شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أطفال من فلسطين يشاهدون الأخبار بدلاً من أفلام الكارتون... كيف فسّرنا لهم الحرب؟

أطفال من فلسطين يشاهدون الأخبار بدلاً من أفلام الكارتون... كيف فسّرنا لهم الحرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والطفولة

الأربعاء 22 نوفمبر 202301:54 م

لا يكبر الأطفال في فلسطين كبقية أطفال العالم، ذلك أن الظروف المعيشية اليومية في فلسطين قبل الحرب وأثناءها وبعدها لا تشبه الظروف التي يختبرها الأطفال في البلاد الأخرى التي لا تعرف الاحتلال، هذا يفسر إلى حد ما معرفتهم في سن صغيرة للغاية بمفردة قاسية مثل "الحرب".

يجرب الصغار في العالم اليوم ألعاباً جديدة إلكترونية وعادية ومتخيّلة مثل ألعاب الـ"VR"، ويخوضون جدالات مع أهاليهم حول الساعات المحددة لاستخدام الـ"آيباد"، ولا تسعهم ساعات اليوم لتفريغ طاقة أجسادهم الرقيقة المفعمة بالفرح، كما أن حالتهم النفسيّة تأخذ حيزها الكامل في الاهتمام من قبل الأهل والمجتمع، لكن طفولة أولادنا هنا انتُزعت بالقوة وعن سبق إصرار، بل يمعن الإعلام في أسطرتها وشطب خصائصها الطبيعية كمرحلة تؤسس لبناء فرد سليم نفسياً وفاعل في المجتمع.

أين نخفي الحقيقة أو نخفيهم؟

لا تختلف أسئلة الأطفال البريئة عن أسئلتنا ككبار لأنفسنا في فلسطين، لكنهم يضعونها في وجوهنا لنفكر في الأجوبة البديهية مرة أخرى: "مين هم الإسرائيليين؟" "ليش بقتلوا الصغار في غزة" "ليش الأولاد نايمين عالأرض في المستشفى؟" "مين كسّر بيت هاي البنت؟" "شو يعني شهداء؟" "مين هم المقاومة؟" "هاي البنت خايفة على إمها؟"

يعلق الصحافي والإعلامي موفق عميرة لرصيف22: "بعض الأمور لا يمكننا أن نخفيها عن أطفالنا، فهم يختبرونها بأنفسهم أصلاً، فالأطفال متضررين مما يحدث، فإذا لم يشاهدوا الدم الغزيّ وهو يسيل على وجوه الأطفال والرجال والنساء في التلفاز، سيسمعون عنه في المدرسة وفي رياض الأطفال وعند الأقارب والأصدقاء، وهذا بحد ذاته أذى كبير لنفسياتهم ولأفكارهم عن العالم، إن أطفالنا جزء لا يتجزأ من الحرب، ويتعرضون للعنف من قبل الاحتلال الإسرائيلي". 

يسألنا الأطفال: "مين هم الإسرائيليين؟" "ليش بقتلوا الصغار في غزة" "ليش الأولاد نايمين عالأرض في المستشفى؟" "مين كسّر بيت هاي البنت؟" "شو يعني شهداء؟" "مين هم المقاومة؟" "هاي البنت خايفة على إمها؟" 

ويضيف: "على سبيل المثال عندما نخرج من المنزل نشاهد جنود الاحتلال يتمركزون على مدخل بلدتنا (نعلين) ويعيقون حركة المواطنين، في كل مرة تكرر ابنتي الصغيرة سؤالها: لماذا يغلق الجنود القرية؟ فأجيبها بأنهم يريدون منعنا من التحرك، فيكبر فجأة السؤال ذاته ليصبح لماذا يعيقون حركتنا؟ فأجيب: بسبب الحرب على غزة، فتتساءل لماذا الحرب على غزة؟ وهكذا إلى أن تتوقف عن الأسئلة".

أجيبهم... لأربي أطفالاً أقوياء

في المقابل، هناك آباء وأمهات يفضلون تقديم إجابات مقتضبة حفاظاً على نفسيات الأطفال من الخوف، وكيلا يتزعزع شعورهم بالأمان في بيوتهم، والبعض الآخر يرى أن أطفاله ليسوا أفضل من أطفال غزة؛ وأن الكل الفلسطيني مهدد اليوم من قبل إسرائيل.

محمد سباعنة: "في الحرب الأخيرة كنت ذاهباً إلى تشييع صديقي الشهيد في جنين، وحين سألني طفلي عن سبب ذهابي قلت له بأن إسرائيل قتلت صديقي". 

