أرجو ألا يصل هذا النص إليك. أرجو أن يقرأه الجميع إلاك. وإن وقع صدفة بين يديك، لن تعرف أني المرسلة. سأتبع خطة ذكية "جدن جدن" كي لا تعرفني. أعرف الآن أنك توقفت عند كلمة "جدن" كي تصحّحها، فلطالما استهواك تقويمي. ستقول في رأسك الصغير: من هذه الحمقاء التي لا تعرف قواعد التنوين. لن أكمل قراءة نصها. هذا هو المطلوب. نجحت الخطة. لست مضطرة الآن تشويه لغتي. فلننطلق؟ هيا
لا داعي للتلصّص، فأنت تجلس الآن قبالتي بكل ثقل الأيام الماضية. تكاد لا تستطيع التحرك من كرسيك العالي نسبياً، على مدى نظري القصير، نسبياً. تلبس نظارتك السوداء السميكة كي تريح دماغك، أظن. ما علاقة النظارات بالعقل علمياً؟ لا شيء. لكنك مجموعة معادلات غير مفهومة، لهذا لا ضير أن أحلّلك كما أشعر، أو كما أريد.
تغيّر نظارتك ذات الإطار الأسود بأخرى حمراء، تقف فجأة، تريني كيلوتك الداخلي الأحمر أيضاً. تضحك. تقرب وجهك كثيراً من كاميرا الهاتف. تغمزني وتقول: ما رأيك بذوقي في تناسق الألوان؟ نظارات وكيلوت أحمر. كان يكفي أن تسألني: "شو لابسة هلق"، كأسلوب مبتذل اتبعه كل من تحرّش بي سابقاً، أسلوب يتبعه من ليس لديه كرياتيفيتي بطرق لجذب النساء. أسلوب لن يتبعه من لديه جرأة للبس كيلوت أحمر. لكن لم تسألني لأنك لست مثلهم، بل أسوأ على ما أظن.
لا تعرف معنى كرياتيفيتي، صحّ؟ تنزعج من كثرة استعمالي كلمات أجنبية. لا تعرف أنها تنقذني من احتمال الاتحاد أنا وأنت، والعربية/الأم ثالثنا.
تغيّر نظارتك ذات الإطار الأسود بأخرى حمراء، تقف فجأة، تريني كيلوتك الداخلي الأحمر أيضاً. تضحك. تقرب وجهك كثيراً من كاميرا الهاتف. تغمزني وتقول: ما رأيك بذوقي في تناسق الألوان؟ نظارات وكيلوت أحمر... مجاز
في الثامنة مساء، كل ليلة منذ شهر تقريباً أو أكثر، ربما منذ سنة أو أقل، ربما منذ يومين. لا يهم. فقد وضعتُ الوقت خلفي كما وضعتَ أنت خلفك صوراً لمشاهير من شعراء وفنانين، لاعبي رياضة وقادة. وضعتهم خلفك كي أراهم جزءاً منك، وأفهمك أكثر. لكني لم أفعل. قلتَ عنهم إنهم كبار، يجب احترامهم والاحتذاء بهم. رفضتُ أن يكون هناك أكبر منك ومني. رفضت بكل ما أوتيت من صغر، في العقل ربما. أردت أن أرانا الأعظم. نعم، لست واقعية ولن أكون.
لن أفكر منذ متى تعرفنا كي أعطي لما بيننا شرعية. لا أفهم منطق ربط الناس الحقيقة بالوقت والتوقيت والزمن. بالمكان والظروف. لا يهمني من كل هذا إلا الساعة الثامنة تماماً. يوم استبدلتُ نشرة الأخبار المحلية الفارغة إلى: كيف كان يومكِ؟ كان فارغاً أيضاً. سيتغير الآن حتى الساعة الثانية عشر ليلاً، عندما تتحول أنت إلى شبح يتكئ على كنبة قديمة ويغفو. أراقبك وأنتظر. إلام سأتحوّل. أنا الآن أحاول تقليدك لإراحة حواسي كما تفعل أنت، فأفشل. أبقى متيقظة، متوجّسة. أراقبك وأنت تشخر. أكذب. لم تشخر يوماً، لكني أتصور الأسوأ. ألّا أنام بعد الآن من صوتك. أن أفقد تركيزي وعاداتي الصغيرة. أن تعرف أني هشّة وحبك سيزيد هشاشتي. وبأني بالكاد أكمل يومي بسلام. ورسالة منك قد تخضّ عالمي الزجاجي ذي الحواف الرقيقة.
أعرف بأنك تفكر الآن أني سرقتُ كلماتك، وبأنك أخبرتني عن هشاشتك وعاداتك الصغيرة التي لن تخسرها لأجلي. ستظن بأني أقول هذا عني كنوع من الاستهزاء بدفاعاتك. تنسى أحياناً بأن الطيور على أشكالها تقع. ولكنا لن نقع. فنحن تحت سابع أرض. نشمّ رائحة من يشبهنا ككلب صيد عتيق. لم تعجبك صفة عتيق لكلب صيد، صحّ؟
بت أعيش داخل رأسك، أعرف. منذ يومين أو أكثر، ربما سنة، لا يهم صدقني. لا أعرف إن كنا فعلاً بحاجة إلى فلاتر ونحن نتكلم لساعات. أنت اقترحت أن نضيفها إلى أشكالنا من باب الترفيه. ضحكنا جداً على صورتك وأنت بشفاه ملونة بالأحمر أيضاً وخدين منتفخين حمراوين أيضن وأيضن ( لا تصحّح لي تنويني لو سمحت) وأنا بأنف وأذني أرنب لطيف، أرنب كسول كما في حكايات الأطفال.
سنتلاشى قريباً. لن يبقى منا إلا مجاز. نعم سأصرف اللفظ عن معناه الظاهر الحرفي وأحتفظ بك مجازاً يقرأه الجميع ولا يفهمه إلا أنا وأنت، خطأ غير شائع أظن. كالذي يدور بيننا. أرجو أن تضعه عنواناً لهذا الهراء: حبنا خطأ غير شائع... ثلاث نقط لفتح الأفق ليس إلا... مجاز
ضحكنا ضحك طفلين معاً -بالإذن من أم كلثوم - وبكينا بعدها كثيراً. بكاء للكبار فقط. لمن تخطى الأربعين أو الخمسين أو الستين. بكاء لا تزينه الفلاتر. نعم هرمنا وجسدانا باتا مترهلين. الشيب غطى على الفلتر، كذلك الثقوب من لباسنا باتت كبيرة. تراها العين المجردة. لم نعد شباباً، نعرف على حدة كيف أمسى هذا الجسد غير مناسب للعين الملتقطة للجمال. لا تهمنا في هذه اللحظة الشعارات الرنانة عن جمال الروح.
نعم كبرنا وشبنا، صلعنا وترهّلنا. بتنا نتجشّأ ونطلق رياحاً بكثرة. أظنني تماديت الآن بوصف الواقع القبيح. كل الناس، حتى الشباب تتجشّأ وتطلق ريحاً، فما بالي أضعها ضمن عوارض الشيخوخة. ربما لإعطاء الفلاتر شرعية ما، أتذكر حديثي عن أحقية الشرعية سابقاً، أم ما زلت تفتش عن الفلتر الذي سيعيدنا شباباً كي نستطيع تتويج العلاقة بعملية جنسية صاخبة، لا يشوّهها شيب ولا ترهل، ولا صوت رياح وشخير، جسدان فتيان يلتحمان والشيطان ثالثهما، وتباً للغة ولك ولي، والنصر لهذه الفلاتر ...
أنت وأشياؤك. أنا وأشيائي. نحن وأشياؤك. نحن وأشيائي. سنتلاشى قريباً. لن يبقى منا إلا مجاز. نعم سأصرف اللفظ عن معناه الظاهر الحرفي وأحتفظ بك مجازاً يقرأه الجميع ولا يفهمه إلا أنا وأنت، بالرغم من أخطائه الكثيرة. خطأ غير شائع أظن. كالذي يدور بيننا. أرجو أن تضعه عنواناً لهذا الهراء: حبنا خطأ غير شائع... ثلاث نقط لفتح الأفق ليس إلا...
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...