لمن يسأل عن بداية قصة معبر رفح، فإن طاولة المفاوضات في واشنطن بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن كانت موقع انطلاق قصة هذا المعبر، وذلك إبّان توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في 26 آذار/ مارس عام 1979.
وفق بنود المعاهدة، وبالتحديد المادة الثانية الخاصة بتحديد الخطوط النهائية والمناطق بين الجانبين المصري والإسرائيلي، قُسِّمت شبه جزيرة سيناء إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج) وضُمَّت مدينة رفح إلى المنطقة (ج). بحسب الاتفاقية، انقسمت مدينة رفح إلى مدينتين، الأولى رفح المصرية والثانية رفح الفلسطينية.
وقّع السادات الاتفاقية لكنه لم يشهد تنفيذ آخر بنودها نتيجة اغتياله في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1981 على أيدي عناصر الجماعة الإسلامية في مصر جراء تكفيره بسبب توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل. وفي عام 1882، انسحبت القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء عملاً ببنود معاهدة السلام. وفي نفس العام تأسّس معبر رفح تحت إدارة هيئة المطارات الإسرائيلية من الجانب الفلسطيني، وكان هذا الوضع يحتم على المواطن الفلسطيني التزود بتصريح الخروج من قطاع غزة من السلطات الإسرائيلية، وهذا الأمر كان يرفضه العديد من الفلسطينيين.
تناوب السيطرة على الجانب الفلسطيني
وفي عام 1994، وقِعَت اتفاقية القاهرة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. لكنها كانت بمثابة فصل جديد من فصول الإحباط في رواية معبر رفح. فوفقاً لهذه الاتفاقية، احتفظت إسرائيل بالمسؤولية الأمنية المطلقة على معبر رفح ومنعت الفلسطينيين غير المسجلة أسماؤهم في سجل السكان المعتمد لدى إسرائيل من مغادرة غزة. كما بات من حق إسرائيل التحقيق مع الفلسطيني المسافر أو القبض عليه. الفائدة الوحيدة التي منحتها الاتفاقية للجانب الفلسطيني تمثلت في وجود رجال أمن فلسطينيين إلى جانب الإسرائيليين في إدارة المعبر.
تأسس بموجب معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وتناوبت عدة جهات على إدارته... من الذي بمتلك السيطرة على معبر رفح؟ وكيف تمنع إسرائيل عبور المساعدات الإنسانية إلى غزّة من خلاله؟
الحرب هي أساس العلاقة بين أبناء الوطن والمحتل وما عدا ذلك هدنة يعد فيها كل طرف ذاته للانقضاض على الآخر. وفي 28 أيلول/ سبتمبر 2000، اقتحم آرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، ساحات المسجد الأقصى ما أدى إلى اندلاع المواجهات ومقتل سبعة فلسطينيين. كانت هذه شرارة انطلاق انتفاضة فلسطين الثانية التي راح فيها 4412 فلسطينياً وكان من أبرز أحداثها مشهد اغتيال الطفل محمد الدرة في أحضان والده. ظلت الانتفاضة مستمرة حتى عام 2005 حيث انتهت بعقد هدنة بين الطرفين في مدينة شرم الشيخ المصرية.
كان لسنوات الانتفاضة الثانية تأثيراً كبيراً على معبر رفح وهذا ما تظهره الإحصائيات. في عام 1999، وهو العام السابق للانتفاضة، بلغ عدد المسافرين عبر معبر رفح 1100 مسافر في اليوم الواحد في كلا الاتجاهين، وظل العدد يتناقص خلال سنوات الانتفاضة حتى وصل إلى 540 مسافراً في اليوم الواحد في عام 2004، بانخفاض يعادل 54%، وكانت أطول فترة إغلاق شهدها معبر رفح آنذاك بين كانون الأول/ ديسمبر 2004 حتى كانون الثاني/ يناير 2005 إذ بقي 40 يوماً مغلقاً من جهة الدخول و52 يوماً من جهة الخروج عقب مقتل خمسة إسرائيليين في عملية تفجير نفذها فلسطينيون في نفق حفروه تحت موقع حراسة إسرائيلي في المعبر.
انتهت الانتفاضة الثانية ولم ينتهِ التضييق على معبر رفح. ففي أيلول/ سبتمبر عام 2005، أغلقت مصر وإسرائيل المعبر تمهيداً لتشغيله وفقاً لآلية جديدة وظل بعدها مغلقاً إغلاقاً كاملاً لمدة شهرين. وفي 15 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2005، وقعت اتفاقية المعابر بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بوساطة ثلاثية من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومصر.
أثبتت هذه الاتفاقية أن القوة هي التي تحكم العلاقات والمصائر بين الأطراف الدولية وليست الاتفاقيات الموثقة على الورق إذ انتقلت السيطرة على معبر رفح من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية، بموجب هذه الاتفاقية، تحت إشراف الاتحاد الأوروبي. لكن عملياً، ظلت إسرائيل متحكمةً في المعبر وهو ما تأكد حين قامت بإغلاقه بعد أحداث عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023.
كذلك توجد بعض البنود في اتفاقية المعابر تسمح لإسرائيل بالتحكم في هذا الأمر، مثل السماح بالعبور فقط لمن يحمل الهوية الفلسطينية وسجل السكان الفلسطينيين الذي تتحكم فيه إسرائيل، وهذا يعني أن المواطن الفلسطيني الذي ترفض إسرائيل تسجيل اسمه في سجل السكان لا يحق له مغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح وكذلك تستطيع منع الأجانب الذين لهم أقارب في غزة أو سبقت لهم الإقامة في غزة من استعمال المعبر إلا بعد الموافقة الإسرائيلية.
بداية الأزمة الكبرى والحصار
رغم التضييق، عبر 444 ألف شخص من معبر رفح بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 وحزيران/ يونيو 2007. ومن أجل فهم ما حدث في حزيران/ يونيو 2007، يمكن العودة إلى الوراء قليلاً، ففي كانون الثاني/ يناير 2006، حين فازت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وحصدت أغلبية المقاعد البرلمانية، اندلع الخلاف بين حركة حماس وحركة فتح وبقية الفصائل الفلسطينية بسبب رفض الفصائل المشاركة في حكومة يترأسها إسماعيل هنية ممثل حركة حماس، واشتد الخلاف بين الطرفين رغم محاولة الوساطة الرفيعة بما في ذلك من قبل العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في شباط/ فبراير 2007.
الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وحكم حماس، وحكم جماعة الإخوان في مصر، ومن ثمّ حكم السيسي وجائحة كورونا... تعددت العوامل الداخلية والإقليمية والعالمية التي أثّرت على حركة التنقل خلال معبر رفح، والنتيجة دائماً التضييق على الفلسطينيين ومحاصرتهم
وفي حزيران/ يونيو 2007، نشبت اشتباكات مسلحة بين الطرفين انتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة بشكل كامل ما ترتب عليه غلق معبر رفح. وفي نهاية تموز/ يوليو 2007، عادت حركة العبور وفُتِحَ المعبر أمام 100 فلسطيني من أصل ستة آلاف كانوا عالقين في مصر.
محاولات لكسر الحصار الإسرائيلي
اشتد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ سيطرة حركة حماس عليه وفي 27 كانون الثاني/ يناير 2008، هاجم فلسطينيون معبر رفح واعتصموا أمامه وفي نفس اليوم تم تفجير جزء من جدار المعبر. ووفقاً لمقابلة تلفزيونية أجراها المذيع المصري أحمد موسي مع وزير الخارجية المصري إبان هذه الحادثة، أحمد أبو الغيط، ورد أن قرابة 300 ألف فلسطينىاً عبروا من غزة إلى مصر لشراء احتياجاتهم من الغذاء والدواء ما أغضب الرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك.
وعام 2010، تضامنت مجموعة من النشطاء الأتراك ونشطاء أوروبيين من أجل كسر حصار غزة وتحركوا نحوها في أسطول مكون من ست سفن، أطلق عليه (أسطول الحرية). هاجمت إسرائيل الأسطول، ما أدى إلى مقتل عدد من النشطاء. حينها، قرر مبارك غلق المعبر بسبب هذه الأحداث.
يمكن القول إن أمل المواطن الفلسطيني في عبور معبر رفح مثل ريشة في الهواء تعصف بها إسرائيل تارة، والصراعات بين الفصائل الفلسطينية تارة أخرى، وتصيب شرارة الأحداث الخارجية في الدول المجاورة ما تبقى من هذا الأمل.
في 25 كانون الثاني/ يناير 2011، اندلعت الثورة في مصر ضد نظام مبارك، وعند احتدام المواجهة بين الثوار وقوات الشرطة في جمعة الغضب في 28 كانون الثاني/ يناير 2011، أُغلِق معبر رفح وظل مغلقاً بقرار من الحكومة المصرية بسبب توالي الأحداث خاصة تفجير خط الغاز بين مصر وإسرائيل. فتح المعبر لاحقاً للحالات الإنسانية فقط اعتباراً من 22 شباط/ فبراير من العام 2011 بقرار من الحكومة المصرية المؤقتة آنذاك برئاسة عصام شرف.
وفي هذه الفترة وبالتحديد في أيار/ مايو 2011، كان لدى إسرائيل تخوّف من تأثر الحركة عبر معبر رفح بالمد الثوري الجاري في مصر، وهو ما اتضح في تصريح نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سِلفان شالوم آنذاك حيث قال إن "إسرائيل منزعجة من عزم مصر فتح المعبر بشكل دائم أمام سكان غزة. تطور الأحداث في ما يخص فتح المعبر تطور مقلق وقد يسمح بعبور الأسلحة والإرهابيين". أعقب هذا التخوف تصريح وزير الخارجية المصري آنذاك، نبيل العربي، بأن مصر تنوي فتح المعبر، منهياً ما وصفه بأنه "تعاون مشين" في إبقاء المعبر مغلقاً.
وقد أصبحت مخاوف إسرائيل من الفتح الدائم لمعبر رفح واقعاً عند تولي محمد مرسي، ممثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، منصب رئيس الجمهورية في حزيران/ يونيو 2012؛ إذ فُتِحَ المعبر 301 يوماً من أصل عام كامل تولي فيه مرسي حكم مصر قبل عزله في 30 حزيران/ يونيو عام 2013. وذلك رغم الأحداث المتلاحقة في عهد مرسي وأهمها مقتل 16 جندياً وضابطاً من الجيش المصري في مذبحة رفح الأولى، ثم خطف سبعة جنود مصريين واحتجاج الجنود المصريين بغلق معبر رفح.
بعد ذلك، عُزِلَ مرسي من حكم مصر بعد أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013، وأُسند حكم البلاد إلى المستشار عدلي منصور من 3 تموز/ يوليو 2013 حتى 7 حزيران/ يونيو 2014. وفي هذه الفترة، تلاحقت الأحداث التي أثرت على معبر رفح وأهمها مجزرة رفح الثانية التى راح ضحيتها 25 جندياً مصرياً. ظهر هذا التأثير على أعداد المسافرين المغادرين عبر المعبر فى النصف الأول من عام 2013 مقارنةً بالنصف الثاني من نفس العام، أي بعد عزل مرسي.
بلغ عدد المسافرين في النصف الأول 123 ألف و459 مسافراً مقابل 28 ألف و819 في النصف الثاني. كما بلغ عدد القادمين في النصف الأول 128 ألفاً و459 وفي النصف الثاني 31 ألفاً و455.
غلق مطول في عهد السيسي
في 3 حزيران/ يونيو 2014، تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم مصر. وأثر هذا الحدث كثيراً على معبر رفح نتيجة العداء بين السيسي وحركة حماس، وكذلك بفعل كثرة "العمليات الإرهابية" ضد الجيش المصري ات سيّما في منطقة شبه جزيرة سيناء، ما جعل مصر تحتل المرتبة السادسة عربياً والحادية عشر عالمياً على المؤشر العالمي للإرهاب في عام 2017.
في مواجهة ذلك، تم غلق معبر رفح في أيام كثيرة وهذا يتضح من عدد أيام فتح المعبر. خلال عام 2017، فُتح المعبر 29 يوماً فقط وأُغلق 269 يوماً. وفي عام 2016، فتح المعبر 41 يوماً وأُغلق 324 يوماً.
بسبب كثرة "العمليات الإرهابية" ضد الجيش المصري، انتهج نظام الرئيس السيسي سياسة التضييق والغلق المطوّل لمعبر رفح. خلال عام 2017، فُتح المعبر 29 يوماً فقط وأُغلق 269 يوماً. وفي عام 2016، فتح المعبر 41 يوماً وأُغلق 324 يوماً
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، سلّمت حركة حماس مسؤولية إدارة معبر رفح للسلطة الفلسطينية، ما انعكس على حركة المرور من خلال المعبر في السنوات التالية. على سبيل المثال، فتح معبر رفح 134 يوماً في عام 2019 منذ بدايته حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، وذلك رغم المناكفات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس في نفس العام إذ سحبت السلطة الفلسطينية موظفيها من معبر رفح في 7 كانون الثاني/ يناير 2019، ونشرت بياناً أرجعت فيه سبب انسحاب موظفي السلطة الفلسطينية من المعبر رفح إلى القناعة بعدم جدوى وجودهم في المعبر بسبب عرقلة حماس أدائهم لمهامهم في إدارة المعبر.
في العام التالي، 2020، تحدث جائحة فيروس كورونا واضعةً قيودها على حركة السفر بين جميع الدول وبعضها البعض وليس فقط على حركة المرور بين مصر وغزة فقط. وفي عام 2021 تفتح الحكومة المصرية المعبر أمام المساعدات بعد إطلاقها مبادرة إعمار غزة بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وكذلك يستمر حال معبر رفح متأرجحاً بين فتح وإغلاق عاصفاً بآمال أهل غزة ثم تأتي أحداث طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وتفرض إسرائيل إغلاقاً طويلاً للمعبر وتهدد بضرب المساعدات التى قد تمر بدون إذنها عبره.
ليس ذلك فقط بل قامت مراراً وتكراراً بضرب المعبر من الجانب الفلسطيني خلال حربها على غزة. ولم يُسمح إلا بمرور القليل من شاحنات المساعدات مقارنةً بحاجة القطاع المدمر، وذلك اعتباراً من يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر أي بعد مرور نحو أسبوعين على بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...