يقول رسام الكاركتير الفلسطيني محمد سباعنة لرصيف22: "أختلف مع زوجتي حول نوعية المعلومات التي يجب علينا الحديث فيها مع أطفالنا، ففي الحرب الأخيرة كنت ذاهباً إلى تشييع صديقي الشهيد في جنين، وحين سألني طفلي عن سبب ذهابي قلت له بأن إسرائيل قتلت صديقي، ووسط ذهول الطفل من إجابتي اعترضت زوجتي فذكّرتها بأن صديقي الشهيد لديه أطفال في نفس عمر أطفالنا وما يحدث معهم ليس بعيداً عنا، ثم إنني أرغب فعلاً بأن أربي أطفالاً بنفسيَات قوية خاصة أننا نعيش هنا في فلسطين، أي في قلب المعركة".

التلفزيون يقول كل شيء

تعجز اللغة عن وصف المشاهد التي تعرض من غزّة، فالأطفال اليوم قد تعرفوا إلى مجموعة مفردات جديدة منها أشلاء، ردم، أنقاض، غارة، حزام ناري، نزوح، أكفان وربما المفردة الأخيرة هي الأكثر صعوبة على من لم يغمّس يديه في الحياة بعد، وعلى من بدأوا لتوّهم يتعلموا كيف يحلموا وكيف ينتظروا يوم غد.

يقول محمود صبيحات رئيس وحدة التخطيط في مجلس القضاء الأعلى في رام الله: "تتابع ابنتي مشاهد الأكفان بترقّب واضح، هي تعلم أنهم ميتون، لكنني لسبب ما حاولت أن أقنعها أن هذا القماش الأبيض الملطخ بالأحمر هو مكان توضع فيه ملابس الأطفال والكبار ممن يتعالجوا في المستشفى لتذهب لمكان تُغسل فيه وتنظّف من الدماء وتعود إلى أًصحابها، هكذا حاولت أن أزيح خوفها من هذا المشهد الصعب للغاية".

للخوف حصة الأسد في قلوب الأطفال، وقد يلتقط الآباء خوف أطفالهم قبل أن يعبّروا عنه، يضيف عميرة:"تخاف ابنتي أن تخرج إلى شرفة المنزل في المساء، وتخاف كثيراً من الجنود، وقد لمست كيف ينعكس هذا الخوف على سلوكياتها مع الجميع، لكنني أحاول أن أوصل إلى قلبها بعض الطمأنينة علّها تشعر بالاستقرار، وفي نفس الوقت أشجعها لتكون لديها شخصية قوية وجريئة تدرك ما يحصل ولكن بطريقة سلسة".

كبروا قبل أوانهم

بعض الأطفال كبروا مؤخراً لدرجة أن أسئلتهم قلّت، وكأنهم أدركوا ما يحدث أو يحاولون تجنيب أهلهم عبء الإجابات، يضيف صبيحات:"في البداية كان خوف أطفالي واضحاً مما يحدث، وفي الحقيقة كلنا كنا مرتبكين ونترقّب سير الحرب والخطابات والتحليلات العسكرية وغيرها، لقد طرحوا الكثير من الأسئلة في الأيام الأولى. بعد ما صارت الإجابات مكررة وشبه معروفة لديهم، وبعد اعتيادهم على الأخبار العاجلة والمناظر التي تفطر القلب، صاروا أكثر استقراراً وأقل تساؤلاً. إلا أنني حين أدقق في نظراتهم للشهداء والجرحى وتحديداً للأطفال الذين في سنّهم أوقن بأنهم قد فهموا... وهذا أقسى ما في الأمر، كان الله بعون غزة وفلسطين". 

موفق عميرة: "تخاف ابنتي أن تخرج إلى شرفة المنزل في المساء، وتخاف كثيراً من الجنود، وقد لمست كيف ينعكس هذا الخوف على سلوكياتها مع الجميع، لكنني أحاول أن أوصل إلى قلبها بعض الطمأنينة علّها تشعر بالاستقرار"

في اللحظة التي نفقد فيها كأهل بوصلتنا وتتهافت صور الطفولة المسروقة إلى خيالاتنا بوسعنا أن نحلّم بأن هذا كله سيذهب، كل الألم والفقدان والحرمان والآهات ستندثر لا أسف عليها وسيعود اللعب فقط والمشاغبة بأشد صورها لتكون تعريفاً لأطفالنا في فلسطين، الحرية والحياة والأمان والاستقرار لأطفال فلسطين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard