شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ما الذي قدمه جيل التيكتوك ولم يقدمه جيل الراديو للقضية الفلسطينية؟

ما الذي قدمه جيل التيكتوك ولم يقدمه جيل الراديو للقضية الفلسطينية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الأربعاء 20 ديسمبر 202311:10 ص

في الوقت الذي كانت فيه جيوشنا العربية تُهزم في معاركها ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 كانت محطات الإذاعة الرسمية العربية تبث لمواطنيها بشائر النصر القريب.

وبينما كانت هناك كتيبة جيش عربية في مرمى ضربات طيران الاحتلال الإسرائيلي، كان هنالك أب لنا في مرمى سماعة الراديو يستبشر نصراً غير قريب بالمرة.

ليس لأن الإعلام التقليدي كان مضللاً بطبيعته، ولكن المنطق يقول بأنه لا يعقل أن مجموعة من الموظفين والصحافيين لدى مؤسسة إعلامية مملوكة لجهة ما يمكنهم ممارسة الوصاية على الخبر أو تقديم حقيقة خالصة لمجرد امتلاكهم أبراج البث المحلية وبضعة أجهزة.

على الراديو خبر واحد هو النصر

هذا النمط إذا لم يساهم في تضليل الشعوب عن قصد، فإنه على الأقل سيغفل جزءاً كبيراً من الحقيقة، وسيكون منزوعاً من خبرة ورأي ومساهمة الجماهير التي من الممكن أن تدرك شيئاً ما، أو تقدم تحليلاً مجانياً. 

في الوقت الذي كانت فيه الجيوش العربية تُهزم في معاركها ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 كانت الإذاعات الرسمية العربية تبث لمواطنيها بشائر النصر القريب. 

حين كانت إذاعة القاهرة عام 1967 تغطي أحداث الحرب للمستمع العربي كانت إذاعة الـ BBC في لندن تغطيها للمستمع الإنكليزي، ولم يكن من السهل على مستمع افتراضي لكلتا الجهتين أن يُخضع الإذاعتين لمقارنة في أخبارهما، ليقيم مدى صحة كلا الادعاءين، أو لم يكن ذلك مهماً أصلاً، فقد كان هناك مستمع عربي وآخر إنكليزي.

لطالما ساهم الإعلام في صناعة وتوجيه الوعي العام، لكن إذا تطورت أدوات الإعلام وتعقدت فإنه لا بد من أن يتطور الوعي العام أيضاً ويتعقد.

آيفون لا تشترط إدانة حماس على المشتري

الشركات التي باعت هواتفها الذكية لم تشترط على المشترين أن يدينوا حماس بالإرهاب مثلاً كشرط لإتمام الصفقة، ولم تشترط منصات التواصل الاجتماعي على أي من مشتركيها الانتماء لطائفة معينة، فليس هنالك من يستطيع فرض سياسات نشر أو آراء محددة أو وصف حقيقة ما من وجهة نظر معينة على مواطن ما في غزة أو في عمان أو برلين.

ولكن من الممكن أن تحاول هذه المنصات ملاحقة الآراء التي لا تصب في مصلحة أصحابها حسب الظرف الموضوعي، لا بل من الممكن أيضاً أن تحظر هذه الآراء وتعمل على الحد من انتشارها من خلال الخوارزميات الذكية.

إلا أن الجماهير وبشكل طبيعي دائماً ما تجد ضالتها في التعبير والتحايل على القيود ومنها الخوارزميات، وإذا غدت المنصة أكثر تضييقاً وحزماً تجاه آرائهم فسوف يلجأ الجمهور إلى التعبير والنشر على منصات أخرى ذات أجندة أكثر تسامحاً مع الرأي الآخر.

ولأن المنصات كما أسلفنا تعتمد في نجاحها على مشاركة الناس، تجد نقطة ضعفها في انسحابها، ويشكل هذا على ما يبدو الحلقة الضعيفة التي تسللت من خلالها وجهات نظر مختلفة إلى العالم لتشكل الرأي العام العالمي، فأصبح من الصعب أن تشيع رواية واحدة تصف طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

الآراء تتغير بتغير وسائل تداول الخبر

ما يتشكل اليوم في الرأي العام العالمي إذا ما تفحصناه بالأرقام فإن 3761 مظاهرة خرجت حول العالم داعمة ومتضامنة مع الفلسطينيين مقابل 592 مظاهرة فقط حول العالم تدعم وتتضامن مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بين 7 و27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بحسب رويترز. 

لأن المنصات تعتمد في نجاحها على مشاركة الناس، يشكل هذا الأمر الحلقة الضعيفة التي تسللت من خلالها وجهات نظر مختلفة إلى العالم لتشكل الرأي العام العالمي، فأصبح من الصعب -كما السابق- أن تشيع رواية واحدة عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

وعلى مستوى أدق فإن هذه التظاهرات والرأي العالمي العام عموماً يضم تصاعداً لآراء أكثر وضوحاً في معاداة الصهيونية، مثل "منظمة أصوات يهودية من أجل السلام" التي حازت حصة كبيرة في الرأي العام لرفضها بشكل صريح ممارسات حكومة دولة الاحتلال وجرائم التطهير العرقي التي ترتكبها، وأنها لا تمثل اليهود ولا يمكنهم فعل تلك الجرائم باسم اليهود مجدداً.

هنالك تركيز ووعي أكبر على مستوى العالم بأن معاداة الصهيونية هي أمر مختلف عن معادة السامية ولا يجوز الخلط بينهما،  وأيضاً بحث في صحة الأدلة والتقارير التي تصدر عن المؤسسات الإعلامية الداعمة لدولة الاحتلال أو الصادرة عن حكومته  واكتشاف المفبرك منها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وبرمجيات الصوت والصورة المتعددة.

لذا أصبح من الصعب التعتيم على أصوات المعارضة في إسرائيل، لا بل أصبحت مقبولة وأكثر تداولاً، وأصبح الرأي العام مهتماً أكثر في تاريخ الصراع، ونبش التاريخ الاستعماري للولايات المتحدة ودول أوروبا، وراح يتداول آراء من روايات ووجهات نظر مختلفة، وبالقياس على هذا رواج آراء نعوم تشومسكي وإيلان بابيه على سبيل المثال.

مشكلة أجيال وليست مشكلة يمين ويسار

لقد أمسى الرأي العام العالمي اليوم أكثر حساسية ومرونة وأقل أمية منه قبل 100 و50 حتى 20 عاماً، لا سيما أن الجيلين (z) وجيل الألفية الثانية يشكلان ما يقارب (48%) من تعداد السكان حول العالم، وبحسب الدراسات واستطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز أبحاث مثل "Pew research center" وغيرها في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذين الجيلين هما الأكثر قبولاً للتعددية والمساواة بأنواعها، والأكثر مناصرة للتغيير وللقضايا التي يؤمنون بها، وهو ما تم التركيز عليه في تسجيل صوتي مسرب منسوب إلى رئيس رابطة مكافحة التشهير الأمريكية "ADL" جونثان غرينبلت، والذي انتشر بشكل كبير في الأيام الماضية ويصف مشكلة الرأي العام وتراجعه في قضية دعم أمريكا لإسرائيل على أنها ليست مشكلة يمين ويسار إنما هي مشكلة أجيال، وأن لديهم مشكلة حقيقية مع جيل "التيكتوك" كما وصفه.

يتخلل كل مرحلة تاريخية أناس تاريخيون يعيشون ويحركون هذه اللحظة، لكن جيل "التيكتوك" اليوم يفرض معادلة تاريخية جديدة، فهو يرى العالم من خلال موقفه الفردي ويبحث عن حقيقة وإيمان يتسق مع حالته الشعورية ولا يتسق بالضرورة مع تاريخ أجداده وأبناء عرقه أو مشروع أيدولوجي انتمى له بمحض المصادفة. 

صحيح أن جيل الشباب مفتون بمظاهر الثقافة الغربية، بل ويرى في الإنكليزية ميزة على لغته الأم، ولكنه أقل تأثراً بأصول الثقافة الاستشراقية، وهذه نقطة تصنع كل الفرق. 

فجيل "التيكتوك" مطلوب منه أن يتخذ موقفاً من كل القضايا العالمية بناء على ضميره، لذا نجده يأخذ موقفاً من قضايا البيئة بينما يواجه صراعاً مع وحش البطالة وانعكاساته مثلاً، ونجده مهتماً بسباق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو لا يعرف اسم رئيس البلدية في مدينته.

صحيح أنه جيل مفتون بمظاهر الثقافة الغربية، ويمارسها في حياته اليومية التي تؤثر كل التأثير في اختياراته المختلفة باللباس والطعام والذوق الموسيقي والعادات الاجتماعية، لا بل إنه يرى في اللغة الإنكليزية ميزة على لغته الأم، ولكنه أيضاً أقل تأثراً بأصول هذه الثقافة الاستشراقية التي تعاملت على مدار عقود من الزمن مع الشرق على أنه أكثر تخلفاً وأقل قيمة من الغرب المركزي بطبيعته.

فالثقافة التي بنيت على أساس تفوقي وأثرت على عقول الشرق والغرب على حد سواء بدأت تنفي نفسها، لأن الجميع في العالم من كل اتجاهات البوصلة يستطيعون أن يأخذوا موقفاً من قضايا عالمية مثل "التغير المناخي"، ويتواصلوا بلغة واحدة افتراضياً أو وجاهياً، مما يساهم في إذابة الصور النمطية عن الشرق في عقل الغرب وعن الغرب في عقل الشرق. 

في تسجيل صوتي مسرّب منسوب إلى رئيس رابطة مكافحة التشهير الأمريكية، يصف مشكلة الرأي العام وتراجعه في قضية دعم أمريكا لإسرائيل على أنها ليست مشكلة يمين ويسار إنما هي مشكلة أجيال، وأن لديهم مشكلة حقيقية مع جيل "التيكتوك" كما وصفه.

إن القضية الفلسطينية بطبيعتها التاريخية وعلى المستوى الإنساني بالدرجة الأولى هي قضية عادلة، وإن القدر أتاح لنا الفرصة من خلال كل هذا التغير في العالم وكل هذه القنوات أن نعبر عنها مجدداً، وأن نحاول لمس وجدان كل إنسان في كل العالم ليرى جراحنا، ولذا نجد اليوم أصواتاً تناصر حقوقنا وتبكي دماءنا في الكثير من العواصم، وبدأت بعض المواقف الرسمية تتغير بوصلتها شيئاً فشيئاً، وأخرى تتجرأ على الحديث عن ازدواجية معايير الأنظمة بين قضية أوكرانيا والقضية الفلسطينية. لم يعد الأمر مسألة من مسائل الشرق كما يعتبرها العالم بعد الآن إنما هي مسألة إنسانية لا بد أن تنتصر لها الشعوب في يوم ما حتى يعيش العالم بسلام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image