شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
المقاطعة كموقف شخصي، لا من أجل تغيير العالم

المقاطعة كموقف شخصي، لا من أجل تغيير العالم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات الشخصية

الأربعاء 22 نوفمبر 202311:43 ص

المقاطعة كموقف شخصي، لا من أجل تغيير العالم

استمع-ـي إلى المقال هنا
Read in English:

My boycott is personal, not for the purpose of changing the world

في كلّ مرة يحدث أن يغضب البعض من شيء ما، تبرز فكرة المقاطعة، وكالعادة أيضاً، تتضارب الآراء حول جدواها الاقتصادية، بين محتفل بقدرة مقاطعته على إحداث تغيير مطلوب وبين محذّر من مغبات اقتصادية تضرب المقاطعين أنفسهم.

وهنا يقف المقاطِع مثلي، والذي هو ليس بخبير اقتصادي، حائراً: هل يُكمِل ما بدأه بنية إحداث التغيير المزعوم، أم يتوقف كي لا يغلق الباب الاقتصادي المهترئ أصلاً على إصبعه؟

لماذا أقاطع؟

شخصياً أرى المقاطعة من زاويتين، الأولى هي زاوية الجميع الذين يتوقعون بأن مقاطعتهم قد تُغضِب أصحاب الشركات العالمية الكبرى، والذين ربما بدورهم قد يضغطون على حكوماتهم من أجل إصدار قرار يُرضي مقاطعي منتجهم، وبالتالي توقف خسائرهم كبرت أو صغرت، والزاوية الثانية هي شخصية للغاية، موقف أو عدّة مواقف شخصية، اعتدت اتخاذها دون النظر لمدى تأثير مقاطعتي تماماً، فالأمر بالنسبة لي أنه لو كان هناك شخص ما يعيث في الأرض فساداً، لمَ سأرتضي أن أتعامل معه في الأساس؟ المقاطعة أو القطيعة هنا لا تعني بالضرورة خطة تستلزم الترويج لها أو حتى الإفصاح عنها، هي مجرد رفض للتعامل مع شخص أو عدة أشخاص سيئين.

يُحكى أنه أثناء حرب فيتنام، وقف رجل وحيداً يحمل شمعة أمام البيت الأبيض تضامناً مع الشعب الفيتنامي واحتجاجاً على الحرب، اقترب منه صحفي وسأله: "هل تظن أن احتجاجك بمفردك سيغير أي شيء؟"، فرد الرجل: "من قال أنني أحتج لتغيير أي شيء؟ أنا أحتج لكيلا أتغير، لكي أُحافظ على احترامي لأفكاري وإنسانيتي"

مع مرور الوقت، أصبحت الزاوية الثانية الشخصية هي المسيطر الوحيد على قرار مقاطعاتي، قد يصدف أن تتوافق مع اتجاه عام بالطبع، لكن ذلك لا يُشكّل معياراً لي في الحكم على سلوكي الخاص تجاه رجل أعمال أو شركة، المعيار الوحيد بالنسبة لي هو إجابة سؤال: "هل يستحق هذا الرجل أن تربطني أي علاقة منفعة به؟".

مقاطعات صغيرة ورفض لمقاطعات كبيرة

بناءً على السابق ستجد أنه يرافقني لائحة أسميتها "لائحة المقاطعات الشخصية الصغيرة"، حفظتها وواصلت تنفيذها بلا انقطاع، لا يؤثر فيها الرأي العام إطلاقاً ولا تخضع لموجات "التريند"، فمثلاً، ما زلت مقاطعاً لسلسة مطاعم  كشري شهيرة في مصر، والتي مرّ على إطلاق بعض الناس لحملة مقاطعتها أكثر من سنة ونصف، على خلفية رفضهم فتح صالتهم لتقديم الطعام لسيدة مسيحية وطفلتها في نهار رمضان، وخيّروها بين أن تأخد طعامها "تيك أواي" أو أن ترحل بدونه، أي أنهم لم يسمحوا لها بالبقاء وتناول الطعام داخل المطعم.

في الواقع أظن أني الوحيد الذي ما زال يتذكر ذلك ويقاطع بالفعل، وأتذكّر أني مازحت صديقاً مسيحياً أراد أن نتناول بعض الطعام باقتراحي أن نذهب لمطعم الكشري هذا، فوجدته يقول لي حسناً لنذهب، فوجئت أنه لم يرفض، وعندما ذكّرته بالأمر تعجب أني لا زلت مقاطعاً بعد كل تلك المدة.

استمرت مقاطعتي لأن المطعم لم يعتذر أو يتخذ إجراء مع المسؤول عن رفض تقديم الطعام للسيدة المسيحية، وفي غالب الأمر قرّر أصحاب المطعم اللعب على وتر النسيان، نجحت خطتهم في العموم لكنها فشلت معي.

هناك أيضاً مقهى شهير في منطقة وسط البلد، عُرِف عن صاحبه أنه يقوم ببعض أعمال البلطجة ضد المعارضين السياسيين للنظام الحالي، ما يُطلق عليه تندراً "مواطن شريف" من المواطنين الشرفاء الذين يتطوعون للقيام بالأعمال القذرة بدلاً من المؤسسات الرسمية، بمجرّد أن عرفت تلك المعلومة رفضت أن أكرّر زيارتي له، بالطبع لن ينقصه عشرين جنيهاً ثمن قهوتي، لكن سينقصني أنا الكثير إذا شربتها عنده.

بالإضافة لذلك، امتلأت لائحتي الشخصية للمقاطعة بشخصيات وكيانات متناهية الصغر، مقارنة بالمتعارف عليه في لوائح المقاطعات، فعلى سبيل المثال، كنت قد اتخذت قراراً منذ زمن بعدم التعامل مع المحلات التجارية التي تُعلِن عن افتتاحها بحفلات ليلية مزعجة لا تراعي الجيران، وهكذا تتنوّع لائحتي في حجم الأسباب أيضاً بين كبيرة وعالمية، وأخرى في محيط الشارع الذي أسكن فيه.

من ناحية أخرى، رفضت أن أقاطع المنتجات الفرنسية عقب إطلاق حملة ضدها نصرة للنبي محمد، ذلك الحدث الذي بدأ بقيام متطرّف بقتل مدرس فرنسي لأنه عرض رسم كاريكاتير يجسّد فيه النبي، وبغض النظر عن محتوى الرسم، فبالطبع لن أتفهّم سلب حياة أحدهم لسبب تافه مثل هذا، ونتيجة لموقفي الشخصي من الواقعة، أصبحت على الجانب الآخر المعاكس للمقاطعة العامة حينها، يمكن القول بأنني قد قاطعت المقاطعة نفسها.

المرة الأولى التي اختبرت فيها هذا المبدأ، أن أقاطع بدافع شخصي أولاً، كانت منذ أسبوع فقط، فقد وقعت في حيرة اختيار نوع سجائري، أجنبية أو محلية، قراري بالنسبة للمنتجات الأجنبية كان يتوافق تلك المرة مع الجو العام بالمقاطعة، لكني، وعلى مستوى شخصي، كنت قد قرّرت مقاطعة  شركة دخان مصرية شهيرة من فترة، لأنني ضقت ذرعاً بتلاعبها في الأسواق وتسببها في إخفاء سجائرها والبدائل عن قصد، من أجل زيادة تخطت ال 100% في الأسعار.

الأمر بالنسبة لي أنه لو كان هناك شخص ما يعيث في الأرض فساداً، لمَ سأرتضي أن أتعامل معه في الأساس؟ المقاطعة أو القطيعة هنا لا تعني بالضرورة خطة تستلزم الترويج لها أو حتى الإفصاح عنها، هي مجرّد رفض للتعامل مع شخص، أو عدة أشخاص سيئين

 كانت هذه قراءتي لما حدث، على كل حال احترت هل أستمر في مقاطعتي الشخصية للسجائر المحلية وأستثني الأجنبية من المقاطعة العامة، أم أعلق مقاطعتي الشخصية لمرة؟ حتى الآن ربح خيار الاستمرار في المقاطعة الشخصية، لأنني اعتبرت خلافي مع  شركة الدخان هذه شخصياً ممتداً، لكن خلافي مع البضائع الأجنبية عام سينتهي بمجرد الوصول للهدف الحالي من ممارسة الضغط الاقتصادي على حكومات الغرب.

أقاطع لأجلي لا من أجل العالم

أن أعيش برفقة لائحة مقاطعات شخصية يعني أني مطالب طوال الوقت بتفسير ما الذي أهدف إليه من عدم جلوسي على ذلك المقهى بالتحديد، أو سرّ عدم تفاعلي مع ميم ساخر عادي لصفحة اعتادت تقديم محتوى عنصرياً فقاطعتها، أو أن يسخر أحدهم من مقاطعتي وحيداً لشركة سجائر عملاقة وكأن مقاطعتي ستؤلمهم، وببساطة فإن الإجابة دائماً أني أقاطع لأجلي لا من أجل العالم.

يُحكى أنه أثناء حرب فيتنام، وقف رجل وحيداً يحمل شمعة أمام البيت الأبيض تضامناً مع الشعب الفيتنامي واحتجاجاً على الحرب، اقترب منه صحفي وسأله: "هل تظن أن احتجاجك بمفردك سيغير أي شيء؟"، فرد الرجل: "من قال أنني أحتج لتغيير أي شيء؟ أنا أحتج لكيلا أتغير، لكي أُحافظ على احترامي لأفكاري وإنسانيتي".

تلك الحكاية تختصر رؤيتي لعديد الأشياء من بينها سلاح المقاطعة، لا أقاطع لأجل تغيير العالم، لكني أقاطع حتى لا يتغير الشيء الجيد في داخلي نحو العالم، وإذا تغير العالم في نفس الوقت فأهلاً به، وإن لم يحدث ذلك فسأكون هذا الذي يقولون عنه ربح نفسه، بغض النظر عن مكسب وخسارة العالم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image