شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الأزمة السودانية إلى مزيد من التعقيد... ماذا بعد جولة حميدتي الخارجية؟

الأزمة السودانية إلى مزيد من التعقيد... ماذا بعد جولة حميدتي الخارجية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الأحد 7 يناير 202402:07 م

لم يكن ظهور حميدتي بأقل مفاجأةً من غيابه، بل يمكن القول إنّه اختار بذكاء كيفية عودته إلى المشهد، من خلال الجولة الأفريقية التي قام بها، واختيار التوقيت بعد تحقيق قواته لتقدم ميداني واسع على حساب الجيش.

بعد ثمانية أشهر من الغياب -شبه التامّ- لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، منذ اليوم الثالث لاندلاع الحرب بين قواته والجيش السوداني، عاد الرجل المحب للظهور الإعلامي ثانيةً إلى المشهد، قاطعاً كل الشكوك التي تحدثت عن مقتله.

جولة حميدتي الأفريقية

اتخذ حميدتي من العاصمة الأوغندية، كمبالا، المحطة الأولى لجولته الخارجية، في 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي، والتقى الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني.

كانت العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، المحطة الثانية لحميدتي، والتقى خلالها برئيس الوزراء آبي أحمد، ثم عقد لقاءً مع رئيس الوزراء السوداني السابق، ورئيس تجمع "تقدم" السياسي، وخرجا بالتوقيع على إعلان سياسي.

كما شملت بقية الجولة الأولى لحميدتي منذ اندلاع الحرب في 15 نيسان/أبريل 2023، دول جيبوتي وكينيا وجنوب أفريقيا وأخيراً رواندا. ويمكن تحديد تلك الدول في ثلاث فئات ذات أولوية من منظور الدعم السريع؛ الأولى تشمل حلفاء "الدعم" السياسيين وأبرزهم إثيوبيا وكينيا، والثانية تعتبر الاستثمارات أولوية فيها وتضم جنوب أفريقيا ورواندا، والثالثة تتعلق بالوساطة السياسية في المقام الأول وتضم جيبوتي وأوغندا. 

بعد ثمانية أشهر من الغياب -شبه التامّ- لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، منذ اليوم الثالث لاندلاع الحرب بين قواته والجيش السوداني، عاد الرجل المحب للظهور الإعلامي ثانيةً إلى المشهد، قاطعاً كل الشكوك التي تحدثت عن مقتله. 

فضلاً عن ذلك، تعتبر جنوب أفريقيا ورواندا دولتين لهما مصالح سياسية في بقاء الدعم السريع فاعلاً في المشهد السوداني، كون رواندا إحدى دول حوض النيل التي تتخذ موقفاً قريباً لإثيوبيا وبعيداً عن مصر، كما وتربطها علاقات قوية بدول جارة، لها خلافات مع رواندا وهي بوروندي والكونغو الديمقراطية، أما جنوب أفريقيا فهي داعم كبير لإثيوبيا.

يتحدث المحلل السياسي خالد عبد الرحمن، عن ضغوطات مورست على حميدتي من قبل بعض المحاور الإقليمية الفاعلة في السودان "كانت السبب في ظهور الرجل وقيامه بجولته الخارجية". مضيفاً لرصيف22 بأنّ "الجيش حقق مكاسب سياسية على حساب غياب حميدتي، منها تثبيت مبدأ الشرعية لقائده عبد الفتاح البرهان، كرئيس مجلس السيادة الانتقالي، الذي غادر أرض المعركة بعد ستة أشهر من اندلاع الحرب، ليتفرغ لإدارة شؤون الدولة وحشد الدعم الإقليمي من خلال جولاته الخارجية، والتي شملت مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة".

يتابع عبد الرحمن بأنّ "قوات الدعم السريع تواجه رفضاً من المجتمع الدولي، والدول العربية عدا دولة واحدة تقدم لها المال والسلاح". موضحاً أنّ المجتمع الدولي يشعر بالقلق جراء الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم في الخرطوم ودارفور وولاية الجزيرة.

تعتبر جنوب أفريقيا ورواندا دولتين لهما مصالح سياسية في بقاء الدعم السريع فاعلاً في المشهد السوداني، كون رواندا إحدى دول حوض النيل التي تتخذ موقفاً قريباً لإثيوبيا وبعيداً عن مصر. 

من جانبه، يرى اللواء متقاعد في الجيش السوداني عز الدين الفاضل عمر، أنّ الدعم السريع يستثمر في الدول التي زارها حميدتي، بإدارة شقيقه الأصغر القوني دقلو الذي ظهر معه في هذا الجولة. قائلاً إنّ الهدف من هذه الجولة هو رفع معنويات قواته بدحر كل الإشاعات عن مقتله، وكسب تأييد دول الإيغاد التي تتولى جيبوتي رئاستها الحالية.

ويقلل عمر في حديثه لرصيف22 من أهمية هذه الجولة التي وصفها بجولة العلاقات العامة.

بدوره يذهب الخبير العسكري اللواء متقاعد إبراهيم عز الدين إلى أنّ حميدتي أراد من جولته الخارجية أنّ يعوض فقدان السند الشعبي في الداخل، ويحشد دعماً سياسياً في مواجهة الإدانات الدولية لقواته على خلفية دخولها مدينة "ود مدني" حاضرة ولاية الجزيرة، التي تأوي مئات الآلاف من الفارين من الحرب من الخرطوم، فضلاً عن تهديد النشاط الزراعي في مشروع الجزيرة، الأكبر في أفريقيا، والذي يؤمن جزءاً كبيراً من الاحتياجات الغذائية للبلاد.

لقاء حمدوك

من جانب آخر، يقول مصدر مقرب من قائد الدعم السريع، طلب عدم الكشف عن هويته، إن تحرك حميدتي في الاتجاه الأفريقي صائب وهام في هذه المرحلة. متابعاً لرصيف22 بأنّ استقبال رؤساء الدول التي زارها حميدتي له بهذه الحفاوة خير دليل على أهمية الرجل ومكانته في السودان. مشيراً إلى أنّ الجولة الأفريقية ستساهم في أن يتخذ الاتحاد الأفريقي القرار الصائب مع الإيغاد لإنهاء معاناة الشعب السوداني.

وتمثّل جولة حميدتي وما تخللها من توقيع "إعلان أديس أبابا" مع رئيس ﺗﻨﺴﯿﻘﯿﺔ اﻟﻘﻮى اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ (ﺗﻘﺪم) عبدالله حمدوك، خطوة مُحرجة للجيش، الذي رفض قائده إعلان أديس أبابا ولقاء حميدتي دون الالتزام بالشروط الواردة في "إعلان جدة" الإنساني، وعلى رأسها خروج قوات الدعم من المناطق المدنية وتجميعها في معسكرات محددة.

يقول عضو تنسيقية "تقدم" آدم عبد السلام إن الهدف من إعلان أديس أبابا هو إيجاد حلّ لأزمة السودان وإنهاء الحرب الدائرة، مشدداً لرصيف22 على أنّ الإعلان وضع إطاراً للعملية السياسية وإنهاء الحرب وأنه استعادة المسار الديمقراطي. 

ويشتمل الإعلان على بنود وتفاهمات تهدف إلى وﻗﻒ اﻟﻌﺪاﺋﯿﺎت وإﯾﺼﺎل اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ وﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﻤﺪﻧﯿﯿﻦ وإنهاء الحرب وتأسيس دولة حديثة ديمقراطية، وتشكيل آليات للمحاسبة وتفكيك النظام السابق، وغير ذلك. 

خبير عسكري: "حميدتي أراد من جولته الخارجية أنّ يعوض فقدان السند الشعبي في الداخل، ويحشد دعماً سياسياً في مواجهة الإدانات الدولية لقواته على خلفية دخولها مدينة ود مدني التي تأوي مئات الآلاف من الفارين من الحرب من الخرطوم" 

واستنكرت قوى سياسية الإعلان السياسي، معتبرة أنّه بمثابة منح الدعم السريع حصانة من المحاسبة على الجرائم التي ارتكبها قبل الحرب وبعدها. من بين تلك القوى الحزب الشيوعي الذي كان في طليعة ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2018.

وقد جاء في بيان الحزب: "الاتفاق خرج من مهامه التي كانت متوقعة والمطلوبة العاجلة لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين، إلى اتفاق سياسي مع الدعم السريع، المتورط مع الطرف الآخر في جرائم الحرب والانتهاكات التي أشار لها الإعلان، مما يكرس وجود الدعم السريع والشراكة معه مرة أخرى، ويقود لتقسيم البلاد وحمل السلاح لفرض أجندة سياسية، ويعيد إنتاج الأزمة والحرب".  

بتحليل جولة حميدتي الخارجية ولقائه حمدوك وتوقيعه إعلان أديس أبابا، يمكن القول إن ظهور قائد "الدعم" جاء في المقام الأول لمنح وساطة الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" دفعة قوية، لتصبح المنبر الوحيد لبحث الأزمة السودانية بعد تعليق منبر جدة وإخفاق مبادرة القاهرة. يفضل الدعم وساطة الـ"إيغاد" كون الدول الداعمة له وهي كينيا وإثيوبيا تهيمنان على الهيئة، التي عقدت اجتماعاً لبحث الأزمة السودانية في جيبوتي، تسبب بيانه الختامي في أزمة دبلوماسية مع الخارجية السودانية.

تقاطع المحاور

رداً على الاستقبال الرسمي الذي حظي به قائد الدعم السريع في عدد من الدول التي زارها، استدعت الخارجية السودانية سفيريها في كينيا وأوغندا للتشاور. وتجنبت السودان أزمة مع جنوب أفريقيا، كادت أنّ تنشب بعد تغريدة على الحساب الرسمي لرئاسة جنوب أفريقيا على منصة "إكس"، عرفت فيها حميدتي بأنّه "سيادة رئيس السودان" قبل أنّ يحذفها الحساب ويستبدلها بتعريف "قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد دقلو".

ويتوقع المحلل السياسي خالد عبد الرحمن أنّ يزور حميدتي في الفترة المقبلة دولاً أخرى منها جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا، لكنه لن يُقدم على زيارة مصر، التي تعتبر من أهم الدول الفاعلة في الأزمة السودانية والقادرة على حلحلة الكثير من الأمور، وفق حديثه.

في السياق ذاته، فجولة حميدتي ستزيد من رفض الجيش لوساطة الإيغاد، التي يتحفظ عليها منذ انطلاقها في اجتماعات الرباعية (إثيوبيا، وكينيا، وجيبوتي، وجنوب السودان)، بسبب رفضه رئاسة كينيا لها. 

يمكن القول إن ظهور حميدتي جاء في المقام الأول لمنح وساطة الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" دفعة قوية، لتصبح المنبر الوحيد لبحث الأزمة السودانية بعد تعليق منبر جدة وإخفاق مبادرة القاهرة. 

وقد عبرت تصريحات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بمناسبة الذكرى 68 للاستقلال التي حلت في 4 كانون الثاني/ يناير الجاري عن تمسك الجيش بخيار الحرب. قال البرهان: "ما عندنا تفاوض مع من يحاربون السودانيين ويغتصبون الحرائر وسننتصر عليهم طال الزمن أم قصر".

كما تناول لقاء حميدتي وحمدوك قائلاً: "من يدعم الذي يقتل ويغتصب وينهب ويخرب ويدمر لن يجد منا أي شرعية أو اعتراف".

وبالعودة إلى نصّ إعلان أديس أبابا السياسي، يمكن القول إنه لم يشتمل على جديد مما اعتادت قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي (أحزاب الأمة والتجمع الاتحادي والمؤتمر السوداني وحلفاؤهم) على ترديده من مطالب وآليات لم تنجح تلك القوى حين كانت في السلطة في تنفيذها.

كما أنّ لقاء حميدتي وحمدوك يؤكد على الاتهامات التي تطال الحرية والتغيير بالتحالف مع حميدتي ضد الجيش، ما سيؤدي إلى ردّة فعل من الجيش والقوى السياسية الداعمة له، بما يعزز قناعتهم بأنّ الحرية والتغيير التي يوجد قادتها في الخارج يعملون ضد مصلحة البلاد.

فضلاً عن ذلك، فمن المحتمل أنّ يؤدي الاتفاق بين إثيوبيا والإقليم الانفصالي "صوماليلاند" الذي رفضته الدولة الصومالية إلى تعقيد وساطة الإيغاد، لسبيين؛ الأول شعور جيبوتي بالاستهداف من هذا الاتفاق كونها المنفذ البحري الوحيد لإثيوبيا، والثاني أنّ مصر التي رفضت الاتفاق وأعلنت دعم الصومال ستنشط لمواجهة إثيوبيا في الملف السوداني، من خلال تعزيز مكانة حليفها الجيش السوداني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image