمازيغ، إذ وفد اليهود إلى شمال أفريقيا في القرن الثالث قبل الميلاد، وافدين من بعض الدول الأوروبية ومن القدس تحديداً، وتكاثرت أعدادهم هناك مع غزو الرومان لمنطقة قرطاجنة، ثم المغرب والجزائر، وقد انصهر اليهود في المجتمع الأمازيغي بسرعة
مسيحية مضادة
تحت الحُكم الروماني لشمال أفريقيا، عرف أمازيغُ المغرب الكبير الديانة المسيحية، حيث وصلت هذه الديانة إلى المنطقة بعد اعتناق عدد من الرومان بالشرق لهذه الديانة، ومنهم تسربت للمغرب الكبير. رأى الأمازيغُ في هذا الدين الوافد عليهم خلاصاً لهُم من غطرسة الحكم الروماني المعادي للمسيحية، إضافة لما فيه من دعوة للمساواة والأخوة ومكارم الأخلاق.
أفرزت المسيحية عديد الكتاب والقديسيين الأمازيغ، أمثالَ دوناتوس، وآريوس، ومونيكا وغيرهم، بل وتربع عديدهم على عرش البابوية.
في ظل غطرسة الحكم الروماني، ومعاداته للمسيحية، والتي وصلت لدرجة العقاب والتعذيب لكل معتنق لها، نشأت تيارات ومذاهب مسيحية أمازيغية مستقلة عن "مسيحية روما"، أبرزُها المذهب الأريوسي الذي كان يؤمنُ بالتوحيد، وتقف في وجه الثالوث، ويرجع هذا المذهب إلى آريوس البربري، كما تأسس أيضا المذهب الدوناتي المنسوب لدوناتوس وهو أحد أبرز الوجوه التي وقفت ضد الرومان.
تأسس هذا المذهب بعد تبني الدولة الرومانية للعقيدة المسيحية مذهباً لها، فأقبل الأمازيغ على المذهب تحرراً من ربقة الظلم والاستعباد، ما جعلهُ يكتسي طابعاً قومياً، يحميهم من طغيان رجال الدين والطبقة الأرستقراطية. تبنى دوناتوس مبدأ عدم الاعتراف بأي كاهن راضخ للسلطات الرومانية.
عرفت المسيحية أيضاً انتشاراً كبيراً في القرن التاسع عشر، بعد قدوم العديد من المستوطنين الأوروبيين، المنتسبين للكنيسة الكاثوليكية، فبدأ إحياء التعاليم الدينية المسيحية، وبُنيت الكنائس والمدارس والمؤسسات المسيحية، وانتقل عدد من السكان من الإسلام إلى المسيحية، فبدأت وفق ذلك البعثات التبشيرية المسيحية، منذ 1870.
وتشير تقارير إلى أن أعداد المسيحيين في البلاد المغاربية ارتفع أخيراً، إذ اعتنق أكثر من مائة ألف جزائري هذه الديانة، ينتمي القسمُ الأكبر منهم للأمازيغية، في حين يصل عدد المغاربة المسيحيين 45000.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.