في القاعة متوسطة الحجم التي تضم المسرح في مؤسسة "الجيزويت" بمدينة الإسكندرية المصرية، وقف الجمهور دقيقة حداداً على أرواح ضحايا العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن يستقروا في مقاعدهم للاستماع إلى حكايات هؤلاء الضحايا كما يحكيها المشاركون في ورشة الحكي التي استضافها مركز الجيزويت منذ مطلع الشهر الجاري تحت عنوان "ظريف الطول".
العرض الذي أقيم مساء السبت 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، هو حصيلة أيام من العمل والتدريب وصياغة الحكايات والرسائل قادها المخرج المسرحي وفنان الحكي محمد عبد الفتاح "كالا" في مسرح الكراج (الجراج).
المسرح صغير الحجم نسبياً يُشعر الحاضر فيه بالأنس والألفة، خاصة أن أغلب المشاركين في العرض وجمهور المكان تجمعهم الصداقات المشتركة، بحكم صغر الوسط الفني والثقافي الإسكندري.
يتقدم كل حكاء للميكروفون وسط المسرح، ثم يرمي الراية البيضاء معلناً الصمود وعدم الاستسلام، ثم يبدأ بالحكي وعندما ينتهي يستدير للخلف رافعاً إشارة حنظلة، رمز المقاومة الفلسطينية الذي ابتدعه الفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي
بدأ العرض باثني عشر حكاءً وحكاءة، يجلسون على ثلاثة دكك إلى يمين المسره ووسطه ويساره، يحمل كل منهم عصا تنتهي إلى راية بيضاء يرفعها حيناً ويخفضها حيناً آخر.
يتقدم كل حكاء للميكروفون وسط المسرح، ثم يرمي الراية البيضاء معلناً الصمود وعدم الاستسلام، ثم يبدأ بالحكي وعندما ينتهي يستدير للخلف رافعاً إشارة حنظلة، رمز المقاومة الفلسطينية الذي ابتدعه الفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي، الذي حكى عنه في العرض الحكاء محمد خالد، بادئاً الحكاية من يوم اغتيال العلي في لندن. كان خال الحكاء يحكي له حكايته إذ يعتبره بطله الخارق، الذي كان يحارب بريشته التي يخاف منها العدو أكثر مما يخاف من البندقية، لأنها كانت تتكلم وتحكي القصص والحكايات، وتقول الحقيقة بشجاعة وسخرية "مزعجة".
حكايات أطفال فلسطين
الحكاءة هبة مؤنس، بعد أن شاهدت حكاية الطفلة التي انقذوها من تحت الأنقاض بعد أربع ساعات من قصف بيتها، وقالت إنها كان معها ملاك وجهه ينير لها في الظلام. استوحت حكاية لطفل يدعى (يزن الغزي) يحلم أن يصير طياراً، لكن لأن حدوده في فلسطين تمنعه، صغر حلمه لأن يركب طائرة ويسافر، كان تخيل يزن أن الطائرة عندما تصعد للسماء ترسل دعوات الناس لله، وعندما تهبط من السماء ترسل لنا الخير والمطر، حتى رأى يزن أول قصف من طائرة في حياته، عرف حينها أن الطائرات حين تقترب ترسل القنابل والموت، إذ ذاك سأل نفسه "وين بدو يكون الله؟"، لم يكن يستطيع أن يتخيل حين يدعي الله في السماء، أن يظل خائفاً من طائرة تأتي وترمي قنبلة، حتى قصفت طائرة بيتهم وتهدم، فخرج وحكى حكاية الملاك وقال "أنا هلأ بس عرفت وين الله، الله كان معي تحت الأنقاض".
الحكاءة دينا عاطف، بعد أن شاهدت فيديو للطفلة ألما، استوحت حكايتها عندما تخرج من بيتها وتلعب بألعابها، بينما يأتي الأعداء لكي ينتزعوا من مها ألعابها، بينما هي تدافع عن نفسها وألعابها بشجاعة، حتى أن أتى الأعداء ليهدموا بيتها وبيوت الجيران، وهنا تظهر قوتها الخارقة وتدافع عن البيوت فتستشهد، وصار شارعهم اسمه شارع ألما بفلسطين.
الحكاء أحمد عادل وجه رسالته إلى (طنط ريما) جارته الفلسطينية عندما كان يعيش بالسعودية في الطفولة، يسترجع ذكرياته معها، ترحابها وبيتها الذي كان يهون غربته، يتذكر مذاق المقلوبة التي كانت تقدمها له وتقول عنها أكلة النصر التي قدمت لصلاح الدين الأيوبي عندما فتح بيت المقدس، يعاتبها على غيابها بعدما انقطعت رسائلها ولا يعرف أين هي الآن، ويرجو أن تتذكره كما يتذكرها، يتخيل أنه رآها عندما يتابع الأخبار في التليفزيون، عندما أقاموا ولائم المقلوبة في ساحة المسجد الأقصى، عندما منع جنود الاحتلال الناس من الدخول للصلاة، يتمنى لو يلتقي بها قريباً وتدعوه إلى أكلة (مقلوبة فلسطينية) في بيتها بفلسطين، عندما تفتحه بمفتاحها المعلق برقبتها.
الحكاءة ميار منصور وجهت رسالتها إلى الطفل المجهول، معبرة عن كل طفل منسي لم يعرفه الناس، لأنه لم يصور أو يكتب عنه أحد
الحكاء محمود قاسم وجه رسالته إلى كتلة من الحديد تحولت إلى سلاح في يد مجرم، يتخيل مشاعره إن كان في ذلك الموقف، يتمنى لو يتحول إلى باب محل ألعاب أطفال، يوزع ألعابه مجاناً، يراقبهم بينما هم داخلون على وجوههم تعاسة المحروم، ويراقبهم بينما هم خارجون في منتهى السعادة، يقول إن الحديد ليس رمزاً للقسوة، فالسلاح لا يكون في قسوة المجرم، يشعر بدموع السلاح عندما تنزل مع كل طلقة تخرج منه وتنهي حياة إنسان، تراقب القهر والذعر على ملامح من فقدوا أحبائهم، يتمنى محمود ببراءة طفل أن يمنع أو يعترض لكنه قليل الحيلة، مثل السلاح الذي بؤسه أن حيلته الوحيدة يستفيد منها شرير.
استعادة القضية
الحكاءة ميار منصور وجهت رسالتها إلى الطفل المجهول، معبرة عن كل طفل منسي لم يعرفه الناس، لأنه لم يصور أو يكتب عنه أحد، وقالت لرصيف22 عن تجربة المشاركة في الورشة والعرض: "لا أنكر إن القضية الفلسطينية، لم تكن تشغلني لأنني كبرت على أن ما هو حادث أمر واقع، حتى جاءت أحداث طوفان الأقصى، التي أيقظتني بشكل شخصي، منذ بداية الأحداث كنت صامتة، أشعر أن لا شيء يقال، ولا أجد ما أقوله، جاءت الورشة كحجر وسط بركان خامد، وسبب لصعود الغليان إلى السطح، الورشة حفزتني أن أتكلم، وهذا لم يكن هيناً".
مخرج العرض محمد عبد الفتاح: "الثقافة والفنون جزء أصيل من أساليب المقاومة والسعي للحياة، أنا منحاز بالتأكيد للمقاومة بالفن، أقدم مقاومة فنية سلمية لا حربية أو سياسية، من الممكن أن يكون لها تأثير السلاح"
مخرج العرض محمد عبد الفتاح (كالابالا) وهو مخرج ومدرب حكي مسرحي، يقول لرصيف22: "الثقافة والفنون جزء أصيل من أساليب المقاومة والسعي للحياة، أنا منحاز بالتأكيد للمقاومة بالفن، أقدم مقاومة فنية سلمية لا حربية أو سياسية، من الممكن أن يكون لها تأثير السلاح، أحاول تحريض الناس/ الفنانين على ذلك، وهذا هو الدور الذي أحاول أن أقوم به منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى".
ويواصل عبد الفتاح: "ظريف الطول هو رمز أصيل وشعبي للمقاومة الفلسطينية، وهو اسم المشروع الذي بدأته لكتابة وتوثيق الحكايات والرسائل من وحي المشاهد الحية التي نراها والشخصيات التي ارتبطنا بها من خلال الشاشات أو مواقع التواصل الاجتماعى في الأراضي المحتلة من المدنيين العزل من الأطفال والنساء والصحفيين وغيرهم من أهلنا، كما عملت على سلسلة حكايات اسمها (عشان فلسطين) بمجموعة فرقة بيت الحواديت تم تصويرها ونشرها على إحدى منصات التواصل الإجتماعي، وقدمت عرض حكي بنقابة الصحفيين، وقدمت حكي في مدارس، كما كنت أتمنى أن أدرب/ أعمل مع الأطفال والحالات المصابة النازحة من هناك فلسطين".
ويختم: "في الأيام الأخيرة قرأنا أكثر من وصية لشهداء من أهلنا في غزة يطلبون منا أن نحكي قصصهم، حاولنا تقديم قصصهم من خلال مشاعرنا، حاولنا أن ندمج أصواتنا مع أصواتهم وأن نحكي القصة بطريقتنا، ونلتمس العذر منهم لأن هذا هو ما نستطيع أن نقدمه فقط، شهدائنا ليس مجرد أرقام، وحكايتهم هي الذاكرة التي نورثها للأجيال القادمة، وسيكون لما نفعله أهمية كبيرة في المستقبل أكثر من الآن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع