هذا المقال مهدى إلى رصيف22 من مجموعة "العدالة المائية لغزة" Water Justice for Gaza، المؤلفة من باحثين ونشطاء بيئيين من دول مختلفة. ونشر المقال في العدد الأول للنشرة التي أصدرتها المجموعة في ديسمبر/ كانون الأول الجاري، تزامناً مع قمة الأطراف "كوب 28" التي أقيمت أخيراً في الإمارات العربية المتحدة، بينما يستمر العدوان على غزة. وصدَّرت المجموعة نشرتها بالمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار.
ضمت النشرة خمس مقالات كتبها باحثون فلسطينيون وكنديون وبريطانيون، تناولت استخدام إسرائيل للمياه كسلاح للإبادة الفلسطينيين في قطاع غزة سواء عبر الاستيلاء عليها، أو تلويثها للتسبب بأضرار صحية لمستخدميها، أو حرمان أبناء غزة من حقوقهم في الحصول عليها بشكل كاف. كما تناولت التأثيرات البيئية المتوقعة في حال تنفيذ السلطات الإسرائيلية تهديدها بتلويث التربة الفلسطينية في غزة، عبر ضخ مياه البحر فيما تعتقده من أنفاق.
وينقل رصيف22 إلى العربية المقال الذي نشرته الباحثة الفلسطينية الكندية هيذر العايدي، في النشرة.
مر شهران منذ أعلنت إسرائيل بجرأة عن نيتها انتهاك القانون الإنساني الدولي من خلال قطع جميع وسائل الحياة من طعام وماء وكهرباء عن الفلسطينيين في غزة، التي تعاني من حصار ممتد لأكثر من 16 عاماً، في وقت تتعرض لقصف متواصل وهجمات برية تطال المدنيين على نطاق واسع ومن دون تمييز.
في الأسبوع الثاني لحملة الإبادة الإسرائيلية في غزة، كان أقاربي في مخيم النصيرات للاجئين في وسط القطاع غزة قلقين بشأن المياه. "لا يوجد كهرباء أو مياه فعلياً في قطاع غزة"، كتب محمد - أستاذ الرياضيات وأب لطفل واحد - في 17 أكتوبر/ تشرين الأول: "نحن محظوظون للعيش بالقرب من منطقة زراعية بحيث يمكننا الوصول على الأقل إلى مياه الآبار [غير المعالجة]، ولكن 90٪ من السكان ليس لديهم حتى هذا الخيار. النازحون الذين يلجأون إلى مدارس الأونروا، يأتون إلينا أحياناً يسألون عن لتر واحد فقط من مياه الزراعة - إنهم يائسون. أناس عديدون يشربون مياهاً غير آمنة".
"المياه غير الصالحة تأتي يوم واحد في الأسبوع فقط، ولا تصل إلى العديد من المنازل، يستخدم الكثيرون مياه البحر [للغسيل]، وهي بالفعل ملوثة للغاية. ومن دون وقود للمضخات، بدأت المياه العادمة في الاختلاط بالمياه في الأحواض"
وبعد أسابيع، بدأت آثار شرب الماء غير النظيف تظهر. في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني كتبت لي وسام وهي طبيبة وأم لثلاثة أطفال جميعهم دون السادسة من العمر: "جميع أطفالي عانوا من الإسهال لعدة أيام".
وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول، عاد محمد ليكتب أن ابنه البالغ من العمر عامين مريض بمشاكل في الجهاز الهضمي. وأنه لا يستطيع العثور على أدوية أساسية مثل الباراسيتامول لتخفيف أعراض المرض: "نفدت مخزونات كل الصيدليات لأن العديد من الأطفال مصابون. وفقاً لأطبائنا، المياه الملوثة هي السبب الرئيسي للمرض الآن".
بعد أكثر من شهرين من الحصار المشدد والقصف الإسرائيلي، الذي دمر أيضاً البنية التحتية الحيوية للمياه والصرف الصحي، لا تزال الحكومات ترفض أو تتجنب إدانة ما تقوم به إسرائيل، ولم تُتَّخذ إجراءات فعالة لإنهاء الهجمات والحصار على غزة، وتخفيف الأزمة الإنسانية المتصاعدة التي تسببت فيها إسرائيل"المياه غير الصالحة تأتي يوم واحد في الأسبوع فقط، ولا تصل إلى العديد من المنازل"، يكتب. "يستخدم الكثيرون مياه البحر [للغسيل]، وهي بالفعل ملوثة للغاية. ومن دون وقود للمضخات، بدأت المياه العادمة (الملوثة) في الاختلاط بالمياه في الأحواض، مما يشكل خطراً أكبر".
بعد أكثر من شهرين من الحصار المشدد والقصف الإسرائيلي، الذي دمر أيضاً البنية التحتية الحيوية للمياه والصرف الصحي، لا تزال الحكومات ترفض أو تتجنب إدانة ما تقوم به إسرائيل، ولم تُتَّخذ إجراءات فعالة لإنهاء الهجمات والحصار على غزة، وتخفيف الأزمة الإنسانية المتصاعدة التي تسببت فيها إسرائيل.
مثل العديد من الفلسطينيين، أقاربي هم أشخاص متعلمون تعليماً عالياً ويتمتعون بالقدرة على التفكير النقدي. لذا لم يفاجأهم نقص التحرك من المجتمع الدولي. بل على العكس؛ لطالما فهموا أن المؤسسات التي تروج لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي تم إنشاؤها وتحافظ على خدمة مصالح عالم لا تُعتبر فيه فلسطين - جنباً إلى جنب مع كل أمة مستعمرة ومظلومة ومستغلة - جزءاً يتمتع بالمساواة.
هذا الواقع بات يفهمه العديد من الباحثين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في الشهرين الماضيين فقط، إذ نرى هذه المؤسسات تفشل بشكل مدهش وكامل في مهماتها لحماية الحياة وضمان العدالة. الآن، وبينما يكافح الفلسطينيون في غزة للعثور على مياه صالحة للشرب ويصاب الأطفال بالمرض من دون القدرة على الوصول إلى الأدوية الأساسية والحيوية، تتم إعادة تشكيل فهمنا الجماعي للمؤسسات التي درسناها ودافعنا عنها ونشرناها، بينما ننظر إلى رفضهم اتخاذ إجراءات هامة لوقف الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين. نحن نشهد الآن كيف تجعل الحكومات القانون الدولي، غير شرعي. والمبادئ الإنسانية، غير فعّالة. ويجعلون أنفسهم لا يستحقون الاحترام لعدم الوفاء بالمبادئ التي يزعمون أنهم يدافعون عنها.
أكتب هذا تذكيراً بوفاة ابنة عمتي عبير وزوجها هاني وابنهما حسن البالغ من العمر ثلاث سنوات، الذين قتلوا في منزلهم بغارة إسرائيلية في 19 أكتوبر/ تشرين الثاني، وتركوا وراءهم ثلاثة أطفال، أحمد (11 عاماً)، وعلي (9 أعوام)، ومريم (6 أعوام)، الذين أصيبوا أيضاً في الغارة.
*هيذر العايدي، باحثة فلسطينية كندية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، تعمل على وضع السياسات المتعلقة بالغذاء والأرض والمياه، وعملت بالدرجة الأولى في سياقات النزاع والأزمات في غرب آسيا وشمال أفريقيا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون