شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ماذا يريد الدبيبة من أمازيغ ليبيا؟ ولماذا تراجع دورهم؟

ماذا يريد الدبيبة من أمازيغ ليبيا؟ ولماذا تراجع دورهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الأربعاء 29 نوفمبر 202303:23 م
Read in English:

Libya and the Amazigh: De-escalating tension and increasing political representation

لم يبدد تراجع رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، عن محاولة فرض سيطرته على مناطق الأقلية الأمازيغية في غرب البلاد، باستخدام القوة، مخاوف الأمازيغ العميقة من أن تتجدد الأزمة التي كادت تطوراتها مؤخراً تؤدي إلى نشوب حرب أهلية، في أي لحظة، وهذا ما يعيد إلى الواجهة الجدل حول مطالب الأمازيغ التاريخية بالحصول على حقوقهم المسلوبة.

كما سلّطت الأزمة الأخيرة بين الدبيبة والأمازيغ، الأضواء مجدداً على انحسار الدور القيادي للأمازيغ في إدارة شؤون البلاد عما كان عليه زمن العهد الملكي، قبل قيام معمّر القذافي بانقلابه في الفاتح من أيلول/ سبتمبر 1969، خاصةً بعدما سعى الدبيبة، الأسبوع الماضي، إلى إدراج ملف الأمازيغ ضمن قائمة المشكلات التي تصطنعها حكومته، التي حركت قواتها العسكرية إلى مناطق الأمازيغ، بدعوى تأمين المعبر ومدينة زوارة الساحلية الواقعة بالقرب من الحدود الليبية التونسية. وهو ما استدعى في المقابل، صدور تهديدات من مكونات المدن الأمازيغية بإعلان الحرب على ميليشيات الدبيبة.

هل انتهت الأزمة؟

لكن مصدراً مسؤولاً في المجلس الرئاسي الذي يترأسه محمد المنفي في العاصمة طرابلس، رفض الكشف عن اسمه، يؤكد لرصيف22، أن الأزمة التي نشبت على خلفية محاولة قوات وزارة الداخلية التابعة لحكومة الدبيبة، السيطرة على معبر رأس أجدير الحدودي البري مع تونس ومدينة زوارة معقلهم في غرب البلاد، قد انتهت.

ويوضح أن قوات الحكومة "تراجعت عن خططها لدخول مناطق الأمازيغ أو السيطرة عليها، ولم تعد هناك مشكلة حالياً".

وتتوافق مع هذا التأكيد، إشارة مسؤول في قوات الغرفة المشتركة التي شكلها وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي، لوضع هذه المناطق تحت هيمنة الحكومة المؤقتة، لرصيف22، مشترطاً حجب هويته، إلى أنه لا توجد في المقابل تحركات عسكرية مثيرة للجدل.

"نحن يقظون كأمازيغ ونتمنى السلم للبلاد، لكن لن نسمح بالدوس على كرامتنا وهويتنا ووجودنا أو حقوقنا السياسية، وما يجري عبث تاريخي ندفع ثمنه أرواحاً ودماءً وجهداً بلا طائل"

وكانت هذه التطورات، قد دفعت محمد المنفي، الذي يُعدّ نظرياً القائد الأعلى للجيش الليبي بموجب اتفاق جنيف عام 2020، الذي أتى به إلى السلطة مع الدبيبة، إلى الدخول على خط هذه الأزمة لمنع الصدام المحتمل بين الأمازيغ والدبيبة.

إلا أن المنفي، اكتفى عقب اجتماعه في العاصمة طرابلس، مع مجلس الدفاع وبسط الأمن، لمناقشة الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة الغربية، بحضور الدبيبة بصفته أيضاً وزير الدفاع في حكومة الوحدة، بالإضافة إلى رئيس الأركان العامة، ورئيس جهاز المخابرات العامة، ووزير الداخلية، بمطالبة قادة جميع الوحدات العسكرية في المنطقة الغربية عبر خطاب رسمي "سرّي وعاجل"، بعدم القيام بأي تحركات عسكرية إلا بإذنه، كما أمر بعودة هذه الوحدات التي تحركت بالفعل إلى معسكراتها فوراً.

تأهّب تام وتهديدات

يؤكد فتحي بن خليفة، رئيس حزب ليبيا الأمة "ليبو"، لرصيف22، أن "الوضع لا يزال متوتراً، ونحن في حالة ترقب مصحوب بالتأهب التام"، عادّاً أن "الدبيبه وعصابته لا أمان لهما".

ويرى بن خليفة أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، معلناً: "مع الأسف، ستكون هناك جولات أخرى من العبث والتخبط"، قبل أن يضيف: "نحن يقظون كأمازيغ ونتمنى السلم للبلاد، لكن لن نسمح بالدوس على كرامتنا وهويتنا ووجودنا أو حقوقنا السياسية"، لافتاً أيضاً إلى أن "ما يجري عبث تاريخي ندفع ثمنه أرواحاً ودماءً وجهداً بلا طائل".

وكان المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، قد حذّر حكومة الدبيبة في بيان تلاه رئيسه الهادي برقيق من "صراع وجودي ومن الوصول إلى نقطة لا رجوع فيها ولا عودة ولا أحد يتوقع نتائجها"، مشيراً إلى عدم وجود دستور يضمن حقوق الأمازيغ الذين لم يكونوا ممثلين في كل الحوارات السابقة.

وبعدما تحدث عما وصفه بتهميش متعمد للأمازيغ في الدولة عسكرياً وأمنياً وسياسياً، اتهم برقيق، أطرافاً في حكومة الدبيبة تمثّل أجندات خارجيةً، بجرّ البلاد من مرحلة الانقسام السياسي إلى مرحلة الانقسام الاجتماعي والعرقي.

وخلص اجتماع عقده مجلس أمازيغ ليبيا، وعدد من الأعيان والقيادات العسكرية في زوارة، الأسبوع المنصرم، إلى أن ما وصفوه باستفزازات حكومة الدبيبة لم تعد مقبولةً، وأعربوا عن خشيتهم من أن تقود البلاد إلى زيادة الاحتقان والتصادم والدخول في حرب أهلية، وعدّوا أن ما يُحاك ضد الأمازيغ من بعض الأجهزة الأمنية المحسوبة على حكومة الدبيبة سيبدد السلم الأهلي.

منافذ خارج السيطرة

في السياق نفسه، رأت ربيعة بوراص، عضوة مجلس النواب، أن تصعيد حكومة الدبيبة ضد الأمازيغ، يوسّع من دائرة الصراعات، ويفرض الطابع الجهوي والانتقامي، تحت وطأة الظلم والفساد والمحسوبية.

تخلو المناصب الرفيعة في ثنائية الحكم الليبي، من أي مسؤول ينتمي إلى الأمازيغ، في تراجع لافت للانتباه، بعدما ترأس عام 2013، نوري أبو سهمين، رئاسة المؤتمر الوطني العام

بينما لفت محمد بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة لحكومة الاستقرار الموازية، إلى أن معظم المنافذ البرية والجوية والبحرية في كل ليبيا، لا تقع تحت سيطرة الدولة وأجهزتها القانونية الرسمية، بل تديرها جماعات ومجموعات ومناطق وقبائل ومراكز قوى خارجة عن القانون، فلماذا التركيز على رأس جدير فقط؟

قمع وتهميش تاريخيان

تخلو المناصب الرفيعة في ثنائية الحكم الليبي، التي تضم المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة، من أي مسؤول ينتمي إلى الأمازيغ، في تراجع لافت للانتباه، بعدما ترأس عام 2013، نوري أبو سهمين، من بلدة زوارة الساحلية، رئاسة المؤتمر الوطني العام (البرلمان سابقاً)، في صعود نادر لأحد أبناء الأقلية الأمازيغية، بعد عقود قمع خلالها نظام معمر القذافي، الثقافة الأمازيغية، ومنع لغتها، وهو أول شخص من الأقلية الأمازيغية يتولى منصباً حكومياً رفيعاً منذ العهد الملكي.

وبعد نحو 12 عاماً من سقوط النظام السابق، عام 2011، بإمكان الأمازيغ اليوم أن يجاهروا بلغتهم وعلمهم، في زوارة الواقعة على مسافة 120 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس، لكنهم يطالبون بالمزيد من الحقوق الثقافية والعرقية في دستور ليبيا المرتقب.

يشكّل الأمازيغ نسبةً تتراوح بين 10 و20% من إجمالي عدد سكان البلاد بحسب التقديرات، إذا لا يوجد إحصاء رسمي حالي حول نستبهم، وقد رفضوا القوانين الانتخابية بعد تجاهل مطالبهم بشأن تمثيلهم في اللجنة المشتركة لإعدادها، والمعروفة باسم لجنة 6+6 المكلفة من مجلسي النواب والدولة، ويطالبون المفوضية العليا للانتخابات، بزيادة المقاعد المخصصة لمناطقهم خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

ويعدّ المجلس الأعلى للأمازيغ في ليبيا، أن هذه القوانين تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية والوطنية، لافتاً الى أن تقسيم الدوائر الانتخابية، بمثابة تأكيد على وجود نوايا غير سليمة تستهدف حقوق المكونات الليبية، وطالب في المقابل بالإنصاف والعدالة في تقسيم هذه الدوائر وتوزيعها.

الأمازيغ وخيار الدولة

يرى بن خليفة، الذي يترأس أيضاً منظمة الكونغرس العالمي الأمازيغي، التي تضم كل أمازيغ العالم، في حديثه إلى رصيف22، أن "هذا كله يدخل في دائرة الفوضى في ظل عدم أهلية هؤلاء الذين حطّ بهم العبث التاريخي في مسار الشعب الليبي، وأصبحوا يتحكمون في مقاليد الدولة دون أي شرعية أو كفاءة أو تأهيل، بل بمجرد حظوظ وضربات حظ وصفقات ورشاوى وكواليس، وخير دليل على فشلهم، هو عدم قدرتهم حتى على حل أبسط المسائل الإدارية ودائماً تكون النتيجة كارثيةً".

لكن ألا يعني منع الأمازيغ، قوات الحكومة من بسط سيطرتها على مناطقهم، أنهم لا يعدّون أنفسهم جزءاً من الدولة الليبية؟ يردّ فتحي على هذا السؤال قائلاً: "بالعكس، هذا دليل على أن الأمازيغ هم أقدر الناس على تصور أهمية الدولة الليبية، لأن الدولة لا تُبنى بالعبث والتسارع والتكالب، بل بالحكمة وبأسلوب سلمي ديمقراطي حقيقي وبتوافق كل فئات الشعب، وأي استحقاق لا يتم بالتوافق والانسجام والتكامل ويقوم على الإقصاء والمغالبة، لن يبني الدولة".

"هناك عمليات اختطاف وقتل من دون محاكمات، ونهب للمال العام، وقبلية وجهوية، وهذا كله أسلوب بدوي وأعرابي في الحكم، نحن في منأى عنه ونترفع عنه. أما الدولة الليبية فستكون فقط ديموقراطيةً ومدنيةً بعيداً عن التكالب والانبطاح الخارجي"

ويتساءل: "ما الفرق بين الواقع الحالي وواقع القذافي؟ الآن هناك عمليات اختطاف وقتل من دون محاكمات، ونهب للمال العام، وقبلية وجهوية، وهذا كله أسلوب بدوي وأعرابي في الحكم، نحن في منأى عنه ونترفع عنه. أما الدولة الليبية فستكون فقط ديموقراطيةً ومدنيةً بعيداً عن التكالب والانبطاح الخارجي".

ويضيف: "ابحث في مرحلة ما بعد 2011، هل هناك أي تواصل للأمازيغ مع أي جهة خارجية؟ في الوقت الذي كانت فيه كل الأطراف تستنصر بالخارج، نحن كنا ولا نزال مع بناء الدولة الليبية الديمقراطية الحديثة".

ويطمْئِن فتحي إلى أن "الأمازيغ بخير والمناطق الأمازيغية هي الآمنة على مستوى ليبيا، حتى على مستوى الجريمة البسيطة. نحن مجتمع متناغم متماسك متريث وحكيم، لم يدخل في دوامة الصراع على السلطه وقاطع الانتخابات البرلمانية والدستورية، إيماناً منّا بعدم صحة هذا المسار وبأنه معوجّ منذ البداية".

ويتابع: "يكفينا شرفاً أن التاريخ لم يسجّل علينا أننا شاركنا في هذا العبث، سواء بنيّة أو من دونها. كنا بعيدين عن كل هذه الترهات ونحن نقول بالليبي: 'اللي يربطها بإيديه، يحلها بسنونه'".

"طبعاً حذّرنا ونحذّر من أن أي قوة يتراءى لها أنه بإمكانها أن تمسّ بوحدة الأمازيغ وأراضيهم، فسيكون العقاب وخيماً، وفي المحصّلة، اندحرت القوات التي أرادت السيطرة على مدينة زوارة الإستراتيجية بتكاتف الأمازيغ"، يختم. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image