في أيار/ مايو 2020، كانت فاطمة، طالبة اللجوء اليمنية ابنة الـ11 ربيعاً، في طريقها إلى بقالة قريبة من منزلها لشراء احتياجات والدتها حين اختطفها سائق توك توك مصري إلى منطقة نائية وخلع سروالها واغتصبها.
عادت الطفلة إلى والدتها تبكي عقب 20 دقيقة، وأخبرتها بما حدث. تأكدت الأم أن طفلتها ما تزال عذراء، لكن بعد شهر من الواقع لم تحدث دورتها الشهرية وشكّت والدتها بظهور أعراض حمل عليها، فأخذتها لجارتها الطبيبة التي أكدت حمل الطفلة.
بعد محاولات مع العديد من الأطباء الذين رفضوا إجهاض الطفلة، تمكنت الأم من تأمين بعض الحبوب التي أنهت الحمل، لكن فاطمة "مرضَت كثيراً بعد الإجهاض ولم تأكل. كانت ضعيفة جداً"، على حد قول والدتها التي أوضحت أن ابنتها "كانت تبكي وتصرخ كثيراً بعد حادثة الاغتصاب، وعانت من مشاكل في النوم… ما تزال تعزل نفسها عن المجتمع، ونادراً ما تغادر منزلها، وتريد ترك المدرسة".
ومساء 8 شباط/ فبراير 2022، خرجت سارة، لاجئة سودانية بعمر 32 عاماً، لشراء لوازم طفليها (ابنة 6 سنوات وابن عامين) قبل أن يعاجلها رجلان وهي تفتح باب منزلها بإحدى ضواحي عين شمس بالقاهرة، حيث دفعاها وطفليها داخل الشقة وأغلقا الباب.
قام أحد الرجلين باحتجاز الطفلين في غرفة المعيشة بينما اغتصب الثاني سارة تحت تهديد السكين. أخبرها: "إذا بكيتِ سأعطي هذا السكين لصديقي وسيقتل طفليك". غادر المعتديان عقب اغتصاب سارة التي دخلت هي وطفلاها في نوبة بكاء وهلع.
مدللةً على ذلك بـ11 حادثة اغتصاب إحداها لطفلة يمنية (11 سنة)… هيومن رايتس ووتش تتهم السلطات المصرية بـ"التقاعس" عن حماية ضحايا العنف الجنسي من اللاجئات وطالبات اللجوء بعدم التحقيق في شكواهن
بعد يومين، حاولت تقديم بلاغ في قسم عين شمس لكن شرطياً أوقفها عند البوابة الأمامية وقال لها: "لا يمكنك تقديم بلاغ" ما دامت لا تعرف اسم أو عنوان المعتديين. ولم يسمح لها حتى بالدخول إلى القسم.
قالت سارة إن ابنتها أصيبت بسلس البول بعد الحادثة. وباتت تسألها: "ماما، هل سيعود الذين ضربوك مجدداً؟"، لافتةً إلى أنها - سارة - لم تشعر قط بالأمان في مصر لا سيّما أنها تعرضت سابقاً لاعتداء جنسي نهاية 2016 خلال تنقلها في ميكروباص.
فجر 24 حزيران/ يونيو 2021، وبينما كانت سعاد، طالبة اللجوء السودانية صاحبة الـ53 عاماً، عائدةً من منزل إحدى العرائس بحي المقطم في القاهرة بعد أن انتهت برسم وشم بالحناء للعروس وأفراد أسرتها، في سيارة شاب من العائلة عرض توصيلها، غفت من فرط إرهاقها لتستيقظ وتجد نفسها "في قبو مبنى ما تحت الإنشاء، عارية تماماً، ويداي ورجلاي مقيدة وفمي مغلق بشريط لاصق".
لم ترَ سعاد الشاب الذي كان يوصلها، لكنها وجدت ثلاثة شباب مصريين آخرين يحتجزونها ثلاثة أيام في القبو وترجح أنهم خدّروها لتسهيل الاغتصاب.
"لثلاثة أيام أعطوني الماء والتمر والشاي فقط. كنت أنام فترات طويلة بعد شرب الشاي، وخلال هذا الوقت كانوا يغتصبوني من الشرج والمهبل. عندما استعدت وعيي بكيت، وسألتهم: ‘لماذا تفعلون هذا؟‘ قالوا: ‘سنتركك بعد أسبوعين عندما تحملين‘. أخبرتهم أنني لا أستطيع أن أحمل في عمري هذا، فقالوا: ‘دعونا نستمتع بلون البشرة الأسود هذا‘. كما أطفأوا السجائر في عدة أجزاء من جسدي"، قالت سعاد.
أطلق المغتصبون سراح سعاد بعدما جاء رجل أكبر سناً، أحد أقاربهم على ما يبدو، وضربهم وأمرهم بأخذها بعيداً مهدداً بإبلاغ الشرطة. أوضحت: "أخذني الثلاثة في السيارة وتركوني في مكان لا أعرفه. أخذوا كل أموالي وهاتفي. مشيت إلى طريق رئيسي وطلبت من رجل على دراجة نارية أن يأخذني إلى أقرب محطة مواصلات وأعطاني 20 جنيهاً (أقل من دولار أمريكي). ركبت وسيلة مواصلات عامة إلى الحي العاشر حيث أغمي عليّ بمجرد وصولي. أيقظني الناس في الشارع لكنني لم أقوَ على الحديث. أخذوني إلى قسم الشرطة حيث قال لي عناصر الشرطة إني لا أستطيع تقديم بلاغ لأنني لا أعرف أسماء (المعتدين)".
قالت سعاد إن ضابطاً في مركز الشرطة قال لها: "هؤلاء مجرد أولاد خدعوك، ولن يفعلوا أي شيء آخر. حصل الأمر وانتهى. ما الذي ستكسبينه إذا قدمتي شكوى؟". ومع استمرار نزيفها يومين آخرين، قررت الذهاب للتبليغ في قسم شرطة آخر. لكن أحد أفراد الشرطة اتهمها بمحاولة تسريع سفرها عبر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
قال لها: "تريدين فتح محضر ليسهل سفرك إلى أوروبا (في إشارة إلى إعادة توطين اللاجئين عبر المفوضية)، والحصول على أموال من المفوضية. ما هي مسؤوليتنا هنا؟".
سعاد (طالبة لجوء سودانية، 53 عاماً):طوال ثلاثة أيام أعطوني الماء والتمر والشاي فقط. كنت أنام فترات طويلة بعد شرب الشاي، وخلال هذا الوقت كانوا يغتصبوني من الشرج والمهبل. عندما استعدت وعيي بكيت، وسألتهم: ‘لماذا تفعلون هذا؟‘ قالوا: ‘سنتركك بعد أسبوعين عندما تحملين‘
"محرومات من العدالة"
فاطمة وسارة وسعاد لسن سوى نماذج لضحايا الاعتداءات الجنسية من اللاجئات وطالبات اللجوء في مصر اللاتي تتهم منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات المصرية بـ"التقاعس عن حمايتهن" وتعتبرهن "محرومات من العدالة" إذ لا توجد تحقيقات أو متابعة من قبل الشرطة، على حد قول المنظمة الحقوقية الدولية في تقريرها الصادر الخميس 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
وتستضيف مصر أكثر من 288 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، معظمهم من سوريا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. لكن العدد مرشح للزيادة في ظل وجود أشخاص آخرين غير مسجلين.
في تقريرها، وثّقت "هيومن رايتس" 11 حادثة عنف جنسي لسبع لاجئات وطالبات لجوء (خمس من السودان واثنتان من اليمن) في مصر بين 2016 و2022، إحداهن طفلة وأخرى امرأة عابرة جنسياً. تعرضت جميع النساء لاغتصاب من رجال على الأرجح مصريين، وتعرضت أربع منهن للاعتداء في حادثتين أو أكثر.
وفيما قال ثلاث من النساء اللاتي تحدثن إلى "هيومن رايتس" إن الشرطة رفضت إعداد محضر عن حوادث الاعتداء عليهن، قالت ثلاث إنهن تعرضن للترهيب لدرجة أنهن لم يتمكنّ من الإبلاغ عن الحادث إطلاقاً. وقالت سيدة واحدة إن أحد عناصر الشرطة تحرش بها جنسياً عندما حاولت الإبلاغ عن الاغتصاب.
كشفت النساء عن آثار جسدية بالغة جراء الاغتصاب، مثل النزيف أو الالتهاب، وصعوبة المشي، والكدمات، وألم العضلات، وإصابات أخرى. كما أصبن بالعديد من المشاكل النفسية بما فيها مشاكل النوم، والشعور المستمر بالخوف بما فيه من الملاحقة، والغضب، والإحباط، والاكتئاب، ومشاكل الذاكرة. وقالت المرأة العابرة جنسياً إن أفكاراً انتحارية تراودها. وأسفرت الاعتداءات الجنسية عن حمل في ثلاث حالات. مع ذلك، لم تُحِل الشرطة أياً من النساء الأربع اللاتي اشتكين إليها إلى الطب الشرعي أو خدمات الرعاية الصحية.
العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي مشكلة منتشرة بين اللاجئين في مصر… في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 فقط، تلقت المفوضية بلاغات عن 85 حالة اغتصاب و30 اعتداء جنسياً، و18 اعتداء جسدياً، وست حالات اعتداء نفسي!
العنف الجنسي متفشٍ في مصر
لفتت "هيومن رايتس" إلى أن "العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في مصر مشكلة متفشية في السنوات الأخيرة، إذ تقاعست الحكومة إلى حد كبير عن وضع وتنفيذ سياسات وأنظمة تحقيق مناسبة أو سنّ التشريعات اللازمة لمعالجة المشكلة".
دللت على ذلك بنتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة تومسون رويترز في 2017، والذي صنّف العاصمة القاهرة، التي يعيش فيها أكثر من ثلث اللاجئين في مصر وفق بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، باعتبارها "أخطر مدينة في العالم بالنسبة للنساء".
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن عدة تجمعات اللاجئين في القاهرة والجيزة تعيش في أحياء فقيرة ومناطق ترتفع فيها معدلات الجريمة، ما يفاقم المخاطر التي تتعرض لها النساء والفتيات اللاجئات. وينتهز المهاجمون فقر اللاجئات وطالبات اللجوء، أو ضعف موقفهن القانوني وعدم امتلاك البعض منهن وثائق إقامة قانونية. جميع النساء اللاتي تحدثت إليهن "هيومن رايتس" قُلن إنهن لا يستطعن تحمل تكاليف توكيل محام.
اللاجئون وطالبو اللجوء والمهاجرون الذين لا يحملون وثائق، أو الذين انتهت صلاحية وثائقهم، "يجب أن يكونوا قادرين على إبلاغ الشرطة بحوادث العنف دون خوف من الأعمال الانتقامية المتعلقة بوضعهم القانوني كمهاجرين".
تعقيباً على ذلك، قالت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، لما فقيه: "لا تعيش اللاجئات في مصر أوضاعاً هشة ويتعرضن لخطر العنف الجنسي فحسب، ولكن يبدو أيضاً أن السلطات لا تهتم بحمايتهن أو التحقيق في الحوادث، أو تقديم المغتصبين إلى العدالة. عدم اهتمام السلطات الواضح بهذه القضايا يترك اللاجئات بلا ملاذ للعدالة".
تُشير الأرقام الرسمية إلى أن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي مشكلة منتشرة بين اللاجئين في مصر. أعلنت مفوضية اللاجئين عام 2021 أنها قدمت خدمات الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي لأكثر من 2.300 لاجئة مسجلة. وكان الاغتصاب الشكل الأكثر شيوعاً للعنف الجنسي المبلغ عنه للمفوضية عام 2019، فيما اللاجئات وطالبات اللجوء الأفريقيات شكّلن معظم الضحايا.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 فقط، تلقت المفوضية بلاغات عن 85 حالة اغتصاب و30 اعتداء جنسياً، و18 اعتداء جسدياً، وست حالات اعتداء نفسي.
تذكير بـ"واجبات مصر القانونية"
في غضون ذلك، حثت "هيومن رايتس" السلطات المصرية على أداء "واجباتها القانونية" المنصوص عليها في القانون المحلي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإجراء تحقيق شامل في جميع مزاعم الاغتصاب. علماً أن مصر طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1951 والاتفاقية الأفريقية لسنة 1969 بشأن اللاجئين.
وطالبت الحكومة المصرية بـ"إنشاء آليات حماية للفصل بين عمليات إنفاذ قوانين الهجرة وضرورة حماية الناس، بما فيه في سياق استجابة الشرطة للجرائم العنيفة"، مشددةً على أن اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين الذين لا يحملون وثائق، أو الذين انتهت صلاحية وثائقهم، "يجب أن يكونوا قادرين على إبلاغ الشرطة بحوادث العنف دون خوف من الأعمال الانتقامية المتعلقة بوضعهم القانوني كمهاجرين".
زادت فقيه: "طالبات اللجوء واللاجئات الفارات من الاضطهاد أو الأشكال الأخرى من الأذى في بلدانهن يجب أن يتمتعن بالحماية وعدم تعرضهن لمزيد من الانتهاكات في مصر. ينبغي للحكومة المصرية إصلاح نظامها للاستجابة لحوادث الاعتداء الجنسي، وضمان أن الرعاية والخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية متاحة بسهولة لضحايا العنف الجنسي، بما يشمل وسائل منع الحمل الطارئة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...