"نفسي أروح. ده وقت وجودنا هناك، أنا واللي زيي من اللي بيشتغلوا مع الأطفال أو في الطب النفسي"، بتلك العبارات اختتم المخرج المسرحي محمد عبد الفتاح، المؤلف وقاصّ حكايات الأطفال ومدرب الحكي، حديثه بعد استعراضه ما يتمنى عمله إذا تحقق حلمه بدخول غزة، لدعم أهل القطاع المنكوبين.
عبد الفتاح، فنان الحكي وأحد رواد المسرح المستقل في مصر، لا ينفرد بهذا الموقف الإنساني، إذ يصطف معه آلاف المصريين والعرب والأجانب الذين بادروا للتسجيل للمشاركة في قافلة "ضمير العالم"، التي كان مُقرراً أن تنطلق من القاهرة إلى غزة صباح غد الجمعة. إلا أنها باتت "مؤجلة إلى أجل غير مسمى" بعد تعذر الحصول على التصاريح اللازمة التي تطلبها السلطات المصرية للوصول إلى معبر رفح الحدودي ومن ثم العبور إلى قطاع غزة المُحاصر. لكن آمال الساعين للمشاركة فيها تجددت مع الإعلان عن اتفاق سريان هدنة إنسانية مؤقتة لمدة أربعة أيام بين حكومة وجيش إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بقيادة حركة حماس.
قافلة "ضمير العالم" التي دعا إليها الكاتب ونقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لقيت دعماً كبيراً وفقاً لما ذكرته لرصيف22 الصحافية رشا عزب، إحدى المتطوعات في التنسيق لها.
خرج من نقابة الصحافيين في السابع من الشهر الجاري نداء إلى "كل قوى الحرية والإنسانية، للعمل على كسر حصار غزة ووقف العدوان"، لتلقى الدعوة استجابة فورية من كثيرين في مصر والعالم، رغم ما أقدمت عليه السلطات المصرية من إلقاء القبض على متضامنين مع الفلسطينيين خلال تظاهرات التضامن مع غزة
نداء إلى "ضمير العالم"
منذ اليوم الأول للعداون على قطاع غزة المُحاصر، حضرت في مصر إدانات الاحتلال الإسرائيلي ومساعي المؤازرة لغزة، فدعت جهات عدة من بينها نقابتا المهندسين والصحافيين لعدد من الوقفات الاحتجاجية على الرغم من حظر التجمعات الاحتجاجية والتضامنية بموجب "قانون تنظيم التظاهر" المصري، ثم أعلنت "نقابة الصحفيين المصريين" عن إجراءات داعمة بينها تنسيق جهود الإغاثة بين النقابات المهنية وتنظيم التبرعات المنتظمة من أعضائها لأجل توفير احتياجات قطاع غزة ورفع العلم الفلسطيني إلى جوار المصري على واجهة النقابة. وأعلنت بعدها التنسيق مع نقابة الصحافيين الفلسطينية ونقابة المحامين المصريين عن بدء العمل "لتجهيز ملف قانوني لمقاضاة مجرمي الحرب".
بعد العديد من الفعاليات التضامنية، خرج من نقابة الصحافيين في السابع من الشهر الجاري- وتزامناً مع مرور "شهر على طوفان الأقصى"- نداء إلى "كل قوى الحرية والإنسانية، للعمل على كسر حصار غزة ووقف العدوان"، لتلقى الدعوة استجابة فورية من كثيرين في مصر والعالم، رغم ما أقدمت عليه السلطات المصرية من إلقاء القبض على متضامنين مع الفلسطينيين وضد العدوان الإسرائيلي خلال تظاهرات التضامن مع غزة وتفويض الرئيس المصري التي دعت إليها شخصيات واحزاب مقربة من الأجهزة الأمنية في مصر، وإدراجهم في قضايا قد تقود إلى حبسهم مدداً مطولة.
رشا عزب: "المشاركين كتير جداً، تقريباً ألف مصري ومن مختلف أنحاء العالم. وده رقم ضخم جداً، لأن ده يعني حوالي 20 أتوبيس. ولو حتى نصفهم فقط انضم؛ سيكون 10 أتوبيسات. وبناءً على ما ستسفر عنه الأيام المقبلة من مستجدّات؛ سنرتّب بتحديد أوجه المساهمات وقوائمها
الاستجابة كانت بالتفكير في إطلاق قافلة هدفها ليس فقط تقديم الإغاثة، بل "كسر الحصار" بتحقيق أهداف توضّحها استمارة إبداء الرغبة في المشاركة، وهي "وقف الحرب، والضغط بكل الأشكال السلمية الممكنة لفتح معبر رفح لدخول كافة أشكال المساعدات الإنسانية بشكل مستمر، وخروج الحالات الحرجة من المصابين بشكل غير مشروط، ودعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة مخططات التهجير الإسرائيلية".
عن القافلة المنتظرة، تقول عزب: "المشاركين كتير جداً، تقريباً ألف مصري ومن مختلف أنحاء العالم. وده رقم ضخم جداً، لأن ده يعني حوالي 20 أتوبيس. ولو حتى نصفهم فقط انضم؛ سيكون 10 أتوبيسات. وبناءً على ما ستسفر عنه الأيام المقبلة من مستجدّات؛ سنرتّب بتحديد أوجه المساهمات وقوائمها، وهل سينقسم الأمر لمجموعتين مثلاً. كل الأمور قيد البحث، لأنها حرب مستمرة".
لم يكن الرقم فقط هو ما أثار حماسة عزب، فعلى المستوى النوعي، أثارت إعجابها مشاركات أخرى بجانب نقابة الصحفيين واللجنة الشعبية لدعم فلسطين المؤسسة منذ عام 2000، إذ تقول "تلقينا مطالب بالانضمام من مؤسسات وجمعيات أهلية من المحافظات- بعضها مجموعات صغيرة- وهذا مهم جداً. كما أعلنت نقابات مهنية ومؤسسات في مختلف الدول العربية أنها ستشارك. فتقريباً لا يوجد بلد عربي إلّا وأرسلت وفداً".
هناك أكثر من 1800 طبيب للجراحات النوعية التخصصية، مثل المخ والأعصاب والتخدير والقلب والصدر والتجميل والأوعية الدموية والعظام، جميعهم متطوعين بشكل رسمي، وتم تشكيل فرق جاهزة ومدربة منهم، تماماً كجنود الاحتياط مستعدين للمشاركة في أي قافلة.
جنود احتياط
منذ بدأ العدوان، والعديد من الجهات على مختلف أنشطتها، سياسية أو نقابية أو أهلية وخيرية، تُطلق مبادرات وقوافل للدعم والإغاثة، مثلما فعل حزبا الدستور والعيش والحرية (تحت التأسيس) أو مؤسسة "أبواب الخير"، وكذلك جامعة الأزهر التي أطلقت عدّة قوافل إغاثية شاركت فيها نقابة الأطباء، وفقاً لما ذكره الدكتور خالد أمين، استشاري جراحات النساء والتوليد، وأمين عام مساعد النقابة، الذي يقول لرصيف22: "طلبوا سيارة أدوية، مثل المضادات الحيوية ومسكنات الآلام وأدوية منع النزيف وغيرها".
التطوع لم يكن مع الأزهر فقط، فعبر لجنة "مصر العطاء" التي يتولى أمين منصّب مُقررها العام، شاركت نقابة الأطباء المصريين ضمن اتحاد النقابات المهنية في دعم غزة، ليس فقط لأن هذه اللجنة نشطة في العمل الخيري منذ عقدين، بل ولدوافع يتشاركها أمين وزملائه "احنا مستعدين للمشاركة في كل وأي حاجة لدعمهم"، وهو ما قد يحقق أحد أهداف "ضمير العالم" التي أكد تطوعه فيها أيضاً، ويتمثل في "مواصلة الضغط لدخول جميع الطواقم الطبية والإغاثية والإنسانية".
بجانب الأدوية، يقول النقابي عن أوجه الدعم الأخرى الممُكنة "عندنا أكتر من 1800 طبيب للجراحات النوعية التخصصية، مثل المخ والأعصاب والتخدير والقلب والصدر والتجميل والأوعية الدموية والعظام، جميعهم متطوعين بشكل رسمي ومسجلين معانا في فورمات النقابة، وشكّلنا بيهم فرق جاهزة ومتدربة، تماماً كجنود الاحتياط. فأي قافلة أو فعالية تبع أي جهة محتاجة أطباء، هم مستعدين للمشاركة".
ولهؤلاء "الجنود" خبراتهم التي يستعرضها أمين بقوله "جزء كبير منهم مساهمون في الهلال الأحمر، وجزء كبير منهم شاركوا في المستشفيات الميدانية ومستشفيات وزارة الصحة الموجودة في سيناء وقدّموا خدمات إسعافية وأجروا عمليات جراحية للمصابين الذين تم نقلهم من غزة إلى سيناء. فهم مُقسّمين لفرق، كل واحدة منها تضم التخصصات المختلفة؛ بحيث تكون قادرة على تقديم مجهود بطاقة تشغيل مستشفى كامل".
وبخصوص الوضع الحالي، يؤكد "من الأمور التي نعمل عليها أن يكون في (ضمير العالم) فرق طبية تدخل غزة إن أمكن وكانت الحالة الأمنية تسمح فيما يخصّ الموافقات. لأن الأطباء مستعدين للتوجه إلى هناك، و[حتى] لو فيه ضرب وحياتهم مهددة؛ فهم متطوعين ومتحملين مسؤولية أمنهم وسلامتهم بشكل كامل، فكل ما نريده هو مساعدة الناس".
لأطفال غزة
مساعدة الناس هدف الجميع، لكن لكل شخص وسيلته. وعند المخرج والحكاء محمد عبد الفتاح سيكون الدعم- حال دخوله غزة- بحكايات وأغنيات يقصّها على الأطفال والكبار. ما جعله بجانب "ضمير العالم"، يحاول بشتّى الطرق التواصل أيضاً مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، وذلك كي يؤدي عمله الذي يعتبر في إطار تخصصها.
يقول عبد الفتاح لرصيف22: "محتاج أسافر في شيء تابع للحكومة المصرية أو يونيسيف، لأني عايز أروح مش لمجرد التضامن. لكن علشان أعمل شغلي مع الأطفال والسيدات، لأني بشتغل على موضوع الصدمات ده كويس جداً". ولتحقيق أمله يحاول الوصول للهيئة الأممية ليخطط معها "الفترة كل ما تزيد؛ هيكون كويس. مش أسبوع ولا اتنين. وهكون مطمئن إني هشتغل كمان مع ناس كبار؛ بحيث يؤدوا دوري لمّا خلاص أسيب المكان".
يتمنى محمد عبد الفتاح السفر، رغم صعوبة الإجراءات وتعثرها، وهو ما يؤكده وضع قافلة "ضمير العالم" المجمدة على الرغم من التأكيدات المتعددة من وزارة الخارجية المصرية بشأن معبر رفح أنه "مفتوح منذ بداية الأزمة، ولم يتم إغلاقه"، رافضة "المزايدة"
وإذا ما وصل لغزة فسيكون متسلّحاً بخبرة لم تأته من فعاليات عربية شارك فيها وحسب، بل ودور لعبه هنا خلال أوقات عصيبة "اشتغلت مع ناس اتعرضوا لصدمات وقت الثورة وبعدها كورونا. ودلوقتي عامل ترتيباتي وبذاكر بحيث استعد للسفر في أي وقت، وهاخد نصايح من طبيبة نفسية معانا في المشروع، ومادة بين حواديت وفيديوهات وأغاني للأطفال، وهخليهم يحكوا ويلعبوا ويمارسوا أنشطة تطمنهم، وهسيب الحاجات دي هناك للكبار بحيث تفكّرهم طول الوقت احنا بنعمل إيه".
لا ينوي عبد الفتاح أن يقصر عمله على الأطفال، وإنما يعد لتدريب الكبار من المتعاملين معهم على فنون الحكي والمسرحة، وكذلك تقديم العود والدعم للسيدات مستنداً إلى خبرة عمله معهن لأكثر من عقدين إذ يمثّلن 85% من المشاركات في مشروعه الفني والثقافي "بيت الحواديت"، ما مكّنه من تفهّم مدى حساسيتهن وكذلك وجنفه، وضع الأطفال، كما يبدو في قوله "الموضوع مرعب جداً بالذات للأطفال المصابين واللي شافوا أهاليهم بيروحوا. ده محتاج شغل طويل".
معوقات حاضرة
يتمنى عبد الفتاح السفر، رغم صعوبة الإجراءات وتعثرها، وهو ما يؤكده وضع قافلة "ضمير العالم" المجمدة على الرغم من التأكيدات المتعددة من وزارة الخارجية المصرية بشأن معبر رفح أنه "مفتوح منذ بداية الأزمة، ولم يتم إغلاقه"، رافضة "المزايدة".
وهو التصريح الذي علّقت عليه عزب، بقولها إنه سبق أن تم الإعلان عن فتح المعبر! لكن الوقود وشاحنات المساعدات تمر إلى غزة بالقطارة "نحن نتحدث عن بلد يعيش في ظلام دامس مع الحرب"، مُستشهدة على الوضع بتصريح مسؤولة في الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر، بأن كل ما دخل غزة "نقطة في بحر الاحتياجات".
وتضيف رشا عزب: "لذا لا بد من دخول الاحتياجات الأساسية ونصب مستشفيات ميدانية، وتلبية مطالب صحافيين ومراسلين من كل دول العالم يريدون الحضور إلى مصر ليمرّوا إلى غزة وينقلوا الأمر الواقع لمؤسساتهم".
يذكر أنه بحسب اتفاقية المعابر الموقعة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، فإن معبر رفح الواصل بين مصر وفلسطين المحتلة، تتمتع إسرائيل (سلطة الاحتلال) بحق الاعتراض على من يمر فيه حتى من غير الفلسطينيين
ضمانات غائبة
عن ضمانات وصول تلك المواد إلى القطاع، تقول الصحافية التي سبق أن زارت غزة ثلاث مرّات كما شاركت في قوافل بعضها توقف في سيناء "تُسأل في هذا الأمر الجهات المصرية. فدورنا جمع المواد الإغاثية، ومحاولة لكسر حصار، ربما تحاول الدولة الاستفادة منها [القافلة] بالضغط على الاحتلال".
ومن المواد الإغاثية، فيما يخص الجانب الطبي، يقول الطبيب خالد أمين، إنه فيما يخصّ القوافل المختلفة بما فيها "ضمير العالم" التي تطّوع بالتنسيق لها مع نقيب الأطباء: "منذ اليوم الأول عقب الإعلان عنها، أعلنّا استقبال الأطباء وجمع أدوية ومستلزمات طبية وجراحية أساسية باتت غائبة عن قطاع غزة".
الضمانات لا تتعلق فقط بالمعونات، بل بحياة المشاركين، وهو ما يواجهه الطبيب بخبرات سابقة منحته طمأنينة "ده طبيعي بالنسبة لنا. أنا عن نفسي اشتغلت قبل كده وقت الحرب الأهلية في الصومال وفي أفريقيا الوسطى. وكتير من زمايلي اشتغلوا في اليمن وعلى الحدود السورية التركية لخدمة النازحين".
ويختتم "نحن لا نعمل في ظروف عادية، وصرنا معتادين ومتطوعين بحياتنا، سواء لدوافع إنسانية لاسيما وأننا نتحدث الآن عن أشقّاء، أو لدوافع تتعلق ببلدنا وأمنها القومي".
الدافع نفسه حاضر لدى المسرحي محمد عبد الفتاح، الذي يقول "التاريخ أثبت أنه بنهاية غزة يحيق الخطر بمصر. فلو لم نتعاطف إنسانياً، فليكن لحماية أنفسنا. أمّا الحياة والموت؛ فقبل أعوام ظهر فيروس قتل الناس داخل بيوتها". مختتماً بالتأكيد على تمسّكه بالسفر رغم قلق أيّ من المحيطين والمقربين، قائلاً "إن شاء الله مفيش حاجة هتحصل، لكن لازم نكون موجودين وندعم".
يذكر أنه بحسب اتفاقية المعابر الموقعة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، فإن معبر رفح الواصل بين مصر وفلسطين المحتلة، تتمتع إسرائيل (سلطة الاحتلال) بحق الاعتراض على من يمر فيه خاصة من غير الفلسطينيين إذ تنص الاتفاقية على أن تبلغ السلطات الفلسطينية والطرف الثالث (مصر) حكومة إسرائيل بأسماء الراغبين في العبور بين الجانبين المصري والفلسطيني ولإسرائيل حق الاعتراض على الاسماء الواردة في القوائم خلال 24 ساعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون