لا تزال فكرة إنشاء حزب بمرجعية أمازيغية تثير حماسة الناشطين الأمازيغ في المغرب، فعدد منهم لا يزال يرى أن تأسيس حزب ينهل من مرجعية الحركة الأمازيغية، "ضرورة وحتمية سياسية وتاريخية"، على الرغم من "مطبّات" الماضي، ذلك أن تجارب سابقةً في هذا الإطار كانت قد حُلّت من طرف القضاء المغربي بدعوى "عدم مطابقتها لقانون الأحزاب".
وفي خطوة سياسية جديدة في هذا الإطار، طرحت "مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي"، قبل أسابيع، مشروع الأرضية السياسية لحزب سياسي أُطلق عليه "حركة النجوم الثلاثة"، تيمّناً بثلاثية الأرض والإنسان واللغة المعروفة في الأدبيات الأمازيغية، على أن تنطلق مرجعيته من أفكار الحركة الأمازيغية.
كما أعادت هذه الخطوة إثارة النقاش بين أعضاء الحركة الأمازيغية أنفسهم، فمنهم من يرى أن حزباً بمرجعية أمازيغية "ضرورة سياسية ووجودية"، بينما يرى فصيل آخر أن الإستراتيجية الأنجع تتمثل في العمل على "تمزيغ الأحزاب"، وجعلها تهتمّ بجدّية بملف الأمازيغية. وثمة مجموعة أخرى من المناضلين الذين يؤمنون بالعمل الجمعوي المدني المستقل عن أي توجه سياسي معيّن.
"حل سياسي لمشكلة سياسية"
حسب مشروع الأرضية السياسية الذي اطّلع رصيف22، على نسخة منه، فإن "حركة النجوم الثلاثة" تأتي بعد أن "فقد المغاربة الثقة بالأحزاب الحالية التي تناوبت على الحكم طوال عقود"، وكذلك في إطار "وضعية تتسم بتدهور الأمازيغية بشكل مسبوق ودخولها في متاهات سياسية ومؤسساتية يكتنفها الغموض والمعنى".
ناشطون أمازيغ في المغرب يسعون لإنشاء حزب سياسي أطلقوا عليه "حركة النجوم الثلاثة"، تيمّناً بثلاثية الأرض والإنسان واللغة المعروفة في الأدبيات الأمازيغية، على أن تنطلق مرجعيته من أفكار الحركة الأمازيغية. هل تفلح المحاولة هذه المرة؟ أم تنتهي على عتبة القضاء المغربي كسابقاتها؟
وتشير الأرضية نفسها التي طرحتها "مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي"، ضمن لقاء للديناميات الأمازيغية في العاصمة الرباط، إلى أن "صوت الفاعل الأمازيغي ظل غائباً في جميع الإصلاحات الكبرى التي تعرفها المملكة"، رادّةً ذلك إلى "غياب التنظيم السياسي الذي يسمح بالمشاركة والاقتراح داخل المؤسسات وخارجها".
وتعليقاً على هذه الخطوة، يقول عبد الله بوشطارت، وهو فاعل أمازيغي وعضو "مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي"، إن "هذا المشروع ذو المرجعية الأمازيغية يأتي كامتداد طبيعي وموضوعي للحزب الديمقراطي الأمازيغي المنحل سنة 2007، ولدينامية تامونت كذلك التي تعرضت لجنتها التحضيرية للمنع في مراكش سنة 2016؛ وتالياً فهو امتداد لمسار 25 سنةً من العمل".
ويوضح بوشطارت، في حديثه إلى رصيف22، أن "إشكالية الأمازيغية في المغرب في الأساس هي سياسية، وتالياً الحل سيكون سياسياً بدوره، ولهذا تأتي هذه الخطوة كرد على ضعف الجانب السياسي لدى الأمازيغية، فهو ما نبتغي الإجابة عنه من داخل المؤسسات، وما بإمكانه إعطاء دفعة للعمل المدني والجمعوي".
وحسب المتحدث ذاته، يقدّم المشروع السياسي الذي طرحته مجموعة "الوفاء للبديل الأمازيغي"، "إجابات حول مشكلات التدبير الهوياتي للأمازيغية لغةً وثقافةً، إلى جانب قضايا الملكية المشتركة والفردية للمواطن ومشاركته في الثروة"، وبذلك يكون هذا المشروع ضرورةً سياسيةً ستمكّن المرجعية الأمازيغية من التموقع داخل المؤسسات في إطار التنافس والاحترام السياسيين".
ضرورة تاريخية وسياسية
بدوره، يرى عبد الواحد درويش، وهو ناشط أمازيغي ومنسق سابق لحزب "تامونت للحريات"، أن الدفاع عن الأمازيغية يقتضي تأسيس حزب أو أحزاب مغربية تتبنى مرجعية الحركة الأمازيغية بأبعادها الفكرية والحقوقية والتنموية التي تمت مراكمتها خلال ستين سنةً من العمل، فالأمر لا يتعلق بإثنية أو عرق، وإنما بحزب مشبع بفكر الحركة الأمازيغية المؤمنة بأن الوحدة المغربية كامنة في التنوع".
ويفسر درويش في حديثه إلى رصيف22، كيف أن "الدستور المغربي وكذا القانون التنظيمي للأحزاب يمنعان تأسيس الأحزاب على أسس إثنية أو عرقية أو جهوية، غير أنهما لا يحاكمان المرجعيات، وتالياً لا أظن أن تأسيس حزب وطني بمرجعية أمازيغية قد يواجه عوائق، وإذا ثبت العكس فإن القضاء الإداري له سلطة الفصل في ذلك".
وحسب المتحدث ذاته، فإن "الأمازيغية اليوم تعيش على وقع تراجع ملموس، على الرغم من كل المكتسبات، ولذلك فقد حان الوقت لإثارة انتباه المسؤولين إلى غياب الجدية المطلوبة في التعامل مع هذه الورش الوطنية"، مشيراً إلى أن "انضمام ناشطين أمازيغ إلى الأحزاب القائمة أظهر محدوديته ونجاعته، بحيث بقي وضعهم هامشياً داخلها، ففي الأساس، الإشكالية هي إشكالية المنطلقات القديمة التي تتبناها هذه الأحزاب الكلاسيكية والتي تظل محتاجةً إلى التجديد".
"هذا المشروع ذو المرجعية الأمازيغية يأتي كامتداد طبيعي وموضوعي للحزب الديمقراطي الأمازيغي المنحل سنة 2007، ولدينامية تامونت كذلك التي تعرضت لجنتها التحضيرية للمنع في مراكش سنة 2016؛ وتالياً فهو امتداد لمسار 25 سنةً من العمل"
توافق مع القانون
في كل مرة تثار فيها مسألة تأسيس حزب ذي مرجعية أمازيغية في المغرب، يعود الحديث حول مدى قانونيته وموافقته لدستور المملكة والقوانين المنظمة لعملية تأسيس الأحزاب. ويؤكد الدستور في الفقرة الرابعة من فصله السابع على "عدم جواز تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي وبصفة عامة على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان".
وتظهر أهمية استحضار العنصر القانوني في هذا الإطار، لذلك يرى محمد ألمو، المحامي في هيئة الرباط، أن "مشروع الحزب المطروح حالياً من قبل مجموعة من الناشطين يتوافق مع قانون تأسيس الأحزاب، فهنا الأمر لا يتعلق بحزب للأمازيغ أو خاص بمجموعة بشرية معينة، وإنما هو حزب مفتوح على جميع المغاربة، آتٍ من المرجعية الأمازيغية المغربية".
ويضيف ألمو، في حديثه إلى رصيف22، أن "قانون الأحزاب يمنع تأسيس حزب على أساس عرقي أو لغوي أو جهوي، لكن في ما يخص المرجعية، فالمغرب يتوفر على عدد من الأحزاب، منها التي تأتي من مرجعية قومية وأخرى تستند إلى مرجعية دينية. وعليه، تأسيس حزب على مرجعية أمازيغية لا يعني أنه حزب عرقي، لأن هذه الأخيرة ليست لغةً أو عرقاً في حد ذاتها، وإنما هي نمط عيش ومنظومة من القيم الوطنية الجامعة".
ووفقاً للخبير القانوني، فإن "المرجعية الأمازيغية في الأساس تتماشى واختيارات الدولة في تنظيم عدد من المجالات، بما في ذلك الجهوية الموسعة والدفاع عن الهوية المغربية والامتداد التاريخي للمملكة. لذلك، وطالما أن هذا المشروع السياسي ليس عرقياً ولا فئوياً، فإنه بذلك يظل منضبطاً للقانون الجاري العمل به".
أمل قائم
ليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها أمازيغ المغرب فكرة الانتظام داخل هيئة سياسية تنهل من مرجعية الحركة الأمازيغية، فقد سبق أن ظهرت مجموعة من التجارب التي لم يُكتب لها الاستمرار بعد أن أحيلت على القضاء الإداري الذي حكم بحلها بدعوى عدم مطابقتها للقوانين المنظمة لتأسيس الأحزاب.
ويُعدّ الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي PDAM، جزءاً من هذه الحكاية. فهذا الحزب، تم تأسيسه من قبل ناشطين أمازيغ سنة 2005، غير أن وزارة الداخلية قامت بحظر الحزب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، وأحالت ملفه على القضاء الإداري في العاصمة الرباط، الذي أصدر قراره في نيسان/ أبريل 2008 بحلّه بذريعة أنه "يتنافى والمادة الرابعة من قانون تأسيس الأحزاب في البلاد".
على النحو ذاته، تظهر تجربة حزب "تامونت للحريات" الذي ينهل بدوره من مرجعية أمازيغية، والذي لم يُكتب له أن يرى النور حتى اليوم، فقد تعرضت اللقاءات التحضيرية لتأسيسه لـ"المنع" من السلطات مرات عدة.
الأمازيغية والأحزاب... التزام حقيقي أم "استغلال انتخابوي"؟
تُعدّ المكتسبات الحالية للأمازيغية في المغرب، نتاجاً لأزيد من ستين سنةً من اشتغال الحركة الأمازيغية داخل تنظيمات مدنية وجمعوية بالأساس، ذلك أنه ومع غياب تنظيم حزبي ذي مرجعية أمازيغية، بقي الصوت الأمازيغي وفقاً لناشطين "غائباً عن مراكز القرار المؤسساتي". ومن هذا المنطلق، بقيت فكرة تأسيس الحزب واردةً وتُثار في كل مرة.
تُعدّ المكتسبات الحالية للأمازيغية في المغرب، نتاجاً لأزيد من ستين سنةً من اشتغال الحركة الأمازيغية داخل تنظيمات مدنية وجمعوية بالأساس، ذلك أنه ومع غياب تنظيم حزبي ذي مرجعية أمازيغية، بقي الصوت الأمازيغي وفقاً لناشطين "غائباً عن مراكز القرار المؤسساتي"
ودخلت الأمازيغية في سباق مفتوح منذ بداية الألفية الثالثة، وذلك بعد أن تم تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تلاه ترسيم حرف "تيفيناغ" كحرف للكتابة. ولم يغفل دستور 2011 عن ترسيم اللغة كلغة دستورية إلى جانب اللغة العربية. هذا الترسيم الذي يؤكده الفصل الخامس من الدستور، أعقبه إصدار مجموعة من القوانين التي أريد من خلالها فتح الباب أمام اللغة بقصد ضمان حضورها مؤسساتياً ومجتمعياً.
و"تتصادم" المرجعية الأمازيغية، وفق ما يؤكد ناشطون، مع مرجعيات أحزاب مغربية كـ"حزب العدالة والتنمية" و"حزب الاستقلال"، اللذين يقال عنهما في كل مرة إنهما "لا يأخذان الورش الأمازيغية كأولوية وطنية"، في الوقت الذي يقدم فيه حزب الحركة الشعبية نفسه كـ"مدافع عن هذه الورش". بدوره، يُظهر حزب التجمع الوطني للأحرار "نيةً" للعمل على مأسسة الأمازيغية، ذلك أنه طرح خلال الانتخابات السابقة محور الأمازيغية كواحد من بين المحاور التي سيشتغل عليها، إذ استقطب عدداً من الناشطين إلى محيطه ممن تكتلوا في إطار "جبهة العمل الأمازيغي".
وبرغم هذا الاهتمام بالأمازيغية الذي تُظهره أحزاب معينة، والذي يوصف عادةً بـ"الموسمي والانتخابوي"، يفقد عدد من الناشطين ثقتهم بوعود هذه الأحزاب، ويعدّون أن الإرادة السياسية للنهوض بهذه الورش "غائبة وغير موجودة"، وتالياً يظل الحل سياسياً وفق ما يقولون ويمر عبر "إعادة الدفع نحو الانتظام سياسياً"، من خلال تأسيس هيئة أو هيئات حزبية تنهل من مرجعية الحركة الأمازيغية.
وأمام هذا الواقع السياسي، ينظر عدد من الناشطين الأمازيغ بكثير من الترقب إلى مستقبل مشروع حزب "حركة النجوم الثلاثة"، فهل تنجح الخطوة هذه المرة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ 3 اسابيعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...