مزج إيقاعات الموسيقى الأمازيغية التقليدية بإيقاعات عالمية، نهج فنّي تسير عليه موجة من الفنانين الأمازيغ الشباب في المغرب، ويهدفون من خلال الجمع بين الأصالة والابتكار إلى إدماج التراث الموسيقي الأمازيغي في المشهد الفني المغربي والعالمي، بعيداً عن التصنيف الفلكلوري الذي لطالما عانت منه الموسيقى الأمازيغية، وتسبب في جعل الاهتمام بها حكراً على فئات قليلة من الجماهير.
المزج بين الأصالة والابتكار
تزخر الموسيقى الأمازيغية في المغرب بتنوّع كبير، ويشهد التراث الأمازيغي غِنى على مستوى الأشعار والإيقاعات، إلا أن اختزال مختلف هذه الإيقاعات في خانة الفولكلور، جعل فئةً كبيرةً من الشباب المنفتح على الموسيقى العالمية يستثني الموسيقى الأمازيغية من لوائح التشغيل الخاصة به.
وجد بعض الفنانين الشباب الحل لهذا الإقبال الضعيف للشباب على الأغنية الأمازيغية، في تجديدها ومزجها بالإيقاعات التي يُقبل عليها شباب الجيل الحالي، إذ يستعين هؤلاء بأساليب موسيقية عالمية كالجاز والبلوز والروك وغيرها، كما يعتمد بعضهم على مزج الكلمات الأمازيغية للأغنية بكلمات بالإنكليزية أو الفرنسية أو العامية المغربية.
يهدف الفنانون الأمازيغ الشباب في المغرب، من خلال الجمع بين الأصالة والابتكار إلى إدماج التراث الموسيقي الأمازيغي في المشهد الفني المغربي والعالمي، بعيداً عن التصنيف الفلكلوري الذي لطالما عانت منه الموسيقى الأمازيغية
يقول أحمد الناصري، المغني الرئيسي وعازف القيثارة في مجموعة Meteor Airlines الفنية، في حديثه إلى رصيف22: "نحن كجزء من هذا الجيل الجديد من الفنانين الأمازيغ، نشعر بمسؤولية خاصة نحو موسيقانا وتراثنا، ونؤمن بأن لدينا ما يميزنا ويجعل صوتنا فريداً في المشهد الموسيقي. من خلال تجاربنا الشخصية ورحلتنا كفرقة، نسعى إلى الجمع بين الحنين إلى الماضي وحب الابتكار، ونرى أنفسنا جسراً بين الأجيال، بحيث نحمل أصالة الثقافة الأمازيغية ونقدّمها بطريقة تناسب العالم المعاصر، ونحن واثقون من قدرتنا على إشراك المستمعين من جميع أنحاء العالم في موسيقانا وتقديم الثقافة الأمازيغية بمنظور جديد".
مجموعة Meteor Airlines... روك أمازيغي
تنتمي مجموعة Meteor Airlines التي تأسست سنة 2016، إلى موجة من المجموعات الفنية في الجنوب الشرقي للمغرب، وتهدف إلى إحياء الموسيقى الأمازيغية وتقريبها إلى الشباب. اختار أعضاؤها السبعة تقديم الموسيقى الأمازيغية بطابع جديد، لأن هناك ضرورةً لتقدير التراث الأمازيغي الغني وتجديده، كما يقول أحمد الناصري، ويضيف: "الغناء بالأمازيغية ليس فقط اختياراً فنياً، ولكنه تعبير عن حبنا واحترامنا لثقافتنا ورغبتنا في الحفاظ على لغتنا وتقديمها بأسلوب معاصر للجمهور الواسع".
ينحدر أعضاء المجموعة من منطقة تنغير، جنوب شرق المغرب، وتُعرف هذه المنطقة بإيقاعات أحيدوس التقليدية، وهي إيقاعات تأثر بها أعضاء المجموعة تماماً كما تأثروا بالروك. يقول أحمد: "يُعدّ الروك أحد الأساليب الموسيقية التي أثرت فينا، إلا أن موسيقانا تعكس أيضاً تأثرنا العميق بالألحان الأمازيغية التقليدية، ولكن من منظور مختلف. يمكن القول إن الروك، في بعض الأوقات، قد تأثر بما قدمناه حتى الآن، حيث أن الجمع بين نمطين موسيقيين كالروك وأحيدوس، يُعدّ بذاته نمطاً فريداً ومميزاً".
تتحدث مجموعة Meteor Airlines، اليوم، عن نمط موسيقي جديد هو الروك الأمازيغي: "نؤمن بأن هذا الوصف يعبّر عن هويتنا الموسيقية، إذ نجمع بين القوة والحماسة التي نجدها في الروك مع العمق وجمال الألحان الأمازيغية"، يقول أحمد متحدثاً إلى رصيف22.
اختارت المجموعة الروك الأمازيغي ليمثّل هويتها الموسيقية، كما اختارت البرنوس أو "أزنار" كما يُسمى بالأمازيغية ليمثل هويتها البصرية، فيظهر أعضاء الفرقة في حفلاتهم وفيديوهات أغانيهم المصوّرة، كما في لقاءاتهم الصحافية، مرتدين البرنوس، ويفسر أحمد هذا الاختيار بقوله: "البرنوس ليس فقط جزءاً من التراث الأمازيغي، ولكنه يمثل الدفء، والحماية والانتماء. في ثقافتنا، يتم ارتداء البرنوس عادةً من قبل القادة، لذا اختيارنا له يعكس القيادة المشتركة والروح الجماعية لأعضاء المجموعة، فهويتنا البصرية من خلال البرنوس تؤكد على جذورنا وتقديرنا لثقافتنا، وتعبّر عن الارتباط العميق بين الموسيقى التي نقدّمها والقيم التي نحتفظ بها".
"تاسوتا ن إمال"... موسيقى "إبودرارن"
بدأت مجموعة "تاسوتا ن إمال"، خطواتها الأولى في المشهد الفني الأمازيغي سنة 2008، وتكونت من عضوين فقط، ليلتحق باقي الأعضاء في كل من سنة 2010 و2014، بهما وقد بدأت الانطلاقة الفعلية للمجموعة التي أصدرت أغنية "أكال" (الأرض) وغيرها من الأغاني الأخرى مثل أغنية "إيزم" (الأسد) سنة 2016، التي أعطت للمجموعة شهرةً واسعةً.
تعني "تاسوتا ن إمال"، أجيال المستقبل باللغة الأمازيغية. تسمية تختزل الهدف من إنشاء هذه المجموعة الموسيقية، إذ يسعى الأعضاء الستة إلى خلق صلة وصل بين الأجيال التي مضت والأجيال اللاحقة. يقول إسماعيل، عضو المجموعة في حديثه إلى رصيف22: "الجيل الذي سبقنا ترك إرثاً ثقافياً كبيراً جداً، ففي منطقتنا مثلاً هناك الكثير من التقاليد مثل أحيدوس والكثير من الأشعار، لذلك فكرنا في الأخذ من هذا الإرث، والعمل كجيل جديد على تطوير الأغنية الأمازيغية لنترك لمسةً من هذا الإرث تتوارثها الأجيال القادمة".
تصنّف مجموعة "تاسوتا ن إمال"، الموسيقى التي تقدّمها في إطار ما تطلق عليه Anti Atlas Highlanders music أو أسلوب "إبودرارن"، أي سكان الجبل بالأمازيغية. يفسر إسماعيل هذا التصنيف بقوله: "أردنا أن نأخذ حياة سكان الجبل ونضعها في صورة موسيقية يرى من خلالها المتلقي العادات والتقاليد والمعاناة والأفراح التي يعيشها سكان الجبل".
ينتمي أعضاء المجموعة الستة إلى "بومالن دادس"، جنوب شرق المغرب، التي تشتهر بدورها بإيقاعات أحيدوس، وهي إيقاعات يقوم أعضاء المجموعة بمزجها في إيقاعات عالمية أثّرت في ذوقهم الموسيقي، كالبلوز والروك.
يقول إسماعيل إن الأسلوب الذي اعتمدته المجموعة تحضر فيه موسيقى كناوة وإيقاعات أحيدوس بالإضافة إلى إيقاعات أخرى مثل أحواش، ويضيف متحدثاً إلى رصيف22: "نضيف على الإيقاعات التقليدية آلات موسيقيةً عصريةً، ونضع لمستنا الخاصة في الغناء والتلحين، هذا المزج يعطي أسلوباً خاصاً بمجموعة 'تاسوتا ن إمال'، وهو ما نعدّه تطويراً للأغنية الأمازيغية وليس أن تستمر في الاشتغال بالطرائق التقليدية، فلا بد من التطوير لكي تصل الأغنية الأمازيغية إلى المتلقي المغربي والعالمي".
التغنّي بالقيم والهوية
يستلهم هؤلاء الفنانون الشباب موسيقاهم من الإيقاعات الأمازيغية، تماماً كما يستلهمون من الأشعار الأمازيغية التقليدية المواضيع التي يطرحونها، إذ يغلب عليها الطابع الاجتماعي، والتغني بالقيم والتشبث بالهوية الأمازيغية وبالأرض. يقول أحمد عضو مجموعة Meteor Airlines، إن أغانيهم تتطرق إلى القضايا والهموم المشتركة، حيث تركز على الطبيعة، الحب، التسامح والتعايش وتحديات الحياة اليومية، ويضيف: "الغناء بالأمازيغية يتيح لنا الفرصة أيضاً لنبرز القيم ومظاهر الثقافة الأمازيغية. من خلال ألحاننا وكلماتنا، نسعى إلى تعزيز الفهم والاعتزاز بتراثنا الثقافي الأمازيغي والحفاظ عليه للأجيال المقبلة".
يستلهم هؤلاء الفنانون الشباب موسيقاهم من الإيقاعات الأمازيغية، تماماً كما يستلهمون من الأشعار الأمازيغية التقليدية المواضيعَ التي يطرحونها، إذ يغلب عليها الطابع الاجتماعي، والتغني بالقيم والتشبث بالهوية الأمازيغية وبالأرض
أما "تاسوتا ن إمال"، فيقول إسماعيل إنها لا تحدد موضوعاً أو تيمةً معينةً، فجميع المواضيع قابلة للطرح، إذ تعتمد المجموعة إما على أشعار أحيدوس التقليدية أو أشعار من تأليفها تعبّر عن الواقع المعيش، ويؤكد إسماعيل حرص المجموعة على ألا تكون كلمات أغانيها خادشةً للحياء: "أغانينا يمكن الاستماع إليها بأريحية في جميع السياقات، إذ لا تحتوي على كلمات خادشة، ونحرص على ذلك لأننا لا نريد لأغنيتنا أن تكون محصورةً في فئة واحدة مثل الشباب، ونسعى إلى أن تستمع إلينا جميع الفئات"، يقول إسماعيل.
إعادة إحياء الأغاني القديمة بتوزيع جديد
يعمل الكثير من الفنانين الأمازيغ الشباب على تقديم أغانٍ أمازيغية تقليدية إلى الجيل الجديد من الجمهور، وذلك من خلال إعادة توزيعها بإيقاعات جديدة وتصويرها على طريقة الفيديو كليب بتقنيات حديثة. حبيب سلام واحد منهم، يعيد توزيع أغانٍ أمازيغية قديمة بأسلوبه الخاص القريب من ذائقة شباب الجيل الحالي.
يقول حبيب إنه تشبّع بالموسيقى الأمازيغية منذ طفولته، فقد كان والده موسيقياً هاوياً، وكان أخوه الأكبر يشتغل مع المجموعات الموسيقية المحلية، ويضيف أنه ينفتح على جميع الأصناف الموسيقية الأخرى، سواء كانت غربيةً أو عربيةً، بغرض خلق تركيبة فنية خاصة به تجذب الشباب للاستماع إلى الأغاني الأمازيغية.
وبرغم اللمسة الفنية الحديثة التي تظهر في أعمال حبيب سلام، إلا أنه يحافظ على اللمسة التقليدية للأغاني الأمازيغية، حيث يظهر تأثره الكبير بفن الروايس. يقول حبيب سلام في حديثه إلى رصيف22: "الفن الأمازيغي التقليدي هو أساس كل شيء، فكل ما نراه اليوم مبنيّ على الأسلوب التقليدي سواء من حيث تركيبة الجمل أو الألحان، فلا يمكن أن يكون هناك إبداع في الموسيقى الأمازيغية دون الاستعانة بما هو تقليدي وأصلي".
يرى حبيب سلام أن تجديد الأغنية الأمازيغية لا غنى عنه، إلا أنه يرفض أن يسمّي الإنتاجات الموسيقية التي تعتمد أسلوباً موسيقياً غربياً بحتاً، موسيقى أمازيغيةً فقط، لأن كلمات الأغنية أمازيغية. يقول حبيب متحدثاً إلى رصيف22: "تتميز الموسيقى الأمازيغية بألحانها الفريدة وطريقة سرد الأحداث وتركيب الجمل أو 'إسافن ن أومارك'، وهذا ما يجعلها مميزةً، لذلك لا بد من حضور بعض عناصرها، سواء من خلال استعمال الآلات الأمازيغية أو طريقة الأداء والألحان، لتظل روح الموسيقى الأمازيغية حاضرةً حتى وإن كانت الأغنية بأسلوب الجاز".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم