شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
من

من "بائعة هوى شابة" إلى شاعرة الأمازيغ "الأسطورة"… مريريدة نايت عتيق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء نحن والتنوّع

الخميس 7 ديسمبر 202311:40 ص

وجد المُستكشف الفرنسي روني أولوج (1900-1989)، ضالّته في نسخ "أناشيد" سيدة أمازيغية تُدعى مريريدة نايت عتيق، فجمعها في كتاب سمّاه "أغاني تساوت"، الذي يجنح فيه إلى "أسطرة" سيرة مريريدة.

وحدها الصدفة عبّدت الطريق أمام أولوج، لكي يلتقي بهذه المرأة "الاستثنائية" المسماة مريريدة نايت عتيق، في ماخور في قرية أزيلال وسط جبال الأطلس الكبير عام 1932، عندما حلّ معلماً في مراكش منذ 1920، وفتح مدرسة "أبناء الأعيان"، ثم أسّس عام 1926 مدرسة "الأهالي" في دمنات القريبة جداً من أزيلال.

اكتشاف "أغاني تساوت"

يقول المُستكشف الفرنسي، في مقدمة ديوان "أغاني تساوت" (les chants de tassaout): "خلال توقفي في أزيلال، تعرّفت إلى الشاعرة الشابة. (...) وأيّ مفاجأة! وأي اكتشاف! لقد ولّد لدي هذا الاكتشاف اهتماماً جدّياً، وبعد ذلك كانت لي فرصة لقاءات مُتكرّرة بمريريدة، إذ عملت على ترجمة قصائدها مع الحرص الدائم على احترام شفهية القول لتشالحيت".

من هي هذه الشاعرة "بائعة الهوى"؟

لكن من تكون مريريدة هذه التي "فتنت" المُعلّم/المُستكشف الفرنسي، وجعلته يتردّد عليها بشكل يومي؟

وجد المُستكشف الفرنسي روني أولوج (1900-1989)، ضالّته في نسخ "أناشيد" سيدة أمازيغية تُدعى "مريريدة نايت عتيق"، فجمعها في كتاب سمّاه "أغاني تساوت"، الذي يجنح فيه إلى "أسطرة" سيرة مريريدة 

بنظرة تبدو "استعلائيةً" نوعاً ما، يجيب أولوج في تقديمه للديوان الذي سماه "أغاني تساوت": "بائعة هوى شابة، في سوق أزيلال الذي تحيط به أسوار عالية (...). كانت لم تبلغ الثلاثين بعد".

يلفت المُستكشف الفرنسي، إلى أن "مريريدة لم تكن تصحو من نومها قبل الساعة الثالثة أو الرابعة بعد الزوال، ومثل الكاهنة سيديب، فقد كانت تعتقد أن النوم هو السعادة الكبرى"، لذلك كان عليه انتظار حلول الليل ليجدها جاهزةً للانقياد لغنائيتها المُلتهبة أو كآبتها المأتمية!

مريريدة نايت عتيق

وكانت مريريدة نايت عتيق، "في لحظات حبورها، وليس لإرضاء زائريها، تغنّي وهي تُمدّد المقاطع الختامية لأبياتها الشعرية، دون أن يعير أحد في سوق أزيلال أي اهتمام لموهبتها"؛ يضيف المُستكشف الذي نقل هذا الشعر الشفهي من الأمازيغية إلى الفرنسية.

لقاء أدبي في "ماخور مبتذل"

بهذا الشكل، أي في "ماخور مبتذل"، يزعم أولوج أن لقاءً أدبياً مهماً قد تمّ بينه وبين هذه المرأة الأمازيغية البسيطة، التي لم تزل ترتبط بوادي "تساوت"، العالم المعزول في سفوح جبال الأطلس الكبير.

يرى الأستاذ والباحث في سلك الدكتوراه في جامعة السلطان مولاي سليمان في بني ملال، رشيد أبلال، أن "أكثر من ذكره أولوج كميزة لشعر مريريدة، هو ذاك الرابط القوي الذي يربطها بالمكان وأهله، إذ تغنّت بكل الأماكن التي عاشت فيها وبحسرة وولع شديدين. كما أنها كانت تعشق تفاصيل حياة الناس في جبال تساوت، فلم تترك جانباً منها إلا نظمت عنه وتغنّت به".

ويضيف أبلال في حديثه إلى رصيف22 أن "من أهم ميزات شعرها أيضاً، ذاك الحزن الشديد والأسى المرير الذي تُظهره أشعارها، لأن أكبر أحلامها كان أن تعيش في كنف زوج يحبها وتحبه وتلد له أطفالاً تعطيهم كل حياتها".

تدوين شعر مريريدة

لقد سارع المُستكشف الفرنسي أولوج إلى تدوين هذه الأشعار المُغنّاة، إذ "نَسب أغلب القصائد إلى مريريدة، موضحاً أن بعضها من الموروث الشعبي الذي تتناقله الألسن أباً عن جد، مع حرصه على التأكيد على أن قصائد عدة هي من وحي خيال وإبداع مريريدة، خاصةً أنها تتحدث عن نفسها ومحيطها القريب وهمومها وأحلامها"، يسجل المتحدث نفسه.

ويبيّن الباحث أبلال، أنه بهذا الشكل "يمكن تقسيم ديوان أولوج المنسوب إلى مريريدة إلى ثلاثة أقسام؛ منه موروث شعبي، وآخر من نظم مريريدة، وأخير لأولوج نفسه عن مريريدة".

هوية مريريدة المخفيّة

يوحي هذا الحرص الشديد لهذا الفرنسي على نقل شعر مريريدة إلى الفرنسية، ليُقرأ هناك في عالم آخر بعيد عن الهامش "غير العالِم"، بطرح السؤال من جديد حول حقيقة وجود شخصية مريريدة؟

كتاب "أغاني تساوت"

لا ينكر أبلال في اتصاله برصيف22 "حقيقة شخصية مريدية، إذ هناك شواهد علمية موثقة لذلك، وقد وقفت شخصياً على صحتها، لكن السرّ الذي لم يُكشف أبداً وربما لن يكشف أبداً، هو هويتها الحقيقية؛ لأنها حرصت بشكل متقن جداً على إخفائها ولو عن صديقاتها المقربات".

آراء متضاربة بين ناكر ومفتخر

من جانبه، يؤكد الباحث في سلك الدكتوراه في كلية الآداب في بني ملال، المتخصص في قضايا التراث والتنمية، محمد زيدان، أن "الآراء تضاربت حول هذه المرأة التاريخية، ومن بين الأسئلة العالقة حول مريريدة نايت عتيق، هو نسبها وأصلها، إذ تنفي الرواية الأولى، وهي الأكثر شيوعاً بين الناس والباحثين، بشكل قاطع أن تكون مريريدة قد وُلدت وترعرعت في هذه القرية الصغيرة المسماة مكداز في الأطلس الكبير، لسبب يمكن إجماله في الصورة غير المُشرّفة التي ألصقها أولوج بالشاعرة، إذ عدّها من وجوه الدعارة في أزيلال زمن الحماية الفرنسية".

غير أنه يوجد وجه ثانٍ لمريريدة، "من خلال الافتخار بهذا الاسم النسائي الشعري الموهوب في وادي تساوت، الذي استطاع التسويق السياحي للمنطقة عبر صور وأشعار مريريدة، فأغلب السياح اليوم يزورون المنطقة ويؤمنون بأنهم سيجدون نماذج أخرى للشاعرة مريريدة نايت عتيق"، يردف زيدان في تصريحه لرصيف22.

يستطرد المتحدث ذاته، أنه وفي إطار بحثه الميداني "رُوي على لسان شاعرة محلية بأن مريريدة هي تحريف لكلمة 'مَغيغدَة'، وتعني ابنة الرّماد؛ والتي تعني المرأة الثائرة على قيم المجتمع الذكوري، وكانت يتيمة الأبوين، وذات جمال ساحر، احتضنتها أسرة من أسر تساوت".

يبيّن الباحث أبلال، أنه "يمكن تقسيم ديوان أولوج المنسوب إلى مريريدة إلى ثلاثة أقسام؛ منه موروث شعبي، وآخر من نظم مريريدة، وأخير لأولوج نفسه عن مريريدة"

حينها، "وأمام الأشغال الشاقّة التي كُلّفت بها، وبعد القمع والتسلط اللذين تعرضت لهما من طرف ربّة الأسرة التي احتضنتها وحرمانها من حنان الأبوين، انتفضت مريريدة عازمةً الرحيل إلى حيث لا تدري"، يؤكد الباحث في قضايا التراث والتنمية.

لا أثر لمريريدة ولا لشعرها في الأمازيغية

مريريدة اختفت فعلاً، إذ عاد أولوج بعيد الحرب العالمية الثانية 1945، للبحث عن صاحبة "أغاني تساوت"، ولم يجد لها أثراً، "فترك بعضاً من نسخ كتابه حول شعر مريريدة لدى ساكنة مكداز، المكان الذي كانت تدّعي أنها منه"، يشير محمد زيدان.

وكتب أولوج في مقدمة "أغاني تساوت"، أنه باختفاء مريريدة وابتعادها عن تساوت، والذي يعتقد أنه موطنها الأصلي، ستكون مثل الميّتة. لكن يبدو أن مريريدة ظلت حيةً بما تركته من تراث شعري شفهي، ما زال يردده أهل منطقتها في جوار تساوت وقرى الأطلس الكبير.

لهذا، "كل المعطيات الواردة تبين أن مريريدة الشاعرة هي لسان جماعي لمنطقة تساوت في زمنها، وقد اشتهرت أغانيها بشكل كبير وتجاوزت حدود الوطن لتصل إلى اهتمامات كبار الأدباء والسياح الأوروبيين"، يضيف زيدان الباحث في قضايا التراث والتنمية.

لكن "الإشكال المطروح والعالق والمثير للجدل، هو أنه إذا استطاع روني أولوج مؤلف كتاب تساوت، أن يحفظ لنا قصائد مريريدة باللغة الفرنسية عبر الترجمة، فإن أصلها الأمازيغي مازال في حاجة إلى البحث من أجل جمعها إن أمكن ذلك"، يستطرد المتحدث نفسه خاتماً حديثه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard