منذ فترة قرأت جملة بكتاب "الخروج عن النص" للطبيب النفسي دكتور محمد طه: "الحب يشفي، الحب يطيب الخواطر، الحب يصنع الأنبياء".
راقت لي كثيراً، دونتها بأجندتي الخاصة ولكنني لم أسع إلى تطبيقها على حياتي، فقد كنت أرفض تماماً الدخول في أي علاقة حب أو ارتباط، وكان لدي أسبابي التي سوف أسردها لكم في السطور القادمة.
كنت أرفض حتى مجرّد الاقتراب من أي رجل، وأخشى من فكرة الزواج والإنجاب، بل أرى أن الارتباط مجهود نفسي شاق وعبء لن استطع تحمله، فكيف يمكنني الدخول في علاقة حب وأنا صرفت أغلب أوقات عمري منذ طفولتي وسط مشاكل عائلية، خلافات، رسائل نفسية مشوهة بمدى تعاسة الزوجين، رسائل نفسية بأن الحب هو بداية الدخول في حياة أشبه بالجحيم سوف تحولني إلى امرأة تنعي سوء حظها ليلاً ونهاراً، امرأة تجعل من أطفالها "شماعة" تعلق عليهم نتيجة تعاستها في الحياة من خلال الجملة الشهيرة التي تتردد في أغلب البيوت العربية: "مش هتطلق علشان خاطر ولادي"؟
نعم، لقد كانت لدي صورة كئيبة تترسّخ في ذهني كلما فكرت في الارتباط، ولن أنكر أن هذه الرسائل النفسية أصابتني بمتلازمة التفكير والقلق المستمرين، فكنت أسأل نفسي كثيراً: "أنا ليه مش زي أصحابي؟ ليه الجواز بالنسبة لي قرار شاق وصعب كده؟".
كانت لدي صورة كئيبة تترسّخ في ذهني كلما فكرت في الارتباط، فكنت أسأل نفسي كثيراً: "أنا ليه مش زي أصحابي؟ ليه الجواز بالنسبة لي قرار شاق وصعب كده؟"
أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهني، لم أجد لها إجابة سوى أنني نشأت على رسائل مشوّهة، جعلتني أتخذ من الوحدة مساحة آمنة بالنسبة لي. نعم، فقد كانت حياتي تبدأ بأن أستيقظ من النوم، أركض لممارسة عملي، أقابل صديقاتي على فترات متباعدة، أترك هاتفي على وضع صامت، لا أبالي بمن حولي ولا أحد يبالي بي، أقص شعري كلما زاد طوله عن حدود كتفي، وأكتفي بممارسة المشاعر الرومانسية من خلال كتاباتي فقط، وكلما تقدّم رجل ليعرب عن مشاعره تجاهي أو رغبته في الزواج مني، كنت أعتذر وأرفض، ليس بسبب عيب يحمله، ولكن ولأنني إنسانة صريحة مع نفسي لأبعد حد، فقد كنت أرى أنني غير مؤهّلة نفسياً للزواج والإنجاب.
حتى، وبدون أي مقدمات، التقيت برجل عن طريق الصدفة البحتة، بدأنا نتحدث في كل شيء وأي شيء، أوضاع مهنتنا، السياسة، الدين، الفن، مطربه المفضل ولوني المحبب إلى قلبي.
تحدثنا في جميع الأمور منذ اللقاء الأول، ومع الوقت بدأ يترسّخ بداخلي شعور افتقدته طيلة حياتي وهو الألفة، ولن أبالغ حين أقول إنني بدأت أشعر وكأن الحياة تدبّ في روحي من جديد. أصبحت أحرص على ارتداء ملابس جذابة تبرز كامل أناقتي وأنوثتي، تركت شعري ليطول مرة أخرى، أحرص بأن أبدو أمامه امرأة جميلة، تتعالى أصوات ضحكتي على كل كلمة ينطق بها لسانه. حتى شرع في لمس يدي، وجدت نفسي أترك يدي براحة يده وأنا في كامل السعادة، فأدركت أن مشاعري تجاهه مشاعر حب حقيقي.
وقتها تذكرت نصاً قرأته من قبل لنفس الطبيب النفسي محمد طه: "اللي يخلي إنسان عايش بنفسه الحقيقية بدون تشويه أو اختزال هي علاقة، علاقة إنسانية توصل رسايل عكس كل الرسايل المشوهة اللي وصلت قبل كده، علاقة فيها حب ثابت غير مشروط، علاقة يوصلك فيها إنك مقبول بضعفك وعجزك أحياناً، تحس فيها إنك متشاف ومتقدّر".
هذا بالضبط ما شعرت به حين دخلت في علاقة حب مع ذلك الرجل، وشيئاً فشيئاً اتخذت قراراً جريئاً، وأعترف أنني لم أقو على اتخاذه من قبل، وهو تبطيل المنومات التي أتناولها حتى أتمكن من النوم. فلم أكن أستطع النوم دون الاستعانة بالمنوم الذي وصفه لي الطبيب، فقلت في نفسي: "هجرب أنام من غير المنوم النهاردة"، ولن أنكر أنها كانت تجربة مخيفة، خاصة أنني حين جربتها من قبل كان نومي متقطعاً وأرى أحلاماً مزعجة، وحين استيقظ تكون طاقتي منعدمة.
علاقة حب سوية تشفى الروح وتُصلح الأفكار المشوهة التي سكنت أرواحنا، فحقاً الحب يشفي، الحب يطيب الخواطر، الحب يصنع الأنبياء
بالفعل ذهبت للنوم دون منوم، وكانت المفاجأة بأنني ذهبت في نوم عميق، واستيقظت في الصباح بكامل نشاطي وطاقتي، وأول شيء فعلته في ذلك الصباح أنني هاتفته لأقصّ عليه كيف كان نومي ليلة أمس بدون منوم. كنت أتحدث والسعادة تكسو صوتي، فهو حقاً إنجاز، خاصة وأنني لم أكن أستطع النوم بدون ذلك المنوم لمدة عامين.
وحينها اتخذت قراراً أكثر جرأة، حيث توجّهت إلى طبيبي، وحين فتحت باب مكتبه لم ينطق لساني سوى بكلمة واحدة: "أنا عايزة أبطل الدوا"، وقتها رأيت علامات الاندهاش على ملامحه، فهو يعرفني كثيراً ويعرف أنني رفضت ذلك من قبل. شرع الطبيب في فحصي مرة أخرى، ثم صادق على قراري قائلاً: "إنت فعلاً مش محتاجة للدوا"، وبالفعل بدأت في رحلة ترك الدواء تدريجياً.
وفي الحقيقة، إنه ليس مجرّد شعور فردي أشارك به، ولكن هناك دلائل علمية على ذلك، فهناك دراسات نفسية تؤكد أن لهرمون الحب دوراً فعالاً في التخلص من القلق والاكتئاب، حيث ينتج الحب هرمون الأوكسيتوسين الذي بدوره يخفّف من أعراض الاضطرابات الشخصية والقلق والاكتئاب.
والآن أقول إنني أمتن لكل شيء سلبي حدث بحياتي، لأنني أصبحت أكثر نضجاً في اختيار شريك الحياة، وأقول أيضاً بكل قناعة، إن علاقة حب مريحة، سوية، وخالية من التعقيدات، لها مفعول العديد من الجلسات النفسية، فعلاقة حب سوية تشفى الروح وتُصلح الأفكار المشوهة التي سكنت أرواحنا، فحقاً الحب يشفي، الحب يطيب الخواطر، الحب يصنع الأنبياء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 14 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 21 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com