شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"اترك العالم خلفك"... كيف نشاهد سينما الأبوكاليبس بعد "غزة"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والحقيقة

الجمعة 22 ديسمبر 202301:50 م

على الرغم من أن سام إسماعيل، مخرج أحدث أفلام جوليا روبرتس "اترك العالم خلفك" ( leave the world behind) هو ابن أسرة مصرية مهاجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه بإلقاء نظرة قريبة إلى الورقة التي أمسك بها جي إتش "ماهرشالا علي" في أحد أهم مشاهد الفيلم، والتي يُفترض أنها "منشورات إرهابية باللغة العربية" ألقتها طائرة مسيرة فوق لونغ أيلاند، يمكن ملاحظة أن عبارة "الموت لأمريكا" مكتوبة بحروف خاطئة، إذ لا وجود لحرف الميم، وتبدو العبارة هكذا "للوت لأمريكا"، ومع ذلك يتمكن من قراءتها المراهق أرتشي (تشارلي إيفانز)، فهي عبارة مألوفة لديه بسبب إدمانه الألعاب الإلكترونية القتالية، بالطبع فإنه لا ينتبه للخطأ في العبارة كما لم ينتبه المخرج، ربما كانت إشارة قدرية غير مقصودة من طاقم الفيلم، لتلخيص "الرسالة" التي حاول الفيلم استخلاصها، والتي تعبّر عن الخشية من أن العالم "لا يتحكم به أحد"، وأن تلك الحقيقة أكثر إثارة للخوف من "أن يكون العالم خاضعاً لسيطرة أقلية شريرة".

أيمكن التخويف بخطر نهاية العالم، بينما يشعر الملايين حول العالم، أمام الفظاعات التي يشاهدون كل يوم، أنه ربما كان الأفضل فعلا لهذا النوع من العالم، أن ينتهي؟

لكن إذا كان لديك فكرة عن المنتجين الذي قدّموا فيلم "اترك العالم خلفك"، فسوف تستنتج أن مسألة "الإرهاب العربي"، بوصفها كليشيه هوليودي طال استخدامه، لن تصمد طويلاً مع استمرار الأحداث.

إن شركاء الإنتاج الثلاثة هم؛ إسماعيل نفسه، والذي اشتهر بالأساس بإخراج مسلسل "مستر روبوت"، وشركة "Red om film" التي تملكها النجمة جوليا روبرتس، وأخيراً، وربما الأهم، شركة Higher ground productions التي يملكها الزوجان، باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الأسبق، والسيدة الأولى السابقة، ميشيل.

نحن إذن أمام مجموعة إنتاجية يمكن وصفها بأنها من "الحمائم" أو "النشطاء"، أو على الأقل، ممن يصعب تورّطهم في صناعة عمل يدين مجموعة بشرية أو عرقية معينة، ويتوقع أن يميلون نحو إدانة النفس ونقد المجتمع الأمريكي، لكنهم في الآن نفسه، في سياق القوى المهيمنة على المجتمع الأمريكي، لا يمكن أن تحدّد إدانتهم قوى بعينها، فيبدو الشرّ في فيلمهم كفعل خارج عن القصد وعن السيطرة. إن العدو، كما المنشورات الملقاة في الفيلم، يمكن أن يكون عربياً، أو كورياً أو صينياً، لكنه في جميع الأحوال لن ينتصر إلا بسبب من أمراض المجتمع الأمريكي نفسه: العنصرية والانعزال والأنانية والخوف من الآخر.

القصة إذن باختصار، ووفق القواعد الكلاسيكية للدراما الأمريكية، تنتقل في الدقائق العشر الأولى للسيناريو، من بداية هادئة تتوجه فيها أسرة أمريكية بيضاء تقليدية لقضاء إجازة تحتاج إليها، إلى كابوس يعرف كل مشاهد للسينما أنه كان قادماً ما إن تصل الأسرة إلى موقع الإجازة، المفاجأة هنا، أو ما حاول الفيلم أن يفاجئك به، أن الكابوس لم يكن متعلقاً – كالعادة – ببيت الإجازة، بل بالعالم في الخارج، العالم كله.

لم تعرف الأسرة أنها حين توجهت للراحة "وترك العالم ورائها"، أن طموحها ذاك سوف يتحقق حرفياً.

لكن يمكن أيضاً، للمشاهد الذي يألف التاريخ الفني لجوليا روبرتس، وحتى أعمال ماهرشالا علي (كان الدور قبل عليّ سيذهب إلى دينزل واشنطن)، ألا يتوقع صورة درامية دموية وعنيفة (حتى إن رأينا من على البعد آثار انفجار نووي). إذ حتى والفيلم يتحدث عن نهاية العالم، فإنه لا وجود لـ "زومبي" على شاشته، ولا جثث متناثرة ولا أطراف مقطوعة ولا عصابات.

أقصى "نزيف" شاهدناه كان لأسنان المراهق أرتشي التي أخذت تسقط بعد تعرّض العائلة لهجوم من نوع إلكتروني غريب، ومعظم الفوضى كانت إلكترونية، عمادها تخبط الجي بي إس وانفلات السيارات ذاتية القيادة. بخلاف ذلك، كانت هناك بعض المواجهات السلمية تقريباً وإن استخدمت فيها المسدسات، ونظرات متبادلة تنضح بالتوتر بين البشر ومجموعات شاردة من الحيوانات، وقبل كل شيء، كانت العزلة شبه التامة في ظل انقطاع البشر والإرسال التلفزيوني والهاتفي والإنترنت.

الفيلم الذي صدر بعد أكثر من شهر على اندلاع حرب غزة، أكان يمكن أن يقدم تأثيراً يفوق ما قدّمه الواقع ويقدمه في أسابيع الإبادة الجماعية أمام أنظار العالم؟

لكن، حتى لو كان الفيلم الذي صدر بعد أكثر من شهر على اندلاع حرب غزة، لم يكن على هذه الصورة، حتى لو حفل بالجثث والانفجارات والدموع، أكان يمكن أن يقدم تأثيراً يفوق – أو ينافس- ما قدّمه الواقع ويقدمه في أسابيع الإبادة الجماعية أمام أنظار العالم؟

أتبقى أفلام الأبوكاليبس (نبوءات نهاية العالم) قادرة على خلق التأثير والصدمة الخيالية، بينما تحفل مقاطع التيك توك اليوم في هواتف مراهقي العالم بالصدمات الحقيقية وضحاياها بشر حقيقيون، لا ممثلين لدى هوليود؟ والأهم؛ أيمكن التخويف بخطر نهاية العالم، بينما يشعر الملايين حول العالم، أمام الفظاعات التي يشاهدون كل يوم، أنه ربما كان الأفضل فعلا لهذا النوع من العالم، أن ينتهي؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image