ملاحظة المحررة: جميع المقابلات والصور في المادة أخدت بموافقة وحضور الأهل
تنزح ألعاب الأطفال معهم في الحروب، ومثلما يحميهم أهلهم يحمونها، ويغطون أعينها من مشاهد الخوف والدمار، وآذانها من أصوات القصف.
تهرب مثلهم، ومثلهم يعلوها الغبار وقد تفقد قدماً أو يداً في الحرب، وأحياناً تنجو الألعاب مثل أصحابها الصغار، لكنها على العكس منهم لا تحمل أسوأ ما تتركه الحرب في الناجين، الذاكرة.
نور... "نفسي بشيبس"
"إسمي نور محمود، عمري 6 سنين، مشتاقة كتير أرجع لبيتي وغرفتي وأنام على سريري، وألبس أواعيي، طول الوقت بردانة هون".
أجبرت الحرب الإسرائيلية عائلة نور على ترك منزلهم في حي النصر غرب مدينة غزة، والنزوح إلى منزل أحد أقاربهم في مخيم النصيرات هرباً من الموت.
كالملايين غيرهم، منعت الحرب عائلة نور من ممارسة يومياتهم بشكل طبيعي كما السابق، كانت والدتها توقظها للمدرسة صباحاً، وحين تعود إلى المنزل تنهمك بكتابة واجباتها وتناول طعامها المفضل الذي يترأسه طبق البطاطا، قبل أن تخرج للعب قليلاً في الحارة مع جاراتها الطفلات. هكذا تصف نور يومها الذي كان.
تنزح ألعاب الأطفال معهم في الحروب، ومثلما يحميهم أهلهم يحمونها هم، ويغطون أعينها من مشاهد الخوف والدمار، وآذانها من أصوات القصف
تقول نور وهي تلعب مع دميتها التي اصطحبتها معها أثناء النزوح: "بعرفش أنام هون، بخاف من الليل كتير، بضلني متخبيّة تحت البطانيّة وبحط إيدي على ذاني عشان القصف، وكتير بفرح أول ما يطلع النهار وبشوف الضو، كمان صار عندي صاحبات جداد... بس بحب صاحباتي بالحارة كثير، الحرب هي اللي بعدتني عنهن، وكمان مشتاقة لألعابي".
تضيف: "بطلت أشتري شيبس وحلو عشان مافيش بالمحلات، خلصوا.. ونفسي بشيبس، بس بابا وعدني يشتريلي أول ما تخلص الحرب".
أطفالنا
بين ويلات القصف الإسرائيلي والنزوح والدمار والحرمان من أساسيات الحياة، يعيش أطفال قطاع غزة يوميات قاسية، باحثين عن أمل جديد وفق فهمهم البسيط للحياة، في الوقت الذي يفترض أن يعيشوا نعومة أظافرهم في حياة هادئة وآمنة كما كل الصغار.
لكن، على النقيض تماماً، ففي الوقت الذي يفيق أطفال العالم ضمن روتين يومي معتاد، ويستيقظون في أسرتهم، ويذهبون لمدارسهم، ويلعبون مع أقرانهم، لا تكاد تمر لحظات على أطفال غزة إلا ويسقط منهم طفل أو يصاب بجراح.
نور: "بطلت أشتري شيبس وحلو عشان مافيش بالمحلات، خلصوا.. ونفسي بشيبس، بس بابا وعدني يشتريلي أول ما تخلص الحرب".
لا تنحصر أبعاد ما يتعرض له أطفال غزة من تداعيات تطال حياتهم النفسية والجسدية وقت الحرب فقط، بل تمتد إلى ما بعد انتهاء الحرب وما تعرضوا له من صدمات ستبقى آثارها على المدى البعيد.
سابقاً، أجريت دراسة سابقة بعد نهاية العدوان الإسرائيلي الذي استمر لمدة 8 أيام في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، بهدف قياس الآثار طويلة الأجل للعدوان على الأطفال، خلص الباحثون بعد إجراء مقابلات مع الأطفال إلى أن ما يقارب 30% منهم ممن تعرض لمستويات عالية من صدمات الحرب قد أظهروا أعراضاً واضحة لاضطراب كرب ما بعد الصدمة، مع زيادة في احتمالية ظهور أعراض أخرى مصاحبة له مثل زيادة الانفعالات العاطفية وارتفاع في العصابية (Neuroticism) التي تُعرف على أنها سمة من سمات الشخصية الخمس حسب نموذج "العوامل الخمس الكبرى للشخصية" (The Big Five).
