في بلادنا، تتهامس الفتيات الصغيرات في حصة مادة العلوم حول مفهوم الجنس والزواج. اعتقدن لسنوات أن قبلةً واحدةً كافية للإنجاب. ظل هذا المعتقد سائداً حتى اقتراب "ليلة دخلتهنّ". حينها توشوشهن أمهاتهنّ حول ما سيحدث بإشارات غامضة تماماً تحت ستار العيب. يتزوجن لسنوات، ويمارسن الجنس للمرات الأولى بمفهوم لم يعرفوه قبلاً، وبخبرة معدومة، وفي غياب أي معيار للتقييم. بعد سنوات ربما يكتشفن أنهنّ -بالتعبير المصري- "اتضحك عليهم"، وأنهنّ كنّ بحاجة إلى التجربة.
"حتى جسمي مش عارفاه"
"في حياة كاملة كان المفروض أعيشها ومعشتهاش"؛ هكذا تبدأ نهال، وهي طبيبة بشرية (35 عاماً)، حديثها عن تجربتها إلى رصيف22.
وتكمل: "شعرت في وقت ما بالندم وبأن هناك أموراً كثيرةً فاتتني، وهذا الشعور توصلت إليه بعد مرحلة معيّنة من النضج جعلتني أتطلع إلى تجارب النساء في دول وثقافات مختلفة ومدى معرفتهنّ بأنفسهنّ ووعيهنّ بأجسادهنّ، وسببت لي هذه المعرفة الإحساس بالحزن، وأني بتعبيرنا اليومي "اتضحك عليا"، وكانت النتيجة: حتى جسمي مش عارفاه".
"لو كنت بنفس نضجي ده قبل زواجي كنت هختار أدخل في علاقة واتنين وتلاتة وأنبسط وأجرب وأحزن وأعيش المغامرة كاملة"
تتنهد نهال وتواصل: "بدأت بمعرفة جسدي وطبيعته واحتياجاته بعد ثلاث سنوات من الزواج، وروادني سؤال: لو كانت لي خبرات أو تجارب سابقة على زواجي، لكنت حالياً على دراية أسرع وأكبر بنفسي وبما يرضيني ويكفيني وبالعلاقة بيني وبين زوجي نفسها. على كل حال أشعر حالياً بالرضا عن علاقتي الجنسية مع زوجي التي يكملها التفاهم والصداقة بيننا".
تتوقف نهال ثم تقول فجأةً وكأنها انتبهت إلى شيء ما: "لكن لو كنت بنفس نضجي ده قبل زواجي كنت هختار أدخل في علاقة وتنين وتلاتة وأنبسط وأجرب وأحزن وأعيش المغامرة كاملة".
ندم؟
تشير الفيلسوفة سيمون دي بوفوار إلى أن الرجل في مجتمعات بعينها يعدّ جسده كما لو كان كائناً مستقلاً يتصل مع العالم اتصالاً حراً خاضعاً لإرادته فقط، بينما يعتبر جسم المرأة حافلاً بالقيود التي تعرقل حركة صاحبته.
كما ذُكر في مدونة الحب ثقافة، أن فكرة ممارسة الجنس خارد إطار الزواج ليست قاعدةً للترويج لكنها 100% صحيحة وأيضاً عدم ممارستها ليست 100% خطأً. هو أمر يعود إلى مدى توافق الطرفين واستعدادهم للتجربة والمسألة نسبية جداً ومتغيرة بتغير الأفراد والنتائج التي تبنى عليها تحديداً في المنطقة العربية تجاه النساء اللواتي يدفعن الثمن الأكبر في وقت حدوث شيء غير مخطط له.
تعليقاً على هذه النقطة، تقول سامية (26 عاماً)، لرصيف22: "خضت تجربة الجنس قبل الزواج لمرتين وبعدها فضلت عدم خوض التجربة مرةً أخرى بسبب عامل الأمان وعدم احترام الرجال لكلمتهم في مواقف كثيرة".
وتضيف: "لو اتسألت هل أنا ندمانة على تجربة الجنس قبل الزواج؟ هقول لا، لأنها علمتني حاجات كتير مستحيل كان حد هيتكلم معايا فيها".
بينما توضح علا وهي متزوجة منذ 7 سنوات، وعمرها 33 عاماً، أنه كونها امرأةً عربيةً فقد منعتها عقيدتها الدينية من ممارسة الجنس قبل الزواج، وعلى الرغم من تفاهمها الشديد مع زوجها إلا أنها كانت تتمنى خوض تجارب عادية ومختلفة قبل الزواج.
أما داليد والتي تعمل مهندسةً وعمرها 31 عاماً، فتقول لرصيف22: "لم تكن لديَ أي علاقات قبل زواجي وتالياً كنت معدومة الخبرة، وكنت أفكر كثيراً في ماهية هذا الشعور الذي يلي ممارسة الجنس مع زوجي، هل سأشعر بارتياح؟ لم يكن لدي أي تصور سوى بعض الكلمات السريعة من عائلتي، ثم قراءتي الضئيلة عبر الإنترنت وكل هذا كان مجرد كلام".
وتشرح داليدا: "بعد زواجي بفترة، بدأت حيرتي تشتد وبدأت أسئلة وجودية تتملكني: هل أنا كده راضية، هل مبسوطة؟ هل أشعر بهذه المشاعر لأني أحب زوجي أم لأنها مجرد غريزة، هل لو خضت التجربة نفسها مع شخص آخر كنت سأشعر بالمشاعر نفسها؟ لا أستطيع حتى التفريق بين ما ينتج عن المشاعر وما ينتج عن الغريزة لأني لم أجرب من قبل... لم يكن لدي معيار للتقييم والمقارنة وشعرت بندم يتسلل إلى داخلي".
في كتاب "المرأة والجنس"، تقول الدكتورة نوال السعداوي: "تتعلم البنت منذ طفولتها أن تنكر الجنس وتقتل رغبة البحث والاستطلاع عندها سواء في علاقاتها الجنسية أو علاقاتها غير الجنسية، ويريد المجتمع بضغوطه على المرأة أن تصبح بغير رغبات جنسية أو بغير جنس، وحتى أطباء النفس يقومون بتنفيذ قيم المجتمع وتحطيم البقية الباقية من شخصية المرأة باسم التكيّف الاجتماعي".
هذا ما تتفق معه مريم (28 عاماً)، وهي مترجمة في إحدى الشركات المصرية، إذ تحكي تجربتها لرصيف22 قائلةً: "ذات يوم سمعتني أمي أسأل ابنة خالي التي ذهبنا لزيارتها صباح عرسها عمّا يحدث بين الأزواج. نهرتني وعنّفتني وقالت لي بعدما رجعنا إلى منزلنا: 'البنت المحترمة متعرفش الحاجات دي إلا مع جوزها، حتى مع جوزها لازم يبقى عندها حياء'. بعد عامين ارتبطت بشاب أردت بشدة أن يقبلني وأقبله لكن صوت أمي ظل يتردد في داخلي فلم أفعلها حتى تزوجت، كان زوجي في أيام العزوبة متعدد العلاقات وخبرته الجنسية عالية، شعرت بغضب وحقد دفينين لأني لا أمتلك خبرته ومعرفته ولم أخض أي تجربة تجعلني أتعلم أو أقارن. أشعر طوال الوقت بأني مفعول بها فقط، في الوقت نفسه أشعر بأني خائنة كلما فكرت في الأمر".
اللذة الجنسية
تقول الأسطورة إن النساء لا يحتجن إلى التجارب الجنسية لأنهنّ لا يولين أهميةً لمفهوم اللذه الجسدية كما الرجل، لكن يذكر كتاب "النساء الوقوف على الدوافع الجنسية من الثأر إلى المغامرة"، أنه على العكس مما يشاع بأن الرجال يمارسون الجنس من أجل اللذة بينما النساء من أجل الحب، فإن العديد من النساء في الدراسة التي يضمها الكتاب، كشفن أنهنّ أردن أن يمارسن الجنس في أوقات مختلفة للحصول على اللذه، إذ قالت إحداهنّ: كانت اللذه الجنسية دافعي الرئيسي في معظم تجاربي الجنسية، وقالت سيدة أخرى: متزوجة وأحب زوجي، لكني أفكر في رجل ربما تكون لمساته سحريةً أكثر".
هذه الفكرة تشير إليها نهال في تكملة لتجربتها، بأن هناك عروضاً جنسيةً عديدةً صريحةً وغير صريحة بدأت بتلقيها بعد زواجها بفترة ومن رجال مختلفين، الأمر الذي أثار دهشتها، لكن في الوقت نفسه تسللت إلى داخلها رغبة قوية في خوض التجربة التي لم تعشها قبل زواجها، وترجع نهال رغبتها إلى سببين؛ الأول المتعة، والسبب الثاني هو شعورها بالملل من التجربة الأحادية وتشبّه هذا الشعور بالطعام، وفق ما تقول لرصيف22: "مبحبش أذكر المثال ده لكنه فعلاً حقيقي. فكرة إن فيه شخص بيحب أكلة معينة مهما كان مدى حبه ليها هيحس بالملل من تكرار أكلها لازم يجرب غيرها علشان يعرف ويقدّر قيمتها".
"بعد زواجي بفترة، بدأت حيرتي تشتد وبدأت أسئلة وجودية تتملكني: هل أنا كده راضية، هل مبسوطة؟ هل أشعر بهذه المشاعر لأني أحب زوجي أم لأنها مجرد غريزة؟ هل لو خضت التجربة نفسها مع شخص آخر كنت سأشعر بالمشاعر نفسها؟"
وتتابع: "على الرغم من ذلك، لم أجرّب ولن أشعر بشعور الخائنة، لأني أحتاج إلى أن أتمسك بهذه الخيالات"، معتبرةً أن الجنس لو كان ممتعاً بالقدر الكافي فإنه ينعكس على الأفراد بشكل إيجابي.
ربما محاولاتنا لفهم ماهية العلاقات والرغبة فيها هو أمر أكثر تعقيداً مما نظن، لكن مواقف المرأة تجاه الجنس وممارسته في أوقات مختلفة من حياتها تنبع من خلفيتها السابقة ومن مجتمعها ومدى معرفتها بجسدها مثلما ذكرت سيمون دي بوفوار في كتاب "الجنس الآخر"، بحيث قسمت مراحل احتكاك المرأة بالحياة الجنسية، معتبرةً أن أول احتكاك للمرأة مع الحياة الجنسية ليس بالأمر السهل تحديداً بسبب حوادث الطفولة التي تجعلها تميل ميلاً شديداً إلى مقاومة كل ما هو جنسي كما تخلق التربية المحافظة والخوف من ارتكاب الذنوب والشعور بالإثم حواجز معيّنةً لا سبيل واضحاً إلى تخطيها إلا من خلال التجربة والنضج".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه