شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل سيسمعون أصوات المعركة طوال حياتهم؟... عن أطفال الحرب بعد الحرب

هل سيسمعون أصوات المعركة طوال حياتهم؟... عن أطفال الحرب بعد الحرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والطفولة

الاثنين 18 ديسمبر 202301:03 م

تشكل الانتهاكات بحق الأطفال العامل الأكثر تأثيراً في الحروب، فنشاهد أطفالاً يقفون باكين أمام حطام منازلهم وعلامات الصدمة تغطي وجوههم. رأينا هذه الوجوه في في سوريا، واليمن، والسودان، وفي كل مناطق الحروب في العالم، واليوم نراها بكثرة في غزة.

طفلٌ يحمل يده اليمنى المبتورة بكف يده اليسرى ويركض بها والدموع تملأ وجهه مع صراخه المعبر عن الخوف والألم.

طفلة تبكي بحرقة قلب وتقول إنها تتمنى لو ماتت مع والدتها وإخوتها، وإن بقاءها في الحياة بعد فقدانهم عبارة عن معاناة دائمة. 

أطفال يرتجفون من الخوف، ومن اللا فهم، ومن الوحدة وتغير كل شيء حولهم. 

هل ينجو الأطفال من الحرب... أبداً؟

المشاهد المنتشرة اليوم من غزة وإدلب والعديد من المناطق المشتعلة لها أثر نفسي خانق ومن الصعب متابعتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فما هو عمق التأثير الذي تتركه في نفس كل من يعيشها وخاصة الأطفال؟ وكيف يمكننا العمل مع الأطفال الناجين من الحرب في المحيط الاجتماعي العام؟

قدرة التعبير التي نشاهدها عند الأطفال في قطاع غزة تشير إلى حالة تُعزز فكرة أن أطفال الحروب تتكون عندهم رغبة في الحياة والاستمرار، وتعطي مثالاً إنسانياً مختلف كلياً عن المتوقع لكل التصورات التي من الممكن للعقل تركيبها عن مجتمع محاصر منذ 16 عاماً. 

قدرة التعبير التي نشاهدها عند الأطفال في غزة تشير إلى حالة تُعزز فكرة أن أطفال الحروب تتكون لديهم رغبة في الحياة والاستمرار

بالبحث في عدة لغات لتعريف مصطلح صدمة ما بعد الحرب، نصل لأنها "ردة الفعل النفسية التي تتشكل لدى الإنسان جراء تعرضه لحادث مخيف للغاية، هو ذاته أو المحيطين به، سواء بالتهديد، أو الموت، أو الإصابات الخطيرة، أو العنف الجنسي، فيكون هناك عودة لذكريات مؤلمة بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال أعراض نفسية تعبر عن ذاتها بأشكال مختلفة".

أعراض ما بعد الصدمة

عادة ما يكون الأمر أكثر صعوبة عند الأطفال لعدم امتلاكهم لمهارات التعبير، من هذه أعراض صدمة ما بعد الحرب لديهم: 

١. استرجاع الأحداث السابقة وإعادة تكرار الذكريات بشكل مستمر عندما يكون الأطفال مستيقظين، أو في الكوابيس أثناء النوم. وهناك حالات تعبير تكون من خلال ممارسة أدوار ثانوية بشكل دائم في كل الألعاب التي يشاركون فيها.

٢. تجنب القيام ببعض الأشياء، من خلال رفضهم تذكر ما حدث، وهي إحدى الآليات النفسية للحماية الذاتية، فيشعر الأطفال بالخوف ومحاولة الاختباء عند سماع أي صوت قوي يشبه صوت الحرب. 

صدمة ما بعد الحرب هي ردة الفعل النفسية التي تتشكل لدى الإنسان جراء تعرضه لحادث مخيف للغاية، هو أو المحيطين به، سواء بالتهديد، أو الموت، أو الإصابات الخطيرة، أو العنف الجنسي، مع عودة لذكريات مؤلمة من خلال أعراض نفسية بأشكال مختلفة

٣. كثرة الانتباه والترقب، فيشعر الأطفال بالمفاجأة والتهيج المبالغ بهما، ويكون الجسد في حالة توتر. ويمكن كشف الأعراض من خلال الانتباه إلى نوبات الغضب، وصعوبة التركيز، ومشاكل النوم، وكثرة الأحلام، وقلة أو كثرة الطعام، وعدم القدرة على التفاعل مع الأطفال المحيطين.

٤. طرق تفكير غير معتادة مثل الشعور بالذنب والخجل الشديدين، ما يؤثر على قدرة الأطفال على الشعور بالفرح والاستمتاع بالألعاب الجماعية والأنشطة.

طرح الأسئلة على الطفل

يمكن طرح العديد من الأسئلة على الأطفال الناجين من الحرب عند الشعور بأنهم بحاجة الى البوح، أو عند تعبيرهم بأي الأشكال على أنهم يريدون البوح، من خلال طرح أسئلة بسيطة تأتي بعد أن يطمئنوا أنهم الآن بخير، وأن الحدث الخطير الذي مروا به صار من الماضي.

أسئلة مثل، تحدث لي كيف كان المشهد وماذا شعرت؟ ما هي الأشياء التي كانت محيطة بك وكيف تعاملت مع الأمر؟ وبين الحين والآخر إعادة طرح سؤال بسيط ينسجم مع فهمهم ومراحلهم العمرية، مثل هل تعرف أنك الآن بخير، وأننا سعداء أنك بيننا؟

يصبح الأطفال بعد عيش تجارب الحرب والفقدان مرهفين للغاية، ويشكل لهم هذا الحدث الذي عاشوه درجات قد تكون عالية من الخوف. مثل الخوف من الموت أو من فقدان أحد الأقرباء أو الأصدقاء، أو الخوف من الأصوات العالية أو أي شي يذكرهم بالصور التي عاشوها.

التشجيع على التعبير بالطريقة التي يحبذها الطفل

من هنا يكون التعبير بكل الأشكال الممكنة من أهم الطرق لمحاولة خلق فهم عند الطفل عن التجربة التي مر بها ليدرك أنه صار آمناً بعيداً عنها.

يمكن أن يكون الرسم والموسيقى أحد هذه الوسائل، أو تأليف اغنية عن الحرب وبشاعتها. 

يجب أن يفهم الطفل الفرق بين الماضي والحاضر ليدرك أن الأمر انتهى، ومن المهم جداً تذكيره دائماً أن الأمور أصبحت بخير وأنه صار بأمان. 

يعبر الأطفال عادة عن الخوف من شيء يحدث الآن أو من صورة يتذكرونها تمر في مخيلاتهم في معظم الأحيان من خلال البكاء بسبب عدم قدرتهم على التعبير التفصيلي عن آلامهم باستخدام الكلام، وهناك أطفال لديهم القدرة على التعبير بالكلام، ولكنهم يبكون تعبيراً عن الألم الذي يعجزون عن إيصاله باستخدام الكلام في الكثير من الأحيان.

إشعار الاطفال بأننا نسمعهم بإيجابية وأننا نبادلهم الحديث بلغة عاطفية يفهمونها تعطيهم إشارات تظهر لهم أنهم بخير، وهذا يساهم في تخفيف المشاعر السلبية الناتجة عن الصدمة.

السماح بالبكاء... حتى الكثير منه

كذلك، فإعطاء الأطفال فرصة البكاء التي يريدونها في الوقت الذي يريدونه وبدون الطلب منهم إنهاء جولة البكاء لأنهم أقوياء، يساهم في تخفيف الصدمة لأنهم ببكائهم يعبرون بطريقة غير واعية عن كل الكرب مما يساهم في تخفيفه بشكل من الأشكال.

بحسب دراسة أعدها الدكتور ويليان فراي إن الدموع "تنظف الجسم لأنها تحتوي على فضلات يحتاج الجسم للتخلص منها، كما أنها تحتوي على المواد التي تقلل البكتيريا وتحمي من الإصابة بالأمراض. عندما نبكي تنخفض مستويات الكورتيزول ومن خلال البكاء نشعر بتوتر أقل، كما أننا نشعر باسترخاء أكبر".

وفي دراسة ثانية صادرة عن المجلة العلمية "Frontiers in Psychology"، يقول الباحثون إن البكاء العاطفي قد يكون له تأثير المهدئات إن بكى الشخص لبضعة دقائق متتالية.

البيئة الآمنة

كما أن السرد النابع من القناعات التي تشكل الفهم الاجتماعي المحيط يساهم في تخفيف الكرب، فمثلاً إذا كانت العائلة مؤمنة، يمكنهم الحديث أن من ماتوا بخير في مكان وأنهم لا يشعرون بالألم. فتخلق التفاسير التي يعبر عنها الأهل لأطفالهم في أوقات سابقة أو مع التكرار في حياتهم اليومية حالة من تخفيف الريبة والاستقرار النفسي. فأهم ما في الأمر هو خلق منظومة الأمان النفسية المنسجمة مع البيئة الفكرية المحيطة بالطفل.

اللعب... ثمّ اللعب

يساهم اللعب الفردي والجماعي على خلق سكينة نفسية فمن خلال التفاعل مع الأطفال الذين يعانون من نفس الاضطرابات النفسية، تتشكل حالة جماعية مريحة للأطفال تشعرهم بالسكينة وبأنهم غير وحيدين، وأن العديد ممن حولهم يشاركونهم الشعور ويفهمون ردات فعلهم. فيكون اللعب بكل أشكاله حالة مهدئاً للتوتر ومخففه لتأثيرات الصدمات عند الأطفال الناجين من الحروب. 

فمن خلال اللعب يعبر الأطفال عن مكنوناتهم النفسية ويتبادلون المشاعر والأدوار ويفهمون بعضهم البعض ويقدمون الدعم النفسي بعضهم إلى بعض. 

يساهم اللعب الفردي والجماعي في خلق سكينة نفسية، فمن خلال التفاعل مع الأطفال الذين يعانون من نفس الاضطرابات النفسية، تتشكل حالة جماعية مريحة للأطفال تشعرهم بأنهم غير وحيدين

القفز والجري والتسلق وتركيب الأشياء وبناء البيوت من وسادات المنزل وارتداء ملابس الكبار واللعب بأدوار الطبيب والسائق والشرطي والأب والأم كلها مع انواع ألعاب عديدة أخرى بسيطة يبتكرها الأطفال في مراحلهم العمرية الأولى تشكل جزء من علاجات ذاتية لاضطرابات تحملهم اياها الحياة المحيطة بهم.

الاحتضان النفسي

تقول الأخصائية النفسية منى موسى من قطاع غزة بأن التخفيف من الحديث عن الحرب وطرح المواضيع المرحة البعيدة عن الفقدان يساهم في خلق أريحية للأطفال، بالإضافة إلى اللعب بالطرق البسيطة الأولية المتاحة، وممارسة عادات من التركيبة النفسية الاجتماعية المريحة للأطفال مثل تمسيد الجسد بالزيت الساخن وقول الكلام الطيب لهم وإعطائهم الحنان من خلال الجلوس بجانبهم وتقبيلهم وضمهم وإعداد الطعام لهم وصرف انتباههم عن الحدث الآني، كل ذلك يساهم في التخفيف من التأثيرات النفسية التي تتشكل جراء الصدمات.

كما يعتبر توفير المعلومات وتصحيحها وتوسيعها من الوسائل التي تساهم في خلق الأمان وتقليل الخوف، لأن انعدام المعرفة أو قلتها تزيد وتكرس الخوف، فتتشكل مخاوف الأطفال الكبيرة من الأمور المجهولة، فيكون الأطفال ضحيتها كون معرفتهم محددة بحسب مراحلهم العمرية.

مشاركة الأطفال في التعرف على الحقائق حول ما يمرون به يساهم في تشكيل طمأنينة تساعد في دورها بتخفيف التأثيرات النفسية السلبية.

هل تعيش الحرب معنا بعد انتهائها؟

نعيش تجارب حياتية مختلفة، ونشكل فهمنا عن مواضيع كثيرة في مرحلة البلوغ وما بعدها دون أن نشعر أننا نمارس ردود الأفعال نتيجة لأحداث قد عشناها في مرحلة الطفولة المبكرة.

لكن الصدمات النفسية وخاصة التي تتشكل بسبب الحرب، تؤثر على حياة الإنسان لفترة طويلة جداً، وتبدأ هذه العلامات بالظهور بشكل واضح عندما يتفاعل الأطفال مع أطفال لم يعيشوا الحرب ولا صدماتها، في تلك المرحلة تظهر الصدمة الحقيقية التي تُشعر الأطفال أو البالغين بحجم ردات الفعل غير الإرادية التي يحملونها في التعامل مع الآخرين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image