إذ يُظهر الأشخاص الذين يسجلون نسبة عالية في هذه السمة أعراضاً انفعالية بشكل أعلى من غيرهم، كما يميلون للاستجابة بسلبية عالية للصدمات وضغوط الحياة بمختلف أشكالها.
وعلى الرغم مما يتعرض له أطفال غزة من مأساة تكرار الحروب، فإنهم متشبثون بالحياة، فالناظر لعيونهم يرى فيها ذكريات جميلة عاشوها قبل الحرب، وأحلاماً وأمنيات يريدون أن يكبروا لتحقيقها، لكن الأهم بالنسبة لهم أن ينتهي كابوس الحرب التي سرقت منهم طفولتهم.
غنى... "كسرولي برايتي"
داخل غرفتها الصغيرة التي انقطع عنها التيار الكهربائي منذ بداية الحرب، وجدت الطفلة غنى مؤنس ذات الأربعة أعوام أخيراً مساحة خاصة لحظة غياب سقوط الصواريخ لبضع دقائق، فابتعدت قليلاً عن حضن والدتها التي ترتمي فيه خوفاً من القصف، وبدأت بنبش حقيبتها الخاصة بالروضة، بعد أن نسيتها لأكثر من شهرين منذ بداية الحرب.
"كسرولي ياها" تقول وهي تخرج المبراة من مقلمتها.
أخذت غنى أقلامها وكراستها لتراجع بعض دروسها السابقة، التي درستها إيّاها معلمتها المحببة لقلبها "سيرين"، ورسمت أحلامها على كراسة الرسم، لأنها أصغر من أن تجيد الكتابة بعد، لكنها بالتأكيد تجيد الأمنيات.
"يا رب تخلص الحرب. وأرجع أروح الروضة وأكتب على اللوح، علشان ألعب مع صاحباتي وأشوف معلمتي". تقول غنى بصوت طفولي هادىء بالكاد يتقن الحروف، وبكلماتها البسيطة تتمنى أن تنتهي الحرب كما تفهمها إذ منعتها من ممارسة تفاصيل يومها البسيطة، وعرفتها في عمر صغير على الرعب والبكاء من شدة القصف.
في لحظات القصف تحتمي الصغيرة في حضن أبويها، وأحياناً تركض لغرفتها مسرعة وتنام كي لا تسمع أصوات الصواريخ.
تحاول والدة غنى التحايل عليها لتلهيها عن التفكير بالحرب، فتردد معها أغنيات الروضة، أو تلعبان بتفكيك لعبة الألغاز، وأحياناً بتعليمها نطق حروف اللغة الإنكليزية وكتابتها وتهجئتها.
عمر... بدي أحضر كرتون
أكمل عمر نصار بالكاد عامه السادس، وهو يعرف ما هي الحرب جيداً، بعد أن فقد بعض أصحابه ممن كان يشاركهم لعبة كرة القدم.
يتمنى عمر العودة لحياته السابقة ولعب كرة القدم ومشاهدة أفلام الكرتون. وعما يريده يبسط مفهوم السلام يقول: "ما ينقصف بيتي وأضل عايش أنا وأهلي".
"يا رب تخلص الحرب. وأرجع أروح الروضة وأكتب على اللوح، علشان ألعب مع صاحباتي وأشوف معلمتي" تقول غنى التي أكملت عامها الرابع بصوت طفولي بالكاد يتقن مخارج الحروف
وفقاً لإحصائية صادرة عن منظمة اليونيسيف، صنف قطاع غزة على أنه الأخطر في للعالم بالنسبة للأطفال، وأشارت الإحصائية إلى أن قرابة المليون طفل نزحوا قسراً مع عائلاتهم من منازلهم، إلى مناطق الجنوب المكتظة بالسكان مما يقلل فرص حصولهم على الخدمات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه