شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"ماما عائشة"... حكاية مهاجرة كاميرونية مع الابتزاز الجنسي في رحلتها إلى المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأحد 7 يناير 202412:22 م

"من الأحسن أن تعيشي بعيداً. غادري الكاميرون". لم تكن جملة عادية التقطتها المهاجرة الكاميرونية هيرمين ميمي الملقبة بـ "ماما عائشة" من إحدى صديقاتها، ولكنها كانت الزاد المعنوي الذي حسم فكرة الهجرة لديها في غضون ثمانية أشهر، بعدما أقدمت على ثلاث محاولات انتحار فاشلة.

تحكي هيرمين الأرملة ذات الـ58 سنة، لرصيف22 عن مسار رحلة شاقة استغرقت ستة شهور، منذ شباط/ فبراير إلى آب/ أغسطس 2016، خاضتها وحيدة وقد شملتها "عناية الله ورحمته"، كما تقول، وهي تستحضر بدقة احتفاظها بدفتر دوّنت عليه مسار الهجرة الذي يجب أن تسلكه، كما شرحت لها صديقتها.

قرار الهجرة "صعب"

كان صعباً عليها ترك أبنائها الصغار وحدهم، لكن كان من الصعب عليها أيضاً أن تتحمّل "الخراب" الذي يهدد حياتها كالكثير من المواطنين في الكاميرون، فبعد تدمير العديد من البنايات والمنازل، كان واضحاً أنها قد تفقد هي الأخرى بيتها. تقول هيرمين: "حدثت مشاكل كثيرة في بلدي، ووجد ما يقرب 3000 شخص أنفسهم خارج منازلهم، منهم من انتحر ومنهم من مات، كيف يعقل أن يجد شخص نفسه خارج منزله بعد 40 سنة من سكنه فيه؟ كيف يمكن أن يشعر بالراحة؟". 

تحكي هيرمين "ماما عائشة" لرصيف22 عن رحلة شاقة استغرقت 6 شهور خاضتها وحيدة من الكاميرون إلى المغرب، وقد احتفظت بدفتر دوّنت عليه مسار الهجرة الذي يجب أن تسلكه، ودفعت مبالغ كبيرة من مدخراتها كي لا تخضع للابتزاز الجنسي 

تضيف: "لا أرغب في تذكر تلك الآلام" وتعني فقدان الزوج، ورعاية الأبناء وحيدة، وغياب الأمن والسلام، والإقدام على الانتحار، ثم تجنب تهديد خطر الموت في الكاميرون على حد تعبيرها، ثم حسم قرار الهجرة.

تواصل هيرمين سرد بداية رحلتها نحو المغرب: "لما وصلت إلى نيجيريا تعرضت لمضايقات كثيرة، لا سيما من رجال الشرطة"، مبرزة أن التنقل من الكاميرون إلى نيجيريا استغرق شهرين بسبب التوقف في الحدود وصعوبة البحث عن مرشد، وفوق كل ذلك تحدي مواصلة المشي مطولاً.

توضح هيرمين أن العديد من النساء خضعن لابتزازات جنسية لتسهيل عملية عبورهن، وهو ما تدينه بشدة وتستهجنه، بالرغم مما تعرضت له هي الأخرى بسبب رفض الخنوع لما يطلبه المهربون، فمقابل رفض ممارسة الجنس اضطرت لدفع مبلغ كبير من المال الذي تملكه.

وبالرغم من معاناتها على الحدود الكاميرونية النيجيرية، فإن عزيمتها لم تمنعها من مواصلة المشي إلى الجزائر، إلى أن سقطت ذات ليلة في حفرة على الحدود الجزائرية المغربية، حيث أخرجتها الشرطة وتم نقلها مباشرة إلى مستشفى مغنية في الجزائر، لتمكث فيه شهراً كاملاً، وحين خرجت كانت تحتاج إلى عكازين للمشي. 

حاولت هيرمين الأرملة ذات الـ58 عاماً الانتحار ثلاث مرات، وفشلت، قبل أن تقرر أن تمنح نفسها بداية جديدة بالهجرة إلى المغرب، رغم ما تحمله الهجرة من مخاطر. 

توقفت رحلتها جزئياً في مدينة مغنية لمدة أربعة أشهر، وتذكر المرأة الكاميرونية أنها عانت خلال مكوثها هناك للابتزاز الجنسي مقابل عبور الحدود من طرف بعض الرجال الكاميرونيين.

"الموت أو الحياة"... كشعار للرحلة

رافضة الخضوع لأي ابتزاز جنسي، تقول "الموت أو الحياة"، وتسترسل أنها لاحظت كيف يتم استدراج النساء والفتيات وابتزازهن ومقايضتهن بالجنس من أجل عبور الحدود، وهناك نساء تعرضن للضرب أو السب أو الركل أو حتى التفتيش لسرقة الهاتف والمال بحسب مشاهداتها.

"تعقدت الرحلة أكثر في الحدود بين الجزائر والمغرب"، فبعد وصولها مرهقة ذات صباح مبكر، اصطدمت برفض شرطة الحدود الجزائرية السماح لها بالعبور.

وبحسب قولها "اقترحت علي الشرطة بإعادة المحاولة ليلاً، هكذا يكون حظي أكبر في السماح لي بالعبور، فلم يصدقوا أنني أهاجر لوحدي وبعكازين، بدا لهم مظهري مثيرا للشفقة".

تتابع: "عدت في الليل، ومنحني رجال الشرطة الذين صادفتهم ما آكل، ثم رقوا لحالي الصحي ففتحوا الحدود وشرحوا لي الطريق الذي يجب أن أسلكها، فاستندت على عكازي، لم أشعر بالألم الذي كان يؤرق رجلي، وواصلت المشي الليل كله إلى أن وصلت وجدة، هناك صادفت راعياً تقاسم معي الأكل والشرب ومنحني 20 درهماً كي آخذ سيارة أجرة، ثم ذهبت إلى المستشفى بمساعدة عائلة مغربية، واتصلت بمنظمة أطباء العالم في الرباط".

الوصول إلى المغرب

بدأت نقطة جديدة من رحلة الهجرة لدى هيرمين. وحين وصلت إلى الرباط تمكنت من إجراء فحوص طبية كثيرة بسبب فقدان القدرة على المشي مرة أخرى.

تقول هيرمين التي وصلت إلى المغرب قبل ثماني سنوات: "أنا اليوم مواطنة مغربية، أملك بطاقة الإقامة وبطاقة المقاول الذاتي، أؤدي الضرائب كل ثلاثة أشهر، والفضل بذلك يعود إلى دعم مؤسسة شرق غرب".

تستفيد هيرمين من خدمات الدعم الذي تقدمه المؤسسة، وداخل فضائها تبيع منتوجاتها الإفريقية المتنوعة إلى زبنائها، لتتمكن بأرباح تجارتها من أداء فواتيرها واقتناء الدواء الذي تحتاجه. 

في أحد الليالي وخلال المشي بالقرب من الحدود الجزائرية، سقطت في حفرة ضخمة على الحدود الجزائرية المغربية، حيث أخرجتها الشرطة وتم نقلها مباشرة إلى مستشفى مغنية في الجزائر، لتمكث فيه شهراً كاملاً، وحين خرجت كانت تحتاج إلى عكازين للمشي 

تقدم مؤسسة "شرق غرب"، وهي مؤسسة مستقلة تعنى بمواكبة اللاجئين والمهاجرين، دعماً متنوعاً ومتكاملاً لمختلف شرائح المهاجرين، لا سيما النساء وأطفالهن، الذين تقدم لهم على وجه الخصوص جلسات للاستماع، يتم خلالها استقبال المرأة المهاجرة وتحديد نوع المواكبة والدعم الذي تحتاجه، من اندماج واستقرار أفضل.

وبحسب آخر تقرير أصدرته المؤسسة سنة 2021، فإن 271 امرأة من بينهن 26 حاملاً تم الاستماع إليهن خلال هذه الجلسات.

فالمؤسسة توفر للنساء المهاجرات شباكاً خاصاً بالاستشارة الاجتماعية والصحية، والإرشادات القانونية للنساء والأمهات. وقد أشار التقرير إلى أنه تمت خلال سنة 2021 على مستوى مدينة طنجة مواكبة 52 حالة للحصول على الوثائق المتعلقة بالحالة المدنية، و20 مواكبة قانونية مقدمة على مستوى المحاكم الابتدائية.

كما تواكب المؤسسة المهاجرات من الأمهات العازبات في وضعيات صعبة، من خلال بث مجموعة من البرامج على الإذاعة الرقمية "أمهات على الأثير" بشراكة مع جمعية "مائة بالمائة أمهات"، من أجل تمكين النساء المهاجرات من حقوقهن.

ما تحتاجه المهاجرات

في هذا الإطار، تشير منسقة برامج المؤسسة سيلين كوشيه إلى أن المنظمة تحدد احتياجات النساء انطلاقاً من لقاءات الاستماع إليهن بالنظر إلى مسار الهجرة ومسارهن المهني والشخصي، وكل ما يتعلق بصحتهن، ثم تقدم لهن المواكبة من قبل فريق مكون من الأساتذة والأخصائيين النفسيين ومختلف شركاء المؤسسة، التي لها ست مراكز في كل من الرباط، والدار البيضاء، وطنجة، ووجدة، وفاس ومراكش، حيث يتم استقبال النساء من قبل مسؤولين اجتماعيين والإنصات إليهن مع الالتزام الكامل بحماية معطياتهن الشخصية.

وتضيف لرصيف22: "تحتاج النساء إلى فضاءات آمنة للتعبير عما يشعرن به"، مع تأكيدها على أهمية توفير الأمان للنساء المهاجرات، لأنه أكثر ما يفقدنه ويشعرن بالحاجة إليه، لا سيما في حالات التعرض للعنف خلال مسار الهجرة للقاصرات، إذ تزداد صعوبة قدرتهن على الحكي والحديث عما تعرضن له.

وتقول: "على ضوء الحالات التي تستقبلها المؤسسة، إن العنف الذي تتعرض له النساء المهاجرات في طريق الهجرة يكون تمييزاً وعنفاً جسدياً، باعتبارهن فئة هشة، كما يتعرضن للعنف في الحدود بين الدول وفي الأماكن الصحراوية وخلال التوقف في بلد معين للبحث عن المال".

هذه المخاطر التي تتعرض لها النساء المهاجرات، بحسب سيلين، تدفع الجمعية إلى ملاءمة الدعم المقدم لهن على مستوى توفير اللباس والسكن والحماية القانونية بالنسبة للحالات الصعبة والمستعجلة.

مخاطر الهجرة كثيرة

تَعتبر ماجدة بوعزة وهي صحافية مختصة في قضايا الهجرة واللجوء أن تجربة الهجرة غير القانونية تظل أخطر بكثير على النساء خاصة منهن الحوامل أو الأمهات المرفقات بأطفال، لا سيما حين يسلكن "طرق الموت".

توضح ماجدة، وهي أيضاً باحثة أكاديمية في قضايا الهجرة لرصيف22: "بالإضافة الى كل المخاطر التي يعرفها المهاجرون على طول طرق الهجرة غير القانونية، يكون استغلال فئة النساء من طرف عصابات الاتجار بالبشر والمهربين وباقي العصابات الإجرامية التي تنشط في هذا المجال أشد فتكاً وأكثر خطراً".

وبذلك، فالمرأة لا تكون فقط عرضة لاستغلال العصابات، لكن أيضاً في خطر داهم ممن يرافقها في الرحلة.

لكن، هل تنتهي معاناة النساء بمجرد الوصول؟ تجيب الباحثة الأكاديمية بالنفي، موضحة أن "المشاكل لا تتوقف فقط خلال الرحلة بل هناك ما يليها من مشاكل بعد الوصول للبلد المنشود".

وحول المخاطر تقول إن الحديث عن العنف ضد المرأة يحيل على مختلف المخاطر الأمنية ومن بينها الاختطاف والاستغلال والاتجار بالبشر والاعتقال والمطالبة بالفدية.

وتشدد في حديثها لرصيف22 على أن المرأة المهاجرة عرضة لاستغلال أكبر عندما تكون مرفقة بطفل، إذ يتم استغلاله لإضعافها وإخضاعها لما يريده المهربون وعصابات الاتجار بالبشر، لأن "النساء المهاجرات يكن في حالة ضعيفة حين يخضن الرحلة دون دعم من العائلة، أو الأسرة من البلد الأصلي ودون أي دعم نفسي أو مادي".

كما تعاني المرأة المهاجرة من "مشاكل اجتماعية واقتصادية تتعلق أكثر بوصولهن لبلد جديد، ربما لا تعرف لغته فيصعب عليها الاندماج فيه والحصول على عمل، وربما ما يزيد من حدة المشاكل هو أن المرأة المهاجرة لا تتمكن بسهولة من التعبير عما مرت به من استغلال، إذ تحتفظ به لنفسها لتستمر دوامة الأمراض النفسية" كما تشير الباحثة.

رحلة اندماج النساء

وضع المغرب الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء سنة 2014، لتوفير الأمن والحماية للمهاجرين واللاجئين من خلال مجموعة من الخدمات تمكنهم من الاندماج. وتعمل العديد من جمعيات المجتمع المدني على مواكبة هذه الإستراتيجية في مجال إدماج المهاجرين.

جمعية "كيريكو" هي مبادرة مدنية فرنسية لها فرع في المغرب، تعمل منذ عام 2019 على استقبال أطفال النساء المهاجرات من دول جنوب الصحراء وتوفير حضانة تمكنهم من العيش المشترك إلى جانب الأطفال المغاربة.

يقول ديوب مونتاغا، رئيس ومؤسس جمعية كيريكو، لرصيف22: "نشتغل على إدماج النساء اللواتي يهاجرن غالباً عبر طريق الموت أي عبر البحر الأبيض المتوسط، نساء في وضعية هشاشة، منهن من تعرضن للاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي". 

وبذلك، فالمرأة لا تكون فقط عرضة لاستغلال العصابات، لكن أيضاً في خطر داهم ممن يرافقها في الرحلة.

لا تنتهي معاناة النساء بالوصول، فالمشاكل لا تتوقف فقط على الرحلة، فهناك الاختطاف والاستغلال والاتجار بالبشر والاعتقال والمطالبة بالفدية. 

ويضيف مونتاغا أنه بالرغم من التقدم الحاصل على مستوى تنفيذ الإستراتيجية التي اعتمدها المغرب هناك حساسية بخصوص موضوع النساء، إذ تشتغل الجمعية على تمكينهن من الحصول على الخدمات مثل السكن والصحة لا سيما النساء الحوامل، اللواتي يواجهن صعوبة البحث عن عمل.

ولأجل ذلك، وضعت الجمعية حضانة متعددة الثقافات رهن إشارة الأمهات، إذ تستقبل أطفالهن من أجل تسهيل قضاء التزاماتهن الشخصية أو المهنية، إذ يتركن أبناءهن في حضانة مجانية.

كما تقدم الجمعية خدمات مساعدة البحث عن بطاقة اللاجئ أو أي وثائق إدارية مهمة، كالحالة المدنية، إلى جانب خدمات ثقافية وتروبية من شأنها تصحيح كل الأفكار المسبقة حول المهاجرين والمهاجرات.

ويبقى من المهم على الإعلام الاضطلاع بدور التوعية ورفع الوعي بمقاربة حقوقية وإنسانية لقضايا الهجرة واللجوء.

وي هذا السياق تقول ماجدة بوعزة إن تناول موضوع الهجرة مهم للغاية، لأنه لا يمكن إيجاد حلول لمشاكل هجرة النساء دون إثارته بشكل دقيق، كما لا يمكن نهائياً القبول باكتفاء الباحثين أو الإعلاميين بالبحث في أسباب هجرة النساء، دون الخوض في ما يتعرضن له من مخاطر خلال رحلات الهجرة، وحتى بعدها، أي التطرق للمشاكل الشائكة بين المرحلتين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard