شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
يوميات من غزّة (20)...

يوميات من غزّة (20)... "ضحك البائع وقال لي: الله لا يجيب حرب"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والمشرّدون

الأحد 17 ديسمبر 202302:45 م
Read in English:

Memoirs from Gaza: Dreams in wartime

أحلم كل يوم تقريباً بأنني أحتضن أمي حضناً طويلاً، وأن الحجّة تمسّد براحة يديها الطاهرتين على رأسي، وتحكي لي قصصاً طويلة وطويلة جداً، بينما أنصتْ لها وتلمع عيناي كطفل.

فقدت الاتصال بأمي صبيحة يوم انتهاء الهدنة الإنسانية، ولا أعلم عنها شيئاً، لكنني على سبيل الأمل أرسل يومياً لها رسائل صوتية على الـ"واتسأب"، أطمئنها بها على نفسي -أصغر أبنائها-، وعلى أحفادها –أطفالي-، الذين تحبهم جداً، وأوصيها بأن تأخذ أدويتها في مواعيدها، وبأن تعتني بنفسها إلى حين نلتقي من جديد.

وكل صباح أتفقد حسابي لعلها ترد، فلا ترد.

أحلامي في الحرب

الحلم الأول

حلمت بأن جميع الأطفال ضحايا الحرب عادوا لأحضان أمهاتهم، وأن الأخبار عن سقوطهم لم تكن إلا مزحة سَمجة من قناة الجزيرة.

حلمت بأنني أدخل بقالة صغيرة وأسأل البائع: "هل عندك سُكر وملح وطحين و و و...؟"، فيبتسم الرجل لي، ويجيب ساخراً: "طبعاً فيه وليش بدها تنقطع؟" فَيسرُني جوابه، وأعود لسؤاله مرة أخرى: "هل ما زالت السلع بأسعارها الطبيعية قبل الحرب؟" فيضحك البائع ويسألني: "أي حرب يا رجل ،الله لا يجيب حروب". فأشتري كل ما تحتاجه أسرتي ثم أعود البيت ،فلا يصدق أطفالي ما أحضرت لهم.

الحلم الثاني 

حلمت بأنني أتناول قطعة من بسكويت "أوريو" ذات الغلاف الأزرق، مع قهوة بالهيل قبل ذهابي إلى عملي صباحاً. قصصت هذا الحلم على صديقي الطبيب استشاري أمراض الباطنة في غزة، فضحك وأوصاني بعدم النوم لأن أحلامي مستحيلة.

أحلم كل يوم أن الحجّة تمسّد على رأسي، وتحكي لي قصصاً طويلة... فقدت الاتصال بأمي صبيحة انتهاء الهدنة الإنسانية، أرسل لها يومياً رسائل صوتية على الـ"واتسأب"، وكل صباح أتفقد حسابي لعلها ترد، فلا ترد 

الحلم الثالث

حلمت بأنني أنام على سريري في غرفة نومي داخل بيتي.

فمنذ بدأت الحرب وأنا أنام على فراش أرضي، ومنذ تم تدمير بيتي لم أنم ليلة على سرير.

الحلم الرابع

في قاعة كبيرة في مدينة عربية أظنها القاهرة أو في الجزائر أو المغرب وربما تكون عمان، أقف على منصة وأقرأ للناس قصصاً من كتابي الجديد، فيبكي الجمهور ثم يصفق.

الحلم الخامس

حلمت بأنني أسقي وردة الجوري الحمراء على شباكي بماء من حنفية موجودة في بيتي.

الحلم السادس

حلمت بأنني أجلس على كرسيي، وأكتب على مكتبي، كما كنت أفعل قبل الحرب، فأحتاج لكتاب لأستدل منه على شيء ما، وأمد يدي إلى أحد الرفوف بكل يسر وآخذه سريعاً دون أي جهد.

حلمت حلماً بسيطاً في الحرب... بأنني أسقي وردة الجوري الحمراء على شباك منزلي بماء من حنفية موجودة في بيتي. 

الحلم السابع

حلمت بأنني أتسكع أنا وأطفالي على شاطىء البحر دون خوف.

الحلم الثامن 

حلمت بأنني أنام ليلة كاملة دون أن أسمع أصوات الطائرات، أو يفزعني صوت انفجار متبوعاً بأصوات الإسعافات.

عندما حلمت هذا الحلم، استيقظتُ مفزوعاً على صوت انفجار هز الحي ،تبع الصوت الضخم دوي صافرات الإسعاف، وبعدها علمتُ أنه راح ضحية القصف 30 شخصاً من عائلة واحدة.

الحلم التاسع

حلمت بأنني أسقي وردة الجوري الحمراء على شباكي بماء من حنفية موجودة في بيتي، كنت أراها بوضوح في الحلم.

قبل شهر من الآن، كنت قد اضطررت لشراء أدوية وقطرات عيون لي ولزوجتي لما أصاب أعيننا من أذى نتيجة دخان الحطب، هذا قبل أن نعتد على الدموع خلال محاولات إشعال النار، ويصير الأمر روتيناً طبيعاً كل يوم، ونتوقف عن التقطير وتناول الأدوية.

الحلم العاشر

حلمت بأنني أسير في طريق طويل، ولا أرى خيمة واحدة، ثم أتساءل في نفسي أين ذهب النازحون؟ فأعرف أن الحرب قد انتهت، وعاد الناس إلى بيوتهم.

فأركض وأحمل البشرى لأسرتي .

المعذرة... فقد قطع هذا الحلم قصف عنيف في أحياء مجاورة، وحمل الصباح معه مئات الأسر النازحة، ونصبت عشرات الخيم الجديدة.

الحلم الحادي عشر 

أركض إلى البحر وأسمع الموسيقى دون أن أخاف أن ثمة خطراً يمنعني من القيام بذلك.

الحلم الثاني عشر

أحلم بأن طفلتي تستطيع الذهاب إلى الحمام ليلاً بسهولة، دون أن توقظني لأبدد خوفها من الظلام بضوء الكشاف الذي يهزه ضعف البطارية. 

حلمت بأنني أسير في طريق طويل، ولا أرى خيمة واحدة، فأعرف أن الحرب قد انتهت، وعاد الناس إلى بيوتهم... لكن قطع هذا الحلم قصف عنيف في أحياء مجاورة، وحمل الصباح معه مئات الأسر النازحة والخيم الجديدة 

أما عن كوابيسي تحت الحرب

أنني أنادي في الصحراء وأستغيث فلا يسمعني أحد.

أن النار تأكل كتبي.

أن أفقد أوراقي التي أكتب عليها روايتي الجديدة.

أن تستمر الحرب يوماً آخر.

أن لا يسمعنا أحد، وأن نظل وحيدين على هذه المقصلة حتى يسكت صوتنا إلى الأبد. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

لعلّ تعريفنا شعوباً ناطقةً بالعربية لم يعد يستقيم من دون الانتباه إلى أننا صرنا شعوباً متفلّتةً من الجغرافيا. الحروب الدائرة في منطقتنا والنزاعات الأهلية والقمع، حوّلتنا إلى مشردين، بين لاجئين ونازحين، وأي تفكير في مستقبلنا لم يعد ممكناً من دون متابعة تفاصيل حياة الجميع، أينما كانوا، وهو ما نحرص عليه في رصيف22. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard