شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
شركات عالمية استخدمت الحرب على غزّة لرفع مبيعاتها

شركات عالمية استخدمت الحرب على غزّة لرفع مبيعاتها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ذكرت دراسة أجرتها جامعة جنوب كاليفورنيا تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أن الفرد الواحد كان يتعرّض في سبعينيات القرن الماضي، لما يقارب الـ500 إعلان تجاري يومياً، أما في 2023 فهو يتعرّض لما يقارب الـ5000، ما يعني عشرة أضعاف. هذا ما يجعل تذكر إعلان ما أمراً بالغ الصعوبة، للمُنتِج وللمُستهلك على حد سواء.

الإعلانات الجدلية

لحل هذه المشكلة، ظهرت مجموعة متنوعة من الحملات الدعائية في السبعينيات والثمانينيات، تحت مسمى "Controversial Advertisement" أي الإعلانات الجدلية، التي تستفزّ، بشكل إبداعي ومتجدّد، عواطف المشاهد أكثر من تفكيره العقلاني أو النقدي. محققة بذلك ما تطمح إليه أي شركة، وهو التأثير، إيجابياً كان أم سلبياً، جاعلةً تذكرها أمراً بالغ السهولة.

من أنواع الإعلانات التجارية المثيرة للجدل، والتي عملت على ترك إنطباع قوي لدى المستهلك، هي "إعلانات الصدمة"، حيث تقوم هذه الإعلانات باستخدام متعمّد لصور أو رسائل أو أفعال مثيرة للجدل وغير متوقعة، بهدف استحضار استجابات عاطفية قوية من قِبل فئة من الجمهور، مولدةً ضجة ذات انطباعات وتحليلات وحوارات انفعالية، كفيلة بأن تسلط الضوء الإعلامي على هذه العلامة التجارية في النهاية. 

كان الفرد يتعرّض في السبعينيات لما يقارب الـ500 إعلان يومياً، أما في 2023 فيتعرّض لما يقارب الـ5000، ما يجعل تذكر إعلان ما أمراً بالغ الصعوبة، وهو الذي دفع الشركات للتوجه إلى استراتيجية "إعلانات الصدمة" لترك أثر انفعالي يحفظ الذاكرة 

لكن الحملات الدعائية المثيرة للجدل تأتي ضمن شروط رئيسية، أهمها أن تواكب المشاعر السائدة، من خلال التعاطف أو الشجب أو السخرية من هذه العواطف. كما أنها قد تستخدم إحدى الشخصيات أو المواضيع المثيرة للجدل في إعلانها أيضاً، بعد إدراك كيفية فهم الجمهور لهذا الاستخدام.

يعتبر تهميش فئة معينة من المجتمع، أو التركيز عليه دون غيره، لإثبات موقف للشركة من قضايا مجتمعية، أمراً مهماً، فهو يحدّد فئتك المستهدفة، ويسلّط الضوء عليها، والأهم من بين هذه الشروط هو الاستجابة بشكل مناسب للانتقادات، كأن تقوم، وخلال ساعات قليلة بعد إطلاق حملتك الدعائية، بتقييم استجابة الجمهور لإعلانك، وانسحابك في الوقت المناسب، مُصدراً اعتذاراً يحمل درجة عالية من المصداقية للجمهور لإقناعهم بندمك على الضرر غير المقصود.

أمثلة عن إعلانات الصدمة والسقوط الأخلاقي

بعد أحداث طوفان الأقصى، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، تعمّدت بعض العلامات التجارية استخدام أنواع استفزازية من الإعلانات التجارية الصادمة، جاعلةً مشاعر كثير من الجماهير المتعاطفة مع القضية الفلسطينية تثور بشكل بالغ.

وكدراسة لحالات مشابهة سابقة، نذكر حملة "H&M" الدعائية التي أطلقت في آذار/ مارس 2018، والتي قامت فيها الشركة باستخدام طفل غامق البشرة لارتداء جاكيت كتب عليه "Coolest Monkey in the Jungle". 

قامت ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، متهمةً الشركة بالعنصرية وامتهان الجماهير ذات البشرة الغامقة، وقد زعمت الشركة بتصريح رسمي لها أن هذا التأثير غير مقصود، مصرحة أنها كانت تفتقر إلى الوعي، وأنه خطأ كبير. 

رغم حملتها الدعائية التي اتهمت بها بالعنصرية تجاه ذوي البشرة السوداء زادت أرباح شركة "H&M"، وكذلك الحال مع شركة هاينكن التي ارتفعت إيرادتها بعد حملتها التي أثارت الغضب.  

ورغم حملات المقاطعة والغضب الشعبي إلا أن أرباح "H&M" لم تتأثر عالمياً، بل حققت زيادة من 19.63 مليار دولار في 2017 إلى 20.65 في 2018، و22.84 في 2019.

يبدو أن الحملة قد نجحت في جذب الانتباه للعلامة التجارية، وإن كانت قد فشلت اجتماعياً أو أخلاقياً.

حدث أمر مماثل مع الشركة الهولندية لصنع البيرة "Heineken" في إعلان "أخف فهو أفضل" عام 2018. يُظهر الإعلان رجلاً يُنزل زجاجة من Heineken light على طول البار، يتخطى العديد من الأشخاص من ذوي البشرة الغامقة، حتى يصل إلى امرأة ذات بشرة بيضاء. ثم يظهر شعار "أحياناً الأخف أفضل"، وينتهي الإعلان هنا.

اعتبر الجمهور الإعلان عنصرياً بشكل كبير، لكن الحملة الدعائية أيضاً حققت نسبة مشاهدات عالية، ولم تسجل خسائر تذكر في نهاية العام، فقد انتقلت نسبة مبيعاتها من 24.74 مليار دولار في 2017، إلى 26.53 في 2018، و26.84 في 2019.

تَعرف هذه الشركات جيداً أن قوة الإعلان يكمن في مدى مشاركته وتناقله بين الأشخاص، ما يعود، وإن على مدى أبعد من حملة دعائية واحدة، بالنفع على هذه الشركات وتوسع انتشارها.

مارك آند سبنسر والدعم الاقتصادي لإسرائيل 

لحملات "Marks and Spencer" الدعائية قصة أعمق، إذ يمكن القول إن هذا الإعلان هو حبة الفريز على قالب الجاتو لعلاقة هذه الشركة القديمة مع الصهيونية.

وجدت الجماهير المتعاطفة مع القضية الفلسطينية إعلان "Marks and Spencer" لاحتفالات عيد الميلاد 2023 مهيناً ووحشياً. كان المقطع يُظهر قبعات تحمل ألوان العلم الفلسطيني، يتم إلقاؤها في الموقد وإحراقها، بينما تراقب مشهد الاحتراق، بانتشاء بالغ، امرأة تضع ظلال عيون بلون العلم الإسرائيلي الأزرق.

اعتذرت الشركة عن الإعلان، وقامت بالتراجع عنه، مدعية أنه قد تم تصويره في أغسطس، أي قبل العدوان على غزة.

عن هذه العلاقة القديمة بين "Marks and Spencer" والصهيونية، نجد أن اللورد سيف، مؤسس M&S، ذكر عام 1941 في صحيفة Jewish Chronicle البريطانية: "ينبغي نقل أعداد كبيرة من السكان العرب في فلسطين إلى العراق ودول عربية أخرى في الشرق الأوسط"، مؤيداً بذلك خطة التهجير القسري للسكان الأصليين في فلسطين. 

وجدت الجماهير المتعاطفة مع القضية الفلسطينية إعلان "Marks and Spencer" لاحتفالات عيد الميلاد 2023 مهيناً، كان المقطع يُظهر قبعات تحمل ألوان العلم الفلسطيني، يتم إلقاؤها في الموقد، بينما تراقب الاحتراق امرأة تضع ظلال عيون بلون العلم الإسرائيلي

وفي كتابه "On Management: The Marks and Spencer Way" الصادر عام 1990: "إن أحد الأهداف الأساسية لشركة M&S هو دعم التنمية الاقتصادية لإسرائيل".

بينما تسلم السير ريتشارد جرينبيري، الرئيس التنفيذي للشركة عام 1998، جائزة اليوبيل لدولة إسرائيل، من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو، وهو أعلى تكريم يمكن أن يحصل عليه الأفراد أو الجماعات التي تقوم بالدعم المباشر لاقتصاد إسرائيل.

وقد ذكر تقرير صادر من صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عام 2000، أن "Marks and Spencer"  تدعم إسرائيل سنوياً بمبلغ قيمته 233 مليون دولار.

وصرحت الشركة أنها تقوم بشراء كميات كبيرة من الملابس الداخلية لشركة "Delta Galil" الإسرائيلية، وشركات أخرى مثل "Solog Polga" التي تُنتَج غالبيتها من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، وبذلك نجد أن سياسة الشركة من القضية الفلسطينية الإسرائيلية لم تتغير منذ تأسيسها حتى اليوم. 

زارا... وإعلانات الموت 

وكذلك فعلت شركة "Inditex" بحملتها الشهيرة لكانون الأول/ ديسمبر 2023، وهي التابعة لمجموعة "Zara"، والتي تضم "Bershka، Lefties، Massimo Dutti، Oysho، Pull&Bear، Stradivarius،Uterqüe".

قامت الشركة بإطلاق حملة دعائية لديسمبر 2023، تُظهر عارضيها متشحين بأزياء سوداء، ضمن منازل بيضاء مدمرة بالكامل، وعدد من الجثث الملفوفة بالأكفان على الطريقة الإسلامية.

وكما حدث لسابقتها، اعتذرت Zara وسحبت إعلانها، وقالت أنها لم تعن أن تسخر مما يكابده الشعب الفلسطيني.

لكن بالنظر أعمق قليلاً، وبالرجوع إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قام حامل امتياز شركة Inditex في إسرائيل، جوي شويبل، باستضافة جلسة نقاشية للسياسي القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، لدعم حملته الانتخابية. الحملة التي نتج عنها أن أصبح بن غفير وزيراً للأمن القومي الإسرائيلي منذ ديسمبر 2022. 

بن غفير، "أبو الفصل العنصري" كما لقبته العديد من الصحف، هو صاحب الأفكار الداعية علناً لإبادة الفلسطينين، وقد شارك في اقتحامات مع مستوطنين للمسجد الأقصى، وفي اقتحام مسلح في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، كما شارك شخصياً في عدة تصادمات عنيفة مع الفلسطينيين، منها مظاهرات ضد وقف إطلاق النار في غزة عام 2014. 

أطلقت زارا حملة دعائية في كانون الأول/ ديسمبر 2023، تُظهر عارضيها متشحين بأزياء سوداء، ضمن منازل مدمرة، وعدد من الجثث الملفوفة بالأكفان على الطريقة الإسلامية.

وكما حدث لسابقتها، اعتذرت Zara وسحبت إعلانها، وقالت إنها لم تقصد أن تسخر مما يكابده الشعب الفلسطيني، لا سيما بعد حملة المقاطعة العربية. 

نذكر لفينيسا بيريلمان، مصممة Zara الرئيسية، جدالها المعادي للفلسطينين الذي خاضته مع عارض الأزياء الفلسطيني المقدسي قاهر حرحش، في أعقاب حرب غزة 2021.

كتبت بيريلمان لحرحش في رسالة مباشرة على منصة إنستغرام: "ربما إن كان شعبك متعلماً لن يفجروا المستشفيات والمدارس التي ساعدت إسرائيل في دفع ثمنها في غزة". وأضافت: "الناس في صناعتي يعرفون الحقيقة حول إسرائيل وفلسطين، ولن أتوقف أبداً عن الدفاع عن إسرائيل، وأشخاص مثلك يأتون ويذهبون في النهاية. الإسرائيليون لا يعلمون الأطفال كيف يكرهون أو يرمون بالحجارة على الجنود كما يفعل شعبك". 

ورغم إنكار إدارة Zara لخطاب الكراهية، إلا أنها لم توقع بأية عقوبات على المصممة بيريلمان كما يحدث عادةً.

الحملات الدعائية قد تصبح سلاحاً تحمله شركات تجارية عالمية توجه فوهتها لصيدها الذي سيغذي انتشارها وهيمنتها وسطوتها، لذا ربما علينا أن تفكر فقط بألا نكون الفريسة، وبأن نقطع ذراع البندقية. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard