خرج إلى الشارع في الثامنة إلا عشر دقائق، يريد أن يدفع فاتورة الكهرباء، قبل أن يخرج الناس من بيوتهم، ويبدأ القصف. لا يفهم لماذا لا يخرج الناس في هذه الساعة المبكرة من نهارات الصيف، وينتظرون صعود الشمس إلى كبد السماء لبدء يومهم. وعندما اقترب من الساحة التي تقع وسط البلد، راحت أبواب المحلات التجارية ترتجّ، وما بين أصواتها سمع صوت انفجار قريب جداً.
بحث عن باب مفتوح يختبئ فيه، ولم يجد. جميع أبواب المحلات ومداخل العمارات مغلقة. ركض نحو الساحة على أمل أن يجد باب المسجد مفتوحاً. لقد وجده مفتوحاً في مثل هذه الأوقات عدة مرات. وعندما وصل إلى الساحة، استدار يساراً، ووجد الباب الأسود مغلقاً. وما بين خيبة الأمل والذعر، وجد باب المقهى مفتوحاً، فأسرع بالدخول إليه.
كان المقهى فارغاً تقريباً، ولا يذكر الآن إن كان هنالك رجل يقف بتوتر قرب الباب، أم لا. أشار له صاحب المقهى الذي يختبئ تحت الدرج -حيث توجد مغسلة صغيرة وسائل جلي- بالاقتراب، ولكنه توجه إلى الجهة الأخرى، وصعد الدرج إلى السقيفة.
كان المقهى فارغاً تقريباً، ولا يذكر الآن إن كان هنالك رجل يقف بتوتر قرب الباب، أم لا. أشار له صاحب المقهى الذي يختبئ تحت الدرج -حيث توجد مغسلة صغيرة وسائل جلي- بالاقتراب، ولكنه توجه إلى الجهة الأخرى، وصعد الدرج إلى السقيفة... مجاز
إنه يعرف المكان جيداً، لقد قضى فيه أوقات طويلة عند حدوث الزلزال الأخير مطلع هذا العام، وما صاحبه من انقطاع الكهرباء عن المدينة، فكان يجلس في السقيفة ليشحن هاتفه ويقرأ، ولكنه تجمّد عند الدرج وجلس عليه، فقد شاهد في السقيفة منظراً لم يكن يجب أن يشاهده.
منذ سنوات، في شهر رمضان، كان يذهب إلى مقهى في الصباح الباكر قبل أن ينام. كان يخرج في هذا الوقت، قبل اكتظاظ الشوارع بالناس، ويجلس مع أخي صديقه الذي يستلم إدارة المقهى.
أحياناً يحضر لابتوبه ليشحنه، أو لا داعي لذلك، فهو سيعود إلى البيت وينام إلى المغرب، ومع أذان المغرب يبدأ عمل المولدات، وتصل الكهرباء.
يقضي السهرة على التلفزيون، بينما يشحن اللابتوب، ثم تطفأ الكهرباء، ويبدأ عمله على اللابتوب حتى ينتهي شحنه.
ثم يخرج من جديد ليزور المقهى حيث يعمل أخو صديقه، بناءً على واسطة من صديقه الذي شارك في تجهيز المقهى مع سقيفته، فيجلس قليلاً قبل أن يعود ليشتري لوازم البيت والدخان من الدكاكين الموجودة على طريق البيت.
أحياناً كان بعض الشباب يأتون ويصعدون إلى السقيفة ليفطروا في رمضان، أما هو فلم يكن مضطراً لذلك، مع أنه لا يصوم، فهو ينام طوال النهار بطبيعة الحال.
مرةً جاء صبي صغير، كان يراه كثيراً في الشارع بعكّازتين، ولا يعرف سبب إصابته أو عجزه. وشاهده في ذلك اليوم، يحمل كيس شيبس وعلبة مشروبات وينسلّ إلى السقيفة مع عكازتيه كالنسمة.
كان المنظر مضحكاً للشخصين الجالسَين وراء الطاولة. ولكنه فشل كثيراً في روايته للناس، فلم تكن تصلهم النكتة. فكيف سيوصل لكم ما رآه الآن؟
عندما كانوا يسألون صديقه عن المقهى، كان يقول: "إنه جاهز... ولكني أجهِّز السقيفة".
ويبدو فعلاً أن للسقيفة دوراً حيوياً لا يقل عن دور المقهى.
يعمل صديقه في تجارة العقارات لدى تاجر يملك المقهى وعمارات كثيرة. وفي الأيام العادية، كان يمر عليه في عمله، وأحياناً يتناولان الفلافل على الغداء، بينما يقول صديقه: "غداً سيعلم أولادنا... كم أكلنا خرا".
لا بد من أبحث عن شيء، ويكون لي هدف، وأخوض صراعاً، وأنتصر في النهاية... أنا بطل هذه القصة. لكن، ألا يمكن وجود بطل يعاني من الملل فقط؟ من أن التواصل مع الناس كلهم سيفضي إلى أحاديث مملة، تولِّد الملل ذاته.
كانت المدينة تفترسه بكتاباتها، ولكل مرحلة كتاباتها. في طريق العودة، نظر إليه الزائر الجالس على كرسي السيارة الأمامي، وقال له: "يبدو أنك شخصية خيالية"... مجاز
لأن الأغاني القديمة والجديدة لم تعد تفيد، يبحث الناس عن الصمت، ويخترعون أساليب جديدة لقوله، بينما تفقد الأشياء نكهتها، وليس من المعقول أساساً وجود هدف في أي وقت!
المعرفة مثلاً، تقول إنها مهمة، وأن الحياة مغامرة واكتشاف، ولكنها لا تُعاش. المعرفة للمعرفة، كالفن للفن... حلويات تفقد نكهتها. إذن لا بد من تجربة.
بعد دقائق نزل عن الدرج، وودع صاحب المقهى بكلمات قليلة، وسار في طرق جانبية ليصل إلى البيت، فقد حان موعد نومه، ولم يدفع فاتورة الكهرباء بعد.
إنه يعيش الآن في مدينة أخرى، ويوم زارها أول مرة عاد مسرعاً، كمن يخرج من كابوس. كانت المدينة تفترسه بكتاباتها، ولكل مرحلة كتاباتها. وفي طريق العودة، نظر إليه الزائر الجالس على كرسي السيارة الأمامي، وقال له: "يبدو أنك شخصية خيالية".
إنه يعيش الآن بسلام، ولا يعاني من أية مشكلة، ولكن عندما ولج باب المقهى مسرعاً، وأشار له صاحب المقهى الذي يختبئ تحت الدرج -حيث توجد مغسلة صغيرة وسائل جلي- بالاقتراب، ولكنه توجه إلى الجهة الأخرى، وصعد الدرج إلى السقيفة، وجدها خالية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون